الجمعة 13 / جمادى الأولى / 1446 - 15 / نوفمبر 2024
(87) أذكار الأذان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قول اللهم رب هذه الدعوة التامة ..."
تاريخ النشر: ١١ / ربيع الأوّل / ١٤٣٥
التحميل: 2613
مرات الإستماع: 2410

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نُواصل الحديثَ على الأذكار التي تُقال بعد الأذان، فمن ذلك ما ذكره هنا من أنَّه يُصلِّي على النبي ﷺ بعد فراغه من إجابة المؤذّن، يقول: اللهم ربَّ هذه الدَّعوة التَّامة، والصَّلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه ...[1] الحديث.

هنا الصَّلاة على النبي ﷺ بعد الأذان، بعد إجابة المؤذّن، جاء ذلك في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما-: أنَّه سمع النبيَّ ﷺ يقول: إذا سمعتُم المؤذّن فقولوا مثلما يقول[2]، بمعنى: أنَّه لو علم أنَّ الأذانَ يُؤذّن الآن، لكنَّه لا يسمع؛ فإنَّه لا يُردد، لو أنَّه يراه كان يُؤذّن في صحراء، وبعيد عنه، أو يُؤذّن على المنارة -كما كان في السابق- لكنَّه لا يسمع صوتَه؛ فإنَّه لا يُقدّر ذلك ويُردّد؛ لأنَّ هذا مُقْتَرِنٌ ومُرتبطٌ بالسَّماع: إذا سمعتُم المؤذّن فقولوا مثلما يقول، يعني: أنَّك تُردّد الجُمَل التي يقولها المؤذّن.

وعرفنا أنَّه يقول عند الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله، كما يدلّ عليه الحديث الآخر الذي أوردناه، يعني: إلا ما استُثني، قولوا مثلما يقول إلا ما جاء استثناؤه.

قال: ثم صلُّوا عليَّ فهذا إذًا بعد التَّرديد لقول المؤذن، تأتي هنا الصَّلاة على النبي ﷺ، فهذا أمرٌ منه ﷺ بالصَّلاة عليه ﷺ، وهذا من المواضع الثَّابتة في تأكُّد الصَّلاة على النبي ﷺ.

وهنا لم يذكر صيغةً لهذه الصَّلاة، وحيثما أُطْلِقَ الأمرُ بالصَّلاة على النبي ﷺ فإنَّ ذلك يُجزئ فيه أن يُقال: صلَّى الله عليه وسلم، أو: اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ، مثلاً، ولكن أكمل الصِّيغ أن يقول كما علَّمنا النبيُّ ﷺ لما سُئِل: كيف نُصلِّي عليك؟ فنقول كما نقول بعد التَّشهد من الصَّلاة على رسول الله ﷺ، هذا هو الأكمل: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ.. إلى آخره، هذا أكمل وأفضل، كما يُقال في الاستغفار، فإنَّه لو قال: أستغفر الله، أستغفر الله؛ فإنَّ ذلك يكون استغفارًا، ولكن لو أنَّه ذكر سيدَ الاستغفار فهذا أكمل.

فحيث أمر الله -تبارك وتعالى- أمرًا مُطلقًا بالاستغفار فإنَّه يُجزئ فيه أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله وأتوب إليه، مثلاً، لكن الأكمل أن يأتي بصيغة سيد الاستغفار.

وهنا في الصَّلاة على النبي ﷺ كذلك، رجل يُكْثِر من الصَّلاة على النبي ﷺ ليلة الجمعة، وفي يوم الجمعة، كيف يقول يوم الجمعة؟ ماذا نقول ليلة الجمعة؟

"اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ"، يُردِّدها، يكفي، ويحصل به الامتثال، ولكن الأكمل أن نقول: "اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ"، ونُكمل ما نقوله من الصَّلاة عليه ﷺ بإحدى الصِّيغ الثابتة التي فيها هذا التَّفصيل.

فهنا يقول: ثم صلُّوا عليَّ، وثم هذه للتَّعقيب والتَّراخي، يعني: بعدما يُردد ويفرغ المؤذّن يُصلّى على النبي ﷺ.

ثم قال: فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا[3]، فهذا الذي يُصلي على النبي ﷺ بمعنى أنَّه يدعو لرسول الله ﷺ، وينفع نفسَه قبل كل شيءٍ، فإنَّ الفاء هذه تدل على التَّعليل: فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً يعني: واحدةً، يقول: "اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ" مثلاً، ففي هذا يكون قد صلَّى على النبي ﷺ: مَن صلَّى عليَّ صلاةً أي: واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا عشر صلوات، وكما هو معلومٌ أنَّ الحسنةَ بعشر أمثالها، وصلاة العبد على رسول الله ﷺ بعشرٍ من الله، فهذا من هذا الباب: أنَّ الجزاء يُضاعَف للعبد إلى عشرة أضعافٍ.

