الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب "ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين" أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها مَن يأتيها ويُدعى إليها مَن يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله[1]، متفق عليه.
وفي رواية في الصحيح عن أبي هريرة من قوله: بئس الطعام طعام الوليمة، يُدعى إليها الأغنياء، ويُترك الفقراء[2].
فقوله ﷺ: شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها مَن يأتيها ويُدعى إليها مَن يأباها، ليس المقصود أن شر الطعام هو طعام الوليمة، وإنما الوليمة الموصوفة بهذا، التي يُدعى لها الناس بطريقة انتقائية، توجه فيها الدعوة إلى الأغنياء، ويترك الفقراء ومن لا شأن له، ومن لا يُكترث به، فهذا أمر غير محمود، فهذه وليمة غير محمودة، وطعام وصفه النبي ﷺ بأنه شر الطعام، ومنه يؤخذ أن الإنسان إذا أولم -إذا صنع طعاماً- فإنه ينبغي أن يدعو الأغنياء والفقراء، وأسوأ من هذا ما اعتاده كثير من الناس أن يأتي الفقراء، أو أن يوجد الفقراء، ولربما كانوا من العمال، أو من سائقين أو نحو هذا، ويجلس في الشمس في السيارة، يجلس الساعتين وأكثر، وهؤلاء يجلسون حتى يملون، وهو مثل البهيمة، لا يُدعى للطعام، ولا يجلس في ظل، ولربما كان بالحضرة -كان موجوداً، كالناس الذين يخرجون إلى مكان، إلى استراحة، أو في بيتهم، وهذا السائق موجود، ويُدعى إليها ناس من بعيد، وهذا لا يُدعى أو يقال له فيأكل معهم، قد يمتنع ويُحرج، ولكن على الأقل تقديراً، إشعاراً بكرامته وإنسانيته في أقل الأحوال، فهو إنسان آدمي ما يعامل كما تعامل البهيمة، فهذه من الأمور التي تقع كثيراً للناس، وهي نوع من الكبر والتعالي والتعاظم، والله لا يحب ذلك، لا يحب المتكبرين.
وقوله: يُمنعها مَن يأتيها يعني الفقير لو دعوته يأتي؛ لحاجته ولقلة الكُلَف عنده، بعيد عن التكلفات ومتواضع وبسيط، ويفرح، إذا دعاه أحد لبى دعوته، وأما هؤلاء من الكبراء والأغنياء والأثرياء فهؤلاء لا يأتون، منهم من لا يأتي للناس أصلاً ويفتخر بهذا، أنه ما يجيب دعوة أحد، ومنهم من يأتي على تثاقل وتبرم وكراهية لهذه الدعوة، يأتي إليها وهو في غاية التذمر، ولربما تحدث بهذا، وأما هذا الإنسان الذي يفرح بهذه الدعوة فلا يُدعى.
وقوله: ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، يحتمل أن يكون المراد بالوليمة ما يُصنع من الطعام يُدعى إليه الناس مطلقاً، وهذا قال به بعض أهل العلم، وقالوا: من حق المسلم على المسلم كما ثبت عن النبي ﷺ: إذا دعاك فأجبه[3]، فهو حق ثابت، وكثير من أهل العلم -وهو ظاهر صنيع البخاري -رحمه الله- في الصحيح- أن ذلك يختص بوليمة العرس، بناءً على أن الأشهر في الإطلاق من لفظ الوليمة في عرف المخاطبين الذين كان فيهم النبي ﷺ إذا ذكرت الوليمة فالمقصود بها وليمة العرس؟
كثير من أهل العلم -وهو ظاهر صنيع البخاري -رحمه الله- في الصحيح- أن ذلك يختص بوليمة العرس، بناءً على أن الأشهر في الإطلاق من لفظ الوليمة في عرف المخاطبين الذين كان فيهم النبي ﷺ إذا ذكرت الوليمة فالمقصود بها وليمة العرس، وذلك لاجتماع الزوجين، فالطعام الذي يصنع بهذه المناسبة يقال له: وليمة، والعرب لها أسماء لما يصنع من الطعام، فما يصنع بالعرس يقولون له: وليمة، وما يصنع عند المِلْكة بعضهم يسميه نقيعة، وبعضهم يطلق النقيعة على غير هذا، فكل مناسبة عندهم لها أسماء، الذي يأتي من السفر ويُصنع له طعام هذا له اسم، والذي يسكن داراً ويصنع طعاماً هذا له اسم أيضاً، وما قد يصنع عند الختان هذا له اسم وهكذا، فالوليمة غالب استعمالهم وإطلاقهم لها على ما كان في العرس.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه يجب على الإنسان أن يحضر وليمة العرس، وعليه أن يَطعم منها، إلا إذا أذن له صاحب الطعام، صاحب الوليمة، والنبي ﷺ علمنا كيف نصنع، إن كان صائماً فليصلِّ، يعني يدعو، وإن كان مفطراً فليطعم[4]، وهذا أمر والأصل أن الأمر للوجوب، لكن لو أن الإنسان كان لا يستطيع، كان معذوراً، فإنه يستأذن، وهذا من التواضع والأدب، والقيام بحقوق المسلمين، هذا إنسان دعاك فتجيبه، وهذا مما يحصل به التألف، والنفوس قد تنقبض من الإنسان الذي لا يجيب دعوتها، فيستأذن يقول: عندنا ما يمنع من الحضور، وهو كذا وكذا، فإن أذنت لنا، أو إذا كان يستطيع أن يأتي إليه ويبرك له ويدعو له ويهنئه ثم يستأذن منه إن أذن له، فهذا أيضاً حسن.
وهكذا كل ما يجمع القلوب ويؤلف بينها فهو مطلوب بين المسلمين، ويبقى النظر في هذه الدعوات التي لربما لا يعلم بها صاحب الوليمة، الدعوة العامة، مثل أن تُكتب بطاقات توزع وهو لم يكتبها لربما ولم يعلم بها، هل يجب في هذا أو لا يجب؟ فنبقى على الجانب الاحتياط وهو أن الإنسان إذا جاءته بطاقة دعوة أو اتصل عليه، أو نحو ذلك أو بواسطة أنه يجيب، أو يعتذر إن قبل عذره، فـمن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ﷺ، فهذا صريح في الدلالة على الوجوب، والناس كثيراً ما يتساهلون في هذا، ويفرطون فيه.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله، برقم (5177)، ومسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم (1432).
- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم (1432).
- أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، برقم (2162).
- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم (1431).