الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،نبينا محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا وللحاضرين، والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أسباب اختلاف المفسرين:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى:
سبب الاختلاف منه ما مستنده النقل، أو الاستدلال،والمنقول إما عن المعصوم، أو لا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
شرع المؤلف -رحمه الله- هنا يتحدث عن أسباب اختلاف المفسرين، وهذه الأسباب التي يريد أن يتحدث عنها هنا، أو يشير إليها هي أسباب الاختلاف الحقيقي، اختلاف التضاد، وأشار من قبل إلى أن أكثر الخلاف المنقول عن السلف أنه من قبيل اختلاف التنوع، ولهذا إذا أردنا أن نقسم نقول: الاختلاف ينقسم إلى قسمين:
اختلاف تنوع: وهذا له صور متعددة، أشار إلى ذلك هناك إشارة، ومن أراد أن يراجع فلينظر أربع صور مهمة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رسالته: "في أصول التفسير"، ولينظر ما ذكره أيضاً ابن جُزي الكلبي في بداية كتابه "التسهيل"، وكذلك الشاطبي ذكر وجوهاً كثيرة، أو صوراً كثيرة لاختلاف التنوع، ولا حاجة لتفصيل ذلك، ولكن هذه إشارة يريد أن يتحدث هنا عن النوع الثاني الذي هو اختلاف التضاد.
اختلاف التضاد هذا من حيث الأسباب يمكن أن نقسمه إلى فرعين، أو إلى سببين:
الأول: ما كان بسبب الجهل أو الهوى، وهذا لا عبرة به، ولا يلتفت إليه، ولا تذكر أقوال هؤلاء من أصحاب الأهواء أو الجهال، لا تذكر في أقاويل أهل العلم، ولا تعد.
الثاني: وهو الخلاف المعتبر، اختلاف التضاد المعتبر، اختلاف أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم، فهؤلاء يختلفون لأسباب كثيرة جدًّا، وطالب العلم بحاجة إلى معرفة ذلك، وهو مما يوسع النظر، ويحصل بسببه سعة الصدر، والاحتمال، والتماس الأعذار للعلماء، فلا يضيق ذرعاً، ولا يضيق عَطَنه إذا رأى الخلاف قال: لماذا يختلفون والقرآن واحد؟، هو لا يعرف، ومن أحسن ما كُتب في هذا بالنسبة لاختلاف المفسرين ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في "أصول التفسير"، وإلى كلامه أشار هنا إشارة مقتضبة، وكتب في هذا آخرون، ومنهم من أفرد ذلك في كتاب، توجد رسائل جامعية في أسباب الاختلاف، بل في اختلاف التنوع توجد رسالة ماجستير، وفي اختلاف التضاد توجد أيضاً رسالة علمية أخرى، مطبوعة في مجلد.
وتوجد كتابات أخرى مستقلة، ويوجد في ضمن بعض كتب علوم القرآن أسباب اختلاف المفسرين.
منهم من يسرد ذلك سرداً، يعد الأسباب مسرودة، من غير مراعاة ترتيب معين.
ومنهم من يرجع جميع الأسباب إلى سببين، وبعضهم إلى ثلاثة، وبعضهم إلى أربعة كبار تتفرع منها، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أعاد الأسباب إلى سببين اثنين، يقول: "منه ما مستنده النقل أو الاستدلال"[1]، بمعنى أنه أرجع أسباب اختلاف التضاد بين المفسرين إلى سببين أساسين:
الأول: ما مرجعه النقل، وذكر تحته أسبابًا، يعني مثلاً حتى تتضح الصورة من غير الدخول في التفاصيل: ما مرجعه النقل أحياناً يكون النقل نفسه محتملا: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، القرء يطلق على الحيض ويطلق على الطهر، ومن ثَمّ يختلف العلماء.
النقل نفسه كان سبباً في الاختلاف؛ لأنه مشترك يحمل معانيَ متضادة، وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:17]، فعسعس لفظ مشترك يحمل معانيَ متضادة، وأحياناً الضمير يحتمل الرجوع إلى أكثر من مرجع، فيختلف العلماء إلى أي شيء يرجع هذا الضمير يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255] من عِلْم ما بين أيديهم وما خلفهم أو من علم الله؟، يحتمل، فيختلفون.
القراءات: تجد أحياناً تفاسير، الواقع أن هذا التفسير يرجع إلى قراءة، وهذا يرجع إلى قراءة، نضع تحت النقل واحدًا، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، من الأسباب المتعلقة أو العائدة إلى النقل.
وهناك أشياء ترجع إلى الاستدلال، كالقضايا التي تتعلق بالنسخ يختلفون فيها، تفاصيل، هل هذا ناسخ أو مخصص؟، الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، والنبي ﷺ يقول: لا وصية لوارث[2]، فهل هذه في الوالدين والأقربين الذين قام بهم مانع من موانع الإرث فلا يرثون؟ فهي لا تتحدث عن الوارثين ومن ثَمّ فلا نسخ، أو أنها كانت قبل نزول آيات الفرائض التي بعدها: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [النساء:11]، فكانت ناسخة لها؟، وإذا كانت منسوخة هل التي نسختها آية الفرائض أو التي نسختها السنة في قوله: لا وصية لوارث، أو هما معاً؟، هل السنة تنسخ القرآن بمفردها؟.
وقل مثل ذلك أيضاً: حالات المطلق مع المقيد أربع: في بعض الحالات لا يحمل المطلق على المقيد، وفي بعضها يحمل المطلق على المقيد، وفي بعضها في صورتين منها فيه اختلاف هل يحمل المطلق على المقيد أو لا، ومن ثم يختلفون.
هل يوجد في القرآن مترادف أو لا؟.
فبعضهم يقول: معنى كذا كذا، وبعضهم يقول: لا، لا يوجد في القرآن مترادف، كل لفظة لها معنى آخر، وهكذا في أمور ومسائل، وحتى قضايا التصحيح والتضعيف وقبول الروايات يدخلها الاجتهاد في قواعد هذا العلم وأصوله، وأيضاً فيما يسمى بتحقيق المناط يعني في التطبيق على الإسناد المعين، أو المتن المعين، قد يسلم بالقاعدة، لكن هل هذا الإسناد فعلاً أو هذا المتن هل فيه شذوذ؟، هل فيه علة؟، قد يقول هذا: فيه علة، وهذا لا يرى ذلك، هل فيه شذوذ أو لا؟، هل يتقوى هذا الإسناد أو لا يتقوى؟، هل الإسناد الآخر يعضده فيكون حسناً لغيره مثلاً أو لا؟، وهذه أمور كثيرة جدًّا، قضايا تتعلق بأصول الفقه، وقضايا تتعلق بمصطلح الحديث، وقضايا تتعلق باللغة العربية، فضلاً عن اختلاف الأنظار عند التطبيق والنظر في كلام الله ، اختلاف الاجتهادات، فهذه أسباب ترجع إلى ما يسمى بالاستدلال، هذا إجمالاً؛ لتتضح الصورة، ودراسة ذلك بصورة أكبر في كتب أكبر من هذا الكتاب.
ثم بدأ يذكر: ما كان مستنده النقل أو الاستدلال، والمنقول إما عن معصوم أو لا، ما مستنده النقل أو الاستدلال، المنقول إما عن معصوم أو غير معصوم، المعصوم مثل: النبي ﷺ، مثل: الكتب السابقة قبل التحريف، فهو كلام الله وحي، النقل عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، فهذا عن معصوم.
والنوع الثاني: عن غير المعصوم عن آحاد الناس، وكلام الناس ليس بحجة رسالية، يعني ليس بحجة من حيث هو، ولكنه قد يبين عن حجة كما نقول في قول الصحابي: إذا لم يوجد له مخالف فهو حجة بيانية، وليس بحجة رسالية، ليس بحجة من حيث هو؛ لأنه ليس وحياً، ليس من مصادر التشريع بنفسه، ولكنه يبين لنا عن أمر خفي علينا من كلام المعصوم ﷺ، فهذا التفصيل يقرب لكم الصورة.
أسباب اختلاف المفسرين: إما من جهة النقل، وجعل النقل عن معصوم وعن غير معصوم، هذا كله كلام شيخ الإسلام، ولكن شيخ الإسلام -رحمه الله- جعل النقل عن المعصوم وعن غير المعصوم ما يمكن معرفة الصواب فيه وما لا يمكن، ولكني جعلت ذلك عن المعصوم؛ لأن غير المعصوم أصلاً ليس بحجة، ولا يضر كثيراً إذا لم نستطع أن نصل إلى صحته وثبوته، لكن عن المعصوم ما يمكن معرفة ثبوته: الأشياء المروية عن النبي ﷺ ندرس الأسانيد، وهناك ما لا يمكن معرفة ثبوته، مثل الإسرائيليات، ينقل عن موسى، عن عيسى ﷺ، يُنقل عن التوراة، عن الإنجيل، عن الزبور أشياء، وقائع، تفاصيل، هذه كيف نعرف الحق والصواب فيها؟.
لا نستطيع، ليس عندنا أسانيد، ولله الحمد أن مثل هذه الأمور لا يتوقف عليها الهدى، ولا يحصل بسبب جهلها ضرر على العبد في دينه، ولم يكلفنا الله تعالى معرفتها، أبداً، فكل ما تحتاج إليه الأمة بينه الله لهم، لكن هي زيادة في التفصيل في أمور لا حاجة لها غالباً، ما لون كلب أصحاب الكهف؟، كم العدد؟، ما أسماؤهم؟، ما اسم الكلب؟، سفينة نوح كم طابقًا؟، من أي أنواع الخشب؟، الجودي أين يقع؟، ليس هذا هو موطن العبرة، فبين الله لنا ما نحتاج إليه، الذي يؤخذ من الإسرائيليات هو ما كان من هذا القبيل، فهذا لا يضر الجهل به.
