الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهنا شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: ومثل هذا قد يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك، فالأول يعني إذا أريد به كل المعاني إما لكون الآية نزلت مرتين، وهذا مضى الكلام عليه، فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، هنا يمكن أن نجعل عنواناً نقول: (المشترك قد يراد به معنياه)، إذ قد جوز ذلك أكثر فقهاء المالكية الخ، وهذا هو الأرجح.
هذه المسألة تذكر في أصول الفقه، المشترك هل يُحمَل على معنييه -أو معانيه-؟ فالراجح أنه يُحمَل على ذلك.
يقول: وإما لكون اللفظ متواطئاً فيكون عاماً إذا لم يدخل لتخصيصه موجب فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.
الآن إما لكون اللفظ متواطئاً فيكون عاماً، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني، هذا النوع الذي يمكن حمل الأقوال فيه من قبيل المشترك أو المتواطئ أو نحو هذا، فيكون من الصنف الثاني من الصنفين اللذين ذكرهما من قبل، ذكر لاختلاف التنوع صنفين، الصنف الثاني منهما ما ذُكر فيه بعض أنواع المسمى على سبيل التمثيل، فإذا قال مثلاً: قسورة: الأسد إذا قلنا: يمكن جمع الأقوال فنقول: هذا من ذكر بعض أفراد المشترك -الأفراد الداخلة تحته-، يعني كأنه ذكر بعض ما يدخل تحته على سبيل التمثيل، هذا إذا قلنا: تجتمع، إذا قلنا: لابد من ترجيح فهنا لا يقال ذلك.
ثم قالوا: من الأقوال الموجودة عنه وجعلها الناس اختلافاً أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في القرآن فإما نادر أو معدوم. هنا يمكن أن نجعل عنواناً نقول: (الترادف في اللغة والقرآن)، والترادف هو الألفاظ المتعددة مع اتحاد المعنى.
هنا بدأ يتكلم عن هذه المسألة يقول: الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، هذه المسألة يذكرها أهل اللغة والأصوليون الذين يقولون: إن الترادف لا وجود له في القرآن، هؤلاء منهم من يقول: إن الترادف موجود في اللغة، ومنهم من يمنع وجوده في اللغة، فإن كان ممن يمنع وجوده في اللغة فيقول: القرآن نزل بلغة العرب، ولا وجود للترادف في لغتهم، وهذا واضح، يعني مبناه على ما في اللغة، لكن إن كان يقول: يوجد في اللغة قل أو كثر، ولكن لا يوجد في القرآن، فيقال: القرآن نزل بلغة العرب كيف تمنع؟، فبماذا يجيبون؟ بماذا يعللون؟
يقولون: هذه الألفاظ المتعددة التي يقوم بعضها مقام بعض إنما يحتاج إليها المخلوق، فيفوته لفظ فإذا فاته لفظ أسعفه اللفظ الآخر، أما الله -تبارك وتعالى- فهو العليم اللطيف الخبير أحاط علماً بكل شيء، فهذا لعجز البشر ولضعف البشر قد يفوته بعض الألفاظ فيجد ألفاظاً تقوم مقامها، هكذا قد يعللون.
شيخ الإسلام -رحمه الله- هنا يقول: الترادف في اللغة قليل، وفي القرآن إما نادر وإما معدوم، العلماء في مسألة الترادف منهم من يقول: لا وجود للترادف أصلاً فهذا مذهب معروف، وتجد بعض العلماء ألف في الفروق اللغوية بناءً على ذلك.
هناك كتب في الفروق اللغوية قديمة، وهناك كتب ومؤلفات حديثة، ومن أشهر المؤلفات في الفروق اللغوية كتاب (الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري)، وهو كتاب مفيد جيد، لكن ينبغي أن نعرف المذهب، فإذا كان يعتقد أنه لا وجود للترادف في اللغة فمعنى ذلك أن سيتمحل ويتكلف في إيجاد فروقات بين بعض الألفاظ التي يصعب جداً إيجاد الفرق بينها، وهذا التكلف وجد في بعض المواضع في الكتاب، كتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
لكن عبارة شيخ الإسلام دقيقة قال: قليل. معناها هذه التي تحتاج إلى تمحل حتى نوجد الفرق، يمكن أن نقول: إنها مترادفة وانتهينا.
وبعضهم يقول: الترادف موجود، وهذا لا يخلو من توسع وتساهل، ولو قال قائل: إن ذلك على تفصيل فالترادف موجود في المعاني الأصلية، ولكنه لا وجود له في المعاني الخادمة، فالمعاني على نوعين: معانٍ أصلية دل عليها اللفظ -دلت عليها هذه الألفاظ-، وهناك معانٍ أخرى هي من قبيل المعاني الثانوية، أو المعاني التكميلية، أو المعاني الخادمة، وهذه بعض الأمثلة على التفصيل هذا، والأمثلة كثيرة جداً قد تجد في بعض هذه الأمثلة التي سأسردها لك سريعاً بعض المواضع يصعب عليك أن تفرق بينها.
