الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب وجوب أمر الأهل بالصلاة والأولاد المميزين بطاعة الله ، أورد المصنف -رحمه الله- حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسئول عن رعيته[1] متفق عليه.
وهذا الحديث سبق الكلام عليه، وعلى كل حال دلالته ظاهره في الباب الذي أورده تحته المصنف -رحمه الله-، وذلك أن الإنسان مؤتمن على من تحت يده، فالأب مؤتمن على الزوجة والخادم والأولاد الذكور والإناث، وعلى كل من استرعاه الله إياهم، والمرأة أيضًا مؤتمنة على مال الزوج، وهي مؤتمنة أيضًا على عرضها ونفسها وعلى بيت زوجها، فلا يدخله إلا من يكون مرضيًا له، وكذلك أيضًا هي مؤتمنة على رعاية الأولاد وتربيتهم التربية الصالحة، وهكذا أيضًا هؤلاء الخدم من السائقين، وغيرهم هم مؤتمنون على هذه البيوت، فلا يفشون أسرارها، ولا يتسببون بما يتوصلون إليه من دواخل أمور هؤلاء الناس، إلى شيء من الأذى يوصلونه إليهم، لا بالسحر، ولا عن طريق السرقة أو نحو ذلك، فإن هؤلاء قد عرفوا ما في البيوت، ويعرفون متى تكون خالية، ومتى يكون فيها أهلها، ومتى يغفلون عنها، فهم مسئولون عن ذلك، وهكذا يجدون فيها متاع أصحاب الدار، ويجدون فيها ما يتعلق بهم من خصوصياتهم التي لا يمكن التحفظ بها عنهم، فهم مؤتمنون على ذلك، لا يتحدثون ولا يسيئون، ولا يسرقون، ولا يخونون، وهكذا أيضًا كل واحد من الناس هو راعٍ، كما قال النبي ﷺ بهذه الصيغة الجلية الواضحة الصريحة، التي هي أقوى صيغ العموم: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، المسئولية تعبر عن المؤاخذة، وتدل على أن الإنسان سوف يحاسب على هؤلاء الذي جعلهم الله تحت يده، فإذا ضيع فإن ذلك يكون سببًا لحسابه العسير عند الله ، ما لم يتجاوز عنه، والنبي ﷺ يقول: ما من راع يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لهم إلا لم يدخل الجنة معهم، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
ثم ذكر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فعمرو بن شعيب عن أبيه، يعني عن والد عمرو وهو شعيب، عن جده يعني جد شعيب، وبعض أهل العلم يقولون: جد عمرو، وهو محمد، ومحمد لا يوجد له رواية فيما يذكره بعض أهل العلم إلا رواية واحدة، يعني في مثل هذا الإسناد، فالحاصل أن الكثيرين من أهل العلم يقولون: بأن شعيبًا عن أبيه عن جده يعني جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: قال رسول الله ﷺ: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين[2]؛ وذلك أن الصبي في السنة السابعة يكون مميزًا، وإن اختلف أهل العلم بالمقصود في هذا، يعني هل إذا كمّل السبع أتمها فهو سيدخل في الثامنة، أو أن المقصود بذلك أبناء سبع سنين يعني أنه بدأ في السابعة، فالحاصل: أن الإنسان يميّز عادة غالبًا حينما يصل إلى السابعة، ويستطيع أن يستقل ببعض شؤونه من الذهاب إلى الخلاء، أو الأكل والشرب، ونحو هذا، ولربما يلبس ثيابه، ويكون أيضًا قادرًا على فهم الخطاب، ورد الجواب، فهذا هو المميز، يقول: مروا أولادكم بالصلاة، مروهم؛ لأنكم مسترعون؛ لأن الله قد استرعاكم على هؤلاء الأولاد، وجعلهم تحت أيديكم فهذا من القيام بالأمانة، مروا أولادكم بالصلاة، هم غير مكلفين؛ ولهذا فإن الولي هو الذي يسأل عنهم، فإذا فعل هؤلاء الأولاد معصية لله فإن المؤاخذ بذلك هو وليهم، يعني هؤلاء الأولاد حينما يدخنون مثلاً هم غير محاسبين، لكن يجب على وليهم أن يمنعهم من ذلك، فيكون هو الذي يأثم إذا علم بذلك وتركهم، حينما هؤلاء الأولاد يلبسون لباسًا غير لائق، أو حينما يتكلمون بالسب والشتم وقذف الأعراض وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، ولا يقال: هؤلاء صغار، فهؤلاء يجب أن يؤدبوا وأن يعلموا، وهذا يدل على أنهم أيضًا لا يؤمرون بالصلاة قبل السابعة؛ لأنهم غير مميزين غالبًا، لكن لو أنه جاء إلى المسجد، فإنه لا يمنع، وأما ما يردده بعض الناس من حديث لا أصل له جنبوا صبيانكم ومجانينكم المساجد[3] أو نحو هذا، فإن هذا لا يثبت عن النبي ﷺ، والصبي يأتي إلى المسجد، وينظر إلى الناس، ويألف الدخول إلى المساجد، ورؤية المصلين، والنبي ﷺ قد ارتحله الحسن أو الحسين وهو ساجد، ودخل عليه أيضًا وهو يخطب في الجمعة، فنزل واحتمله، وكان يحمل أُمامة وهو يصلي فإذا قام حملها، وإذا ركع أو سجد وضعها، وهي بنت ابنته زينب -رضي الله عنها-، من أبي العاص بن الربيع ، فالحاصل قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، فابن العاشر يكون قد قارب البلوغ، فيحتاج إلى أن يروض على الصلاة، فإذا كان متمردًا لا يريد أن يصلي فإن هذا لا يؤذن بخير، فيضرب على ذلك، وهذا يدل على أن الضرب أنه تأديب مشروع، لكن قد يفهم من هذا أنه لا يضرب قبل العاشرة، وإذا كان لا يضرب على أهم المهمات وهي الصلاة فمن باب أولى أن لا يضرب على غيرها، فيزجر ونحو ذلك، اضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع: بمعنى أن هذا ابن عشر سنين يمكن أن يكون متطلعًا إلى بعض، إلى فعل ما لا يليق، أو يدرك بعض الأمور المتعلقة بالغرائز والشهوات، وإن لم يبلغ، فإنه قد يقارف، وإن لم يكن بالغًا، فمثل هؤلاء يفصل بينهم في المضاجع، بحيث لا يفضي بعضهم إلى بعض في لحاف واحد من غير ثياب، فرقوا بينهم في المضاجع، قال: حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن.
هذا وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم(853)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم (1829).
- أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم (495)، وحسنه الألباني في سنن أبي داود، برقم (495).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب ما يكره في المساجد، رقم (750)، وضعفه الألباني في سنن ابن ماجة، برقم (750).