يقول: "والمنقول إما عن معصوم أو لا"، طبعاً بعد ذلك دخل في قضية أخرى، فالكلام فيه اقتضاب شديد قد يخل، يعني هذا كلام شيخ الإسلام في الأصل، فشيخ الإسلام لما ذكر النقل إما عن معصوم وإما عن غير معصوم ذكر بقية الكلام مما يتضح به هذا، أن هذا المنقول منه ما يمكن معرفة الصحيح فيه، ومنه ما لا يمكن، فهذا كان يحتاج أن يذكر هنا، هذا السطر على الأقل من كلام شيخ الإسلام، كلام شيخ الإسلام طويل، لكن على الأقل سطر واحد هو الذي ذكرته آنفاً يُكمل به هذا الكلام، حتى تتضح الصورة.
تكلم عن النقل إما عن معصوم وإما عن غير معصوم، وترك تكملة يُحتاج إليها ليتضح الكلام، شيخ الإسلام في أثناء الكلام في هذه المسألة استطرد استطرادين طويلين، الأول: في المرسل، لما تكلم عن النقل، والمرويات، وما يعتورها من الضعف، المرويات في التفسير، وأن أكثرها مراسيل، بدأ يتكلم باستطراد عن موضوع المراسيل وهل يحتج بالمرسل، ومتى يتقوى المرسل، وإذا لم يحصل التواطؤ، استطراد، شيخ الإسلام -رحمه الله- بحر من العلم، إذا تكلم عن مسألة نسي نفسه، فدخل في موضوع المراسيل وبدأ يفصل فيها.
ثم بعد ذلك قال: وأخبار الآحاد، وبدأ يتكلم عن قضية أخبار الآحاد وما تثبت به الحجة، وما يفيد العلم وما لا يفيد العلم من هذه الأخبار، ومَن المعتبر قوله في الإفادة، هل هم أهل الاختصاص من أهل الحديث أو من أهل الكلام الذين يجهلون الحديث أصلاً، فبدأ يتكلم عن هذه القضايا، المؤلف هنا -رحمه الله- جاء بأشياء مبتسرة من الاستطراد أيضاً، ونظمها في سلك واحد مع الكلام الذي قبله وكان يمكن الاستغناء عن هذا النقل المبتسر من الاستطراد، ويكمل الكلام الأول بما ذكرت: أن النقل عن معصوم وعن غير معصوم، والذي عن معصوم منه ما يمكن معرفة الصحيح منه، ومنه ما لا يمكن، لو وقف على هذا كان الكلام أتم وأوضح ولا داعي لهذا الاستطراد، لكنه قال: "فالمقصود"، ثم قال: "وإذا جاء عنه من جهتين"، لا، هو الآن بدأ يتكلم عن المرسل، انتبهوا، هو استطراد في الأصل لشيخ الإسلام بعيد، ما هو بعد هذا مباشرة، فجاء به فألصقه بهذا.
قال: "فالمقصود: وإذا جاء"، لا، على الأقل نقول حتى تتسق العبارة: المقصود أنه إذا جاء الحديث مثلاً عن النبي ﷺ من جهتين، أو جهات من غير تواطؤ فصحيح، من غير تواطؤ يعني من غير اتفاق، من غير توافق على الكذب، فيقول: هذا صحيح، هذا يُحدِّث بحادثة مفصلة، والثاني ما رآه وما سمعه وما عرفه وما لقيه ويحدث بنفس التفاصيل، فهذا يدل على أنها حق، وأن هذا يفيد العلم إلى آخره، أن هذا يصح به دعنا من إفادة العلم ستأتي في خبر الواحد، يقول: من جهتين أو جهات من غير تواطؤ فصحيح، قال: "وكذا المراسيل"، هو أصلاً الكلام على المراسيل الآن، واستطراد شيخ الإسلام هذا في المراسيل، فما يحتاج أن يقول: وكذا المراسيل، أخذ من كلامه في المراسيل ووضعه هنا، قال: "وكذا المراسيل"، لا، ما كان لهذه الجملة حاجة.
يقول: "وكذا المراسيل إذا تعددت طرقها"، وبعد ذلك دخل في موضوع خبر الواحد، تعرفون المرسل: المشهور عند أهل الحديث أنه مرفوع التابعي إلى النبي ﷺ، يعني: سقط منه الواسطة وهو الصحابي، عند أهل الحديث، مرفوع التابعي، إذا قال التابعي مثل عكرمة أو مجاهد أو قتادة، إذا قال: قال رسول الله ﷺ، أو ذكر سبب نزول، سبب نزول له حكم الرفع، فأين الواسطة؟، هو ما عاصر أسباب النزول، وما شاهدها، فإذن هناك واسطة ساقطة، فيسمى مرسلا، والراجح أن المرسل من أنواع الضعيف، فشيخ الإسلام يقول: أكثر الذي في كتب التفسير هي مراسيل، فهذه المراسيل قد تأتي من أكثر من طريق فتتقوى.
يقول: "وخبر الواحد"، هذا الاستطراد الثاني جاء به مباشرة هنا بهذا الاختصار الشديد، "إذا تلقته الأمة بالقبول أوجب العلم"، تلقته الأمة بالقبول، هذا خبر الواحد يعني ما لم يبلغ حد التواتر، التواتر معناه: أن يرويه جمع عن جمع تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الإسناد، ما له حد بعدد معين، الآن لو سألتك ما القدر الذي تشبع به من هذا الطعام؟، كم حبة أرز يقف عندها العداد تقول: أنا شبعت؟، حددها الآن حتى نعطيك إياها تقول: ما أدري، الشبع يجده الإنسان في نفسه، لو قلت لك: كم مليجرامًا يحصل به الري بالنسبة إليك؟، حدد لأجل أن نعطيك على قدر الري، تقول: ما أدري، أنا أشرب وبعد ذلك أجد الري من نفسي، كذلك الأخبار متى تفيد العلم؟، التواتر يفيد العلم، لكن خبر الواحد هل يفيد العلم؟ فيه تفصيل، ردُّ ذلك إجمالاً كقول المتكلمين أو طوائف المتكلمين: إنه لا يفيد العلم، هذا باطل، لكن يبقى التفصيل، هل خبر الواحد الذي يفيد العلم هو ما تلقته الأمة بالقبول كالمخرج في الصحيحين أو أحدهما مثلاً، أو الذي تتابعوا على العمل فيه، هناك أشياء يذكرها العلماء في هذا، والذي أظنه أقرب -والله تعالى أعلم- أنه لا يقيد بهذا القيد، وإنما يقال: قد يفيد العلم ولو لم يكن في الصحيحين، ولو لم يحصل تلقي الأمة له بالقبول، الأحاديث المشتهرة، وذلك لكل أحد بحسبه، فقد يقوم إنسان من أهل العلم من أهل الحديث ويدرس الإسناد، وهو يعرف الرجال وعدالة الرواة فيحصل عنده من العلم ما لا يحصل عند الجاهل.
فإذا جاء من إسناد من طريق آخر، فإن ذلك يقويه، فإذا جاء من ثالث يقويه ولم يبلغ درجة التواتر، وهكذا فيما ينقله الناس، إذا جاءك من تثق به وقال لك: فلان قدم من السفر، فلان توفي قريبه، مباشرة تتصل وتعزي؛ لأنك تثق بخبره، هذا خبر واحد الآن، لو أنه جاء آخر واتصل عليك ما يعرف الأول الذي أخبرك، وقال لك: فلان توفي قريبه، بعد دقائق جاءت رسالة بالجوال من شخص آخر ما يعرف الاثنين، العلم يزيد حتى يكون يقيناً، أو لا؟ مع أنه ليس بتواتر، فهذه القضايا يجدها الإنسان من نفسه، ولو أنك خرجت ووجدت الناس قد تجمهروا عندهم للعزاء ونحو ذلك يحصل لك يقين، فيزداد العلم.
أهل الكلام لا يدركون هذه القضية، علماء الكلام، فعندهم الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ومن ثَمّ يقولون: العلم لا يزيد ولا ينقص، بناء على عقيدة فاسدة، هذا مزلق ينبغي التنبه له عند دراسة هذا الباب.
نحن نقول: العلم يزيد وينقص، والإيمان يزيد وينقص، وهذا شيء نجده من نفوسنا، ولا يمكن أن ينكر، فهذا باختصار شديد ما يتعلق بخبر الواحد، يقول: "إذا تلقته الأمة بالقبول أوجب العلم"، وهناك حالات أخرى يذكرها أهل العلم، ومنهم من يذكر -مثلما ذكرت- أن الحديث المتصل الإسناد الذي صح سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قد يوجب عندي العلم بسبب معرفتي، ولذلك تجد بعض الجاهلين الذي لا يعرف السنة، ولا يعرف تحري العلماء في نقلها وضبطها تقول له: هذا الحديث أخرجه البخاري، قال: وما الذي يدرينا أنهم ما أدخلوه في صحيح البخاري وفي المطبعة؟، تحتاج أن تعطيه دورات حتى تُفهم هذا الآدمي أن هذا الأمر لا يمكن، لكن هو بكل بساطة: وإذا كان رواه البخاري، ما يدرينا إذا جاء واحد وأدخله في صحيح البخاري.
والمعتبر في قبول الخبر إجماع أهل الحديث.
هنا لا يقصد أن المعتبر أنه لا يقبل الخبر إلا إذا أجمع أهل الحديث عليه، لا، هو يتكلم شيخ الإسلام عن قضية أخرى، هو يقول بأن ذلك حينما يتكلم العلماء بأن هذا مقبول أو غير مقبول، أو يجمعون على قبوله أو على رده، أو يتكلمون في هذه الأبواب من المعتبر قوله في هذا؟.
هم أهل الحديث، أما علماء الكلام فلا عبرة بهم؛ لأنهم لا يعرفون الحديث أصلاً، ولعلي ذكرت لكم في بعض المناسبات كلام شيخ الإسلام عن أحدهم الذي جيء له بالمصحف عالم يقال له: الأصبهاني، فوضعوا له المصحف جاء يقرأ سورة الأعراف ويقرأ: المص [الأعراف:1] يقول: المص، حتى قيل له: ألف لام ميم صاد[3]، لا يعرف يقرأ، هم لا يعرفون إلا المنطق والفلسفة، ولهذا بعض أهل العلم يقول: ما وجدت لفلان منهم من أكابرهم إلا ثلاثة أحاديث في كتابه، وكلها لا تصح، فهم أبعد الناس، فكلامهم غير معتبر، إنما المعتبر حينما يقال: الإجماع مثلاً أو اتفاق أهل العلم على القبول والرد في الأحاديث هم أهل الفن، كما أن أهل اللغة هم الذين تعتبر أقوالهم في اللغة، وأهل الفقه هم الذين تعتبر أقوالهم في الفقه، فما شأن علماء أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة ومن لا اشتغال لهم بالحديث؟، ما شأنهم في التصحيح والتضعيف؟، هذا هو المقصود.