الألفاظ التي يصعب عليك أن تفرق بينها هنا قد يقال: هذا مترادف، مثلاً: الابتلاء والاختبار والامتحان، ما الفرق؟ أتى وجاء ما الفرق؟ الإثم والخطيئة والمعصية والذنب ما الفرق؟ الأجر والثواب؟ الإحكام والاتقان؟ الإخبار والإعلام؟ الاختراع والإبداع؟ الاختصار والإيجاز؟ الاختلاف والافتراق؟ المعرفة والعلم؟ الإذلال والإهانة؟ الفرح والسرور والحبور؟ الارتفاع والصعود والعلو؟ الأصل والأساس؟ الاستطاعة والقدرة؟ الاستهزاء والسخرية؟، الإطراء والمدح؟ الإطناب والإسهاب؟، الاعتراف والإقرار؟ الريب والشك؟ الإنصاف والعدل؟ الكل والجميع؟ النعت والصفة؟ السَّنَة والعام؟ المشيئة والإرادة؟ هذه أمثلة.
وهناك أشياء نستطيع أن نفرق في المعاني الخادمة نقول مثلاً: الخشية والخوف، المعنى الأصلي واحد الذي هو الخوف، المعاني التكميلية والخادمة الخشية خوف خاص، خوف مع علم. الرأفة والرحمة، المعنى الأصلي الرحمة لكن الرأفة رحمة خاصة، وهي رحمة مع رقة، رحمة رقيقة. المعرفة والعلم، المعرفة علم طارئ حادث يعني انكشاف بعد عدم أو جهل. لكن الكل والجميع أين المعاني التكميلية؟ السنة والعام؟
أبو الهلال العسكري حاول أن يوجد فرقاً لكن فيه تكلف واضح، أي الفرق بين السنة والعام لهذا يقول شيخ الإسلام بأنه في اللغة قليل، عبارة شيخ الإسلام دقيقة، يعني شيخ الإسلام تجد أنك لما تقرأ له لما يتحدث مثلاً عما اشتهر عن مقاتل بن سليمان المفسر أنه رمي بالتجسيم في العقيدة، هذا مشهور، ويُنقل عن بعض الأئمة، تجد شيخ الإسلام إذا ذكر هذا يقول: وقد لا يثبت عنه، هذه العبارة إذا بحثت وراءها وجردت كتب مقاتل بن سليمان تبحث عن هذا التفسير ما تجد، فشيخ الإسلام قال: وقد لا يثبت عنه. وهذه كتبه موجودة، له تفسير في أربع مجلدات، له تفسير في آيات الأحكام، مطبوعة، فعبارات شيخ الإسلام دقيقة.
فهنا يقول: في اللغة قليل وأما في القرآن فإما نادر وإما معدوم. يعني باعتبار الألفاظ التي وردت في القرآن، يقول: وقلَّ أن يُعبَّر عن لفظٍ واحدٍ بلفظٍ واحدٍ يؤدي جميع معناه، يعني من المعاني الأصلية والتكميلية، ولهذا كما قلت: التوسط -والله أعلم- أن يقال: الترادف موجود في المعاني الأصلية، ولكن في المعاني التكميلية والخادمة إن وُجِد فهو قليل، يعني لفظة تطابق جميع ما تدل عليه اللفظة الأخرى، هذا لا يكاد يوجد، قل أن يوجد مثل هذا.
فإذا جاءوا في التفسير وفسروا لفظة بلفظة قالوا: الإشفاق هو الخوف، والخشية هي الخوف فهذا من باب التقريب، وإلا فالرَّيب والشك مثلا الريب شكٌ مع قلق، شكٌ خاص، فإذا قالوا: الريب هو الشك هذا من باب التقريب، هذا الذي يريده شيخ الإسلام.
فهنا أتى بأمثلة يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا [سورة الطور:9] فسر المور بالحركة يقول: هذا تقريب؛ إذ المور حركة خفيفة سريعة بهذا القيد، كذلك الوحي إذا فسر بالإعلام، شيخ الإسلام يقول: هو إعلام خاص، يعني شيخ الإسلام يرى أنه إعلام مع سرعة وخفاء، وليس كل إعلام يقال له: وحي. النبأ والخبر لما يقال: النبأ يعني الخبر هذا تقريب وإلا فالنبأ خبر خاص، الخبر الذي له خطب وشأن يقال له: نبأ، وما كل خبر يكون نبأً وهكذا. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الإسراء:4] أي أعلمنا، وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب. يقول: فإن الوحي إعلامٌ سريعٌ خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاءً إليهم، يعني ليس مجرد الإعلام.
ثم بدأ يتكلم عن التضمين، ويمكن أن نضع عنواناً نقول: (التضمين)، التضمين يكون في الحروف والمعاني، حروف الجر مثلاً، يعني أن الحروف تتناوب فتأتي "في" بمعنى "على" مثلاً، وتأتي "الباء" مثلاً بمعنى "من"، أو نحو ذلك مما تتناوب فيه الحروف.
وهناك تضمين في الأفعال، وما ينوب عنها أو ما يقوم مقامها، وحقيقته هو إشراب معنى فعلٍ لفعلٍ آخر؛ ليقوم مقامه ويعدَّى تعديته ليعامل معاملته، وبعضهم يقول: هو إيقاع لفظٍ موقع غيره -لأنها لا يكون لها أفعال- لتضمنه معناه، يتضح هذا في الأمثلة.
