الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله ﷺ: أيكم يحب أن يغدو إلى بُطحان؟، وجّه هذا إلى أصحابه الذين كانوا في الصُّفة، وأهل الصُّفة -كما هو معلوم- هم فقراء المهاجرين ، كانوا يأوون إلى موضع في مؤخر المسجد مُظلل يقيمون فيه، ليس لهم أهل، ولا دار، ولا مال، خرجوا وتركوا وراءهم كل شيء، وكانوا يخرجون في الغزوات والسرايا، ويخرجون أيضاً يُعلمون القرآن، يزيدون وينقصون، قد يبلغ عددهم -كما ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في بعض الأوقات إلى مائتي رجل يتوافرون ويكثرون[2]، وفي بعض الأوقات يقلون، فهؤلاء قد فرغوا أنفسهم من أجل تبليغ دين الله بطرق البلاغ، فكان النبي ﷺ يخاطبهم بهذا: أيكم يحب أن يغدو إلى بُطحان أو العقيق؟، يغدو: يذهب أول النهار، والغدوّ كما هو معلوم يكون من بعد الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس، هذا وقت الغداة، يغدو، وهذا هو الوقت المبارك اللهم بارك لأمتي في بكورها[3]، أول النهار.
إلى بُطحان، وهو اسم وادٍ في المدينة، وقيل: إنه سُمي بذلك لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط، أو إلى العقيق، قيل: أراد العقيق الأصغر وهو على ثلاثة أميال من المدينة، أو على ميلين.
وقوله: بُطحان أو العقيق، "أو" هذه يحتمل أن تكون من قبل الراوي على سبيل الشك، يعني: أنه شك هل قال النبي ﷺ: بُطحان أو العقيق ، ويحتمل أنها للتنويع أن النبي ﷺ قال ذلك، يعني يذهب إلى هذا أو هذا، وذلك أن بُطحان والعقيق هي المواضع الأقرب إلى المدينة مما كان يُباع فيه الإبل، أسواق الإبل.
وهنا وصف هاتين الناقتين اللتين يرجع بهما فيأتي كل يوم بناقتين كَوْماويْن، زهراويْن، كَوماويْن: الناقة الكَوْماء يعني العظيمة السنام، والإبل كما هو معلوم هي خيار أموال العرب، وقد جُعلت الديات فيها، ولذلك تجد في النصوص مثل هذه العبارة: خير لك من حُمر النَّعم[4].
فخير الأموال كانت عندهم هي الإبل، فوصف النبي ﷺ هاتين الناقتين بهذا الوصف: (كَوماوين)، وقال أيضاً: (زهراويْن)، يعني: تضرب إلى البياض، يميل لونها إلى البياض، فجمعت بين الكمال في سِمنها وعِظمها، وكذلك أيضاً في لونها حيث إنها زهراء، وهذا يكون له من غير تبعة، من غير إثم كالسرقة والغصب والاختلاس ونحو ذلك، ولا قطْع رحم، يعني: أنه يأخذ ذلك من غير أن يوجب له ذلك قطيعة رحم، كأن يكون لأرحامه أو نحو ذلك حق فيها فيأخذ ذلك دونهم أو نحو هذا، فذكر النبي ﷺ في الآيتين أنهما خير من ناقتين، ومن أعدادهما من الإبل، وثلاث خير من ثلاث، ومن أعدادهن من الإبل، وكذا أربع، تصور الآن إذا كان عدد آيات القرآن بالإجماع يزيد على ستة آلاف ومائتي آية بأربع آيات.
وقيل: أكثر من هذا، فهذه في كل آية خير من ناقة، ولو سألنا مَن له معرفة بذلك كم تبلغ قيمة الناقة التي هي بهذه المثابة؟، وقد سألت من قبل عن هذا فقال: قد تبلغ مائة ألف، إذا كانت في حال من الكمال، بهذه المثابة كوماء، لكن نحن نقدر هذا بأقل ما يكون، لو قدرنا ذلك بخمسة عشر ألفًا، الناقة الواحدة، وقلنا: إن آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية وأربع آيات فلم نحسب الكسر مثلاً، فإن هذا يصل إلى ثلاثة وتسعين مليون ريال، إذا قلنا: الناقة فقط بخمسة عشر ألفًا، ثلاثة وتسعون مليون ريال، فلو قيل للناس: كل آية تتعلمها لك خمسة عشر ألفًا، فإن زدت زاد، فإن حفظته كاملاً فهذه ثلاثة وتسعون مليونًا تأخذها قبل أن تخرج من المسجد، النبي ﷺ قال: خير له، نحن قدرنا هذا بأقل ما يمكن.
لو قيل للناس ذلك لتهافتوا عليه ولتركوا ما بأيديهم من الأشغال، بل لشغلهم ذلك عن الطعام والشراب والنوم، ثلاثة وتسعون مليونًا، ولكن ضعف اليقين وإلا فلا شك أن خبر النبي ﷺ حق وصدق، وهو أفضل من هذا الحطام، ولكن اليقين إذا ضعُف زهد الإنسان في هذه الذخائر والأعمال الفاضلة التي ترفعه وتنفعه حقيقة، وصار إقباله وإكبابه على أمور قد لا تعود عليه بنفع ولا طائل.
بَابُ: فَضْلِ الاجْتِمَاعِ فِي المساجد لِدَرْسِ الْقُرْآنِ
ذكر هذا الحديث تحت هذا الباب (فضل الاجتماع في المساجد) وذلك أنه اعتبر قول النبي ﷺ هنا: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، فبيوت الله -كما هو معلوم- هي المساجد.
وهذا المعنى اعتبره جمع من أهل العلم فقالوا: إن هذا الوعد المذكور في هذا الحديث، والجزاء الذي أخبر به النبي ﷺ إنما يكون بمجموع هذه الأمور، الاجتماع لمدارسة كتاب الله -تبارك وتعالى- في بيت من بيوته، يعني: أن يكون ذلك في المساجد، فيخرج من ذلك المدارس والرُّبط والبيوت ونحو ذلك، ولكن هذا ليس محل اتفاق، فإن الإمام النووي -رحمه الله- قال: إن ذلك من قبيل القيد باعتبار الغالب[6]، يعني: قيده بما يقع ذلك عليه غالباً، أن الغالب أن مدارسة القرآن تكون في المساجد، وعلى هذا الاعتبار يكون مفهوم المخالفة غير مراد، يعني: يكون أحد المواضع التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة كما قال صاحب المراقي في ذكر هذه المواضع السبعة أو الثمانية:
أو جَرى على الذي غَلب |
يقول في أوله:
ودع إذا الساكت عنه خافا | |
أو جَهل الحكمَ أو النطق انجلب | للسؤل أو جَرى على الذي غَلب[7]. |
إلى آخر ما ذكر.
هذه هي المواضع التي مفهوم المخالفة عند الجمهور كما هو معلوم حُجة، يعني: المسكوت عنه خلاف المنطوق، لكنه في بعض المواضع لا يعتبر، فعلى كلام النووي -رحمه الله- هنا يكون هذا من المواضع التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة، ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله مفهوم المخالفة لو اجتمعوا في غير بيوت الله أن ذلك لا يحصل لهم، يعني: نزول السكينة وغشيان الرحمة، تحفهم الملائكة، وما إلى ذلك أن يذكرهم الله فيمن عنده، فعلى كلام النووي أن المفهوم هنا غير معتبر باعتبار أن ذلك جرى على الغالب، ما هو الغالب؟ أن المدارسة تكون في المساجد، وليس ذلك يراد به الحصر، فتكون هذه المدارسة محققة لهذه الآثار، موصلة إليها ولو كانت في غير المساجد.