فحتى تفهم هذا جيداً عبارة شيخ الإسلام الأصلية يقول: "ولو كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به.."[4]، هذه إحدى الطرق أن تكون الأمة تلقته بالقبول كالمخرج في الصحيحين، أو أجمعوا على قبوله، فشيخ الإسلام يقول: "وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به في إفادة العلم فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث"[5].
يقول أهل الكلام: نحن لا نوافقكم على هذا، نقول: أصلاً ومن طلب منكم الموافقة؟، ومن سألكم عن هذا؟ أنتم لستم من هذا في قليل ولا كثير، فهذا كلام شيخ الإسلام، لا أن الإجماع يكون من شرط قبول خبر الواحد، أبداً، ولم يقل بهذا أحد من علماء أهل السنة، اتضح الفرق.
عبارة شيخ الإسلام يقول: "وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به، فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث"، يعني متى يفيد العلم؟ نقول: ما تلقته الأمة بالقبول كالمخرج في الصحيحين، المتواتر يفيد العلم، ما أجمعت الأمة على قبوله فإنه يوجب القطع به أن النبي ﷺ قاله، وهذا إجماع أهل الحديث، هذا كلام شيخ الإسلام، فالعبارة التي هنا قد لا يفهم منها هذا، وهي في الأصل عبارة لابن تيمية -رحمه الله-.
وهنا أيضاً فيه اقتضاب شديد مخل، انتقلنا من إفادة العلم، يقول: الحديث والخبر هناك أمارات يعرف أنه صدق، مثل موافقته للقرآن، عمل الصحابة ، أحاديث أخرى في الباب، يعرف أنه صدق، "وعليه أدلة يعرف بها أنه كذب"، مثل ماذا؟.
أحياناً لركاكة اللفظ، أحياناً لمخالفته للأحاديث الثابتة الصحيحة، أو لا يمكن أن يكون النبي ﷺ قاله؛ مخالف لصريح القرآن، مناقض له، هناك علامات ذكرها أهل العلم يعرف بها الحديث الموضوع مثلاً.
فهنا يقول: "كما في تفسير الثعلبي"، فدخل مباشرة هنا، وشيخ الإسلام تكلم بكلام مفصل، ثم بعده بدأ يمثل ببعض الكتب في التفسير التي أدخل أصحابها بعض الروايات الموضوعة والمكذوبة، قال: "مثل: الواحدي، والزمخشري، والثعلبي"، هنا جاء بالثعلبي مباشرة، فتستغرب يقول: عليه أدلة يعرف بها أنه كذب كما في تفسير الثعلبي، ما هو واضح، لكن أنا أعطيكم عبارة شيخ الإسلام يقول: " كما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك، فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب، ويقطع بذلك، مثلما يقطع بكذب ما يرويه الوضّاعون من أهل البدع، والغلو في الفضائل، مثل: حديث يوم عاشوراء، يعني التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء وأمثاله مما فيه أن من صلى ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبيًّا، وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة، مثل: الحديث الذي يرويه الثعلبي" عرفتم من أين جاء الثعلبي هنا؟، "مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن سورة سورة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم"، ثم تكلم على الثعلبي "والثعلبي هو في نفسه كان في خير ودين، وكان حاطب ليل"[6]، يعني لا يميز بين الصحيح والضعيف والموضوع، إذن الكلام هنا يحتاج أن يُراجع فيه أصل كلام شيخ الإسلام في المقدمة ويُنقل، فالاختصار مخل.
يقول: "وهو قليل في تفاسير السلف" يعني مثل هذه الأشياء المكذوبة، هذه تجدها في مثل الثعلبي؛ لأنه جمّاع مولع بالقصص والأخبار، لكن مثل هذه قليلة في كتب المتقدمين، مثل: تفسير ابن جرير، وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، وابن المنذر، وأمثال هؤلاء، هذا الذي يقصد.
والإسرائيليات تذكر للاستشهاد لا للاعتماد.
يقول: "وما نقل عن بعض الصحابة نقلاً صحيحاً فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين"، هذا يتعلق بتفسير الصحابي وتفسير التابعي، ولو أنه جُعل هناك: النفس تطمئن إلى المنقول عن الصحابة أكثر مما تطمئن للمنقول عن التابعين، وعرفتم التفصيل في تفسير الصحابي والتابعي متى يكون حجة.
"والإسرائيليات تذكر للاستشهاد لا للاعتماد"، الإسرائيليات هي المنقولة عن بني إسرائيل إما من كتبهم وإما من علمائهم مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وأمثال هؤلاء ممن أسلم، فهناك من ينقل كما وجد عبد الله بن عمرو بن العاص يوم اليرموك كتباً من كتبهم زاملتين -يعني على الدابة، فكان يقرأ فيها؛ لأن النبي ﷺ قال: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[7]، للإباحة.
فهذه الإسرائيليات كان أولى أن تجرد كتب أهل العلم منها، وشيخ الإسلام ينبه على معنى باختصار لكنه توسع فيه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في أول كتابه "عمدة التفسير في اختصار تفسير ابن كثير"، وهو أن السلف حينما يوردونها إنما يذكرون ذلك للاستئناس لا للاعتماد، لا يعتمدونها في التفسير، ولا يفسرون القرآن بها؛ لأنه لا يمكن أن نعرف أصلاً هي صحيحة أو غير صحيحة فكيف يفسر بها القرآن؟، عرفنا أن النقل إما عن معصوم وإما عن غير معصوم، وأنها من قبيل النقل الذي لا يمكن معرفة صحته.
هذا بالنسبة الآن للإسرائيليات جعلها ثلاثة أنواع، ما حكم الإسرائيليات؟
تقول: ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ما وافق ما عندنا، فهذا يُقبل، كقولهم: إن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة مع إسماعيل ، وهكذا في أوصاف النبي ﷺ المنطبقة عليه، ليس بفظ ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة.. إلى آخره، فهذا يقبل.
النوع الثاني: ما يخالف ما عندنا، كأن يقولوا مثلاً: إن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل، أو يصفون النبي ﷺ بأوصاف أخرى تضليلاً في كتبهم المحرفة، يجدونه مثلاً ربعة متوسط الطول ﷺ والقامة، يقولون: إنه طويل بائن مثلاً، أبيض مشرب بحمرة، يقولون: آدم، يعني أسمر، وهكذا، فهذا مردود.
النوع الثالث: ما لم يرد عندنا ما يصدقه ولا يكذبه، لا ندري، فهذا نتوقف لا نصدق ولا نكذب، قد يكون حقًّا فنكذب بشيء من كلام الله، وقد يكون باطلاً مختلقاً، فنتوقف فيه، هذا النوع مع النوع الذي يوافق ما عندنا هو الذي قال فيه النبي ﷺ: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، أما الكذب فلا، فهذا النوع الذي ليس عندنا فيه شيء له أمثلة، اقرءوا في تفسير قوله -تبارك وتعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر:16]، وأشياء فيها أحياناً عبرة، أربعة رجال إخوة أرادوا الذهاب إلى الغزو، عندهم أخت ذهبوا بها إلى دير راهب، أو صومعته، فطلبوا منه أن تبقى عنده، اعتذر، قالوا: نبني لها صومعة بجانبك؛ لأنهم يبقون مدة طويلة، فقبل، فوضعوها عنده، فكان يضع الطعام عند باب صومعته هو ويغلق الباب، فتأتي وتأخذ، ثم جاءه الشيطان وقال: هذه أمانة وامرأة وعورة تخرج ثم تأخذ هذا الطعام، لماذا لا تضعه أنت عند عتبتها وأنت رجل، فصار يضع الطعام عند عتبتها، ثم جاءه الشيطان وقال: الآن هذه امرأة وحيدة وما اعتادت الانفراد، ويصيبها ما يصيبها من الوحشة، فلو آنستها بالحديث من خارج الباب، فصار يجلس عند العتبة خارج الباب ويتكلم، يحدثها بمواعظ وأحاديث وأشياء.
ثم جاءه الشيطان وقال له: الآن هذه المرأة مسكينة مستوحشة لا ترى إنسانًا، فلو جلست عند الباب من الداخل تراها وتراك، تأنس بك، فصار يدخل عند الباب ويحدِّث عليها حتى وقع بها، فحملت، فقتلها ودفنها، فجاء إخوتها فسألوا، قال: نعم المرأة، صالحة تقية، جاءها مرض ألم بها وصبرت ثم ماتت فدفنتها في هذا المكان، فترحموا عليها وشكروه، وقالوا: عورة سترها الله، وذهبوا، فلما أصبحوا، أصبح أحدهم أو أصبحوا متغيرين، قال أحدهم: والله لقد رأيت شيئاً لا أدري ما هو، والثاني قال: ولقد رأيت كذلك، والثالث والرابع، فذكروا رؤياهم وإذا هي متوافقة، قالوا: لا يكون هذا إلا عن شيء، فذهبوا إلى الراهب، وما زالوا به حتى أخبرهم، وأراهم مكان القبر الحقيقي، وأنها حملت ودفنها، فالحاصل أنهم رافعوه وحاكموه، فلما قدم للقتل جاءه الشيطان وقال: أنا صاحبك، وهذا لا يرجع إليك بل يرجع إلى الدين والرهبان، ولا يقبل الناس من الدين شيئًا، مثل فضائح الرهبان هذه الأيام، لعلكم تقرءونها، كل يوم تظهر فضيحة أكبر من التي قبلها، قساوسة، نسأل الله العافية.
وهذه ممكن أن يضرب فيها دينهم ضربة موجعة في هذا الوقت الذي يشنون فيه حرباً على الإسلام، ولكننا للأسف في غفلة، الشاهد أنه قال له: أنا صاحبك، لا أخلصك حتى تسجد لي سجدة، فسجد فقُبض[8]، قبضت روحه فمات على هذا، كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر:16]، هذا خبر إسرائيلي، لا نصدق به وليس عندنا ما يكذبه، لكن لا نفسر به القرآن.