مذهب الكوفيين الأسهل في النحو أنهم مباشرة في التضمين يقولون بتضمين الحرف معنى الحرف وكفى، ومذهب البصريين أدق وأصعب فهم الذين يسميهم ابن القيم -رحمه الله- فقهاء النحاة، فهؤلاء لا يقولون بهذه السهولة: إن الحرف ضمن معنى حرف آخر، يقولون: لا، بل الفعل أو اللفظ الذي يقوم مقامه ويدل عليه ضمن معنى فعل آخر؛ ليصح أن يعدى تعديته، سيتضح هذا بهذه الأمثلة.
لاحظ "سؤال" هنا ليس فعلا، هو مصدر، بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ، سؤال هنا يُعدَّى بـ"مع"، بسؤال نعجتك مع نعاجه، هنا
الكوفيون مباشرة يقولون: الحرف مضمن معناه، "إلى" بمعنى "مع" وانتهينا، البصريون يقولون: لا، ليس هو بهذه السهولة، قالوا: "سؤال" مضمن معنى الضم؛ ليصح التعدية بـ "إلى"، أي يضم نعجتك إلى نعاجه، ضم كذا إلى كذا، فـ "ضم" يصح تعديتها بـ "إلى" بخلاف سؤال. وابن القيم يعتبر أن هؤلاء هم فقهاء النحاة؛ يقول: لأن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فلما عدّاه بحرف لا يعدى به عادة دل على أن في بطن الفعل أو ما يقوم مقامه فعلاً آخر يصح أن يعدى بهذا الحرف.
فهنا بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ أي بضم وإضافة نعجتك إلى نعاجه، والنعجة المراد بها هنا: النعجة المعروفة أنثى الضأن، هذا هو المتبادر الظاهر، مع أن بعض المفسرين يقول: المرأة، يعني يريده أن يطلق امرأته من أجل أن يتزوجها مع زوجاته. وهم يقصدون بهذا معنى معروفاً عند العرب أن المرأة يقال لها على سبيل المدح: نعجة، لا يقصدون النعجة أنثى الضأن، فالذي في أشعار العرب وفي الغزل، وفي كلامهم منثوره ومنظومه أنهم يقصدون الظباء، بقر الوحش التي يسمونها المها، فيوصِّفون جمال المرأة وعيونها بالمها.
فالمها هذه العرب تسميها نعجة، هذا موجود في كلامهم وفي أشعارهم، يقصدون هذا، لذلك المرأة الجميلة يوصِّفونها بالمها والظباء والنعجة، النعجة يعني الظبى وليس أنثى الضأن، بعض النساء إذا سمعن هذا قلن: "خلف الله علينا حطونا نعاج"، ليس هذا هو المراد، ما فهمن المراد، لو عرفن لسمين لربما كثيراً من البنات نعجة كما يسمين مها، تكثر التسمية بمها، العرب يقصدون هذا، والمفسرون الذين قالوا ذلك قصدوا هذا المعنى، فهم يقصدون المها لجمال عيونها.
قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ [سورة آل عمران:52].
لاحظ هنا ما هو بفعل، أنصاري.
هذا على مذهب الكوفيين، إلى بمعنى مع، يقولون: حروف الجر تتناوب، وهذا مذهب سهل، هل فيه زيادة في المعنى؟ ما فيه زيادة في المعنى.
لكن على مذهب البصريين فيه زيادة، قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ يعني ملتجِئاً إلى الله، هذا التقدير لأجل أن يعدى بـ "إلى"، يكون أنصاري ملتجئاً إلى الله، أو ذاهباً إلى الله، أو ضاماً إليه الله، أو من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله في نصري، أو متوجهاً إلى الله، أو أن هذه الصفة –أنصار- مضمَّنة معنى الضم، أي مَن ضامون نصرهم إياي إلى نصر الله إياي، أو في حال ذهابي إلى الله، أي إلى تبليغ شريعته، هذه كلها تقديرات ذكرها العلماء على مذهب البصريين.
يفتنونك عن، ما قال: في الذي أوحينا إليك، وإنما قال: عن؛ لأن يفتنونك مضمَّن معنى فعل آخر يصح أن يُعدَّى بعن، يفتنونك مضمَّن معنى يضلونك عنه، يزيغونك عنه، يصدونك عنه.
نصرناه من القوم، ما قال: نصرناه على القوم، فالكوفيون يقولون: "من" بمعنى "على" وانتهينا، والبصريون يقولون: لا، ليس بهذه السهولة، نصرناه هنا مضَّمن معنى نجيناه وخلصناه، فهنا النصر فيه زيادة وهي التنجية والتخليص، فنجيناه أو خلصناه يعدَّى بـ "من"، خلصناه من كذا، نجيناه من كذا، لكن نصرناه يعدى بـ "على"، نصرناه على كذا.
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا [سورة الإنسان:6].
العين يشرب بها أو منها؟ فالكوفيون يقولون: "الباء" بمعنى "من"، والبصريون يقولون: لا، يشرب مضمَّن معنى فعلٍ آخر يصح أن يعدَّى بـ" الباء"، يشرب مضمَّن معنى يرتوي بها، أو يلتذ بها، فصار عندنا شربٌ وزيادة ارتواء، أو التذاذ، قد يشرب ولا يرتوي، وقد يشرب على القَذَى ولا يلتذ،
وهكذا الألفاظ التي يفسرونها بما يقاربها.