ثم سَلُوا الله لي الوسيلة، هنا أطلق، فإنَّها منزلةٌ في الجنَّة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشَّفاعة[4]. رواه مسلم، هذا سياق الحديث.

فقوله ﷺ في هذا الحديث: إذا سمعتُم المؤذّن فقولوا مثلما يقول، ثم صلُّوا عليَّ أي: بعد فراغكم من إجابته، فإنَّه أي: الشَّأن مَن صلَّى عليَّ صلاةً يعني: واحدةً صلَّى اللهُ عليه، وعرفنا أنَّ الصَّلاة من الله على العبد بمعنى: ذكره في الملأ الأعلى، أن يذكره في الملأ الأعلى، وهذا له مُقتضيات ولوازم؛ فإذا كان اللهُ يذكر عبدَه في الملأ الأعلى، فإنَّ هذا يقتضي هدايته ورحمته، وما إلى ذلك: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]، فصلاته -تبارك وتعالى- على عبده تقتضي رحمته بهذا العبد، وهدايته، ونقله من هدايةٍ إلى هدايةٍ، ومن فضيلةٍ إلى فضيلةٍ، ومن خيرٍ وبرٍّ ومعروفٍ إلى برٍّ ومعروفٍ وخيرٍ، هذه صلاة الله -تبارك وتعالى- على عبده ومُقتضياتها، يقول: صلَّى الله عليه بها عشرًا.

ثم قال: ثم سلوا الله لي الوسيلة، هنا في هذا الحديث أطلق ذلك، وعلمنا النبيُّ ﷺ كيف نسأل الوسيلةَ في الحديث الذي بعده، وهو الذي قرأتُه آنفًا من الكتاب الذي نحن بصدد شرحه.

فهنا سلوا الله لي الوسيلة، هل نقول مثلاً: اللهم أعطِ نبيَّك ﷺ الوسيلة، مثلاً؟

نقول: لا، ليس هذا، وإنما هناك صيغة علمنا النبيُّ ﷺ أن نقولها، وهي: اللهم ربَّ هذه الدَّعوة التَّامة، والصَّلاة القائمة، فهذه مُقدّمة -كما سيأتي- إلى أن يقول: آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة[5]، كل هذا مما علّمناه رسولُ الله -عليه الصلاة والسلام-.

فالوسيلة في الأصل هي ما يُتوصّل به إلى الشَّيء، تقول: هذا وسيلةٌ إلى كذا. وتُقال لما يُتقرَّب به إليه، فنحن نتوسل إلى الله بالأعمال الصَّالحة، نتوسل إليه بالدُّعاء، نتوسل إليه -تبارك وتعالى- بمحبَّته، نتوسل إليه بأسمائه وصفاته، فكلّ ذلك مما نتوسّل به إلى الله -تبارك وتعالى-، فهذه يُقال لها: وسيلة، فهي في أصلها في كلام العرب: كلّ ما يتوسّل به إلى الشَّيء، يُقال له: وسيلة.

وسُمِّيت بها تلك المنزلة الرَّفيعة من الجنَّة لماذا؟

بعض أهل العلم يقول: لأنَّ الواصلَ إليها يكون في غاية القُرب من ربِّه -تبارك وتعالى-؛ لأنَّه ليس هناك مَن هو أقرب منه، ولا أرفع منه درجةً، فيكون ذلك مُختصًّا به؛ لأنَّ هذا لا ينبغي إلا لواحدٍ، كما قال النبيُّ ﷺ، ولا تسأل عن حاله من الكرامات، والنَّعيم، ورفيع الدَّرجات.

فهنا الذي نسأله للنبيِّ ﷺ ما هو؟ نحن عرفنا أصل الوسيلة؟

نسأل له تلك الدَّرجة والمنزلة الرَّفيعة، وقد جاء ذلك مُفسَّرًا في الحديث، فإنها -أي: الوسيلة- منزلةٌ في الجنَّة؛ يعني: من منازل الجنَّة، هي أعلى الجنَّة على الإطلاق، أرفع درجات ومراتب الجنَّة، خلافًا لمن قال: إنَّها الشَّفاعة، وقالوا: القرينة الدَّالة على ذلك: أنَّ النبي ﷺ قال: حلَّت له شفاعتي[6]، وأنَّ الجزاء من جنس العمل.

لكن سيأتي في الكلام على قوله ﷺ: اللهم آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، سيأتي في الكلام على هذا: والدَّرجة العالية الرَّفيعة، والمقام المحمود الذي وعدتَه، فهذا كلّه يدل على أنَّ هذه الجُمَل -كما سنذكر إن شاء الله تعالى- في هذا العطف مُتغايرة في المعنى على الأرجح، فالمقام المحمود هو الشَّفاعة العظمى.