فالسلف كثير منهم يذكرونه عند تفسير هذه الآية من باب الاستئناس لا من باب التفسير، انتبهوا، ولو جُردت الكتب من هذا فهو أفضل، لكن هذا مما قال فيه النبي ﷺ: ولا حرج، وفيه عبرة.
والذين يسهرون الليل في منتديات ولو كانت إسلامية وهذا يكتب وهذه تمدح، وهذه تكتب وهذا يمدح، ويشيد بكتابتها، وكل خمس دقائق وهو فاتح الموقع ينظر من علق على مقاله ومن مدحه ومن شكره، ومباشرة يكتب أشكرك على المرور، أقرأ أحياناً -والله إني أستحي، أشكرك على المرور، وكل لحظات يدخل، يعني طالب علم متفرغ كل لحظات يدخل في النت يريد أن ينظر من كتب ومن علق عليه لأجل أن يشكره، على كتابة أحياناً هزيلة، عبارات أهل العلم -بعض العبارات، وأتأمل بعضها اليوم أقول في نفسي: والله لو سألنا بعضهم ربما ما يعرف هذه الألفاظ التي يعبر بها، وكل دقيقة وهو داخل لا يكاد يكتب أحد إلا بعد تعقيب منه أشكرك على المرور، وأحدهم ما أحد علق، فكتب: ما بالكم؟ لماذا لا تعلقون؟، الموضوع ما أعجبكم؟ فتنة.
فأقول: هذا يمدح المرأة وهي تمدحه وهكذا كتابات، ثم بعد ذلك تتحول إلى علاقات.
والخطأ الواقع في الاستدلال من جهتين حدثتا عمن تقدم ذكرهم.
انتهى من النقل، الآن بدأ بالاستدلال، الفرع الثاني عندكم، ما ذكر أسباب الاختلاف من جهة الاستدلال، وإنما تكلم على وقوع الخطأ فيه، والواقع أن مثل هذا هو خطأ، يعني بالأحرى أو بعبارة أخرى هو انحراف في تحميل النصوص ما لا تحتمل لتعصب مذهبي في الاعتقاد، أو في الفقه، أو في غير ذلك.
الكلام هنا فيه خلل، لاحظ "بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم"، المفروض أن يقال: الأول، أو الصنف الأول، أو الفريق الأول: قوم اعتقدوا معانيَ، عنده مقررات سابقة، اعتقاد سابق، "اعتقدوا معانيَ حملوا ألفاظ القرآن عليها"[9]، يريد أن يلوي أعناق النصوص؛ لتكون حجة ودليلاً على قوله ومذهبه وعقيدته، فهذا انحراف.
يقول: "أو فسروه بمجرد ما يسوغ"، لا، هذا الثاني، "الفريق الثاني: قوم فسروه بمجرد ما يسوغ"، لاحظ كاتب "أن يوردوه"، لا، هذا كلام شيخ الإسلام في الأصل، فأنا أعطيكم تكملة كلام شيخ الإسلام، يقول: "بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه، والمخاطب به"[10]، معناه باختصار، الفريق الأول: عنده اعتقاد معين أراد أن يحمل نصوص القرآن عليه،؛ ليدلل على مذهبه.
الفريق الثاني: قوم فسروه بمجرد ما يسوغ في اللغة كنص عربي بحت، دون النظر إلى ملابسات النزول، نص عربي، ما نظروا في أسباب النزول، ما نظروا إلى ما يحتفُّ بالنص حينما نزل، عرف المخاطبين، لا، كنص عربي، فسروه تفسيراً لغويًّا بحتاً، فهذا انحراف، هذا وقع فيه بعض طوائف من أهل البدع كأبي عبيدة معمر بن المثنى له كتاب اسمه: (مجاز القرآن)، وبعض أصحاب كتب المعاني يقعون في مثل هذا، فلا يصح أن يفسر القرآن بمجرد اللغة، بل لابد من النظر إلى أسباب النزول، والوقائع التي حصلت، وعرف المخاطبين، إلى غير ذلك مما يحتفُّ بنزول النص، أحوال العرب، يعني مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ [المائدة:103] إلى آخره، ما معنى هذا الكلام؟.
هذا لابد من معرفة الحال التي كان عليها العرب في الجاهلية، لا يفسر بمجرد المعنى اللغوي البحت، يعني بفصله عن البيئة، فيقع الخطأ، مثل: لو جاء إنسان وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] يعني: لم يخلطوا إيمانهم بظلم، انتهى، دون النظر إلى التفسير بالسنة مثلاً أن النبي ﷺ فسرها بالشرك[11]، فهذا لا يسوغ، أن يأخذ النص بمجرده دون النظر إلى اعتبارات أخرى.
والله قال في وقعة بدر: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:9-10]، ثم قال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ [الأنفال:11]، فإذا فسرتها بتفسير لغوي بحت، تقول: ويثبت به الأقدام إذا ربط على القلوب ثبت القدم في المعركة فلا يفر، هذا معنى صحيح في اللغة، ثبتت قدمه في المعركة يعني لم ينهزم، لكن معرفة الملابسات التي كانت في الغزوة وأنهم كانوا في أرض دهسة تسوخ فيها الأقدام، فنزل المطر فلبدها، فثبتت أقدامهم[12]، هذا لابد من معرفته.
"تبعهم كثير من المتفقهة"، يعني صاروا أحياناً يقعون في هذا وهذا، يعني: إما أنه يأتي ويريد أن يلوي عنق النص ليوافق مذهبه، يريد أن يحتج بالآية على تصحيح مذهبه وهذا موجود للأسف، بل قيل أكثر من هذا، بعض كبار المتعصبة كان يقول: كل نص يخالف مذهبنا فهو إما منسوخ وإما ضعيف، وآخر جعل الإسلام داخلا في المذهب.
هذه الأسباب المعتبرة في اختلاف التضاد، أعذار العلماء، وهذا الكلام في رسالة شيخ الإسلام (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، فذكر ذلك بالتفصيل، أسباب الخلاف بين العلماء، يقول: قد يكون لخفاء الدليل والذهول عنه، هذا واحد، خفاء الدليل والذهول عنه، مثل: عمر كان يفتي من لم يجد الماء أنه لا يتيمم ولا يصلي، فعمار بن ياسر ذكّره بما وقع لهما، ذكّره قال: حينما كنا في الإبل فوقع لنا جنابة، وقعت جنابة يعني احتلم عمار واحتلم أيضاً عمر ، يقول: "أما أنا فتمعّكت تمعك الدابة، وأما أنت فلم تصلِّ"، فذكروا ذلك للنبي ﷺ وعلّمه أنه كان يكفيه أن يقول هكذا، يعني التيمم، فعمر قال لعمار: اتق الله، هذا أمر وقع لهم ونسيه عمر، فعمار قال: "إن شئت لم أحدث به، قال: نوليك ما توليت"[13].
فهنا قال: "لخفاء الدليل والذهول عنه"، عرفه لكنه نسيه، غاب عنه، "وقد يكون لعدم سماعه"، يعني أصلاً.
وأبو بكر لما جاءت الجَدّة في أيام خلافته قال: "لا أجد لكِ في كتاب الله شيئًا، ولا أجد لكِ في سنة رسول الله ﷺ شيئًا"، حتى شهد عنده المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي ﷺ أعطاها السدس[14]، فأبو بكر لم يبلغه هذا.
ومثل: قصة الطاعون لما عمر أراد أن يذهب إلى الشام فاختلفوا عليه[15]، والقصة مشهورة ومعروفة.
قال: "وقد يكون للغلط في فهم النص"، مثل: حديث عدي بن حاتم: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة:187] وضع عقالين أبيض وأسود، وجلس ينظر ويأكل ويشرب ويظن أن الخيط الأسود والأبيض هما هذان العقالان، وإنما هما بياض الصبح من سواد الليل[16]، فأخطأ في فهمه.
قد يختلف الصحابة في معرفة المراد، لما قال النبي ﷺ لأصحابه: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة[17]، اختلفوا ما المراد، بلغهم النص جميعاً، لكن هؤلاء فهموا التعجيل مع الصلاة في وقتها، وأولئك أخذوه على ظاهره وأخروها حتى غابت الشمس.
"وقد يكون لاعتقاد معارض راجح"، يترك هذا لأنه يعتقد أن هناك دليلا، مثل مسألة الجمع بين الأختين بملك اليمين، بعض الصحابة أجازها باعتبار أن الله قال: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، ومنهم من منع قال: لأن الله قال: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء:23]، فأطلق حتى لو كانت بملك اليمين، إذاً فحرمها بعضهم وأباحها بعضهم، الذي حرمها لاعتقاده وجود المعارض الراجح.
التفسير:
التفسير: كشف معاني القرآن وبيان المراد منه.
هذا تعريف قريب وسهل وواضح، التفسير من الفَسْر وهو الكشف والبيان، هذا أصله في اللغة، وذكر هذا التعريف الاصطلاحي له، وفي الهامش ذكر تعريفًا لبعضهم كالزركشي: علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد ﷺ، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكمه[18].
وبعضهم يقول: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية[19]؛ لأنه لا أحد يحيط بمعاني كلام الله إلا الله، علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، فهذه التعريفات قريبة.
الذي يظهر -والله أعلم- أن التفسير هو كشف المعاني، أما الترجيح فهو درجة وراء ذلك، الترجيح ليس هو كشف المعنى، الآن العلماء تكلموا في المعنى، لكن ما الراجح هذا القول أو هذا القول.
فالترجيح هي قدرة وراء ذلك يستطيع فيها الإنسان أن يتعامل مع المنقولات -أقوال أهل العلم- ويرجح بينها، فالترجيح ليس هو التفسير، التفسير هو كشف المعنى.
وأجمعوا على أن التفسير من فروض الكفايات.
أنه من فروض الكفايات يعني من حيث هو، وإلا فيجب عليه أن يعرف من التفسير ما يصح به اعتقاده، الإيمان يعني، يعرف أنه لا إله إلا الله، ويعرف من معاني القرآن ما تصح به عبادته ومعاملته، فالسنة هي شرح للقرآن، وما يقوله العلماء هو شرح للسنة كما يقول الشافعي -رحمه الله[20]، فالتفسير من حيث هو يعتبر من فروض الكفاية، يعني يجب أن يوجد في الأمة من يعرف، فتسقط التبعة عن الباقين.