يعني فسره بما يقاربه لأن هذا ليس بمرادفٍ له.
يعني هو شك مع قلق يجول في النفس، كما قالﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك[1]، حديث عند أحمد وبعض أصحاب السنن،
في طريقه إلى مكة ﷺ، الظبي إذا كان رابضاً ونائماً وقد أمال عنقه على جنبه يقال له: حاقف، ظبي حاقف، وهم مُحْرِمون، فأوقف النبي ﷺ عنده رجلاً
لا يعتدي عليه أحد، فمعنى لا يريبه أحد يعني لا يتسبب بإقلاقه أو إزعاجه بحركة أو اقتراب أو نحو ذلك. بعضهم يقول: أنا لا أصيد، أريد أن آتي وأستمتع به وأضمه، أو أنظر إليه من قرب، قال ﷺ: لا يريبه أحد
ضمن اضطراب الحركة.
الإشارة تكون للبعيد وللقريب، هذا" تستعمل للقريب، و"ذلك" للبعيد، وبعضهم يجعلها على ثلاث مراتب: هذا للقريب، وذاك للمتوسط، وذلك للبعيد، فالله قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ فإذا قال المفسِّر: هذا الكتاب يكون هذا من باب التقريب.
يعني إذا فسر الكتاب بالقرآن، يقول: هذا من باب التقريب، وإلا فإن لفظة الكتاب فيها دلالة زائدة وهي الإشارة إلى كونه مكتوباً، وهذا لا يوجد في لفظ القرآن، يعني هو يريد أن يقرر أن الفروقات في المعاني التكميلية موجودة لكن المعنى الأصلي واحد بين هذا الذي يسمى بالمترادف.
يعني ترتهن أخص من تحبس؛ لأن المرتهَن يكون محبوساً لكن المحبوس قد لا يكون مرتهناً، كل ذلك للتقريب.
وبعد ذلك يأتينا عنوان: (فائدة جمع عبارات السلف المتقاربة) شيخ الإسلام يقول: هذا مفيد، أن نستقرئ عبارات السلف، وننظر، فهذه العبارات من مجموعها إذا أمكن -يعني العبارات المتقاربة- نركب المعنى، وهذا الذي قلت لكم: إنه روعي في كتاب (التفسير الميسر) طبع المجمع، روعي فيه فجاءت العبارات ضافية في الغالب، الطبعة الثانية كتب لهم أشياء من الاستدراكات التي يمكن أن تعدل بهذه الطريقة، وعُدِّل كثير منها في الطبعة الجديدة فهذا روعي فيه، وروعي كذلك في التفسير الجديد الذي ظهر، تفسير المختصر الذي أصدره مركز تفسير الدراسات القرآنية، هذا تفسير مفيد يشبه التفسير الميسر، ورُوعي فيه هذا الجانب، وطُبِع طبعة محدودة من أجل تلقِّي الملحوظات والاستدراكات، والفكرة أن يطبع طبعة واسعة جداً، أصل الفكرة إن تحققت أنه يطبع بحيث تصير النسخة بـ 6 ريالات، هو مجلد كبير مفيد اسمه (التفسير المختصر)، هذا روعي فيه هذا الجانب، وهذا يراعيه ابن جرير، وابن كثير، وابن القيم، وشيخ الإسلام، والشنقيطي -رحمهم الله.
وتفسير "زبدة التفسير" لما اختصر "فتح القدير" لم يراعِ فيه هذا، فجاءت غالب المواضع تفسيراً يصدق على عبارة من عبارات السلف التي هي جزء من المعنى الذي هو أعم، فجمعُ عبارات السلف مهم حتى في الأحاديث النبوية، جمع الأحاديث يُخرِج لنا معانيَ يكمل بعضها بعضاً، الألفاظ النبوية في الحديث، يعني إذا سمعتم مثلاً نباح الكلاب نتعوذ، جاء في رواية: إذا سمعتم نباح الكلاب في الليل. وحديث: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة[3] جاء في بعض الروايات الصحيحة: وهو حافظ له[4]، فدل على أن الذي مع السفرة الكرام البررة ليس الذي يقرأ بمهارة عن نظر، وإنما عن حفظ. وهكذا في قوله: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة[5]ثبت في رواية أخرى: ويعمل به، كمثل الأُتْرُجَّة [6]، ما هو مجرد القراءة.
يوجد خلاف حقيقي يُحتاج معه إلى الترجيح في التفسير بين أقوال السلف.
هنا يأتي عنوان جديد: (عامة ما يضطر إليه عموم الناس معلوم).