وقد جاء في رواية لهذا الحديث في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -ا- ولفظه: أنهما شهدا على النبي ﷺ أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده[8]، من غير ذكر المساجد.
فبعض أهل العلم يقولون: إن المُطلق محمول على المقيد، فهذه رواية مطلقة "لا يقعد قوم" ولم يقيده بالمساجد، ويحمل على المقيد وهي هذه الرواية: في بيت من بيوت الله، وإذا نظرنا إلى ما ذكره النووي -رحمه الله- من أن ذلك باعتبار الغالب فإن ذلك قد لا يرِد عليه أصلاً؛ لأن هذا القيد لو بقي بمجرده، يعني: الحديث من غير الحديث الآخر المطلق، الحديث المقيد عنده بمجرده لا يدل على هذا المعنى أن القيد غير مراد، هذا الذي مشى عليه النووي، وفضل الله واسع، وهؤلاء الذين يذكرون الله -تبارك وتعالى- يباهي بهم ملائكته ومن عنده في الملأ الأعلى.
فهذا يدل على فضل الاجتماع لمدارسة كتاب الله -تبارك وتعالى، وهنا قال: يتلون كتاب الله، فهذه التلاوة تشمل التلاوة التي تكون لتعليم الألفاظ، يعني: تعليم التجويد، فهذه مدارسة، يصححون القراءة، وتشمل أيضاً التلاوة التي يُقصد منها الحفظ يعني التلقين، وتشمل أيضاً التلاوة التي هي بمعنى التسميع، عرض القرآن أو المحفوظ، أن يعرضه على غيره، وكذلك أيضاً تشمل مدارسة معاني القرآن بالتفسير، وتشمل أيضاً مجالس التدبر، وتشمل أيضاً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مجالس العلم بالفقه والتوحيد، وما إلى ذلك فإن ذلك مما يرجع إلى القرآن، وهو مما يُستنبط منه[9]، فهذا كله من مدارسة القرآن، فمجالس العلم من الفقه، والاعتقاد الصحيح، وكذلك التفسير كل هذا يدخل في مدارسته.
وقد ذكر بعض أهل العلم نوعاً آخر من المدارسة وهو ما يسمى بالقراءة بالإدارة، يعني: بقصد التعبد، يجتمع قوم ويقرأ هذا وجهاً مثلاً، ثم الآخر يقرأ وجهاً، ثم الثالث يقرأ وجهاً، وهكذا حتى يرجع إلى الأول، فبعضهم قال: هذا داخل في المدارسة، وأنه مما يشمله قول النبي ﷺ: يتلون كتاب الله، فهذه تلاوة، وعلى هذا مشى جماعة من أهل العلم، واحتجوا به على تصحيح ما يُمسى بالقراءة بالإدارة.
وبعض أهل العلم قالوا: إنه لا يدخل فيه وأن هذا لا يشرع، قالوا: لأن هذا اللون لم ينقل عن النبي ﷺ، وكذلك أيضاً يحصل فيه تفويت الزمان والقراءة على هؤلاء جميعاً؛ لأن الواحد يقرأ والبقية يستمعون، فلو أن كل واحد قرأ في هذه المدة التي قرأ فيها هؤلاء العشرة مثلاً لقرأ عشرة أضعاف ما قرأ ابتداءً، يعني: هو يقرأ وجهاً واحداً، وكل واحد يقرأ أيضاً وجهاً فلو أنه في هذه المدة قرأ وحده لقرأ عشرة أوجه، قالوا: وهذا هو المشروع في حقه والمطلوب، ولماذا ينتظر حتى يقرأ الآخر وليس ثمّة تصحيح ولا تفقه في معانيه؟.
فبعضهم رأى أن القراءة بالإدارة هذه من قبيل البدع، وممن تكلم على هذا المعنى من المعاصرين الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله[10]، وممن قال بأن ذلك يدخل في هذا الحديث من المعاصرين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله.
والأمر يحتمل، لكن عند المفاضلة هل هذه القراءة بهذه الطريقة هذا يقرأ وهؤلاء يستمعون هل في هذا محظور شرعاً؟ هل فيه ما يدل على المنع؟
الجواب: لا، بما يظهر -والله تعالى أعلم، لكن ما هو الأفضل؟
يقال: الأفضل يختلف باختلاف الناس، فإن كان عنده من النشاط والإقبال ما يمكن أن يقرأ معه منفرداً فهذا أفضل له؛ لأنه ليس هناك تصحيح للقراءة فينقطع ليسمع قراءة الآخرين، وأما إن لم يكن عنده نشاط لكنه دخل مع هؤلاء فكان ذلك معيناً له على قراءة هذا الوجه ثم يستمع وهذا الاستماع ينتفع به بتصحيح قراءة لربما كان يُخطئ في موضع، أو كان ذلك أيضاً هذا الاستماع هو أجر وعمل صالح يؤجر عليه، فهذا لا يكون عادماً لنفع وأجر وثواب، بل إن من أهل العلم من قال في الحديث السابق: من قرأ حرفاً في كتاب الله..[11]، بعضهم قال: إن المستمع يكون له مثل ما للقارئ، وهذا لا يخلو من إشكال، لكن لا شك أن المستمع للقرآن أنه يؤجر، والنبي ﷺ كما في حديث ابن مسعود أمره أن يقرأ عليه القرآن[12]، فالاستماع إلى القرآن سنة، وكان أصحاب النبي ﷺ إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ ويستمعون، وهي من السنن المهجورة اليوم، فإذا كان واحد يقرأ والبقية يستمعون فما بال إذاً قراءة هؤلاء جميعاً كلٌّ يقرأ منهم قدراً أو وجهاً أو نحو ذلك والبقية يستمعون، فهم بين تلاوة وبين استماع.
فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه القراءة بالإدارة أنه لا شيء فيها، يعني لا حرج من ناحية الشرعية، ولكن الأفضل يختلف باختلاف الناس، والله أعلم.
هنا النبي ﷺ قال: ما اجتمع قوم، الأصل أن "قوم" هنا نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعُم، يعني: سواء كان هؤلاء من طلبة العلم، أو من العوام، من الصغار، من الكبار، لكن هل يدخل فيه النساء؟، لفظة "القوم" الأصل أنها تقال لجماعة الذكور خاصة -الرجال، ويدل على ذلك قول الله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11]، فالعطف يقتضي المغايرة، فدل على أن النساء غير داخلات في القوم، وهكذا قول الشاعر في البيت المشهور:
وما أدري وسوف إخالُ أدري | أقومٌ آلُ حصنٍ أم نساءُ[13] |
فعطف النساء على القوم، فدل على أن النساء غير داخلات في القوم، فهل يقال هنا: إن النساء غير داخلات في هذا إذا تدارسْنَ القرآن؟.
الجواب: لا؛ لأن النساء شقائق الرجال، والنساء يدخلن في القوم على سبيل التبع، ولذلك الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تجد في خطابهم كثيراً لأقوامهم: يا قومي، فيدخل فيه الرجال والنساء، وهكذا حينما يقال: قوم نوح، أو قوم هود، أو قوم صالح، يدخل فيه الرجال والنساء، فالنساء داخلات على سبيل التبع، أما في مثل هذه الأمور التعبدية ونحو ذلك فالأصل أن النساء مثل الرجال، لكنه يُعبَّر بصيغ المذكر لاعتبارات معروفة لاسيما على القول بأن ذلك يعتبر فيه هذا القيد وهو: "في بيت من بيوت الله"، والأصل أن بقاء المرأة في بيتها أفضل من ذهابها إلى المسجد ولو لتعلم كتاب الله -تبارك وتعالى.