وهو أجلّ العلوم الشرعية، وأشرف صناعة يتعاطاها الإنسان.
هذه إلماحة لفضل التفسير ومنزلته، والكلام في ذلك يطول، ويكفي أن يعرف أن شرف العلم بشرف متعلقه، فهذا يتعلق بكلام الله ، فهو أشرف ما يشتغل به، وهذه العبارة التي ذكرها -أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان- هي عبارة الراغب الأصفهاني[21]، وعبارات أهل العلم كثيرة في بيان شرف التفسير، وهناك كتابات كثيرة في هذا الباب، الزركشي في البرهان تكلم على هذا وجاء بكلام أهل العلم، السيوطي في الإتقان كذلك، وآخرون، وبعضهم أفرده بالتأليف.
والمعتني بغريبه لابد له من معرفة الحروف.
يقصد حروف المعاني، وليست حروف المباني، يقول: "لابد له من معرفة معاني الحروف"، يعني مثلاً الآن (في) تأتي للظرفية، وتأتي بمعنى (على)، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]، فهل سيدخله في داخل الجذع أم على الجذع؟، على الجذع.
فبعضهم يقول: بمعنى (على)، لكن لماذا قال: (في)؟
بعضهم يقول: لشدة الربط، وأشد ما يصلب عليه الإنسان هو جذع النخل، مؤلم، شدة الربط والشد إلى الجذع كأنه يدخله في داخل الجذع، يعني فيها معنى بلاغي لطيف.
فيحتاج الإنسان إلى معرفة معاني الحروف، وهناك كتب كثيرة ألفت في معاني الحروف، لكن ممكن أن أذكر لكم واحدًا هو من أحسن ما وقفت عليه فيها، هذه رسالة علمية جيدة اسمها: (الحروف العاملة في القرآن الكريم بين النحويين والبلاغيين) وذكر المفسرين، المؤلف: هادي الهلالي، هذا كتاب جيد، وجعله على ثلاثة أقسام: معاني الحروف عند النحويين، عند البلاغيين، عند المفسرين، فإذا نظرت إلى واحد منها فلا تظن أن هذا هو نهاية المطاف، لا، سيعيد الكلام عليها عند البلاغيين، وسيعيده عند المفسرين، فطالعه في ثلاثة مواضع، جمع الكلام المتفرق، كلام هؤلاء؛ لأن الذين يؤلفون أحياناً يؤلفون الناحية اللغوية فقط، تجد في كتاب: (مغني اللبيب) مثلاً أشياء كثيرة في هذا الباب، كتاب: (رصف المباني في شرح حروف المعاني) للمالقي، مجلد مطبوع، بل بعضهم ألف كتاباً في حرف واحد، وبعض الباحثين في رسالة ماجستير أو دكتوراه ألفها في حرف واحد، وبعضهم كتب كتاباً في حرفين، حروف المعاني، لاحظوا سعة اللغة، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، مع قوله الله -تبارك وتعالى: عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39]، (على) فيه معنى الاستعلاء.
يعني تحتاج أن تعرف الأسماء والأفعال، مثلاً التعبير بالجملة الاسمية يفيد الثبوت، والجملة الفعلية تفيد التجدد، والمثال الذي تسمعونه دائماً: تحية إبراهيم أبلغ من تحية الملائكة؛ لأنهم قالوا لما دخلوا عليه: سَلَامًا [هود:69]، يعني: سلمنا سلاماً، وانتهى، فهم عبروا بالجملة الفعلية، سلمنا سلاماً، هو عبر بجملة اسمية قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الذاريات:25]، سَلَامٌ قَوْمٌ، الجملة الاسمية تدل على الثبوت، والفعلية تدل على التجدد، سلام ثابت دائم عليكم، فقالوا: تحية إبراهيم أبلغ من تحية الملائكة، تقدير تحية الملائكة قَالُوا سَلَامًا [هود:69] أي: سلمنا سلاماً، هو قال: سلام دائم عليكم، سلام ثابت، التعبير بالجملة الاسمية والفعلية.
قضية الضمائر ومرجع الضمائر، يعني مثلاً الأصل اتحاد مرجع الضمائر، قوله -تبارك وتعالى- عن عيسى : وَمَا قَتَلُوهُ [النساء:157] من؟ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] عيسى ، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ عيسى لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ [النساء:157] عيسى يقيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، يعني: عيسى ﷺ، إلى أن قال: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:159]، يعني: وما من أهل الكتاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ [النساء:159] بعيسى ، قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159] موت من؟ ابن عباس يقول: قَبْلَ مَوْتِهِ يعني: قبول موت الكتابي، حتى قالوا له: لو واحد مات فجأة ضُرب بالسيف لحظة؟ قال: لابد أن يؤمن قبل ما يموت، قَبْلَ مَوْتِهِ يعني قبل موت أي كتابي الآن أو في أي زمن من الأزمان، قبلما يموت لابد أن يؤمن أن عيسى عبد لله ورسول، وأنه ليس بإله، وأنه ما صُلب، هذا قول.
القول الآخر: إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قبل موت عيسى في آخر الزمان إذا نزل يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام وَإِنَّ مِنْ ولا من أحد من أهل الكتاب آنذاك إلا ليؤمنن به قبل موته، قبل موت عيسى فيعرفون حقيقته وأنه عبد لله وليس بإله، قَبْلَ مَوْتِهِ، فكيف نرجح مرجع الضمير؟، الأصل اتحاد مرجع الضمائر، فبدلاً من أن تقول: بعض الضمائر يرجع إلى عيسى ﷺ، وبعض الضمائر -أحد الضمائر- يرجع إلى الكتابي، نقول: لا، وحِّد مرجع الضمائر، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ [الفتح:9] النبي ﷺ، وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:9] النبي ﷺ، وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الله، إذن فرقت الضمائر، لو أرجعت الضمائر كلها إلى الله بناءً على القاعدة، وسيرد عليك إشكال آخر أن الأصل أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ أقرب مذكور هو النبي ﷺ، فهذا يحتاج إلى طريقة في التعامل معه، معرفة الضمائر، فراجعوا مثلاً في هذه القضايا كتاب "الإتقان" في النوع الثاني والأربعين، ذكر أشياء في هذا الباب.
والتذكير والتأنيث،والتعريف والتنكير.
التذكير لابد من معرفته أيضاً، من المفيد معرفة التذكير والتأنيث، ذكرت لكم في بعض المناسبات، يَوْمَ تَرَوْنَهَا [الحج:2] أي: الساعة، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:2]، ما قال: (تذهل كل مرضع) قال: مُرْضِعَةٍ فدخلت التاء، لماذا؟ قالوا: إن دخول التاء على أوصاف الإناث يدل على المباشرة، "مرضعة" يعني جالسة ترضع الآن، وهذه الحال تكون المرأة في غاية الحنو والحنان والعطف على الولد، ومع ذلك تتخلى عنه إذا قامت الساعة من شدة هولها.
أما مرضع فهي ما كانت صفتها الإرضاع، تراها في السوق، تقول: هذه مرضع، يعني عندها ولد ترضعه، لاحظ التذكير والتأنيث، مثل هذا: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] لماذا ما قال: قريبة؟ ما الفرق بين قرب النسب وغيره؟، تقول: هذه امرأة قريبتي، قرب النسب، وإِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ، ليس هذا هو قرب نسب، مثلاً: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، هل هو الحيض أو الطهر؟
ممكن تقول هنا: ثَلَاثَةَ مؤنث، وإذا كان العدد مؤنثًا فهذا معناه أن المعدود مذكر؛ لأن العدد يخالف المعدود تذكيراً وتأنيثاً تقول: ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، فهنا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، القرء إذا فسر بالطهر فالطهر مذكر أو مؤنث؟، مذكر، وإذا فسر بالحيض الحيضة مؤنثة أو مذكرة؟ مؤنثة، فإذا كان معنى القرء هو الحيض فيصير ثلاث قروء، وإذا كان معناه الطهر ثلاثة قروء، هذا ليس بقاطع؛ لأنه فيما يتعلق بالتذكير والتأنيث أحياناً يراعى اللفظ، مؤنث غير حقيقي، مؤنث حقيقي، لكن أنا أقرب الصورة بالأمثلة فقط، فهذا مما يُحتاج إليه.
كذلك التعريف والتنكير، وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2]، وفي موضع آخر نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] جاءت معرفة، كأنه لما ذكر لنا الصراط اشرأبت النفوس إليه فتوجه العبد إلى مولاه وقال: هذا الصراط الذي عرّفتنا اهدنا إليه، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الذي ذكرته لنا.
إبراهيم قال في موضع: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا [البقرة:126]، وفي الموضع الآخر: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا [إبراهيم:35] لماذا؟
قالوا: في الموضع الأول يوم جاء ما كان فيه شيء، ما بني البيت، ولا فيه بلد، قال: اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا، لما جاء المرة الأخرى، وإذا أناسٌ قال: اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا، من أين جاءت هذه؟ من التعريف والتنكير، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ [الصف:10] نكَّر؛ يفيد التعظيم، تجارة عظيمة، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، التنكير يفيد التعظيم هنا، مغفرة عظيمة، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6] يعني: عظيمة.
والخطاب بالاسم والفعل.
الخطاب بالاسم والفعل كما سبق في الجملة الاسمية والفعلية.
وأولى ما يرجع في غريبه إلى تفسير ابن عباس وغيره، ودواوين العرب.
هناك كتب في غريب القرآن، من أول ما أُلف فيه ما كتبه أبو عبيدة معمر بن مثنى، هناك كتابات أخرى كثيرة جدًّا، لكن من هذه الكتابات ومن أحسنها: (غريب القرآن) للسجستاني، المتوفى سنة ثلاثمائة وثلاثين، هذا جلس خمسة عشرة سنة يؤلف فيه، ويقرأه على شيخه ابن الأنباري -رحمه الله، ومن هذه الكتب أيضاً كتاب (العمدة) المنسوب لمكي بن أبي طالب، المتوفى سنة أربعمائة وسبع وثلاثين، هذا كتاب مفيد جيد، هذا يفسر الكلمة غالباً بلفظة، هذا يصلح للحفظ، الذي يريد أن يحفظ، لكن غالب كتب غريب القرآن يذكر التفسير، يعني تفسير اللفظة لا يراعي أن يكون بلفظة، وإنما يفسر ذلك بجملة، فقد يصعب الحفظ.