إذًا هنا الوسيلة ليست هي الشَّفاعة، بل فسَّرها النبيُّ ﷺ بالمنزلة أو الدَّرجة التي تكون في الجنَّة، منزلةٌ في الجنَّة.

ويدل على هذا أيضًا حديثٌ آخر يرويه أبو هريرة ، وإسناده ثابتٌ، وهو عند الترمذيّ، يقول: سلوا الله ليَ الوسيلة، قالوا: يا رسول الله، وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجةٍ من الجنَّة، لا ينالها إلا رجلٌ واحدٌ، وأرجو أن أكون أنا هو[7].

إذًا تفسير النبي ﷺ لا حاجةَ معه إلى قول قائلٍ، إذا جاء نهرُ الله بطل نهرُ العقل، والعلماء لهم كلامٌ في الوسيلة، ما المراد بها في هذا الحديث؟

فهذا الحديث نصٌّ صريحٌ في تفسيرها: أنها أعلى درجةٍ من الجنة، لا ينالها إلا رجلٌ واحدٌ، فهذا المراد بالوسيلة، وسُمِّيت بذلك لكونها أقرب الدَّرجات إلى عرش الرحمن -كما يقول الحافظُ ابن القيم رحمه الله-[8]، فهي أقرب الدَّرجات إلى الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

يقول النبي ﷺ عن هذه المنزلة والدَّرجة الرَّفيعة: فإنها منزلةٌ في الجنَّة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، "لا تنبغي" يعني: لا تحصل، لا تصلح، لا تليق إلا لعبدٍ واحدٍ من عباد الله.

ولاحظ هنا أنَّه ذكر وصف العبودية في هذا المقام الذي هو أرفع المقامات على الإطلاق مما يصل إليه الخلق، أعلى المقامات: العبودية، فهذا يدلّ -كما ذكرنا في مناسباتٍ سابقةٍ في غير هذه المجالس في طريق الوصول وفي التَّفسير- على أنَّ شرفَ العبد إنما هو بقدر تحقيقه لعبودية الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-، يشرف الإنسانُ، يزداد شرفُه، وتعلو مرتبته كلَّما ازداد عبوديَّةً، وليس حريَّةً، كلَّما ازداد رقًّا، لكن لـمَن؟

ليس للمخلوقين، لله، وهذا يقتضي أنَّه يتقيّد بأوامره وشرائعه، ويجتنب نواهيه، ما يقول: أنا حرٌّ أفعل ما أشاء، لا، هو عبدٌ، وعلى قدر ما يُحقق من هذه العبودية ترتفع مرتبتُه، انظر أعلى مرتبة هنا يقول: لا تنبغي إلا لعبدٍ، ما قال: لرجلٍ نسيبٍ، شريفٍ، ثريٍّ، ذي وجاهةٍ ومنصبٍ. ما قال هذا -عليه الصَّلاة والسلام-، وإنما: لعبدٍ من عباد الله.

لاحظ قال: وأرجو، وهذا يدل على كمال تواضعه ﷺ، عبَّر بذلك تأدُّبًا: أرجو أن أكون أنا هو.

يقول: فمَن سأل لي الوسيلة حلَّت عليه الشَّفاعة، وفي لفظٍ: حلَّت له الشَّفاعة[9]، يعني: أنَّه صار مُستحقًّا لذلك؛ أن ينال شفاعة النبي ﷺ، وهذا فيه إثبات الشَّفاعة.

والشَّفاعة أنواع -كما هو معلومٌ-، شفاعات، فمنها: ما يكون للنبي ﷺ ويختصّ به، ومنها ما يكون للملائكة، وللمؤمنين، إلى غير ذلك مما هو معلومٌ.

فهنا حلَّت له الشَّفاعة، وفي اللَّفظ الآخر: عليه، فهما -كما قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله- بمعنًى واحدٍ، اللام بمعنى: على[10]، وكفى، خلافًا لمن حمل على معانٍ هنا وهناك، لا يظهر -والله أعلم- أنها مُراده، يعني: أنَّه وجبت له الشَّفاعة، حقَّت له الشَّفاعة، استحقَّ الشَّفاعة، هذا معنى: حلَّت له الشَّفاعة، شفاعة مَن؟

شفاعة النبي ﷺ، فهو يقول: حلَّت عليه الشَّفاعة، حلَّت له الشَّفاعة.

هنا قد يرد سؤال؛ وهو: أنَّه قد يقول قائلٌ بأنَّ الشَّفاعةَ تكون للمُذنبين، للمُقصّرين، للمُسيئين، فهنا قد يكون هذا من السَّابقين بالخيرات؟!

