الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا باب الكف عما يرى من الميت من مكروه؛ وذلك سترًا عليه فإذا كان النبي ﷺ نهى عن سب الأموات[1]؛ فكيف بهتك الستر ممن يؤتمن على تغسيلهم، ويطلع على ما يطلع عليه غيره؟
وهذه الأمور المكروهة التي قد يطلع عليها المغسل، أو من يعاونه على نوعين:
النوع الأول: أمور تتصل بالبدن مما قد يفعله بعض الناس، أو قد يكون خلقة فيه، يعني: أشياء ما كان الناس يطلعون عليها من العيوب، أو نحو ذلك قد يكون هذا الإنسان بقي عاش سنين طويلة، ربما عاش ستين سنة، أو أكثر وفيه أمور لا يريد أن يطلع عليها مخلوق، هي خاصة به تتعلق بأشياء غير مرئية في جسده، والناس لا يعرفون عنها شيئًا، والكلام فيها يؤذيه، واطلاع الناس عليها يؤذيه، فقد يطلع هذا المغسل، ثم يذهب، ويتكلم ويقول رأيته كذا رأيته كذا هذا لا يجوز.
وقد تكون هذه الأشياء مما يفعله هو بنفسه وهذا قد يوجد في النساء خاصة هذه المرأة قد تغسلها امرأة، فتطلع على أشياء لا يحسن الحديث عنها يعني بعض النساء لاسيما في هذه الأوقات، قد تفعل أشياء في نفسها قد لا تحسن لا تجمل، ولكن هذه ماتت، فجاءت تغسلها فاطلعت على أمور لا يمكن أن تتحدث عنها.
اليوم توسع الناس في أشياء فيما يتعلق بالعورات من وشم، وأمور كثر سؤال الناس عنها، يستفتون أشياء تلقوها عن غير المسلمين، لربما تفعل هذه المرأة تقليدًا، لربما المرأة هذا تجملا لزوج، أو نحو ذلك من أمور، لا ينبغي لهذه المغسلة أن تتحدث عن شيء من هذا أبدًا، ونسأل الله العافية.
يعني: المرأة أحيانًا قد يحصل لها حادث تموت في ليلة الزفاف كما هو معلوم حصل وتكون في أبهى زينة، وقد تكون عاملة في نفسها أشياء لا تريد من الناس أن يطلعوا عليها، وكم من ناس صارت لهم أمور ووقائع وحصلت حوادث ووفيات لأناس في طرق في مناسبات حضرها هؤلاء وهم في أبهى زينة، فهذه الأشياء التي تتعلق بالأبدان، مما هو خلقه أو يفعله الإنسان بنفسه، لا يجوز الحديث عن مثل هذه القضايا.
النوع الثاني: وهو ما كان من التغير الذي يحصل للميت هؤلاء الأموات قد تحصل لهم أمور، وقد يطلع عليها هذا المغسل ولا يطلع عليها غيره مثل تغير الوجه قد يسود قد تتغير ملامحه، قد يمسخ بعض الناس إلى خنزير كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله عن الرافضة- يقول تواتر النقل في هذا أن بعضهم يمسخ إلى خنزير، وشيخ الإسلام لما يقول تواتر النقل في هذا فليس ككلام غيره.
فالمقصود أن هؤلاء الناس الذين يموتون قد يحصل لهم أشياء، تغيرات، قد يكون هذا الإنسان يجد المغسل أحيانًا في شق بطنه أشياء، لربما يجد بكرة تسجيل الأغاني، الشريط مكسر، ويستخرج الشريط من بطنه، هذا حصل.
يعني: السيارة تهشمت، الشريط تهشم، بكرة الشريط في بطنه، بطنه مشقوق، والمغسل يجر الشريط من البطن هذه غير حسنة لا يتحدث عنها، يقول: فلان لقينا بكرة شريط الأغاني في بطنه.