وهناك كتاب اليزيدي أيضاً (غريب القرآن) وتفسيره، وأيضاً ابن الجوزي له كتاب اسمه: (تذكرة الأريب)، ومكي له كتاب آخر اسمه: (تفسير المشكل من غريب القرآن).
والأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- جمع (معجم غريب القرآن) المروي عن ابن عباس أو عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس، هذا الذي في تراجم الأبواب في صحيح البخاري، جمعه في مجلد، مطبوع، مفيد نافع، وهناك أيضاً كتاب اسمه: (المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن) لعبد العزيز السيروان جمع فيه أربعة كتب، منها كتاب (العمدة) المنسوب لمكي.
ومنها الكتاب هذا الذي جمعه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي من تفسير ابن عباس، وجمع أيضاً كتاب ابن قتيبة وكتاب أبي حيان، أربعة كتب، ورتبها على حروف المعجم.
وهناك كتب مطولة مثل كتاب المفردات للراغب بحيث إنك تنظر في اللفظة على حروف المعجم، تقول مثلاً: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] كلمة (راق) أريد معرفة معناها، حرف الراء، فيأتي بكل ما يتعلق بها في القرآن، إن كان لها نظائر، ويفسر كل واحدة، لكن هذا قد لا تحتاج إليه في قراءتك ووردك، وإنما تحتاج إليه إذا أردت أن تعرف هذه اللفظة في القرآن، لكن الأفضل في الورد أن يقرأ الإنسان في البدايات في الكتب هذه التي تذكر السور أو على الحروف، هذه التي تذكر السور تذكر لك المعاني الغريبة في نفس السورة فقط هنا في هذا الموضع، لا يشغلك بالمواضع الأخرى، فهذا الكتاب موسع كتاب: (المفردات للراغب)، ويشبهه جدًّا مع بعض الزيادات والاستدراكات كتاب الحلبي: (كنز الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ) للسمين الحلبي، مطبوع، ومن عنده هذا فقد يغنيه عن الآخر، يعني هذا يغني عن كتاب المفردات، وكتاب المفردات يكاد يغني عنه، لكنه استدرك بعض الاستدراكات، أضاف أشياء وحذف أشياء مستدركاً على الراغب.
ويُبحث عن كون الآية مكملة لما قبلها أو مستقلة.
يعني هل هذه الآية متصلة بما قبلها، يعني مثلاً الله يقول: إن إبراهيم ﷺ في المحاجة مع قومه قال: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]، ثم قال الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، هل هذا من كلام إبراهيم أو من كلام الله حَكَم بين الفريقين؟، هذا يحتمل.
كذلك في قوله -تبارك وتعالى: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة:5] لما ذكر الله الأسوة في سورة الممتحنة بإبراهيم والذين معه حينما هجروا قومهم لله وفي الله، وقالوا لهم ما قالوا: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ... [الممتحنة:4] ثم قال: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة:4]، هل هذا تعليم من الله للمؤمنين أن يقولوا ذلك أو هو من بقية كلامهم حينما تبرءوا من قومهم؟ يحتمل، وهكذا في أمثلة ليست قليلة.
وما وجه مناسبتها لما قبلها، وكذا السور.
هذا فيما يتعلق بالمناسبات، والمناسبة هي المقاربة، ووجه الارتباط بين السورة والسورة، أو الآية والآية، أو أول السورة وآخر السورة، يعني أول السورة صدر السورة وخاتمتها، أو المقطع والمقطع، أو السورة أو الآية مع خاتمتها، لماذا قال مثلاً عيسى ﷺ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] ما قال: الغفور الرحيم، ما المناسبة هنا؟.
هذا كله يُحتاج، لكن المناسبات بين السور قلنا: إن كان الترتيب غير توقيفي فلا اعتبار بذلك، والمناسبات بين الآيات لا بأس بشرط ألا يكون بتكلف؛ لئلا يقول الإنسان على الله بلا علم، بلا تكلف.
وهناك كتب تُعنَى بالمناسبات بين السور، وهناك كتب تُعنَى بالمناسبات بين الآيات، من التفاسير التي تُعنَى بهذا جدًّا كتاب البقاعي (نظم الدرر) في نحو اثنين وعشرين مجلدًا، لكن فيه تكلفات في مواضع كثيرة.
ويعتني بهذا آخرون ممن يُعنون بالتفسير البلاغي حتى أولئك الذين أنكروه كالشوكاني الواقع أنه لا تكاد تقلب صفحة من تفسيره إلا وتجد فيها تقريرًا للمناسبات دون أن يصرح بها.
وعن القراءة المتواترة المشهورة والآحاد،وكذا الشاذة، فإنها تفسر المشهورة وتبين معانيها.
القراءات المتواترة المشهورة هي التي استجمعت ثلاثة أركان: صحة الإسناد، موافقة العربية ولو بوجه، موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً، فما اجتمع فيه هذه الأركان الثلاثة هذا الذي اصطلح القراء على تسميته بالمتواتر والمشهور، وبالنسبة للقراءة الأحادية أو الشاذة هم يختلفون في تقسيم القراءات، بعضهم يقسمها إلى ستة أقسام، وبعضهم إلى ثلاثة، وبعضهم إلى غير ذلك، ويختلفون في توصيف هذه الأقسام، لكن ممكن أن نقول: إن القراءة الأحادية هي ما ثبتت بالإسناد الصحيح لكن اختل منها شرط، لم تكن موافقة للرسم، أو كانت مخالفة للعربية، وهذا يحتاج إلى تأمل؛ لأنها إذا ثبتت بالإسناد الصحيح كيف تكون مخالفة للعربية؟، وعلى أي شيء يبنى هذا أصلاً؟.
العربية لا تُحاكَم إلى المنقولات الصحيحة، وإنما تؤخذ قواعد العربية من مثل هذا وأمثاله إذا صح الإسناد كالحديث النبوي، وأما الشاذة فبعضهم فسرها بأنها ما اختل فيها أحد الأركان الثلاثة مطلقاً، هكذا أطلق بعضهم، وبعضهم حددها بنوع من القراءة وهي ما لم يشتهر من قراءة بعض التابعين أو قراءة التابعي، مثل القراءة المنسوبة للشعبي: وقال رجلان من الذين يُخَافُون يعني لهم هيبة ومنزلة وشأن في بني إسرائيل، هذه قراءة شاذة، قرأ بها الشعبي، أو منقولة عن الشعبي.
وهكذا توجد قراءات عن بعض التابعين ينسب بعضها للأعمش والحسن، لكن يقول هنا "بأن القراءة الشاذة تفسر المشهورة"، نقول: إذا صح سندها، هذا كلام أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- هذا كلامه بأن القراءة الأحادية أو الشاذة تفسر المتواترة، القراءة الأحادية إذا صح سندها يُعمل بها في الأحكام تنزيلاً لها منزلة الحديث النبوي، هذا أمر، والأمر الآخر: تفسر بها القراءة المتواترة، يعني: {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى صلاة العصر}، هذه قراءة أحادية، وبعضهم يسميها شاذة، تفسر المتواترة، ما هي الصلاة الوسطى؟
العصر، لكنه لا يقرأ بها؛ لأنها لا تنطبق عليها الشروط التي ذكرها العلماء، فهذه تفسر المتواترة، يُعمل بها في الأحكام، (وصيام ثلاثة أيام متتابعات)، قراءة ابن مسعود، فالصيام في كفارة اليمين بالتتابع، ويُحتج بها في اللغة.
وإن كان لا يجوز القراءة بالشاذة إجماعاً.
التلاوة:
تستحب تلاوة القرآن على أكمل الأحوال.
هذا في آداب التلاوة، تجدون كتاب "التبيان" للنووي -رحمه الله- في هذا الموضوع.
وتكلم عن آداب التلاوة، واحترام المصحف -كما سيأتي هنا- جماعة من أهل العلم وصنفوا فيه، تجدون في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- في فضائل القرآن ذكر أشياء من احترام المصحف وما يتصل بذلك، وتجدون في مثل كتاب: (البرهان) و(الإتقان) أشياء من هذا القبيل كثيرة في هذه الآداب، وكذلك بعض كتب الأذكار، ككتاب الجامع في شعب الإيمان للبيهقي، لما تكلم عن الإيمان بالقرآن تكلم عن كثير من الآداب، وتعظيم المصحف.
والإكثار منها، وهو أفضل من سائر الذكر.
أفضل من سائر الذكر؛ لأن هذا كلام الله ، والنبي ﷺ يقول: لا حسد إلا في اثنتين، وذكر: الرجل الذي آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار[22]، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة[23]، مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة...[24]، إلى آخره.
يقول: الترتيل أفضل من السرعة مع تبيين الحروف، ما هو الترتيل مع تبيين الحروف؛ لأن الترتيل لابد فيه من تبيين الحروف؟، لكن هو يقول: أفضل من السرعة مع تبيين الحروف، السرعة بتبيين الحروف مقابل الترتيل أيهما أفضل؟ الترتيل؛ لأن السرعة مع عدم تبيين الحروف لا تجوز، الهذرمة، يأكل الحروف لا يُبِينها، فهذه يقال لها: الهذرمة، "هذًّا كهذِّ الشِّعر"، "نثر الدَّقَل" التمر الرديء، وأشد تأثيراً في القلوب؛ لأن هذا هو المطلوب.
الترنم كما قال ابن جرير -رحمه الله: "لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرَّب به"[25].
وهكذا قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله: "لا شك أن النفوس تميل إلى سماع القرآن بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيراً في رقة القلب وإجراء الدمع"[26].
