السبت 14 / جمادى الأولى / 1446 - 16 / نوفمبر 2024
حديث «صلوا أيها الناس في بيوتكم..» إلى "إن رسول الله أمرنا أن لا نُوصل صلاة بصلاة.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب استحباب جعل النوافل في البيت، سواء الراتبة، وغيرها، والأمر بالتحول للنافلة من موضع الفريضة، أو الفصل بينهما بكلام.

وذكر حديث زيد بن ثابت أن النبي ﷺ قال: صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة[1] متفق عليه.

صلوا في بيوتكم، وهذا يشمل الرواتب والوتر وقيام الليل، كما يشمل أيضًا سائر النوافل صلوا في بيوتكم ومن ثم أيضًا فإن صلاة النافلة والراتبة كالفجر في السفر فيمن كان يصلي في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، في بيته أفضل من صلاتها في المسجد، وهكذا قيام الليل.

ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا[2] متفق عليه.

هذا تعليل للصلاة في البيوت، وهو إحدى العلل التي لربما من أجلها مجتمعة، أو لبعضها تكون صلاة النافلة في البيت أفضل، فهذا نص عليه رسول الله ﷺ فلا شك أنه علة مقصودة للشارع، ومن العلل أيضًا هو ما يحصل من الفضل، والأجر فذلك أعظم إذا كانت في البيوت، ومن ذلك أيضًا ما يحصل من الخير، والبركة في البيت الذي يصلى فيه.

قال: ولا تتخذوها قبورًا بعضهم فهم منه أن المقصود أن القبور قد تعطل أهلها من الأعمال الصالحة، كالصلاة، وغيرها، ولعله -والله تعالى أعلم- يكون المراد أن القبور، والمقابر لا يصلى فيها، فهي ليست بمحل للصلاة؛ لأن ذلك يكون من ذرائع الشرك.

ثم ذكر حديث جابر قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته؛ فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا[3] رواه مسلم.

هناك لا تجعلوها قبورًا وهنا فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا ما هذا الخير الذي يحصل إذا صلى في بيته؟ لا شك أن البيت الذي يعمر بالصلاة، والطاعة، وقراءة القرآن يكون ذلك طردًا للشياطين، وسببًا لحصول البركة.

ثم ذكر حديث عمر بن عطاء "أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة"[4] والمقصورة حجرة في طرف المسجد تتخذ، يصلي فيها الأمير أو الخليفة، ويكون لهذه الحجرة نافذة تطل على المسجد عليها حديد بحيث لا يوصل إليه، ويقال: أن أول من اتخذ هذه المقصورة في المسجد معاوية بعدما ضربه الخارجي بالسيف في الليلة التي ضرب فيها علي -رضي الله عنه وأرضاه- في القصة المعروفة، فالشاهد أن معاوية -رضي الله عنه وأرضاه- أصابته الضربة، ولكنه سلم أصابته في غير مقتل، وهو يصلي؛ فاتخذ هذه المقصورة من باب الاحتياط لنفسه، فلا يصلي مع الناس، يصطف معهم في الصف في المسجد كما كانت عادة الخلفاء -رضي الله عنهم وأرضاهم- وإنما يصلي في الصف، لكن في مكان يحصره، ويحجزه عن الناس، فلا يصلون إليه، وهذه المقصورة لها باب، وعليه حرس، فلا يدخل إلا من شاء، فهنا صلى في المقصورة معه يقول السائب بن أخت نمر، وهو صحابي من صغار الصحابة لما سأله معاوية حينما أرسل له نافع بن جبير، يقول: نعم صليتُ معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام؛ قمتُ في مقامي، فصليتُ، يعني: تنفل، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة؛ فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم، أو تخرج، فإن رسول الله ﷺ أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج[5] رواه مسلم.

إذا هنا الصلاة في المقصورة من السلف من كرهها كابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- كان إذا كان في المقصورة، وأقيمت الصلاة؛ خرج، وصلى مع الناس، وكرهها الإمام أحمد أيضًا، وإسحاق بن راهوية، ولم ير بها بأسًا جماعة من السلف أيضًا كالحسن البصري، وآخرين[6] والكلام في كراهتها لا في تحريم الصلاة فيها -والله تعالى أعلم-.

فهو هنا صلى الجمعة، ثم قام في مكانه مباشرة يصلي النافلة، أو يصلي السنة الراتبة، يقول: فلما سلم الإمام؛ قمتُ في مقامي، فصليتُ -والفاء تدل على التعقيب المباشر- فلما سلم الإمام؛ قمتُ، يعني: وصل هذه بهذه، ولم يفصل يقول: فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم، أو تخرج، فإن رسول الله ﷺ أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة، ولاحظ هذا عام لا يختص بالجمعة، لكنه قال له ذلك لما رآه وصل الجمعة بالراتبة قال: إذا صليت الجمعة، فذكر الجمعة لهذا السبب؛ لأن ذلك وقع منه، وإلا فالحديث عام أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج[7].

نتكلم، فهل إذا قال الأذكار يكون قد فصل بين الصلاة والصلاة بالذكر؟ أو تكلم مع من بجانبه، ويصلي مكانه، أو نخرج، لو لم يتكلم، صلى الجمعة، ولم يتكلم حتى دخل داره، ثم صلى، فلا إشكال، إذا لو أنه غير مكانه، ولم يتكلم، ولم يقل الأذكار من أهل العلم من قال: إن ذلك بمنزلة الخروج، إذا غير مكانه، إذا هل يطلب تغيير المكان؟ هل يشرع تغيير المكان إذا صلى الإنسان الفريضة؟ إنسان قرأ الأذكار، وانتهى منها، ويريد أن يصلي النافلة، هل يغير مكانه، أم لا؟ لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا صريحًا صحيحًا أن الإنسان يغير المكان، من أهل العلم من يقول: يغير من أجل أن تشهد له البقاع، ولكن هل هذا يكفي من أجل أن يتخذ عادة يعتادها الناس، فلا يكاد يصلي المصلي بعد أن يقول الأذكار حتى يغير مكانه، فيتنفل، هل هذا مطلوب؟ وكأن الإنسان لا يتجاسر أحيانًا على الصلاة في مكانه الذي صلى فيه، أو يشعر أنه وقع بشيء من المخالفة، فهذا ليس فيه مخالفة -والله تعالى أعلم- يصلي الإنسان في مكانه الذي صلى فيه، المقصود أن يفصل بين الفريضة، والنافلة -والله تعالى أعلم-.

يكفي هذا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة الليل، برقم (731)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم (781).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم (432)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم (777).
  3. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم (778).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، برقم (883).
  5. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، برقم (883).
  6. انظر: المغني، لابن قدامة (2/261).
  7. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، برقم (883).

مواد ذات صلة