وقال: يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، التدارس يدخل فيه الأنواع السابقة جميعاً، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، هنا عطف الرحمة على السكينة، فدل على أن الرحمة غير السكينة خلافاً لمن قال: إن السكينة هي الرحمة، فالسكينة فيها معنى السكون، وفيها معنى الطمأنينة، ولذلك فإن العبد إذا كان مشتغلاً بكلام الله -تبارك وتعالى- ومدارسته ونحو ذلك، وحضور مجالس العلم والذكر ونحو ذلك، فإن هذا من أعظم ما يورث الطمأنينة في القلب، فإن السكينة تدل على هذا المعنى، يعني: سكون القلب، سكون النفس، سكون الروح وطمأنينتها، فتذهب عنه المخاوف، ويتلاشى عن القلب القلق والأمور المشوشة والأمور المزعجة والاضطراب، فيكون ذلك أدعى إلى هدوء النفس، وإلى طمأنينتها، وإلى راحة القلب، فمن كان طالباً لراحة قلبه وطمأنينة نفسه وسكون الأرواح فعليه بمجالس الذكر.
وهنا جاء بأقوى صيغة من صيغ الحصر وهي النفي والاستثناء ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، فمثل هذا لا بد أن يتحقق؛ لأنه وعد الصادق الذي لا يتخلف، وقوله هنا: غشيتهم الرحمة، فإن هذا الغشيان لا يكون إلا بالشيء الذي يقع على الإنسان من نواحيه وجوانبه، فإنه لا يُستعمل لفظ "غَشِي" إلا في شيء يشمل المَغشِيّ عليه، أو المُغَشَّى من كل نواحيه وأجزائه.
وكذلك حينما تحفهم الملائكة فإن الملائكة تحيط بهم من كل ناحية، ويحدقون بهم، وإذا كان العبد بهذه المثابة فلا تسأل عن الألطاف الربانية التي تنزل عليه، فهو ينغمس في الرحمة ويكون في غاية السكون والاطمئنان، وكذلك أيضاً حينما تحف به الملائكة فلا تسأل أيضاً عن أمانه، ولا تسأل أيضاً عن بُعد الشياطين ونفورهم منه، ولذلك فنسمع من الذين عندهم لون من المعاناة من المس وتخبط الشياطين والسحر وشيء من هذه الملابسات أنهم حينما يلازمون مجالس الذكر في المساجد ونحو هذا أن ذلك يضعف جدًّا، وأن الواحد منهم يقْوى، ويقْوى قلبه، ويكون أدعى ذلك لثباته، وانتصاره وغلبته على عدوه الشيطان، فهذا أمر يجده هؤلاء من أنفسهم.
وذكرهم الله فيمن عنده، ذكرهم في الملأ الأعلى، لو قيل لأحد من الناس: إن أحدًا من العظماء من أهل الدنيا ذكرك في مجلسه، أثنى عليك في مجلسه لعد ذلك من المآثر التي يرويها لك ولمن لقيه، ويغتبط بهذا غاية الاغتباط أنْ ذكره مخلوق يُعظمه، فكيف بذكر الله للعبد؟!.
إذا ذكر الله فلاناً باسمه في الملأ الأعلى عند الملائكة يذكرهم بهذا العمل اليسير الذي عملوه فلا شك أن هذا غاية ما يُغتبَط به، ويفرح به أهل الإيمان واليقين، فأبشروا وأملوا وأحضروا في ذلك النية فإن الله -تبارك وتعالى- يباهي بهؤلاء في ملئه الأعلى، اجتَمَعوا لذكره ما اجتمعوا لشيء آخر، لم يجتمعوا على عرض من الدنيا، ومثل هذا لا شك أنه يبعث على الفرح والجد والنشاط والغبطة، فهذه هي المكاسب الحقيقية، وليست مجالس الدنيا أو مجالس الغفلة، والقيل والقال، والاشتغال بما لا طائل تحته، وما لا يعني الإنسان مما لا يزيده من الله -تبارك وتعالى- إلا بُعداً، ولا يزيد قلبه إلا قسوة، ولا يزيد نفسه إلا وحشة، وإعراضاً وجفافاً، كما لا يخفى على أحد، فأبشروا وأملوا.
أيضاً هذ الحديث جاء فيه هذه الزيادة: "وكانوا أضياف الله تعالى ما داموا فيه، حتى يخوضوا في حديث غيره"، النفس قد تأنس ويتسرب إليها الملل والسآمة، ولربما يحصل لها شيء من الإعراض، فيأنس الإنسان بالحديث مع الآخرين في جوانب أخرى وأمور من الدنيا ونحو ذلك وينسى نفسه ولو تطاول عليه المجلس ولو طال الحديث، لكن حينما يكون الإنسان في معالي الأمور يبدأ يحسب الأوقات والدقائق والثواني كم مضى، وكم بقي، ولربما خرج عند باب المسجد وتحدث مع آخر ساعة، أو أكثر وهو لا يشعر بالوقت، حينما يريد الإنسان أن يقول الأذكار أو نحو ذلك يحتاج إلى تصبير، ولربما لم يصبر حتى يتم الأذكار، فهو يريد أن يستغل بزعمه الأوقات، فيريد أن يقول ذلك في طريقه، ثم ما يلبث أن يخرج من المسجد حتى ينسى، ويغفل كما هو مشاهد.
إذن هذه النفوس تحتاج إلى مجاهدة، ومما يعين على هذه المجاهدة تذكر هذه المعاني، ويتذكر أن هؤلاء هم أضياف الله تعالى ما داموا في هذا المجلس الذي يذكرون الله فيه، ما لم يخوضوا في حديث آخر يكون خارجاً عن ذلك، من الحديث عن الدنيا ونحو هذا.
وقوله هنا: "قلت لابن عباس: أي العمل أفضل؟، قال: ذكر الله أكبر"، يعني: أكبر من كل شيء، ولهذا جاء في قوله -تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، فذَكَر للصلاة هاتين الخاصتين على قول بعض أهل العلم في تفسير الآية، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، شيخ الإسلام -رحمه الله- حمل الآية على معنى وهو أن الصلاة لها مزيتان:
المزية الأولى: وهي أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
والمزية الثانية: أنها متضمنة لذكر الله ، مشتملة عليه، وهذا أعظم وأجدى وأكبر وأنفع وأعْود على العبد من الفائدة الأولى وهي أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر[15]، فالصلاة اشتملت على خاصتين:
الخاصة الأولى: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وهذا لا شك أنه أمر عظيم.
الخاصة الثانية -وهي أكبر من الأولى: أنها مشتملة على ذكر الله، فذكر الله أكبر من كل شيء، ولهذا جُعلت هذه العبادات كما في الطواف والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار والوقوف بعرفة كل ذلك لإقامة ذكر الله ، فهذه التعبدات بالأبدان وكذلك أيضاً ما يقوله القائلون من ألوان الذكر في مناسبات معينة أو الأذكار المطلقة كل ذلك من أجل إقامة ذكر الله ، وهكذا ما يقوم أيضاً في القلوب من تعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه والتوكل عليه، هذا كله من إقامة ذكره في القلب الذي هو الأصل الذي لا تصح أعمال الجوارح إلا بتصحيح ما يقوم بالقلب؛ ولهذا قالوا: الذكر الذي يكون كاملاً هو الذي يكون مع مواطأة القلب، يعني: ذكر اللسان الذي يواطئه عليه القلب، هذا ذكره جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام[16]وغيره، والحافظ ابن القيم[17]، وكثير من أهل العلم قديماً وحديثاً، فهنا قال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.