وهكذا أيضاً ابن القيم جعل ذلك عوناً على التأثر بالقرآن، يقول: "وتحسين الصوت به والتطريب بقراءته أوقع في النفوس، وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه، ففيه تنفيذٌ للفظه إلى الأسماع، ومعانيه إلى القلوب، وذلك عون على المقصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعل في الدواء لتُنفذه إلى موضع الداء، وبمنزلة الأَفَاوِيه والطيب الذي يجعل في الطعام، لتكون الطبيعة أدعى له قبولا، وبمنزلة الطيب والتحلي وتجمل المرأة لبعلها ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح"[27]، فتحسين الصوت أدعى لإقبال النفوس على القرآن والتأثر به.
ورشيد رضا -رحمه الله- يقول: "كثيراً ما رأينا -يعني من أدباء النصارى- من يقبلون على سماع بعض القراء المتقنين المجودين، ويذكرون أنهم يتأثرون بذلك، وهم نصارى"[28]، أدباء النصارى، وهذا لا شك أن القرآن مؤثر في القلوب، والنبي ﷺ ثبت عنه أنه قال: زينوا القرآن بأصواتكم[29]، كما في حديث البراء عند البخاري تعليقاً، ورواه غيره موصولاً.
يقول: "فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"، وهكذا حديث: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن[30]، فهذا أمر مطلوب شرعاً، كما قال جمع من أهل العلم كالنووي -رحمه الله- لكنه قيده قال: "ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة إلى التمطيط المخرج له عن حدوده"[31]، يقول: من غير مراعاة قوانين النغم، يعني هذا البلاء الذي بلينا به في هذا الزمان هو قديم لكن الآن صار بلوى عامة أو مما عمت به البلوى ما يسمى بالمقامات، هذه قوانين النغم، قواعد أو لحون أهل الفسق، فمثل هذا لا يجوز أن يُقرأ به القرآن، ولا يجوز أن يدرس، وينزه كلام الله -تبارك وتعالى- عن ذلك، بخلاف من وقع له ذلك اتفاقاً من غير دراسة، إنسان يقرأ فقال له قائل: أنت تقرأ على المقام الفلاني، هو لا يدري، فهذا لا إشكال فيه، أو كان يقلد أحد القراء فتبين أن ذلك القارئ يوافق مقامًا معينًا فهذا لا إشكال فيه، غير مؤاخذ، لكن أن يدرس الإنسان لحون أهل الفسق من أجل أن يقرأ بها القرآن فلا، وهذا كلام أُورده لابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد" مفيد في هذا الموضوع وهو نص فيه، يقول -رحمه الله: "وفصل النزاع أن يقال: التطريب والتغني على وجهين:
الأول: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خُلِّي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى للنبي -ﷺ: "لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً"[32]، يعني: نتقصد تزيين الصوت، فهذا لا إشكال فيه، يقول: "والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة ولكن النفوس تقبله، وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع، فهو مطبوع لا متطبع، وكلِفٌ لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به السامع والتالي، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها"[33]، الذين قالوا: يجوز أن يقرأ بالتطريب.
"الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحةُ به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يُتعلم أصوات الغناء بألوان الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، -يعني المقامات، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها"[34]، وتكلم على هذا وأن هذا فيه فصل النزاع، قال: "وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاع وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها ويسوِّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرءون بشجى تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضِيه، ولم ينهَ عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه..."[35]، إلى آخر ما ذكر.
كلام جيد في زاد المعاد، وأنا حرصت أن أورد هذا النص أيضاً وأتحدث عن هذا؛ لأنه يوجد من يقول: إني أقول بجواز القراءة بالمقامات، وما قلته قط، بل أقول: هذا لا يجوز، حرام، ولحون أهل الفسق لا يجوز القراءة بها، ولكن لله في خلقه شئون.
الشيخ يعني شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، لكن حديث زينوا القرآن بأصواتكم قال في الحاشية: رواه البخاري، والبخاري قد ذكره تعليقاً.
لا صرف الهمة إلى ما حُجب به أكثر الناس من الوسوسة في خروج الحروف.
يعني يقول: لابد من تزيين الصوت -تحسين الصوت، لكن لا يكون ذلك بحيث يفضي إلى لون من الوسوسة والتدقيق الزائد، فيكون ذلك صارفاً عن المقصود من تدبر القرآن؛ لأن القلب يتبع اللسان والنظر، ولهذا ذكر شيخ الإسلام أن الذي يحاول أن يُعرب الدعاء أن ذلك يُذهب حضور القلب والخشوع.
الخطبة قد يكون الموضوع مؤثرًا لكن الخطيب يلاحظ لسانه؛ لئلا يلحن، فإنه بذلك يكون قلبه تابعاً للسانه، فلا يتأثر، ومن ثَمّ لا يتأثر السامعون، وهكذا ما يتصل بقراءة القرآن، إذا كانت الهمة مصروفة إلى إقامة التجويد والتنقير فيه بدقة فهذا يكون مذهبةً للخشوع، ومسألة التجويد هل هو واجب أو ليس بواجب؟ هو فيه تفصيل، منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، ولا يقال: إنه واجب بإطلاق، ولا يقال: إنه غير واجب بإطلاق، فمثل هذه الإطلاقات والكلام المجمل هو سبب كثير من الاختلاف بين الناس، فقدر منه يجب، وقدر منه من المحسنات لا يجب، وقدر منه قد يكون على سبيل التكلف والتنطع، يوجد هذا عند بعض القراء، وليس الحكم عامًّا، فشيخ الإسلام يتكلم عن الذين يتكلفون، والواقع أن هذا كلام شيخ الإسلام.
يعني هذا الكلام قد لا يعجب كثيرًا من القراء، لكن هو يقصد التكلف، أن تكون الهمة مقصورة على هذا، لا تدبر ولا حضور قلب، وإنما فقط صناعة لفظية، القرآن ما أنزل لهذا، ونقف عنده، هذا هو المقصود لا التهوين من قدر التجويد، الذي يقرأ بتجويد أفضل من الذي لا يقرأ بتجويد، وقد يكون اللحن جليًّا فيأثم الإنسان إذا كان يستطيع أن يقيم لسانه، وكان ذلك بسبب التقصير والتفريط.
والإضجاع والإرجاع والتطريب وغير ذلك.
الإضجاع كالإمالة، الإرجاع يعني الإعادة والترديد، تسمع بعض القراء كل مدة يرجع ويأتي بطريقة معينة، ويطرب من عنده ويقولون: زيد الله يزيدك.
مما هو مفضٍ إلى تغيير كتاب الله، والتلاعب به، حائل للقلوب،قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومن تأمل هدي رسول الله ﷺ وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته.
وقال: يكره التلحين الذي يشبه الغناء، واستحب بعضهم القراءة في المصحف، ويستحب الختم كل أسبوع، والدعاء بعده.
الآن فيما يتعلق بالتلحين تكلمنا عليه، وذكر هنا في الهامش كراهة الإمام أحمد وقال: بدعة[36]، ونقل كلام شيخ الإسلام في القراءة بالألحان.
قال: "واستحب بعضهم القراءة في المصحف"، باعتبار النظر في المصحف عبادة، أن البصر ينظر، ويكون ذلك غالباً أدعى للتركيز لاشتراك أكثر من حاسة، ولكن ذلك ليس على إطلاقه، ليس دائماً، فذلك يختلف باختلاف الناس، فالذي لا يكون له حضور قلب إلا إذا قرأ عن ظهر قلب فقراءته عن ظهر قلب أفضل، لكن لا يُخلِّي نظره من نظر في المصحف ولو قليل، وأما الذي يجد قلبه في القراءة بالمصحف فذلك أفضل، ومن استوى الأمران فالقراءة في المصحف أفضل لإشغال النظر فيه، فيكون ذلك مزيد عبادة، هكذا -والله تعالى أعلم- بهذا التفصيل.
"يستحب الختم كل أسبوع"، بناءً على أن عبد الله بن عمرو قال له النبي ﷺ: اقرأه في سبع[37]، الحديث المشهور، وكان كثير من السلف يختمون كل سبعة أيام.
ولو ختم في ثلاثة أيام فقد رخص النبي ﷺ لابن عمرو -ا، وإن كان دون ذلك فقد فهم كثير من أهل العلم كالبخاري وغيره، وبعض التابعين، والإمام الشافعي أن ذلك ليس للمنع والتحريم، فتستغل الأوقات الفاضلة بمزيد من القراءة ولو ختم كل يوم ختمة، هكذا فهموا، وأن النبي ﷺ لم يذكر هذا على أنه محرم وإنما قال: لم يفقه القرآن[38]، فلا يكون عادة له، لكن مزيد اجتهاد في رمضان أو في العشر الأواخر، هؤلاء الناس يقرءون يختمون كل ثلاثة أيام، وكل خمسة وكل سبعة طول السنة، فإذا جاء رمضان ضاعفوا الجهد، فهكذا فهم أكثرهم، فإذا وجدتم في الآثار المنقولة عنهم أن فلانًا يختم في رمضان كل ليلة ختمة، أو يختم في النهار ختمة وفي الليلة ختمة، فهم لم يقصدوا المخالفة ولم يروا أن ذلك من قبيل المخالفة، إنما رأوا أن ذلك سائغ في الأوقات الشريفة استغلالاً لها، لكن لم يكن ذلك عادة لهم.
"والدعاء بعد ختم القرآن" لم يصح عن النبي ﷺ فيه شيء، لكن صح عن أنس أنه كان إذا ختم جمع أهله وعياله ودعا[39]، وهكذا أيضاً مجاهد[40]، وكذلك جاء عن قتادة[41]، وأنهم كانوا يرون أن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن، فكان الواحد يدعو مَن حوله مِن أصحابه، أو من أهله فيدعو ويؤمنون على دعائه، فمثل هذا إذا ثبت عن صحابي مثل أنس ، وجاء هذا عن جماعة من التابعين فإن هذا الفعل يمكن أن يكون مأخوذاً عن النبي ﷺ حينما يقولون: إن الدعاء يستجاب، من أين عرفوا أنه يستجاب؟ فمثل هذا يقال: إذا دعا فلا بأس، أو هذا حسن، لكنه يدعو خارج الصلاة، وإن دعا في الصلاة فإنه يدعو في الوتر، وإذا صلى وحده جعل الختم في ركعتين، ثم يدعو في سجوده مثلاً، يدعو في السجود.