وهكذا ما يحصل له من تغيرات، مع العلم أن هذه التغيرات التي تحصل ليس بالضرورة أن تكون من علامات سوء الخاتمة، يعني: بعض الناس يرى إذا تحول الوجه وتغير إلى سواد، يقول: هذا علامة سوء خاتمة ليس بالضرورة والأطباء يعرفون هذا وأن هذا الميت قد يحصل من الانحباس انحباس النفس، ما يتغير معه لون الوجه وبعض الحالات، إذا وقع عليها الماء بعد الموت يتغير لون الجلد، فلا يعتبر هذا بالضرورة، يقال هذا خاتمته سيئة ليس كذلك هذا عند الله .
وقل مثل ذلك فيما قد يشاهده الإنسان من أمور أخرى لا يحسن ذكرها، والحديث عنها مما قد يكون علامة لسوء الخاتمة، لكن ليس بالضرورة قد يقول رأيته في أقبح هيئة، مقطب، في حال من انقباض الوجه هذا ليس بالضرورة قد يكون من شدة النزع بقي بهذه الحالة.
كذلك العلامات الأخرى الذين يقولون الوجه مستنير، نحن نرجو للمحسن، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه العلامة قطعًا على أن خاتمته حسنة هذا الوجه قد يحصل له استنارة قد يحصل له في أعوام معينة قد تكون مدركة لدى الأطباء.
قد يكون قبل الموت وقد تكون من علامات حسن الخاتمة، أقصد أنها ليست قطعية رأينا هذا حكمنا بسوء الخاتمة، رأينا هذا حكمنا بحسن الخاتمة؟
لا، ليس بالضرورة القضية عند الله لكن على ماذا مات هذا الإنسان، قد يكون هذا الإنسان الذي رأينا وجهه تغير إلى سواد مات في طاعة، راح عمرة أو حج، أو رايح صلة رحم، أو رايح يحضر مجلس علم، هذه خاتمة حسنة، ذهب لعيادة المريض، هذه خاتمة حسنة.
لكن العلامات، ليس بالضرورة، بعض الناس إذا قتل وهو يجاهد في سبيل الله يرون أنه لا بدّ أن يوجد رائحة مسك، ويقولون: وجدنا رائحة المسك رائحة المسك ليست في الدنيا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك[2] يوم القيامة ما هو في الدنيا، فما بال الناس اليوم يتحدثون عن قضايا؟
نحن لا نمنع ولا ننكر أن توجد كرامات، وأمور خارقة للعادات، لكن خلاف الأصل بمعنى أن هذا لا ينتظر من قتل في سبيل الله أن نجد منه رائحة مسك، ونبحث هل تجدون رائحة مسك أو لا؟
الأصل ألا يوجد، هذا الأصل، لمن قتل شهيدًا فعلاً عند الله، الأصل ألا توجد ريح مسك في الدنيا، ريح المسك في الآخرة.
وقل مثل ذلك في رفع السبابة، يقول لك: انظر إلى سبابته مرفوعة، يا أخي، حتى الذي نائم، وحتى الذي ما هم يتشهد طبيعة الإنسان انظر إلى يده تجد أنها بهذه الهيئة غالبًا.
انظر إلى أحوال النائمين تجد أصبعه بهذا الشكل، انظر إلى الإنسان، وهو جالس غير منتبه لنفسه انظر إلى الطفل تجد يده بهذا الشكل.
يقول: ما شاء الله كان يتشهد، وهو نائم هذا كلام غير صحيح، نعم قد يتشهد، لكن ليس بالضرورة أن ننظر إلى اليد بهذه الطريقة، نقول: ما شاء الله شوفوا حسن الخاتمة، ثم نصورها ونقول هكذا رفع السبابة يتشهد، ومات وهو يتشهد، هذه طبيعة اليد هكذا، غالبًا ونرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، لكن ليس بالضرورة.
وتأمل حال النائمين، ستجد أن الغالب أن أيديهم بهذه الطريقة.
كذلك أيضًا ما قد يتوهم من أن هذا الإنسان لما مات كان مبتسمًا مثلاً هذا شيء طيب، ويرجى إن شاء الله أن يكون علامة خير، لكن ليس بالضرورة، فنحن نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء.
