الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا هو الحديث الأخير في باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد، وهو:
يقول: فلم يجئ مال البحرين حتى قبض النبي ﷺ، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند رسول الله ﷺ عِدة أو دين فليأتنا.
يعني: من وعده النبي ﷺ بشيء، أو دين: بمعنى أنه أقرض النبي ﷺ شيئًا.
يقول: فأتيته، وقلت له: إن النبي ﷺ قال لي كذا وكذا، فهذا من قبيل العِدة -الوعد، يقول: فحثا لي حثية فعددتها...
يعني: أن أبا بكر حثا له من هذا المال، وهو مال الجزية، جيء به من البحرين، حثا لي حثية فعددتها، فإذا هي خمسمائة، فقال لي: خذ مثليها[1]، متفق عليه.
يعني: النبي ﷺ قال له: أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا.
يعني: ثلاث حثيات، ولما جاء أبو بكر حثا واحدة، فقال: عُدّ، فإذا هي خمسمائة، قال: خذ مثليها، يعني: المجموع يكون ألفًا وخمسمائة.
فهذا هو وجه الشاهد أن أبا بكر أنفذ وعد رسول الله ﷺ، وهنا لم يُذكر أنه طالبه بما يُثبت، ببينة، كأن يكون هناك كتاب، أو بشاهد أو شهود، أو نحو ذلك.
قد يكون جابر جاء بذلك، وقد يكون أبو بكر علم هذا، كان موجودًا، وعلم.
وتأتي مسألة هنا: وهي هل للحاكم أن يحكم بعلمه؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، والواقع أنه ليس له أن يحكم بعلمه، وإنما كما قال النبي ﷺ: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر[2].
فيأتي هذا ببينة، بشهود، بشيء يثبت ذلك، لكن هذه في الحقوق، يعني: قد يقول قائل: إن أبا بكر سيعطيهم من بيت مال المسلمين، وهذا حق للجميع، نقول: لا، كأنه يأخذ من مال خاص، فيحتاج إلى ما يثبت هذا، لو مات إنسان، فجاء آخر وقال: أنا أطالبه بدين، أطالبه بمائة ألف.
هات ما يثبت، فإذا لم يأتِ بشيء من ذلك، ثم لم يعطوه فإنهم غير مؤاخذين، لا يقال: إنهم قد عقوا أباهم، وعلقوه بدينه، لا، لأنه ما جاء بما يثبت.
فهنا بيت المال هو حق لجميع المسلمين، لكن قد يجاب عن هذا أيضًا بأن ذلك ليس من قبيل الدين، وإنما من قبيل الوعد، وعده أن يعطيه من هذا المال العام، وأبو بكر هو الخليفة، فيتصرف ببيت المال بحسب ما يراه من المصلحة، من هذا الباب، ولهذا يقال: إنه إن لم يأتِ بالشهود وبالبينة فحكم أبو بكر بما علم أو لثقته بجابر فإن هذا لا إشكال فيه.
وليس هذا محل البحث، محل البحث الوفاء بالوعد.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه
- أخرجه البخاري، كتاب الحوالات، باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع (3/ 96)، رقم: (2297).
- أخرجه الدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره (4/ 114)، رقم: (3191).