والمعنى الثاني في قوله: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ في الآية أي: ولذكر الله أكبر أثراً في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة، يعني: الصلاة لها هذا الأثر، تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأثر ذكر الله في النهي عن الفحشاء والمنكر أعظم من أثر الصلاة، فإن العبد إذا ذكر الله -تبارك وتعالى- بقلبه واستحضر عظمته ونحو ذلك، فإنْ واطأه اللسان فإن ذلك أدعى للمباعدة عن المنكر والفحشاء، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، تذكروا ماذا؟
تذكروا عظمة الله، تذكروا نظر الله إليهم، فهذان معنيان مشهوران في تفسير الآية، والآية تحتمل المعنيين، والله أعلم.
بَابُ: ذِكْرِ أَخْلاقِ أَهْلِ الْقُرْآنِ
يَنْبَغِي لِمَنْ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ وَفَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يحمِّله كِتَابَهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِ اللهِ وَخَاصَّتِهِ، وَمِمَّنْ وَعَدَهُ اللهُ مِنْ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ممَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، وممن قال اللهُ : يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة:121]، -قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ- وَممن قال النَّبيُّ ﷺ: الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السفرةِ الكرامِ البررةِ، وَالَّذِي يقرؤه وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ له أَجْرَانِ[18]، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعًا لِقَلْبِهِ، يَعْمُر بِهِ مَا خَربَ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْقُرْآنِ، وَيَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقٍ شَرِيفَةٍ، يَبِينُ بها عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
قوله هنا عن النبي ﷺ: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران، الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به هل المقصود بذلك الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به من غير حفظ، يعني: يقرأ نظراً ويتمهّر بهذه القراءة؟، أو المقصود الحافظ الذي يكون ماهراً بالحفظ ويكون التتعتع بالحفظ وليس التهجي في التلاوة والتعثر في القراءة بسبب ضعف قراءته؟
هنا المقصود به الماهر في الحفظ مع السفرة الكرام البررة، ويدل على هذا رواية عند البخاري في الصحيح: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد..[19].
فلاحظ هنا صرح بالحفظ، وأيضاً في الذي يتتعتع قال: وهو يتعاهده، التعاهد يكون للحفظ، فيتفلت عليه هذا الحفظ؛ لضعف حافظته وليس بتفريط منه، فالذي يكون مفرطاً يضعف حفظه بسبب التفريط لا يصدق عليه هذا، إنما يبذل جهده -هذا المتتعتع- ويستفرغ وسعه ومع ذلك يتفلت عليه فله أجران، الأجر الأول على الحفظ، والأجر الثاني على المشقة، والمشقات -كما هو معلوم- لا تطلب شرعاً على سبيل القصد، وقد تكلم على هذا المعنى الشاطبي -رحمه الله- بكلام جيد، وضابطُ المسألة كما يمكن أن يُحمل عليه حديث عائشة -ا- في بعض ألفاظه: إن أجرك على قدر نصَبك[20]، يعني: على قدر تعبك، على هذه الرواية، المقصود به كما يقول الشاطبي: "المشقات العارضة في التكليف"[21]، بمعنى أن الإنسان لا يطلب المشقة، بعض الناس يصوم ويريد أن يبقى في الشمس، أو ما يجلس تحت المكيف أو نحو ذلك ويقول: أعظم للأجر، يقال: لا، ليس هذا بمطلوب شرعاً، والله غني أن يعذب هذا نفسه كما قال النبي ﷺ: في الرجل الذي رآه واقفاً في الشمس فسأل عنه، فقالوا: إنه نذر أن يصوم وأن لا يستظل، وأن يقف فلا يجلس، فأمر النبي ﷺ أن يستظل وأن يجلس، وأخبر أن الله غني عن أن يعذب هذا نفسه[22].
فهذه المشقات غير مرادة للشارع قصداً، بمعنى أن العبد ما يقول: أنا أريد المشقة، أريد التعب، أريد كذا، فيكون مثلاً في الحج في مكان مريح فيقول: لا، أنا لا أريد هذا، أنا أريد أن أجلس مع هؤلاء الناس على الرصيف من أجل أن أتعب وأشعر بالعناء بالحج ويكون ذلك أعظم في الأجر، يقال: ليس هذا هو المراد، لكن هذا الزحام الذي يعرض لك من غير إرادة ولا قصد فأنت مأجور، فإن لحقك فيه مشقة زائدة فالأجر على قدر المشقة، هنا المشقة لم تكن مقصودة، يذهب إلى الطرق التي فيها الزحام ويقول: أعظم للأجر؟، لا، "وما خُير النبي ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً"[23]، لكن إذا عرضت المشقة فإنّ على الإنسان أن يوطن نفسه على الصبر ويستحضر هذا المعنى أن هذه المشقة يكون فيها زيادة في الأجر، فهي مشقات عارضة وليست مقصودة، إنسان صام وشُغل في ذلك اليوم وكان اليوم حارًّا فتعب، فيقال: الأجر على قدر المشقة، لكن إنسان صام وتعمد المشقة بالخروج في الشمس، وجمع أعماله التي يعملها في سائر الأيام لتكون في هذا اليوم ليتعب، ويقول: ليكون أعظم للأجر، يقال: لا، هذا ليس بمطلوب شرعاً، فهذه هي المشقة العارضة في مثل هذا القارئ ويتعاهده ويبذل جهده.
وقول النبي ﷺ: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، الإمام البخاري -رحمه الله- في روايته: وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة والحافظ والحاذق هو الذي يتقن الشيء فذلك جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد، فمثل هذا يكون بهذه المنزلة، ومن أهل العلم من جعل الناس في هذه على مراتب: فجعل الحافظ الماهر هو الذي لا يتوقف ولا يتردد، فإن وقع منه شيء -يعني خطأً- فإنه يرجع من غير تنبيه ويأتي بالآية على الوجه الصحيح، ثم بعد ذلك يأتي المتمهر وهو الذي إذا نُبه تنبه، ثم بعد ذلك يأتي المتحفظ وهو الذي يُخطئ ويحتاج إلى أن يُبيَّن له ما هو الخطأ، يعني: المتهمر لربما يحتاج أن يُنبَّه، فيتنبه، أما الآخر المتحفظ فيحتاج أن يقال له وجه الصواب، يُذكَّر بالآية التي نسيها أو وقف فيها ويُذكَر له الصحيح فيها، هذا ذكره بعض أهل العلم من المتقدمين، ذكر مراتب الناس في هذا، كما قال صاحب متشابه القرآن.
فهنا قال: (مع السفرة الكرام البررة)، مع السفرة الكرام: صار ميسراً عليه فأشبه هؤلاء الملائكة الذين قال الله -تبارك وتعالى- عنهم: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:13-16]، فهؤلاء الملائكة السفرة فُسروا بالكتبة جمع سافر، وهم الذين قد كُلفوا بالوحي أو بأيديهم هذه الصحف، وهم مكرمون عند الله -تبارك وتعالى- أبرار مطيعون له، مطهرون من الذنوب والمدنسات.
بعض أهل العلم يقول: إنه قيل لهم ذلك -يعني السفرة- باعتبار أن ذلك مأخوذ من البيان والإيضاح أصل هذه المادة السين والفاء والراء، فهم كُتّاب للوحي فيكون ذلك باعتبار أن الكاتب يُبين الشيء ويوضحه، ولذلك يقال للكاتب: سافر في كلام العرب، فهم سفرة بهذا الاعتبار على قول بعض أهل العلم، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:13-16].
وبعضهم يقول: إنه مأخوذ من السَّفارة، والسفير هو الذي يُصلح بين الفريقين، بين المتخاصمين ونحو ذلك، يقال: سفر بين القوم إذا أصلح بينهم، فهؤلاء هم سفراء بين الله وبين أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- ينقلون إليهم الوحي والرسالات، أو باعتبار ما يكون به صلاح الناس، فهذا الوحي الذي ينزلون به يحصل به تربية النفوس والأرواح وإصلاحها، بهذا على هذا المعنى، والله أعلم.