هل عدد الصلوات من مواضع الاختلاف أو مواضع الاتفاق؟
مواضع الاتفاق؛ ولهذا الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يرى أن العبارة هنا فيها شيء، فيها تحريف، وأن العبارة تكون هكذا: ما يضطر إليه عموم الناس من الاتفاق معلوم؛ لأن الأمثلة التي ذكرها بعده هي قضايا متفق عليها، ويقول: إن في نسخته تعليقاً، وهذا التعليق يقول: هو من كلام الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-؛ لأنه قرأ الرسالة عليه وكتب التعليقات. فيقول: إن التعليق هذا يقول: لعله من الأحكام، يعني ونحن نعلم أن عامة ما يضطر إليه عموم الناس من الأحكام معلوم، يعني الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يقول: من الأحكام، والشيخ ابن عثيمين يقول: من الاتفاق، والذي حمل الشيخَ ابن عثيمين -رحمه الله- أن يقول: من الاتفاق -والله أعلم- هو الأمثلة التي بعده، لكن السياق أقرب إلى أنه يقال: من الأحكام، ومثل بالأشياء المتفق عليها، ولو لم يذكر الأمثلة لصحت العبارة في ذكر هذا.
ونحن نعلم أن عامة ما يضطر إليه عموم الناس من الاختلاف معلوم، يعني ما وقع فيه الاختلاف مما يضطر إليه الناس الراجح منه معلوم، يعني يوجد منه ما يدل على الراجح، لكن الأمثلة التي ذكرها هي قضايا اتفاق ليست قضايا اختلاف، فيكون المترجح أن العبارة من الأحكام.
هذه قضايا واضحة لا إشكال فيها.
أكثر مسائل الفرائض ليس فيها اختلاف، فهنا مسألة الجد مع الإخوة سواء كانوا أشقاء أم كانوا لأب، فهذه فيها اختلاف بين الصحابة ، فبعض العلماء من الصحابة يقولون: إن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات، فهو يقوم مقام الأب تماماً، يحصل الحجب به للإخوة والأخوات سواء كانوا أشقاء أو غير أشقاء، وهذا قال به أبو بكر وعثمان وعائشة وأبي بن كعب ومعاذ وجابر وأبو هريرة وابن عباس .
وبعضهم يقول: إنهم يرثون مع الجد فهو ليس كالأب، وهذا مروي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت -رضي الله عن الجميع- على اختلاف بينهم في طريقة توريثهم مع الجد.
وهنا مسألة أيضاً المشرِّكة والمشرَّكة يقال: بالكسر وبالفتح، والأشهر المشرِّكة، فالكسر باعتبار أنها شرّكت بين الإخوة فأضيف هذا إليها، وبالفتح اسم مفعول، الأول: المشرِّكة اسم فاعل، والثاني المشرَّكة اسم مفعول باعتبار أنها محل التشريك أو الاشتراك، وهذه التي تسمى في الفرائض بالحِمارية، وتسمى أيضاً أم الفروخ، لكثرة هولها.
ضابط هذه التي هي المشرِّكة أو المشرَّكة أن يوجد زوج وذات سدس سواء كانت أماً أو جدة، وإخوة لأم اثنان فأكثر، وأخ شقيق فأكثر سواء كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً، ما حكمها؟ بعضهم يقول: إن الأشقاء يسقطون؛ لاستغراق الفروض للتركة، يعني الآن الإخوة لأم يرثون، والأشقاء لا يرثون، يقال: إنها سُمَّيت بالحِمارية؛ لأن الأشقاء اعترضوا، قالوا: هب أبانا حماراً، لو ثبت هذا، لو صح أنهم قالوا لعمر ، أي نستوي معهم في الأم أمنا واحدة فلماذا لا نرث؟ فتكون على هذا -على سقوط الإخوة الأشقاء- النصف للزوج، والسدس للأم أو الجدة، والثلث للإخوة لأم، هذا قول عمر الأول. القول الثاني: أنهم يرثون، أنهم يشاركون الإخوة لأم في الثلث، ويأخذون حكمهم في التسوية، يعني الذكور والإناث يستوون في حصصهم من هذا الثلث، وهذا قول عمر الأخير .
يعني أن جمهور مسائل الفرائض لا اختلاف فيها، أما هذه المشرّكة وما شابهها فهي قليلة الوقوع، ووقع فيها مثل هذا الاختلاف، لكن المسائل الأصلية عمود النسب من الآباء والأبناء والكلالة من الإخوة والأخوات، الكلالة مصدر من تكلله النسب يعني أحاط به، الشيء الذي يحيط يقال له ذلك، ومنه الإكليل الذي يحيط بالرأس، فالأب والابن طرفان، هذا أعلى وهذا أدنى، فإذا مات الرجل ولم يخلّفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه، فسمي ذهاب الطرفين كلالة عند بعضهم، يعني بقي الذين يحيطون به، بعضهم يقول: لما مات لا عن طرفين -إن صح التعبير- كان هذا مصيبة، فالكلالة اسم للمصيبة، لا وارث له من الأصول ولا من الفروع، وإنما كلالة يرثه الحواشي من الإخوة والأخوات، ونحو ذلك.