أما تخصيص دعاء معين للختم فهذا ليس له أصل، أما الحديث الوارد من ختم القرآن فله دعوة مستجابة[42]، فلا يصح.
ولا يخالف خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف.
تحسين كتابة المصحف هذا أمر مطلوب، وهذا من إجلاله وتعظيمه، "ولا يخالف خط مصحف عثمان في واو أو ياء ... إلى آخره"، يعني لا يخالفه في شيء، يلتزم الرسم العثماني، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم سلفاً وخلفاً؛ لئلا يكون ذلك -أعني القرآن- مدعاة للتبديل والتحريف والتغيير، قواعد الإملاء تختلف من عصر إلى عصر، المشارقة والمغاربة، فلا يُفتح هذا الباب، يقال: يلتزم الرسم العثماني، نعم ليس بتوقيفي، يعني ما هو مأخوذ عن النبي ﷺ لكن سدًّا لباب التبديل والتغيير، وهذا الذي مشى عليه الأئمة من أهل العلم، وقاله أحمد، وسئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟.
قال: لا، إلا على الكتبة الأولى[43].
وقال الداني: "لا مخالف له من علماء الأمة"[44]، وهكذا ذكر جماعة كثيرة من أهل العلم هذا المعنى.
مسألة: قال: "ويحرم على المحدث مسه"، قراءة القرآن بالنسبة للمحدث لا إشكال فيها، كان النبي ﷺ يقرأ القرآن على كل أحواله أو أحيانه ﷺ[45]، والأفضل أن يقرأ متطهراً، النبي ﷺ قال: فإني كرهت أن أذكر الله إلا وأنا على طهر[46]، هذا في رد السلام.
فالأفضل أن يكون متطهراً، لكن لا يجب.
وفيما يتعلق بالمس لا يمس القرآن إلا طاهر[47]، ما ورد في هذا من الأحاديث تكلم العلماء في أسانيدها، والأقرب أنها ثابتة، ولكنهم أيضاً تكلموا في معناها، وقال بعضهم: هذا من قبيل المجمل؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد الملائكة لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] كما قال الله وهذا هو الراجح في الآية في قوله: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ أي: الملائكة، قالوا: كما قال الله -: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:13-16]، فلا يمسه في السماء إلا المطهرون وهم الملائكة.
لكن قال بعض أهل العلم: هذا فيه إشارة، هذا تفسير يسمونه الإشاري، إشارة: إذا كان الذي في السماء لا يمسه إلا المطهرون فينبغي أن يكون الذي في الأرض لا يمسه إلا المطهرون، فهذه لفتة، لكن قول النبي ﷺ: لا يمس القرآن إلا طاهر، كتاب النبي ﷺ لعمرو بن حزم، كتب لأهل اليمن، اليمن كان فيها من المجوس، ومن أهل الكتاب، ومن المسلمين، فما معنى لا يمس القرآن إلا طاهر؟ يحتمل أن يكون المراد لا يمسه إلا مسلم، ويحتمل أن المراد طاهر من الحدث الأكبر، ويحتمل أن يكون طاهراً من الحدث مطلقاً، فهذا هو الإجمال الذي ذكره بعض أهل العلم، قال: هذا مجمل، والمجمل يحتاج إلى بيان، لكن لو بقينا مع هذا فقط لربما نقول: مجمل، لكنه جاء عن بعض الصحابة ولا نعلم لهم مخالفًا -سعد بن أبي وقاص وغيره- أنهم يرون الوضوء لمس المصحف، ولهذا يقال: لا ينبغي للإنسان أن يمس المصحف إلا وهو متطهر، إلا بحائل، أو يكون المصحف فيه هامش، تفسير مثلاً، أو يكون التفسير هو الغالب، أكثر من القرآن، فلا بأس ولا يضع يده على المربع الذي فيه القرآن، فهذا لا إشكال فيه.
وسفرٌ به لدار حرب، ويجب احترامه.
لا يسافر به إلى دار الحرب من أجل ألا يقع في يد العدو فيمتهن، "ويجب احترامه"، احترام المصحف وتعظيم المصحف، لا يمد الرِّجل إليه ولا يتوسده، ولا يتكئ عليه، ولا يضع الكتب فوقه، بل العلماء -رحمهم الله- تكلموا عن الكتب كيف يرتبها، ما الذي يوضع فوق، وما الذي يوضع تحته، وللأسف نحن نرى كثيراً من الابتذال للمصاحف لدى بعض طلبة العلم، تجده في الحرم يصلي وأين يضع المصحف إذا جلس في التراويح؟، يضع المصحف -سلمك الله، الله يعزكم ويعز كتابه قبل ذلك- على نعليه، يضع نعليه مجموعتين ثم يضع المصحف عليها، هذا لا يجوز، أو يضع المصحف على الأرض والناس تذهب وتجيء لا ينظرون إلى الأرض أثناء صلاة التراويح وهذا يضربه برجله وهذا يطؤه، طيب إذا كان مظنةً لذلك فلماذا تضعه بهذا المقام؟، هذا لا يجوز، ويجب تعظيمه واحترامه، بعضهم يضعه في مكان بحيث إذا ركع الناس فإنهم يستدبرونه تماماً، يلتصق، هذا لا يليق، يجب أن يعظم المصحف وكتب العلم.
وتجدون كلامًا في هذا -مسألة تعظيم المصحف- في مثل: (فضائل القرآن) لأبي عبيد، تكلم عن هذا، و(شعب الإيمان) للبيهقي، و(الإتقان) للسيوطي، أيضاً كتاب النووي (التبيان)، وغير ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.
- انظر: مجموع الفتاوى (13/ 344).
- أخرجه الترمذي، أبواب الوصايا عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء لا وصية لوارث، برقم (2120)، وابن ماجه، أبواب الوصايا، باب لا وصية لوارث، برقم (2714)، وقال شعيب الأرناؤوط: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7570).
- مجموع الفتاوى (4/96).
- المصدر السابق (13/ 352).
- انظر: المصدر السابق.
- انظر: مجموع الفتاوى (13/ 354).
- أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3461).
- انظر: تفسير القرطبي (18/ 40).
- مجموع الفتاوى (13/ 355).
- المصدر السابق.
- أخرجه البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إثم من أشرك بالله، وعقوبته في الدنيا والآخرة، برقم (6918).
- انظر: تفسير الطبري (11/ 65)، وتفسير البغوي (3/ 334)، وتفسير القرطبي (7/ 373).
- أخرجه البخاري، كتاب التيمم، باب التيمم ضربة، برقم (347)، ومسلم واللفظ له، كتاب الحيض، باب التيمم، برقم (368).
- أخرجه أبو داود، كتاب الفرائض، باب في الجدّة، برقم (2894)، والترمذي، أبواب الفرائض عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في ميراث الجدة، برقم (2100)، وابن ماجه، أبواب الفرائض، باب ميراث الجدة، برقم (2724)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم (497).
- أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم (5729)، ومسلم، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، برقم (2219).
- أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب قول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، برقم (1916)، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك، برقم (1090).
- أخرجه البخاري، أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء، برقم (946)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، برقم (1770).
- انظر: الإتقان في علوم القرآن (4/ 195)، والتفسير والمفسرون (1/ 13).
- انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 3)، والتفسير والمفسرون (1/ 13).
- انظر: البرهان في علوم القرآن (1/ 6)، والإتقان في علوم القرآن (4/ 28).
- تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 36).
- أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن، برقم (5026)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن، ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه، أو غيره فعمل بها وعلمها، برقم (815).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا النبأ:18: زُمَرًا، برقم (4937)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر في القرآن، والذي يتتعتع فيه، برقم (798).
- أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب ذكر الطعام، برقم (5427)، وبرقم (7560)، كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتُهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة حافظ القرآن، برقم (797).
- انظر: فتح الباري لابن حجر (9/ 71).
- المصدر السابق (9/ 72).
- زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 471).
- انظر: مجلة المنار (15/ 561).
- البخاري، معلقاً، كتاب التوحيد، باب قول النبي ﷺ: الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، صحيح البخاري (9/ 158)، وأخرجه أبو داود، باب تفريع أبواب الوتر، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم (1468)، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب تزيين القرآن بالصوت، برقم (1015)، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب في حسن الصوت بالقرآن، برقم (1342)، وصحح إسناده الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1320)، وفي صحيح الجامع، برقم (3580).
- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:13-14]، برقم (7527).
- المجموع شرح المهذب (2/ 164).
- أخرجه النسائي في السنن الكبرى، برقم (8004)، والحاكم في المستدرك، برقم (5966)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (3532).
- زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 474).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- انظر: درء تعارض العقل والنقل (2/ 41)، ومجموع الفتاوى (12/ 427).
- أخرجه أبو داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في كم يقرأ القرآن، برقم (1390)، وأحمد في المسند، برقم (6546)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1157).
- أخرجه أبو داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في كم يقرأ القرآن، برقم (1390)، وبرقم (1394)، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب تحزيب القرآن، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في كم يستحب يُختم القرآن، برقم (1347)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1260)، وفي صحيح الجامع، برقم (7743).
- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 128)، برقم (30038)، والفريابي في فضائل القرآن (ص: 189)، برقم (85)
- انظر: التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 159).
- قتادة يرويه عن أنس كما في رواية ابن أبي شيبة والفريابي المتقدمة.
- أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (647)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (5666).
- انظر: المحكم في نقط المصاحف (ص: 11)، والمقنع في رسم مصاحف الأمصار (ص: 19)، والإتقان في علوم القرآن (4/ 168)، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 379).
- انظر: البرهان في علوم القرآن (1/379)، والإتقان في علوم القرآن (4/168)، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/379).
- أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الجنب يقرأ القرآن، برقم (229)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا، برقم (146)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب حجب الجنب من قراءة القرآن، برقم (266)، وابن ماجه، أبواب التيمم، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة، برقم (594)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم (31).
- أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب أيرد السلام وهو يبول؟، برقم (17)، وأحمد في المسند، برقم (19034)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (13)، وفي صحيح الجامع، برقم (2472).
- أخرجه الطبراني في الصغير، برقم (1162)، والكبير، برقم (13217)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7780).