أما التعتعة فهي التردد في الشيء كما هو معلوم.
وقوله ﷺ هنا في المتتعتع: له أجران، قد يوهم ذلك أنه أفضل من الماهر وليس ذلك بصحيح، فبعض أهل العلم يقولون: إن المضاعفة التي تحصل للماهر لا تُحصر، أما هذا المتتعتع فله أجران، فالحسنة تضاعف إلى عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف، وهذا يكون باعتبارات منها ما يقوم بالعمل نفسه حيث يأتي به على وجه من الإتقان والإجادة، وهكذا ما يقوم في قلب العبد من الإخلاص والصدق والإخبات، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، فيرتفع العبد بهذا، وتزكو مرتبته كما يقول الحافظ ابن كثير[24]، في مناسبة أخرى غير هذه، في الكلام على قوله -تبارك وتعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، بحسب ما يقوم بقلب العبد، وما يكون من إخفاء العمل والإخبات عند الصدقة بخلاف الذي يعمل ويتصدق ويرى أنه قد قام بشيء عظيم، وكأنه يُحسن إلى ربه -تبارك وتعالى، يمتن على هذا المعطى بعطيته ويتعاظم بذلك الفعل، ويُعجب بطاعته وعبادته.
فالعمل له أجر مقدر: حسنة بعشر أمثالها، ولكن قد يُضاعَف ذلك إلى أضعاف كثيرة بحسب حال العبد وبحسب إتقانه لعمله، فهذا الماهر قالوا: أعلى من أجرين، هذا وجه في الجواب.
وكذلك أيضاً أن هذا الذي يُعطَى هذا الأجر المضاعف -له أجران- يمكن أن يقال في الجواب: إن هذه مزيّة، والمزيّة لا تقتضي الأفضلية، وهذه قاعدة ذكرها القرافي -رحمه الله- وغيره تجدونها في كتاب "الفروق" تكلم عليها، "المزية لا تقتضي الأفضلية"[25]، النبي ﷺ قال في حق علي بن أبي طالب : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟[26]، فهذه مزية ليست لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان ، ولكن هل هذا يعني ويقتضي أن عليًّا أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان؟.
الجواب: لا، لكن له هذه المزية والمزية لا تقتضي الأفضلية، عثمان قال في حقه النبي ﷺ: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم[27]، بعدما جهز جيش العسرة، ولم يقل ذلك في حق أبي بكر وعمر -ا، فهل عثمان أفضل من أبي بكر وعمر؟
الجواب: لا، لكن تلك مزية لعثمان ، والمزية لا تقتضي الأفضلية، يعني: بإطلاق، ومثل هذا الماهر حينما يكون مع السفرة الكرام البررة ذلك يدل على علو مرتبته، فيكون في منازل عالية، بعض أهل العلم يقول: يحتمل أن يكون رفيقاً في الآخرة لهؤلاء الملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله -تبارك وتعالى- وكلامه ووحيه، ويحتمل أنه قيل له ذلك باعتبار أنه قد أشبههم، وعمل بعملهم وسلك مسلكهم فصار بهذه المثابة، وهذا لا شك أنه يدل على رفيع مرتبته ومنزلته، والله أعلم.
لاحظ هذه الصفات وينظر الإنسان ويعرض نفسه عليها، وانظر إلى جموع المغردين كما يقال، وجموع الكاتبين في المواقع والمنتديات، وجموع الناشرين في هذه الوسائل المتنوعة وما يتفوهون به وما ينشرونه، وهذه الأوصاف التي يذكرها الآجُرِّي -رحمه الله، وأين نحن من هؤلاء، هل نحن حقًّا نتخلق بأخلاق أهل القرآن فنُقبل على ما يعنينا، ونشتغل بما ينفعنا ويرفعنا، ونحفظ قلوبنا، وألسنتنا، وأبصارنا، وجوارحنا؟، فأصحاب القلوب الحية وأهل القرآن هم الذين يحفظون ذلك كله، والله -تبارك وتعالى- يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، لا تقفُ: لا تتبع ما ليس لك به علم، فلا تنشر شيئاً حتى تتثبت ثم تنظر هل لك فيه نية؟، ثم تنظر بنظر ثالث هل نشر هذا تقتضيه المصلحة أو أن المصلحة تقتضي دفنه؟، هذه الرسائل المؤلمة، هذه المشاهد المزعجة، هذه الفتن الواقعة ينبغي أن تُدفن لا أن نسارع في نشرها وإذاعتها فنُطيّر ذلك بكل ناحية، فيكون حديث الناس، ولهج الناس عن مثل هذه القضايا مما يكون الكلام فيه على وجهه وما يكون الكلام فيه على غير وجهه، بمجرد ما يأتي الخبر -نسأل الله العافية- والناس لم يخرجوا من المسجد، وهم في صلاة الجمعة لربما تتطاير الأخبار عبر هذه الوسائل في أمور قد لا يتوثقون منها، ولا يعرفون صحتها، فاللائق بالمؤمن أن يدفن مثل هذه الأشياء، وأن لا تتعدى منه إلى غيره، وأن يئد الفتن والشرور ما استطاع، وأن يضبط لسانه ويضبط سمعه وبصره وقلبه، فلا يكون كثير الخوض في مثل هذه الأمور، ويكون سبباً لاستطالة الشرور والفتن والآفات من غير روية ولا عقل ولا نظر صحيح فيما ينبغي نشره، وما ينبغي وأده، وللأسف كثير من الناس لا يقف عند هذا ولا يفكر، وهو يُطيِّر كل ما وصل إليه وينشره من غير نظر في عواقبه.
الفتن تحتاج إلى دفن، وتحتاج إلى محاصرة، وتحتاج إلى مباعدة، ومن استشرف إليها قد لا يأمن أن يعلق به شيء من شرورها وأوضارها، فهذه نار مستطيرة إذا قاربها لا يأمن أن يحترق بشيء منها، والله المستعان.
هو يكرر هذه الأوصاف -رحمه الله- ويعيدها وستجدون في ثنايا هذا الكتاب من هذا أشياء فتأملوها واقرءوا إذا انصرفتم أيضاً أعيدوا هذه الأوصاف وينظر كل إنسان في حاله وعمله وما يصدر عنه وما يقوله وينشره وما يكتبه، وما يتفوه به، وما هي أحوالنا نحن في المجالس وكيف نتكلم وكيف ندير الحديث فيها، نطلق الألسن والأسماع ويلقي فيها من شاء ما شاء، هذا كله غير صحيح، وإذا بعث إليك أحد من الناس مثل هذه الفتن والشرور فينبغي أن تبتعد وتنأى بنفسك وتمسح قبل أن تفتح، امسح قبل أن تفتح، وتخلص من هذا كله فقد يعلق بالقلب، وهناك شياطين يرسلون أشياء لربما يُزيَّن للإنسان لأول وهلة الشر والمنكر، ويظن أن هذا تحته شيء، والواقع أنه ليس تحته إلا الشر والفساد والإفساد.
تُصوَّر هذه لربما وأشياء تُزيَّن للإنسان مع مقاطع من الأناشيد الحماسية، والصور التي فيها لربما قتال، وضرب ونحو ذلك فتستطير كثير من القلوب وتتشوف إلى ذلك، ويظن أن هذا من محابّ الله -تبارك وتعالى، ويُنزَّل ذلك على أمور يسخطها الله، ولا يمكن أن تكون من الأعمال الصالحة بحال من الأحوال، بل هي من أسوأ الشرور والأعمال، لربما الجاذب والطُّعم هي مشاهد لربما ينجذب إليها كثير من الناس ولكن تحتها الفتنة، والشر الذي يُراد جذبه إليه، فاحذر وابتعد ولا تغتر بالدعوات والدعايات المضللة.