وبعضهم يقول: الكلالة اسم للورثة ما عدا الولد والوالد، هؤلاء الذين يرثونه الذين يحيطون به من الإخوة والأخوات ونحو ذلك هم الكلالة، وبعضهم يقول: اسم للميت ليس للمصيبة ولا للوارثين غير الأصول والفروع، بل اسم للميت الذي لا ولد له ولا والد، وهذا منقول عن جماعة من الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود، وبعضهم قال: يطلق على الأمرين كما جاء عن الزهري، فمعناها يرجع إلى الاحاطة، والإكليل معروف إلى اليوم لا يخفى، يحيط بالرأس ولا يعلو عليه، فكان الورثة ما عدا الوالد والولد بهذه المثابة محيطين بالميت من حوله لا من طرفيه لا من الأعلى والأسفل، كإحاطة الإكليل بالرأس، كلالة من الإخوة والأخوات.
فعصبة الرجل هم قرابته لأبيه وبنوه، هؤلاء هم العصبة، التعصيب مصدر عصّب يعصِّب تعصيباً، قالوا: هو معصِّب، مأخوذ من العصْب الشد والإحاطة، عصائب، تقول: ربط على رأسه عصابة.
وسموا بهذا هؤلاء العصبات؛ لأنهم عصَبوا به، يعني أحاطوا به فالأب طرف، والابن جانب، والأخ جانب، فأحاطت به هذه القرابات من جميع الجهات أعلى وأسفل، ومن الجانبين، فعصَبت به، فكل شيء استدار حول شيء فقد عصَب به.
والمقصود بالعصبات الورثة بلا تقدير، كل وارث بلا تقدير فهو عصبة، فهؤلاء إن كانوا مع أصحاب الفروض فإنهم يرثون الباقي إن بقي شيء وإلا لم يكن لهم ميراث. لو انفرد الواحد منهم أخذ الكل، وإذا كان مع صاحب فرض أخذ الباقي.
هنا يأتي عنوان جديد: (الاختلاف الحقيقي) ثم يذكر بعض أسباب الاختلاف الحقيقي، هو كان يتكلم عن الاختلاف الصوري اختلاف التنوع، والآن الاختلاف الحقيقي، وذكر بين ذلك المسائل أو الاختلاف الذي يحتمل، تارة يكون هكذا، وتارة يكون هكذا، الآن (أسباب الاختلاف الحقيقي بين المفسرين). شيخ الإسلام -رحمه الله- ألف رسالته المعروفة في الاختلاف بين العلماء (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ذكر أسباب الاختلاف بين العلماء، لماذا يختلفون؟ فهنا يتكلم عن الاختلاف بين المفسرين.
والاختلاف بين المفسرين فيه كتابات، بعضها ضمن بعض المؤلفات، وفيه كتابات مستقلة، من الكتابات المستقلة كتاب مفرد في رسالة علمية، في مجلد للدكتور/ سعود الفنيسان في الاختلاف بين المفسرين، وهناك كتاب آخر للدكتور/ الشائع، أيضاً في أسباب الاختلاف بين المفسرين، وكثير من أهل العلم يتكلمون على أسباب الاختلاف بين المفسرين في ثنايا كتبهم، وما يذكرونه في أسباب الاختلاف بين العلماء عموماً يفيد في هذا وذاك، وفيه كتب مستقلة، وفيه كتابات ضمن بعض المؤلفات، ومن أشهر الكتب كتاب شيخ الإسلام (رفع الملام) في الاختلاف بين العلماء.
ومن الكتابات الجيدة التي هي مستقلة في الاختلاف بين العلماء كتاب (الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين العلماء) للبَطَلْيَوْسِي، هذا الكتاب فيه أشياء جيدة ومفيدة في أسباب الاختلاف، وهناك كتابات أخرى على كل حال كثيرة.
هذا الكلام مجمل، شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد ذلك يُرجع الاختلاف إلى سببين رئيسيين، ويجعل ما يُذكر من الأسباب متفرعاً عنهما، يعني يجعل الاختلاف يرجع إلى سببين رئيسيين:
الأول: النقل، فيأتي بالأشياء الداخلة تحت هذا النوع، يعني يكون النقل في نفسه محتملاً فيختلف العلماء؛ لأن اللفظ يحتمل، لأن النقل جاءت فيه النصوص هكذا وهكذا، بعضها قد يدل على كذا وبعضها قد يدل على كذا. وبعضها مشترك أو نحو ذلك، فيختلف العلماء، مثل: قراءات متعددة.
الثاني: أحياناً يكون من جهة الاستدلال، هذا على طريقة تقسيم شيخ الإسلام، فالاستدلال يعني هذا أن العالم قد يكون بلغه، قد يكون ما بلغه، قد يكون وهِمَ، قد يكون فهِمَه بطريقة أخرى، قد يتفقون على القواعد في هذا الباب أو يختلفون في القاعدة، قد يختلفون في تحقيق المناط، قد يختلفون في التطبيقات، كل هذا مما يرجع إلى الاستدلال، يعني نظر هذا العالم كيف كان، يعني أن الاختلاف من جهته هو، أما النقل فلم يكن سبباً، لكن هو عنده قاعدة معينة الآخر يخالفه بها، هذا يقول: العبرة بعموم اللفظ، وهذا يقول: لا، العبرة بخصوص السبب، فيختلفون في التطبيق، قد يتفقون على القاعدة لكن إذا جاء يطبق هذا يخالف هذا في تطبيقه، هذا يقول: تنطبق على هذا المثال، وهذا يقول: لا تنطبق عليه، قد يكون ورد فيه حديث يفسر الآية ما بلغه، وقد يكون بلغه لكنه ضعيف عنده، وقد يكون فهم منه شيئاً آخر أنه لا علاقة له بالآية، وذاك يقول: لا، هذا الحديث يفسر الآية، فهذا من جهة الاستدلال.
