الإثنين 16 / جمادى الأولى / 1446 - 18 / نوفمبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في باب الكرم والجود (8-8)
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو القعدة / ١٤٢٩
التحميل: 1386
مرات الإستماع: 3101

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "الكرم والجود والإنفاق والبذل" مما جاء في ذلك أنه أُحصي ما أنفق ظهير الدين الوزير العادل على يد كاتب له فبلغ أكثر من مائة ألف دينار، وهذا الكاتب يقول: كنت واحدًا من عشرة يتولون صدقاته[1].

وكان الحسن بن الحسين بزّازاً، وكانت أمراء المصريين من أهل القصر يشترون من عنده، وكان يتصدق بثلث مكسبه[2].

وكان الوزير الصاحب محمد بن علي يرسل في العام إلى الحرمين ما يكفي الفقراء، وواسى الناس في قحط حتى افتقر، وباع بعض ما عنده، وأجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم، وأنشأ مدرسة في المدينة[3].

يقول عبد القادر الجيلاني -رحمه الله: "فتشت الأعمال كلها فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع، كفِّي مثقوبة لا تضبط شيئاً، يعني لا أستطيع أن أدخر وأجمع المال، يقول: لو جاءني ألف دينار لم أُبيّتها، وكان إذا جاءه أحد بذهب يقول: ضعه تحت السجادة"[4].

 وكان أبو العلاء الهمداني يُفتح عليه من الدنيا شيء كثير فلم يدخر ذلك بل ينفقه على تلامذته[5].

وأيضاً هذا الوزير عضد الدين بعث إلى أبي الحسن على بن أحمد الهاشمي بألف دينار فعلم المستضيء فبعث بألف أخرى، فبعثت أم الخليفة بألف أخرى، فما تصرف فيها بل بنى بها مسجداً واشترى كتباً وقَفَها فانتفع بها الناس[6].

وهكذا أيضاً صاحب المغرب يعقوب بن يوسف القيسي كان في غاية الكرم وكان يجمع الزكاة ويفرقها بنفسه، وعمل مكتباً للأيتام فيه نحو ألف صبي، وعشرة معلمين، فرّق في عيدٍ نيفًا وسبعين ألف شاة[7].

وأما الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي -رحمه الله- الإمام المعروف فكان سخيًّا جواداً لا يدخر ديناراً ولا درهماً، مهما حصل أخرجه، وكان يخرج في الليل بالدقيق إلى بيوت الفقراء متنكراً في الظلمة، فيعطيهم ولا يُعرف، وكان تأتيه الثياب فيعطي الناس وثوبه مرقع[8].

ويقول بدر بن محمد الجزري: "ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ -يعني عبد الغني المقدسي- كنت أستدين    يعني: لأطعم به الفقراء، فبقي لرجل عندي ثمانية وتسعون درهماً، فلما تهيأ أتيت الرجل فقلت: كم لك؟ قال: مالي عندك شيء، قلت: من أوفاه؟ قال: قد أَوفَى عنك أو أُوفِي عنك، فكان وفّاه الحافظ وأمره أن يكتم ذلك عليه"[9].

وبعث الأفضل بن صلاح الدين إلى الحافظ -يعني عبد الغني- بنفقة وقمح كثير ففرقه كله، وأُهدي إلى بيته ثمار مشمش، فكانوا يفرقون فقال: فرقوا لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، يقول لأهله[10].

وكان صاحب إرْبِل السلطان مظفر الدين محبًّا للصدقة له كل يوم قناطير خبز يفقرها ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم دينارًا ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمْنَى والأضرّاء، يعني مستشفيات أو أماكن، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس، ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه وبنى دارًا للنساء وداراً للأيتام، يعني النساء الأرامل وداراً لِلُّقَطاء، -وهذه تصلح في تاريخ الأوقاف الإسلامية ودور الأيتام، ورتب بها المراضع، يعني يرضعن هؤلاء الصغار، وكان يدور على مرضى المستشفى، وله دار للضيوف ينزلها كل وارد، ويُعطي كل ما ينبغي له، وبنى مدرسة للشافعية والحنفية، وكان يمد بها السِّماط، ولم يكن له لذة في شيء غير ما ذكر، وكان يمنع من دخول منكرٍ بلده، وبنى للصوفية رباطيْن سبيلاً للحج، وكان يبعث للمجاورين يعني في الحرمين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات[11]، وقيلت فيه أبيات ومدائح وأشياء كثيرة.

هذا يكفي، هذا آخر ما في هذا الباب مما أردت أن أورده، ومن الليلة الآتية -إن شاء الله تعالى- إلى -إن شاء الله- نهاية العشر سيكون فتاوى في الحج وفي العشر من ذي الحجة بإذن الله ، إما فتاوى اللجنة الدائمة، أو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أو نحو هذا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 
  1. سير أعلام النبلاء (14/ 111).
  2. المصدر السابق (14/ 136).
  3. المصدر السابق (15/ 128).
  4. المصدر السابق (15/ 184).
  5. المصدر السابق (15/ 289).
  6. المصدر السابق (15/ 320).
  7. المصدر السابق (15/ 431).
  8. المصدر السابق (16/ 29).
  9. المصدر السابق.
  10. المصدر السابق.
  11. المصدر السابق (16/ 246).

مواد ذات صلة