هنا حينما يُردد الآجُرِّي -رحمه الله- مثل هذه العبارات سيأتي نظائر لها في ثنايا هذا الكتاب بأنه يحسُد بعلم، ويظن بعلم، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم، ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلم، إلى آخره، ويحسُد بعلم: المقصود بالحسد هنا الغبطة، وإلا فالحسد حرام، وما يتعلق بسوء الظن وحسن الظن قال: يُسيء بمن يستحق إساءة الظن، في قوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]، بعض أهل العلم حمل الآية: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ قالوا: الظن السيئ هو الإثم، يعني: ليس بعض الظن السيئ هو الإثم، إنما الذي لا يكون إثماً هي الظنون الحسنة بالناس، الظن الحسن بالمسلمين، "إن بعض الظن" يعني: الظن السيئ، الظن منه حسن ومنه سيئ، اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ، وذلك ما ليس بحسن، إنما بعض الظن وهو السيئ من الظنون إثم، هذا المعنى الآن، هذا معنى كبير، أُعيد: "اجتنبوا كثيراً من الظن" الظن نوعان: ظن حسن، وظن سيئ، إنما بعض الظن إثم حمله بعض أهل العلم على أن السيئ إثم، بمعنى أن الظن السيئ إثم، والظن الحسن ليس بإثم، "اجتنبوا كثيرًا من الظن"، كأنه يقول: فإن بعضه، لأن "إنّ" هنا تدل على التوكيد والتعليل في آن واحد، لماذا نجتنب كثيراً من الظن؟ لأن بعض الظن إثم، ما هو الظن الذي يكون إثماً؟ هو الظن السيئ، وليس المعنى على قول هؤلاء أن الآية في الظن السيئ اجتنبوا كثيراً من الظن السيئ فإن بعضه إثم، لا، على قول هؤلاء أن الآية في الظن عموماً، فيخبر أن منه ما يكون إثماً وهو الظن السيئ، هذا المعنى قد لا يرد على بال القارئ مع أنه قال به كِبار، فهذا كلام أبي جعفر بن جرير -رحمه الله، هذه عبارته أنقلها لأهميتها في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]، يقول: "يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله -الإيمان يُفسر بأكثر من هذا، يعني: الإقرار والإذعان والانقياد- لا تقربوا كثيراً من الظن بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا بهم سوءًا؛ فإن الظان غير محق، وقال -جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]، ولم يقل: الظن كله، لاحظ إذْ كان قد أذن للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير لا الشر كما قد يُفهم، فقال: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور:12]، يعني: ظنوا بإخوانهم على أحد القولين في التفسير؛ لأن النفوس المجتمعة على دين أو ملة أو عقيدة أو نحو ذلك يربطها الأخوة الإيمانية هي كنفس واحدة؛ ولهذا قال الله في بني إسرائيل: فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]، في توبتهم المشهورة من عبادة العجل، يعني: يقتل بعضكم بعضاً، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، يعني: لا يأكل مال أخيه، لاحظ يقول ابن جرير: "فأذن الله -جل ثناؤه- للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه"[28].
ثم قال: "ذِكْر من قال ذلك"، ونقل ذلك عن ابن عباس بالإسناد المعروف وهو طريق أبي صالح عن معاوية عن علي -يعني ابن أبي طلحة- عن ابن عباس -ا: في هذه الآية قال: "نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرًّا، وقوله: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ قال: إن ظن المؤمن بالمؤمن الشر لا الخير إثم"[29].
يقول: هذا إثم، إذن: "إن بعض الظن إثم"، هي الظنون السيئة بالمسلمين، هي الإثم، هذا البعض، طيب ما الذي يخرج عن هذا؟ الظنون الحسنة، كثير من الناس لا يخطر على باله هذا المعنى، اجتنبوا كثيراً من الظن السيئ؛ لأن بعض الظن السيئ إثم، ابن جرير يقول: لا، اجتنبوا كثيراً من الظن؛ لأن الظنون السيئة إثم، اجتنبوا كثيراً منها وهي الظنون السيئة اجتنبوها جميعاً، فتبقى الظنون الحسنة أن تظن بإخوانك خيرًا، هذا ما ذكره ابن جرير.
فالمقصود أنه حينما يقول الآجُرِّي -رحمه الله: إنه حينما يُسيء الظن أو حينما يحسُد فإنه يحسُد بعلم، فالمقصود الغبطة، ويظن بعلم، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم، بمعنى أنه يتكلم حيث يسوغ له الكلام، كأن يكون ذلك في مقام الاستشارة مثلاً في موضوع نكاح، أو نحو ذلك أو معاملة، فيتكلم بالقدر الذي يكفي فقط، القدر الذي يحصل به المقصود، ولا يتوسع في عرض أخيه، ولا يجوز له ولو كان في مقام استشارة، ولو كان في مقام تحذير فإنه يذكر ما يكفي لتحصيل المطلوب ولا يتوسع في عرض أخيه، فإن ذلك من أربى الربا، الاستطالة في عرض المسلم، فهو يظن بعلم، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم، ويسكت عن حقيقة ما يعلم فيه بعلم، يعني: يذكر القدر الذي يُحتاج إليه حيث يسوغ أن يُذكر ذلك، لا أن يُطلق لسانه فيكون خوّاضاً في أعراض الناس دون توقف ونظر وتفكر فيما يسوغ وما لا يسوغ، وهكذا في القضايا الأخرى التي يذكرها، حينما يقول: إنه يقعد بعلم، وينام بعلم، ويأكل بعلم، بمعنى أنه ينام في الوقت الذي يصح النوم فيه، ويستيقظ في الوقت الذي ينبغي أن يُستيقظ فيه، فيكون صاحب قلب حي يبعثه على كل فضيلة، ويجنبه عن كل قبيح، فهو لا ينام عن الصلاة المكتوبة، وكذلك أيضاً هو لا يكون ممن يأكل المشتبهات أو يأكل المحرمات أو نحو ذلك، يأكل بعلم، وكذلك أيضاً يكون مباعداً للفضول بأنواعه فضول الأكل، فضول الشرب، فضول النوم، فضول الخلطة، يخالط بعلم، وهو يعرف من يخالط والقدر الذي تحصل وتصلح فيه المخالطة من غير توسع، وهكذا في ذهابه ومجيئه ونزهته ونحو هذا، لا يكون مكثاراً، إنما الشيء الذي يُطلب الإكثار منه هو ذكر الله -تبارك وتعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]، وكذلك الأعمال الصالحة بأنواعها، هذا الذي يُطلب، أما كثرة الأكل فهو أمر مذموم، كثرة النوم مذموم، كثرة الخُلطة مذموم، كثرة الكلام مذموم، وهكذا كثرة الضحك، وكثرة التنزه والتسوق، ما أشبه ذلك.
قَدْ جَعَلَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَالْفِقَهَ دَلِيله إِلَى كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ، حَافِظًا لِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ، إِنْ مَشى مَشى بِعِلْمٍ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ بِعِلْمٍ، يَجْتَهِدُ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.
ولا يَجْهَلُ، وإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ حَلُمَ، ولا يَظْلِمُ، وإِنْ ظُلِمَ عَفَا، ولا يَبْغِي على أحد، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ، يَكْظِمُ غَيْظَهُ لِيُرْضِيَ رَبَّهُ، وَيَغِيظَ عَدُوَّهُ، مُتَوَاضِعٌ فِي نَفْسِهِ، إِذَا قِيلَ لَهُ الْحَق قَبِلَهُ، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ.