القضية أيها الإخوان ليست هذه القضية على ماذا يموت الإنسان؟ هذا الشيء الأساس المهم إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها[3]
وقال ﷺ: وإنما الأعمال بالخواتيم[4] وهذا هو المعول، والغالب أن الإنسان يموت على ما عاش عليه مهما حاول أن يظهر للناس صورة أخرى، فالذي يريد حسن الخاتمة عليه أن يخلص لله أن يكون صادقًا مع الله في كل أحواله، أن يكون ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، أن يعمل بالطاعات، أن يجتهد، أن يستقيم ما تكون عنده ذنوب وسريرة أخرى، وذنوب خلوات، وقد يقبض عليها، هذا هو المعول، ما هو نطالع وجهه، ونطالع إصبعه، ونبحث عن ريحة مسك أو ما أشبه ذلك، حتى الذي يقتل في المعركة، نحن لا نستطيع أن نقول شيئًا عن عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي ﷺ، فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله ﷺ: كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها[5].
لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء العاقبة في الآخرة ما ندري هذه عند الله فنتفطن لمثل هذه الأمور.
ذكر حديثًا واحدًا وهو:
هذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في بعض كتبه وصححه في بعضها، الشيخ شعيب الأرنؤوط صحح الحديث، يعني وافق الحاكم حينما، قال: صحيح على شرط مسلم.
وعلى كل حال بعض أهل العلم يضعف الحديث.
وهنا من غسل ميتًا فكتم عليه يعني: ما أذاع الأمور التي يشاهدها مما يكره إذاعته غفر الله له أربعين مرة، غفر ماذا؟
هل غفر كل الذنوب أربعين مرة، وإلا غفر له أربعين مرة، يعني كل مرة يغفر له ذنبًا أو ذنوبًا هذا الظاهر -والله أعلم- ما هذه الذنوب ما عددها؟ هل هي من الكبائر أو الصغائر الله أعلم.
غفر الله له أربعين مرة وجاء في رواية تقييد ذلك بالكبيرة[2]، ولكن الرواية لا تصح وإلا كانت مفسرة لهذه الرواية وجاء في رواية أخرى على كل حال غير هذا لكنها لا تصح ومثل: من غسل ميتا، فستره ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس[3]، هذا من حديث أبي أمامة، ولا يصح.
من غسل ميتًا فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة يؤخذ من الحديث أنه لا أقول يندب هذا هنا فضل لكن هذا العمل واجب، وهو ستر عورات المسلمين، وعدم إذاعة ذلك، لا فيما يتصل بالأحياء، ولا فيما يتصل بالأموات والنبي ﷺ يقول: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا[4].
جمع الحرمات الثلاث، فالحي والميت له حرمة لا يجوز لأحد أن يتعداه، دماءكم وأموالكم وأعراضكم، لا يجوز لأحد أن يتكلم فيه يتكلم في عرضه، وهذه من الأمور التي لا تخفى على أحد، يعني: الكل يعرفها وهي من المبادئ التي يتعلمها الناس، ومع ذلك هي من أكثر القضايا تركًا وتفريطًا وتضييعًا لدى كثير من الناس.
الكلام في الأعراض من أسهل الأشياء وإذاعة ما يكرهه الإنسان، كل هذا من الأشياء الذائعة الشائعة، وانظر اليوم في وسائل الاتصال الجديدة ووسائل الإعلام الجديدة، ترى ذلك ما الله به عليم، وترى بعض من ينتسب إلى العلم أو ينتسب إلى الدين أو الدعوة لا يجد أشياء حقيقية أحيانًا، فكيف لو وجد أشياء حقيقية؟
ويذيعها وينشرها في الآفاق، ولا يحل له هذا ما يحل كيف يجترئ الإنسان على مثل هذه الأمور والله المستعان.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الجنائز (1/ 505)، رقم: (1307)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب من رأى شيئا من الميت فكتمه ولم يتحدث به (3/ 554)، رقم: (6655).
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 315)، رقم: (929).
- أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الجنائز، (1/ 505)، رقم: (1307)، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 281)، رقم: (8077).
- أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ (2/ 886)، رقم: (1218).