- من رآني في المنام فسيراني
- إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها
- الرؤية الصالحة من الله
- إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها
- إن من أعظم الفرى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب الرؤيا وما يتعلق بها، أورد المصنف -رحمه الله:
قوله: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، -أو كأنما رآني في اليقظة، هذا شك من الراوي، فإن كان على الأول: فسيراني في اليقظة، فإن أهل العلم اختلفوا في محمله، فمنهم من قال: إن المقصود بذلك: فسيراني في اليقظة، يعني: في الآخرة يرى النبي ﷺ، وذلك يقظة، ويَرِدُ على هذا سؤال، وهو: أن المؤمنين يرون النبي ﷺ، فهل يكون ذلك مختصًّا بمن رآه في المنام، وأن من لم يره في المنام لا يراه في الآخرة؟ الجواب: ليس كذلك، لا يقال بأن الذين يرون النبي ﷺ في الآخرة هم الذين رأوه في الدنيا في المنام، لا دليل على هذا، والحديث لا يدل على ذلك، وإنما من أهل العلم من قال: لعل ذلك يُحمل على مزيد اختصاص بالنبي ﷺ، وقرب منه في الآخرة.
وعلى كل حال، يمكن أن يقال في: فسيراني في اليقظة، إن هذا وعد له، ومن لم يرَ النبي ﷺ لم تحصل له هذه البشارة، ولكن لا يعني: أنه يُحرم من رؤيته ﷺ، وهذا أحسن ما قيل في توجيه هذه الرواية.
وبعضهم يقول: هذا في أولئك الذين كانوا زمن النبي ﷺ أحياء، وما رأوه، وآمنوا به، فمن رآه في المنام منهم فإن ذلك يكون بشارة له، فسيتحقق له ذلك في اليقظة، فيرى النبي ﷺ يعني: في عهده ﷺ، أيام حياته، ولكن لا يصح بحال من الأحوال أن يفهم من هذا: أن من رآه في المنام، فسيراه في اليقظة بعد موته ﷺ، فإن النبي ﷺ يعيش حياة برزخية، وما ينقله بعض الصوفية من أنهم رأوا النبي ﷺ يقظة فهذا لا أساس له من الصحة، وإن اغتر به بعض أهل العلم، وذكروه في كتبهم.
قال: أو كأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي، وهذا التوجيه، أو التعليل: لا يتمثل الشيطان بي يرجح هذه الرواية: كأنما رآني في اليقظة، أن من رآه في المنام فقد رآه حقيقة، بمعنى: أنه لم يرَ شيئًا غير النبي ﷺ، فإن الإنسان قد يرى أحدًا من الناس، ويكون ذلك من الشيطان يتصور له، يتشكل، قد يرى قريبًا له، أو أحد أجداده، أو نحو هذا، ويكون الشيطان هو الذي تمثل في صورته، أما النبي ﷺ فلا يتمثل الشيطان في صورته، لكن هذا بقيد وشرط، وهو: أن يراه بأوصافه المعروفة، يعني: لو جاءنا أحد، وقال: رأيته، لكن من الخلف، ما رأيت وجهه، ولا عرفت أوصافه، نقول: هذا لا يعتبر، ولو أنه قال: رأيته، وذكر صفة غير صفة النبي ﷺ، فنقول: هذه لا تعتبر.
قوله:إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله تعالى يعني: أن الله هو الذي هيأ ذلك له، وسبَّبه، وخلقه، فهي: من الله ساقها إليه، والشيطان يحرص على مساءة ابن آدم، فيريه ما يكره، وما يزعجه، ويخوفه، ويقلقه، فالرؤيا الصالحة من الله.
قال: فليحمد الله عليها؛ لأنها نعمة.
وليحدِّث بها، وهذا التحديث ليس لكل أحد، بل هو مقيد في الرواية الأخرى: فلا يحدِّث بها إلا من يحب، قيل: السبب في ذلك هو أن الرؤيا تقع لأول عابر، هكذا قال بعض أهل العلم، والمسألة محل خلاف.
وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، هذا حكم عام، الشيطان هو الذي تلاعب به، وأراه ما يكره من أجل أن يحزنه.
فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره، وبهذا يستريح الإنسان.
والرؤيا والحُلم كل ذلك يراه الإنسان في منامه، ولكن في هذا الاستعمال خص الرؤيا بأنها من الله، وأن الحلم -يعني الرؤيا السيئة- من الشيطان، فسمى الرؤيا السيئة: بالحلم، والرؤيا الصالحة: بالرؤيا.
فمن رأى شيئًا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثًا، هذه زيادة على ما سبق، هناك: فليستعذ من شرها، وهنا زيادة على الاستعاذة: فلينفث عن شماله ثلاثاً، والشمال أو اليسار هي: الجهة التي تكون للمستقذَر، والمكروه، والنفث هو: نفخ مع ريق.
فلينفث عن شماله ثلاثًا، وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره، هنا يقول النووي: "النفث: نفخ لطيف، لا ريق معه"، هذا كلام النووي، ومن أهل العلم من يقول: النفخ: هو ما يكون من غير ريق، والنفث: ما يكون مع ريق.
قال: وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه رواه مسلم، والتحول: حمله بعض أهل العلم على التفاؤل بتحول الحال، ينتقل من هذا الشيء الذي رآه سيئاً إلى حال طيبة، إلى حال أخرى، كما أن الإنسان في الاستسقاء يقلب رداءه، يحول رداءه تفاؤلًا بتحول الحال من الجدب والقحط إلى السعة والخصب.
يقول: وليتحول عن جنبه الذي كان عليه يعني: إن كان نائمًا على الأيسر يتحول إلى الأيمن، والعكس.
قال: أن يَدَّعي الرجل إلى غير أبيه، فإذا ادَّعى إلى غير أبيه فهو كاذب بهذا، كاذب على الله بأنه خلقه من ماء رجل آخر، وفيه كفران وجحود لأبيه الذي كان سببًا لوجوده.
قال: أو يُري عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله ﷺ ما لم يقل رواه البخاري، فهذه ثلاث.
قوله: أو يُري عينه ما لم ترَ يعني: في النوم، يقول: أنا رأيت رؤيا كذا وكذا، وهذا يقع فيه كثير من الناس بزعمهم: قصد الإصلاح والوعظ، فالمرأة لربما تقول لزوجها الذي قد أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، أو يظلم، أو يأكل الأموال بالباطل، أو نحو ذلك، فتقول: رأيت فيك رؤيا كذا وكذا، ولربما يقولها إنسان لآخر من باب العظة، فيقول: رأيت فيك كذا وكذا، وهو كاذب في ذلك، فهذا من الكبائر، ولا يجوز، وفي الحديث الآخر بين النبي ﷺ عقوبته: أنه يكلف أن يعقد بين شعيرتين[6]، أي: حبة شعير، يعذب بهذا، ولا يستطيع ذلك قطعًا، فالذي يُري عينيه ما لم ترَ كاذب أيضًا على الله؛ لأن الرؤيا من الله، فيقول: أراني الله كذا، ولم يحصل.
قال: أو يقول على رسول الله ﷺ ما لم يقل، وهذا ورد فيه الحديث المعروف: من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار[7]، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب من رأى النبي ﷺ في المنام، رقم: (6993)، ومسلم، كتاب الرؤيا، باب قول النبي ﷺ "من رآني في المنام فقد رآني"، رقم: (2266).
- أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا من الله، رقم: (6985)، ومسلم، كتاب الرؤيا رقم (2261)، واللفظ للبخاري.
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (3292)، ومسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2261).
- أخرجه مسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2262).
- أخرجه البخاري، كتاب المناقب، رقم: (3509).
- أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب من كذب في حلمه، رقم: (7042).
- أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي ﷺ، رقم: (107)، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، رقم: (3004).