والعلماء -رحمهم الله- يتكلمون على هذه القضية، بعضهم يذكر الأسباب سرداً من واحدٍ إلى مائةٍ مثلاً، هكذا مختلطة، ما يرجع إلى الناظر والمستدل، وما يرجع إلى المنظور فيه النقل، ومنهم من يُرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية، ويفرع الباقي منها، ومنهم من يرجعه إلى أربعة أسباب رئيسية ويفرع الباقي منها، والأمر في هذا يسير.
شيخ الإسلام أرجع ذلك إلى أمرين إلى سببين أصليين وجعل الباقي يتفرع عنهما.
هذا العنوان كما سبق أنه من إضافة من أخرجوا الكتاب.
وهذا مضى الكلام عليه في أول الرسالة.
يعني بهذه الطريقة يمكن أن نلخص الفكرة كما ترون، الاختلاف، ثم يتفرع عنه أمران: ما يرجع إلى النقل، والفرع الثاني ما يرجع إلى الاستدلال، الفرع الأول ما يرجع إلى النقل يتفرع منه أمران: إما عن معصوم وإما عن غير معصوم، كل واحد منهما يتفرع منه فرعان الذي عن معصوم: ما يمكن تمييز الصحيح عن الضعيف مثل الروايات التي عندنا بالأسانيد ونحو ذلك، وما لا يمكن مثل الروايات الإسرائيلية ما نستطيع أن نميز. وعن غير المعصوم نفس الشيء يتفرع فرعان: ما يمكن التمييز فيه، وما لا يمكن التمييز فيه. أحيانا غير المعصوم يتكلم في قضية لا نستطيع أن نحكم عليها؛ لأنه ليس عندنا دليل يدل على صحة كلامه أو عدمه، يُنقل عن مقاتل بن سليمان لأنه اُتهِم في الرواية كثيراً. في لون كلب أصحاب الكهف ما لونه؟ بعضهم يقول: كذا، وبعضهم: أحمر، قال: لو قلت أبقع لم يعترض عليك أحد، لو جاء واحد قال: لون كلب أصحاب الكهف أبقع؟ تستطيع أن تقول: صواب؟ لا، تستطيع أن تقول خطأ؟ لا، الله أعلم.
مثلما يقول بعض أهل الفلك الآن: إن الشيء الفلاني حجمه كذا إلى آخره، يقولون بحسب مداركهم الآن وإمكانياتهم لكن هل هذا كما هو في هذه الأشياء التي يفترضونها؟ نقول: الله أعلم، يقول لك: إن النواة في الأرض هي الطبقة السابعة من حديد صلب خالص، الله أعلم، سألت أحدهم مرة هل خرقتم الأرض حتى وصلتم إلى النواة ورأيتموها وحللتموها، قال: لا.
قلت: أخبركم من خلقها أنها حديد؟ قال: لا، كيف عرفتم؟
قال: افتراضات، قلت: لماذا تقولون: إنها حقائق علمية تتكلمون فيها على أنها مسلمات.
بعضهم قد يجادل يقول: السماء، نقول: سقف، يقول بعضهم: نعم سقف لكن مكون من غازات، الغازات إذا ضغطت صارت أقوى من بناء الطوب والأسمنت إلى آخره، الله أعلم. نعرف أنها سقف لكن مادة هذا السقف ما هي؟ ما نعرف، هل استطعتم أن تصلوا إليها أو تقربوا منها حتى تحكموا على مادتها ما هي؟ فهذا عن غير معصوم، وليس عليه دليل معلوم، فماذا نفعل؟ نتوقف، أما إذا وُجد ما يخالفه فهذا نرده، سواء من الإسرائيليات أو من كلام غير المعصومين، يعني الإسرائيليات منقولة عن كتبهم مثلاً أو عن غير معصومين لو جاءنا هؤلاء وقالوا: إن الشمس لا تدور، الأرض هي التي تدور حول الشمس، وتدور حول نفسها، أما الشمس فلا تدور كما يقوله أهل الفلك، نقول: هذا غلط؛ لأن الله قال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا [سورة يس:38]، فهذا غلط قطعاً، وهكذا.
هذا النقل الذي لا يمكن أن نعرف الصحيح منه ونميز عامته لا فائدة فيه، كما في الأمثلة التي سيذكرها الآن، وهذا الذي اشتغل فيه المشتغلون فيما يسمى بالمبهمات، عامته من هذا القبيل لا فائدة فيه، لكن النفوس جبلت على محبة الاستشراف والاستطلاع.
فالعلم كما يقول الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات ثلاثة أقسام: صلب العلم، وهذا مثل الإيمان بالله، والعلم بتوحيده وصفاته ، والأحكام التي تعبدنا الله بها.
ومُلَح العلم، وهذا مثل بعض اللطائف الصحيحة والنكات الجميلة البلاغية ونحو هذا، هذا يقال له: مُلح العلم.
