الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا باب ما يقال عند الميت، وما يقوله من مات له ميت.
وقد مضى الكلام على هذا المعنى في الحديث الذي قبله، في باب ما يقوله بعد تغميض الميت، وهو حديث أم سلمة أيضًا، في قصة موت أبي سلمة .
فهنا قال: إذا حضرتم المريض، أو الميت، فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، وذكرنا ما قاله النبي ﷺ حينما حضر أبا سلمة قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافْسَح له في قبره، ونور له فيه[2]، ومضى الكلام على معاني هذا الدعاء.
فهنا قالت: "فلما مات أبو سلمة أتيت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله، إن أبا سلمة قد مات..." الحديث، وفي الحديث السابق ظاهر فيه: أن النبي ﷺ قد حضره، ولا منافاة؛ لأن قولها هنا: "لما مات أبو سلمة أتيت النبي ﷺ"، يعني بعد ذلك، وكان قد حضر، فجاءت إليه، وقالت له أمرًا، أخبرته عن أمر قد علمه، فقالت: "إن أبا سلمة قد مات"، يعني: كما علمتَ، قال: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعْقِبني منه عقبى حسنة، يعني: عوضْني خيرًا، فقلت: "فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمدًا ﷺ"، رواه مسلم هكذا: إذا حضرتم المريض أو الميت على الشك، ورواه أبو دواد وغيره: الميت بلا شك.
والحديث الذي بعده يوضحه، وهو من:
وهذا من باب الشرط والجزاء، ما يقول إلا ويحصل، لكن هذا لا شك أنه له اتصال وثيق باليقين، فعلى قدر ما يكون من حضور القلب واليقين بمثل موعود الله ، يحصل للإنسان ما رتب عليه، قالت: "فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله ﷺ، فأخلف الله لي خيرًا منه، رسولَ الله ﷺ"، رواه مسلم، فكانت تستبعد، تقول: مَن مثل أبي سلمة ؟، مَن مثله؟ فتزوجها النبي ﷺ، فكل من وقعت له مصيبة، سواء كان ذلك في ميت، أو كان ذلك بفقد مال، أو كان ذلك بشيء يقع له من المكروه من حادث ونحو هذا، فإن الإنسان يقول مثل هذا الكلام، فتكون عاقبته إلى خير، وكلام الصادق المصدوق وحي، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]، وهذه أم سلمة كانت تستبعد غاية الاستبعاد؛ لأن أبا سلمة كان من خيار الصحابة، عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وكان قد أصيب مع النبي ﷺ في غزوة أحد، أصابته جراحة، فبرئ منها، ثم بعد ذلك بمدة انتقض جرحه، فعاد، ثم بعد ذلك مات متأثرًا بهذه الجراح، كان من خيار الناس، ومن شجعانهم، فكانت تستبعد أن تجد رجلًا كأبي سلمة ، فعوضها الله النبي ﷺ، فهذا يكون ديدن الإنسان دائمًا، وأما الجزع والتسخط واللعن -إذا وقع للإنسان مصيبة- والكلام البذيء، فإن ذلك يفقد معه الأجر، ويحصل معه وزر، ويضيع هذا الخير المرتب على ما علمناه النبي ﷺ، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المريض والميت، رقم: (919)، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام، رقم: (3115)، والترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت، والدعاء له عنده، رقم: (977)، وقال: حديث أم سلمة حديث حسن صحيح، والنسائي، كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، رقم: (1825)، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حُضر، رقم: (1447).
- أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حُضر، رقم: (920).
- أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، رقم: (918).