الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي "باب تخفيف ركعتي الفجر وبيان ما يقرأ فيهما وبيان وقتهما" أورد المصنف -رحمه الله- غير الأحاديث التي مضى التعليق عليها.
حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا[البقرة:136] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[آل عمران:52][1].
وفي رواية في الآخرة: "التي في آل عمران: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ[آل عمران:64][2] رواهما مسلم.
هذا الحديث حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فيه إشكال؛ وذلك أن هذه الروايات غير متفقة، فهنا في الرواية الأولى: "يقرأ في الأولى منهما: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى [البقرة:136] الآية التي في البقرة.
وفي الآخرة منهما: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[آل عمران:52] الآية التي في آل عمران فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52].
وفي الآية الأخرى التي في آل عمران: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ [آل عمران:84] الآية.
فالشاهد: أنه هنا قال: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ وفي الرواية الأخرى قال: "في الآخرة التي في آل عمران: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]".
فبعض أهل العلم يقول: يقرأ بهذا وهذا، وينوع، باعتبار أن هذا عمل بما جاء في هذه الروايات، والذي يظهر -والله أعلم- أن الشك وقع لبعض الرواة، فجاءت هذه الروايات كما سمعتم، والله تعالى أعلم.
والمقصود: أيًا كانت الآية المقروءة على اختلاف الروايات، فأنه يدل على أنه كان يقتصر على آية واحدة في الركعة، فيجوز للإنسان أن يقتصر على آية واحدة.
كما يدل أيضًا على أنه يجوز للإنسان أن يقرأ في الصلاة من وسط السورة، أو من آخرها، ولا يشترط أن تكون القراءة من أول السورة، نعم في صلاة الفريضة كان النبي ﷺ من هديه الغالب أنه إذا افتتح سورة أنفذها، بمعنى: أنه يقرأها -عليه الصلاة والسلام- حتى يأتي على آخرها، ولربما قرأ ﷺ فأخذته سعلة، ثم ركع.
فالشاهد: أن هذا لا بأس به لهذا الحديث، وإن كان ذلك في غير الفريضة، لكن الله أمر بقراءة ما تيسر؛ وذلك يتحقق بقراءة آية أو أكثر، والله تعالى أعلم.
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: قُولُوا آمَنَّا.. إلى آخره.
ما ذكر الفاتحة، فهذا أيضًا استدل به من قال: بأن الفاتحة لا تجب، وهو قول ضعيف، بل القول بأن النبي ﷺ لم يكن يقرأ الفاتحة قول شاذ، وأنها لا تجب للمنفرد، ولا لغيره، فهذا بعيد.
لكن المقصود: أنه قرأ ذلك بعد الفاتحة، ويدل على هذا حديث عائشة -رضي الله عنها- كما في بعض رواياته.
الحديث الذي قبله قرأناه.
وهو حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة من آخر الليل، يصلي ركعتين قبل صلاة الغداة، وكأن الأذان بأذنيه[3]، متفق عليه.
وبينا المراد بهذا.
والمقصود: بالأذان: الإقامة، يعني: لشدة ما كان يخفف ﷺ بالقراءة والصلاة في الركعتين قبل صلاة الفجر، كأنه يسمع الإقامة لشدة تخفيفه ﷺ.
وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قرأ في ركعتي الفجر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1][4]، رواه مسلم.
وهذا جاء عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، بل جاء عن النبي ﷺ ما يدل على استحبابه؛ وذلك أن النبي ﷺ جاء عنه في بعض الأحاديث أنه قال: نعم السورتان هما، يقرأ بهما في ركعتي الفجر، قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون[5]، يعني: في السنة الراتبة، فالأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ هذا من باب التخلية، والبراءة من الإشراك وأهله، والثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في التوحيد، وهكذا كان يقرأهما ﷺ في سنة المغرب.
وذكر الحديث الأخير: وهو حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رمقت النبي ﷺ شهرًا، وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن[6].
وورد عن غير ابن عمر ، كجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وغيرهما -رضي الله عن الجميع-.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما برقم (727).
- أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما برقم (727).
- أخرجه البخاري في أبواب الوتر، باب ساعات الوتر (995) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل برقم (749).
- أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما برقم (726).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء فيما يقرأ في الركعتين قبل الفجر برقم (1150) وصححه الألباني.
- أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر والقراءة فيها برقم (417) وصححه الألباني.