وهناك فضول العلم، وهو مثل هذا الاشتغال، سفينة نوح كم طابقاً؟ ومن أي أنواع الشجر خشبها؟ ومن أول من ركب فيها؟ ومن آخر من ركب فيها؟ يأتون بأشياء إسرائيليات لا خطام لها ولا زمام يقول: آخر واحد ركب هو الحمار فتعلق الشيطان بذيله وركب الشيطان معهم في السفينة، فأشغلتهم الفأرة، تخرج وتفسد، وهم خائفون من الأسد فألقى الله على الأسد الحمى حتى يهدأ، فعطس فخرجت الهرة من عطسته، فخافت الفأرة واختفت، يعني هذا كلام؟! وما حجم عرش بلقيس ملكة سبأ؟ وإذا نظرت في الأقوال تجد تناقضات، وهكذا ما اسم فلان؟ ما اسم الغلام الذي قتله الخضر؟ وتجد أسماء متعددة مما يدل قطعاً على وجود الكذب.
ما نوع الطعام الذي أُنزِل في المائدة على الحواريين؟ هذا يقول: لحم، وهذا يقول: سمك، وهذا يقول كذا، مما يدل على وجود كذبٍ محقق.
قال: فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به قتيل موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك. فهذه الأمور طريق العلم فيها النقل، فما كان من هذا منقولاً نقلاً صحيحاً عن النبي ﷺ كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم...
يعني هذا ثابت في الصحيحين ثم يأتي عنوان هنا: (حكم الإسرائيليات)، لما قال: إن هذا النقل في الاختلاف مما لا يمكن الوصول إليه، وهذا عامته مما يوضع من بني إسرائيل. بدأ يتكلم عن حكم الإسرائيليات الآن، خرج خرجة هذا موضعها، من أين جاء الكلام عن الإسرائيليات؟ وأسباب اختلاف المفسرين؟ هو استطراد في هذا الموضع لما قال: عامته مما تلقي عن أهل الكتاب، فما حكم الإسرائيليات؟
كعب يعني كعب الأحبار من التابعين، وهو من مُسْلِمَة أهل الكتاب تُوفِّيَ في خلافة عثمان سنة 32 هـ، وكذلك وهب بن منبه هو من مُسْلِمَة أهل الكتاب، وهو مولودٌ في آخر خلافة عثمان ، تُوفِّيَ سنة 114هـ، أخو همام بن منبه الإمام المعروف.
ومحمد بن إسحاق هذا صاحب السير، محمد بن إسحاق بن يسار المدني تُوفِّيَ سنة 151هـ وغيرهم ممن يأخذون، لكن أكثر من نقلوا لنا الإسرائيليات هم: كعب الأحبار ووهب بن منبه.
هذا لفظ الحديث عند الإمام أحمد وأبي داود، وفي إسناده مقال، لكن أصل الحديث في صحيح البخاري، قول النبي ﷺ: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم[8].
الإسرائيليات ثلاثة أنواع:
- الأول: ما يوافق ما عندنا هذا يُصدَّق.
- الثاني: ما يخالف ما عندنا فهذا يُكذَّب.
- الثالث: ما لم يرد ما يوافقه أو يخالفه عندنا من الكتاب والسنة فهذا نتوقف فيه.
فالذي قال فيه النبي ﷺ: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[9]، يدخل فيه النوع الأول: مايوافق ما عندنا،ويدخل فيه هذا النوع المتوقف فيه، بخلاف مانعلم أنه كَذِب فإنه لا يُذكر إلا مع بيان كذبه وبطلانه.
ثم يأتي بعد ذلك عنوان هنا بما أن هؤلاء الذين نقلوا ككعب الأحبار وابن منبه هم من التابعين، وأن هناك نقولات ومرويات كثرت في هذا الوقت مما لا يعلم صحته، سواء صرحوا أنهم أخذوه من أهل الكتاب أو لم يصرحوا؛ لأن الروايات المنقولة عن بني إسرائيل منها ما يُصرح أنه تُلقِّي من كتبهم مباشرة، من الصحف، أو من بعض علمائهم ككعب الأحبار، أو قد لا يصرح، لكن نعلم بالاستقراء أو التتبع أن هذا القائل ممن يروي عن بني إسرائيل، فذكر أمراً لا مجال للرأي فيه، قضية غيبية فيكون هذا من قبيل الإسرائيليات.
فأحياناً إذا تتبعت تجد هذه الرواية بعينها منسوبةً إلى بني إسرائيل، ولكن تجد أنه يقول ذلك يرسله إرسالاً دون أن يسنده إلى أحد.
- رواه النسائي، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، برقم (5711)، والترمذي، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2518)، والبخاري معلقاً (3/53)، كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات، وأحمد في المسند، برقم (1727)، وقال محققوه: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3377).
- رواه النسائي، كتاب مناسك الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، برقم (2818).
- رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه، برقم (798).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ:18]: زُمراً، برقم (4937).
- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم، برقم (7560)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة حافظ القرآن، برقم (797).
- رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (8670).
- رواه الإمام أحمد في المسند بنحوه، برقم (17225)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (463).
- رواه أبو داود، كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب، برقم (3644)، والإمام أحمد في المسند، برقم (17225)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (463).
- رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3461).