الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ذكر باب جواز قول المريض أنا وجع، أو شديد الوجع، أو موعوك، أو وارأساه، ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن على سبيل التسخط، وإظهار الجزع.
يعقوب قال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86]، فالشكوة إنما تكون لله ولا تكون للمخلوقين، فإن الشكاية للمخلوق لا شك أنه نقص في صبر الإنسان، وفي احتسابه.
لكن، هل له أن يخبر مجرد الإخبار؟ الجواب: نعم، وفرق بين الشكاية والإخبار، فإذا كان الإنسان يتسخط ويتوجع، ويقول ذلك على سبيل الشكوى، فإن الذي يرحم لا يُشكى إلى من لا يرحم، ولا يصح أن يُشكى الرب -تبارك وتعالى- إلى المخلوقين، وإنما على العبد أن يرضى ويسلم ويحتسب، لكن إن كان يخبر فقط، فهذا ليس من قبيل الشكاية، وذكر ثلاثة أحاديث كلها تدل على هذا:
الأول:
الشاهد من الحديث هنا أن النبي ﷺ أخبر عما وقع له من العلة والمرض، فقال: نعم، أو أجل، إني لأوعك كما يوعك رجلان منكم.
الحديث الثاني:
يعني: هو يخبر النبي ﷺ ليس على سبيل الشكوى، بلغ بي، يعني: من المرض ما ترى، وذكر الحديث، وسبق الكلام عليه.
قال: بلغ بي ما ترى، فهنا أقره النبي ﷺ على هذا ما قال له: لماذا تشكو المرض، والعلة؟ لماذا لا تحتسب؟ لماذا لا تصبر؟ فدل ذلك على أن هذا لا ينافي الصبر والاحتساب.
الحديث الثالث:
وذلك في أواخر حياته ﷺ لما ذهب يزور أهل البقيع، كأنه يودعهم -عليه الصلاة والسلام-.
فهذا على سبيل الإخبار، يقول الإنسان: وارأساه، أو يقول: أنا وجع، أو نحو ذلك، فإذا كان لا يقصد بذلك التسخط والتشكي، فهذا لا إشكال فيه، وقد مضى الكلام على هذا مفصلاً في الكلام على الأعمال القلبية، في باب الصبر.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف (9/80)، رقم: (7217).