يَطْلُبُ الرِّفْعَةَ مِنْ اللهِ لا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، مَاقِت لِلْكِبْرِ، خَائِفًا عَلَى نفْسِهِ مِنْهُ، لا يَتأكَّلُ بِالْقُرْآنِ، وَلا يُحِبُّ أَنْ تُقْضَى لَهُ بِهِ الْحَوَائِج.
وَلا يَسْعَى بِهِ إِلَى أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، وَلا يُجَالِسُ بِهِ الأغْنِيَاءَ لِيُكْرِمُوهُ، إِنْ كَسِبَ النَّاسُ مِنْ الدُّنْيَا الْكَثِيرَ بِلا فِقْهٍ وَلا بَصِيرَةٍ كَسِبَ هُوَ الْقَلِيلَ بِفِقْهٍ وَعِلْمٍ، إِنْ لَبِسَ النَّاسُ اللَّيِّنَ الْفَاخِرَ لَبِسَ هُوَ مِنْ الْحَلالِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، إِنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ وَسَّعَ، وَإِنْ أُمْسِكَ عليه أَمْسَكَ، يَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِيهِ، وَيَحْذَرُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا يُطْغِيهِ.
يَتَّبِعُ وَاجِبَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، يَأْكُلُ الطَّعَامَ بِعِلْمٍ، وَيَشْرَبُ بِعِلْمٍ، وَيَلْبَسُ بِعِلْمٍ، وَيَنَامُ بِعِلْمٍ، وَيُجَامِعُ أَهْلَهُ بِعِلْمٍ، وَيَصْحَبُ الإِخْوَانَ بِعِلْمٍ، يَزُورُهُمْ بِعِلْمٍ، وَيَسْتَأذِنُ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ، يُجَاوِرُ جَارَهُ بِعِلْمٍ.
ويُلْزِمُ نَفْسَهُ بِرَّ وَالِدَيْهُ، فَيَخْفِضُ لَهُمَا جَنَاحَهُ، وَيَخْفِضُ لِصَوْتِهِمَا صَوْتَهُ، وَيَبْذُلُ لَهُمَا مَالَهُ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا بِعَيْنِ الْوَقَارِ وَالرَّحْمَةِ، يَدْعُو لَهُمَا بِالْبَقَاءِ، وَيَشْكُرُ لَهُمَا عِنْدَ الْكِبَرِ، لا يَضْجَرُ بِهِمَا، وَلا يحقرهما، إِنْ اسْتَعَانَا بِهِ عَلَى طَاعَةٍ أَعَانَهُمَا، وَإِنْ اسْتَعَانَا بِهِ عَلَى مَعْصِيةٍ لَمْ يُعِنْهُمَا، وَرَفَقَ بِهِمَا فِي مَعْصِيتِهِ إِيَّاهُمَا، يُحْسِنُ الأَدَبَ لِيَرْجِعَا عَنْ قَبِيحِ مَا أَرَادَا مِمَّا لا يَحْسُنُ بِهِمَا فِعْلُهُ.
يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَكْرَهُ الْقَطِيعَةَ، مَنْ قَطَعَهُ لَمْ يَقْطَعْهُ، مَنْ عَصَى اللهَ فِيهِ أَطَاعَ اللهَ فِيهِ.
يَصْحَبُ الْمُؤْمِنِينَ بِعِلْمٍ، وَيُجَالِسُهُمْ بِعِلْمٍ، مَنْ صَحِبَهُ نَفَعَهُ، حَسَنُ الْمُجَالَسَةِ لِمَنِ جَالَسَ، إِنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ رَفَقَ بِهِ، لا يُعَنِّفُ مَنْ أَخْطَأَ وَلا يُخْجِلُهُ، رَفَيقٌ فِي أُمُورِهِ، صَبُورٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ، يَأْنَسُ بِهِ الْمُتَعَلِّمُ، وَيَفْرَحُ بِهِ الْمُجَالِسُ، مُجَالَسَتُهُ تُفِيدُ خَيْرًا، مُؤَدِّبٌ لِمَنْ جَالَسَهُ بِأَدَبِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
إِنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ لَهُ مُؤَدِّبَانِ، يَحْزَنُ بِعِلْمٍ، وَيَبْكِي بِعِلْمٍ، وَيَصْبِرُ بِعِلْمٍ، وَيَتَطَّهَرُ بِعِلْمٍ، وَيُصَلي بِعِلْمٍ، وَيُزَكِّي بِعِلْمٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِعِلْمٍ، وَيَصُومُ بِعِلْمٍ، وَيَحُجُّ بِعِلْمٍ، وَيُجَاهِدُ بِعِلْمٍ، وَيَكْتَسِبُ بِعِلْمٍ، وَيُنْفِقُ بِعِلْمٍ، ويَنْبَسِطُ فِي الأُمُورِ بِعِلْمٍ، وَيَنْقَبِضُ عَنْهَا بِعِلْمٍ.
قَدْ أدَّبَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، يَتَصَفَّحُ الْقُرْآنَ لِيُؤَدِّبَ بِهِ نَفْسَهُ، ولا يَرَضَى مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ بِجَهْلٍ، قَدْ جَعَلَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ دَلِيلَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.
إِذَا دَرَسَ الْقُرْآنَ فَبِحُضُورِ فَهْمٍ وَعَقْلٍ، هِمَّتُهُ إِيقَاعُ الْفَهْمِ لِمَا أَلْزَمَهُ اللهُ مِنْ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ، وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ هِمَّتُهُ: مَتى أسْتَغْنِي بِاللهِ عَنْ غَيْرِهِ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الْمُتقِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الْمُحْسِنِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الْمُتَوَكِّلِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الْخَاشِعِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الصَّابِرِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الصَّادِقِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الْخَائِفِينَ؟ مَتى أَكُونُ مِنْ الرَّاجِينَ؟ مَتى أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا؟ مَتى أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ؟ مَتى أَتُوبُ مِنْ الذُّنُوبِ؟ مَتى أَعْرِفُ قدر النِّعَمَ الْمُتَوَاتِرَةِ؟ مَتى أشكر عَلَيْهَا؟ مَتى أَعْقِلُ عَنْ اللهِ -جَلَّتْ عَظَمَتُهُ- الْخِطَابَ؟ مَتى أَفْقَهُ مَا أَتْلُو؟ مَتى أَغْلِبُ نَفْسِي على هواها؟ مَتى أُجَاهِدُ فِي اللهِ حَقَّ الْجِهَادِ؟ مَتى أَحْفَظُ لِسَانِي؟ مَتى أَغُضُّ طَرْفِي؟ مَتى أَحْفَظُ فَرْجِي؟ مَتى أسْتَحِيى مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ؟ مَتى أشْتَغِلُ بِعَيْبِي؟ مَتى أُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِي؟ مَتى أَحَاسِبُ نَفْسِي؟ مَتى أَتَزَوَّدُ لِيَوْمِ مَعَادِي؟ مَتى أَكُونُ عَنْ اللهِ رَاضَيًا؟ مَتى أَكُونُ بِاللهِ وِاثِقًا؟ مَتى أَكُونُ بِزَجْرِ الْقُرْآنِ مُتَّعِظًا؟ مَتى أَكُونُ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ مُشْتَغِلًا؟ مَتى أُحِبُّ مَا أَحَبَّ؟ مَتى أُبْغضُ مَا أَبْغَضَ؟ مَتى أنْصَحُ للهِ؟ مَتى أُخْلِصُ لَهُ عَمَلِي؟ مَتى أُقَصِّرُ أَمَلِي؟ مَتى أَتَأَهَّبُ لِيَوْمِ مَوْتِي وَقَدْ غُيِّبَ عَنِي أَجَلِي؟ مَتى أُعَمِّرُ قَبْرِي؟ مَتى أُفَكِّرُ فِي الْمَوْقِفِ وَشِدتِهِ؟ مَتى أُفَكِّرُ فِي خلْوَتِي مَعَ رَبِّي؟ مَتى أُفَكِّرُ فِي الْمُنْقَلَبِ؟ مَتى أَحْذَرُ ما حَذَّرَنِي مِنْهُ رَبِّي مِنْ نَارٍ حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَغَمُّهَا طَوِيلٌ، لا يَمُوتُ أَهْلُهَا فَيَسْتَرِيْحُوا، وَلا تُقَالُ عَثْرَتُهُمْ، وَلا تُرْحَمُ عَبْرَتُهُمْ، طَعَامُهُمْ الزَّقُومُ، وَشَرَابُهُمْ الْحَمِيمُ، كُلَّمَا نَضَجَتْ جُلُودُهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، نَدِمُوا حَيْثُ لا يَنْفَعُهُمْ النَّدَمُ، وَعَضُّوا عَلَى الأَيْدِي أَسَفًا عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِي طَاعَةِ اللهِ -، وَرُكُوبِهِمْ لِمَعَاصِي اللهِ تعالَى، فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24].
وقَالَ قَائِلٌ: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100].
وقَالَ قَائِلٌ: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49].
وقَالَ قَائِلٌ: يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا [الفرقان:28]، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ، وَوُجُوهُهُمْ تَتَقَلَّبُ فِي أنواع مِن العذاب: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66].
فَهَذِهِ النَّارُ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، حَذَّرَهَا اللهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، رحمة منه للمؤمنين، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، ثُمَّ حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَغْفَلُوا عَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، ألَّا يُضَيِّعُوهُ، وَأَنْ يَحْفَظُوا مَا اسْتَرْعَاهُمْ مِنْ حُدُودِه، وَلا يَكُونُوا كَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ فَسَقَ عَنْ أَمْرِهِ، فَعَذَّبَهم بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، فقَالَ : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19]، ثُمَّ أَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، فَقَالَ : لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20].
فَالْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ إِذَا تَلا الْقُرْآنَ اسْتَعَرَضَ القرآن، فَكَانَ كَالْمِرَآةِ يَرَى بِهَا مَا حَسُنَ مِنْ فِعْلِهِ، وَمَا قَبُحَ منه، فَمَا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ حَذِرَهُ، وَمَا خَوَّفَهُ بِهِ مِنْ عِقَابِهِ خَافَهُ، وَمَا رَغَّبَهُ فِيهِ مَوْلاهُ رَغِبَ فِيهِ وَرَجَاهُ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَوْ مَا قَارَبَ هَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ تَلاهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَرَعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَكَانَ لَهُ الْقُرْآنُ شَاهِدًا، وَشَفِيعًا، وَأَنِيسًا، وَحِرْزًا، وَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ نَفَعَ نَفْسَهُ، وَنَفَعَ أَهْلَهُ، وَعَادَ عَلَى وَالِدَيْهِ، وَعَلَى وَلَدِهِ كُل خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الرَّجُلِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُ نَهَارَكَ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ[30].
قوله هنا ﷺ: يجيء القرآن يوم القيامة إلى الرجل كالرجل الشاحب فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك، هذا أثر القرآن، العمل به، فيُحيي ليله بالصلاة ونهاره بالصيام، أسهر ليله وأظمأ نهاره، وهذا يشهد له حديث عبد الله بن عمرو -ا، أن النبي ﷺ قال: إن القرآن والصيام يشفعان يوم القيامة لصاحبهما، فيقول الصيام: يا رب إني منعته الطعام والشراب فشفعني فيه، ويقول القرآن: يا رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان فيه[31]، فهل أوْرَثَنا القرآنُ أن أظمأ نهارنا وأسهر ليلنا؟.
وأما قوله ﷺ: كالرجل الشاحب، يعني: المتغير اللون، فهذا يناسب الحال التي كان عليها صاحبه في الدنيا، فهو في حال من الإرهاق والتعب والمكابدة؛ لأنه قد أسهر ليله بالقيام والتلاوة، وكذلك أيضاً في نهاره فهو في عمل بما هداه إليه القرآن ودله عليه، وكذلك أيضاً يكون حال أهل القرآن، وهذا الحديث تكلم شيخ الإسلام -رحمه الله- في معناه وأن المقصود بذلك هو الأجر يأتي بهذه الصورة، واستدل لذلك ودلل عليه وأنه ليس من التأويل في شيء، وقد أُورد ذلك على الإمام أحمد -رحمه الله- يحتج مورده من المعتزلة على التأويل، فأجابهم الإمام أحمد -رحمه الله- بما ذُكر.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيننا على أنفسنا، والله المستعان.
- أخرجه أبو داود، باب تفريع أبواب الوتر، باب في ثواب قراءة القرآن، برقم (1456)، وأحمد في المسند، برقم (17408)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1309).
- انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 154).
- أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر، برقم (2606)، والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، برقم (1212)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب ما يرجى من البركة في البكور، برقم (2236)، وأحمد في المسند، برقم (1320)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وجهالة النعمان بن سعد"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (2345)، وفي صحيح الجامع، برقم (2841).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي ﷺ الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، برقم (2942)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب ، برقم (2404).
- جزء من حديث أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم (2699)، بلفظ: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه.
- انظر: شرح النووي على مسلم (17/ 21-22).
- مراقي السعود.
- أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم (2700).
- انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 81)، ومجموع الفتاوى (18/ 41).
- بدع القراء القديمة والمعاصرة (ص:7).
- أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر، برقم (2910)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (141)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6469).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا [النساء:41]، برقم (4583)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر، برقم (800).
- انظر: المعاني الكبير في أبيات المعاني (1/ 593)، والبديع في البديع لابن المعتز (ص:157)، والعمدة في محاسن الشعر وآدابه (2/ 66)، وجواهر البلاغة (ص:213).
- أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، برقم (34777).
- انظر: الزهد والورع والعبادة (ص:181)، والفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/ 468)، ومجموع الفتاوى (10/ 753).
- انظر: مجموع الفتاوى (16/ 222).
- انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص:89)، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:309).
- أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر في القرآن، والذي يتتعتع فيه، برقم (798)، وأحمد في المسند، برقم (24211)، واللفظ له، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ:18]: زُمَرًا، برقم (4937).
- أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (826)، والحاكم في المستدرك، برقم (1733)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2160).
- انظر: الموافقات (1/ 505).
- أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، برقم (6704).
- أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي ﷺ، برقم (3560)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته ﷺ للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم (2327).
- انظر: تفسير ابن كثير (5/ 480).
- انظر: الفروق للقرافي (2/ 144).
- أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب ، برقم (2404).
- أخرجه الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ، برقم (3701)، وأحمد في المسند، برقم (20630)، وقال محققوه: "إسناده حسن من أجل كثير -وهو ابن أبي كثير- مولى عبد الرحمن بن سمرة"، وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (6073).
- تفسير الطبري (22/ 304).
- المصدر السابق.
- أخرجه ابن ماجه، أبواب الأدب، باب ثواب القرآن، برقم (3781)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (1416).
- أخرجه أحمد في المسند، برقم (6626)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف"، والحاكم في المستدرك، برقم (2036)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3882).