فيُقال: ليس ذلك بلازمٍ، فالشَّفاعة أنواع، فمنها: ما قد يدخل به العبدُ الجنةَ من غير حسابٍ، ولا عقابٍ. ومنها: ما يكون رفعةً لصاحبه في منازل عاليةٍ في الجنة؛ يعني: يُنْقَل من منزلةٍ إلى منزلةٍ أعلى، أرفع.

الإنسان في الدنيا حينما يكون على وظيفةٍ مُعينةٍ، أو على مرتبةٍ معينةٍ، سمِّها ما شئتَ، فيأتي مَن يشفع له، فيُعطى مرتبةً أخرى، الناس ينتظرون هذه المرتبة لربما عشرات السّنين، ويمكن يموتون وما جاءت، وعنده مشكلة مع الرئيس، وعنده مشكلة مع غيره، فيبقى مجمّدًا، فتضيق به الدّنيا إن كان من طلاب هذه الدَّرجات، فلو جاء أحدٌ وشفع له؛ لغبطه كثيرون ممن يتطلعون إلى هذه الأشياء: فلانٌ له مُستند، وله ظهر، وشفع له فلان، ورُقّي إلى المرتبة كذا، هذا هنا في الجنة، رفعة درجات، وبين الدَّرجة والدَّرجة كم من التَّفاوت؟

وكذلك أيضًا قد يكون ممن استحقّ دخول النار؛ فلا يدخلها، وقد يكون الإنسانُ ممن دخل النار؛ فيخرج منها، إلى غير ذلك.

فهذه شفاعات، فلا يلزم إذا الإنسان طلب الشَّفاعة بقوله: اللهم ربّ هذه الدَّعوة التَّامة، ورجا أن يحصل له ذلك؛ أو قال: اللهم لا تحرمنا شفاعةَ نبيك ﷺ، مثلاً: اجعلنا من أهل شفاعته، ليس يُفهم من هذا بالضَّرورة أنَّه يكون مُستوجبًا للنَّار، فيشفع له النبيُّ ﷺ ألا يدخلها، لا، الشَّفاعة أنواع، وكل أهل الإيمان ينتفع بها، ويرتفع، ويشرف بذلك.

إذًا هذا السؤال لا يقتضي بالضَّرورة أن يكون مستوجبًا لدخول النَّار، أو يكون قد دخلها فيُخرج منها.

ولاحظ هنا هذا السّؤال، وهذا الدُّعاء، أرشدنا النبيُّ ﷺ أن ندعو به له بعد الأذان، مما يدل على أنَّ هذا وقت إجابةٍ؛ وهذا أمرٌ ثابتٌ لا إشكالَ فيه: أنَّ بين الأذان والإقامة من أوقات الإجابة.

فهذه الدَّرجة التي لا تكون لأحدٍ إلا لرسول الله ﷺ علَّمنا النبيُّ ﷺ أن نسألها هنا، ومن ثَمَّ فإنَّ العبد ينبغي أن يتحرَّى مثل هذا الوقت، ويحرص عليه، لا سيّما إذا كان في المسجد فأذَّن المؤذِّن، فيرفع يديه ويدعو، وقد أشار بعضُ أهل العلم لذلك.

وهنا يرد سؤالٌ آخر أيضًا: النبي ﷺ هو صاحب تلك المنزلة العليا، والدَّرجة الرفيعة، فما وجه السؤال له بذلك؟ لماذا نسأل ونطلب، والنبي ﷺ ستكون له هذه الدَّرجة؟!

فهذا يمكن أن يُجاب عنه بأجوبةٍ متعددةٍ:

النبي ﷺ هنا قال: وأرجو أن أكون أنا هو، كثيرٌ من أهل العلم يقولون: هذا على سبيل التَّواضع، وإلا فهي حاصلةٌ له.

وبعضهم يقول -كالقرطبي رحمه الله-: لعلَّ ذلك قبل أن يُوحى إليه به، ثم أُوحي إليه أنَّه سيكون هو صاحب تلك المرتبة.

لكن هناك جوابٌ أوضح من هذا، وله شقَّان، يعني: أنَّه ذو فرعين:

الفرع الأول: أنَّ الله -تبارك وتعالى- يُرتِّب بعض الجزاء على بعض ما أمر به، وهذا له أمثلةٌ، مثل هنا، وكما نقول: "اللهم صلِّ على محمدٍ"، والله يُصلي على نبيِّه ﷺ: إِنَّ اللَّهَ ومَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]، وهنا "آتِ محمدًا الوسيلة"، فإذا كان ذلك من الحاصل له، فما المانع أن يكون ذلك لجملةٍ من الأسباب؟ ومنها دعاء أهل الإيمان، هذا واحدٌ.

الأمر الثاني: أنَّ مثل هذا السّؤال والطَّلب للنبي ﷺ أنَّه تعبُّدٌ تعبَّد اللهُ به المؤمنين، ويُجازيهم عليه، ويكون سببًا لنيلهم لشفاعته ﷺ، فنحن نتقرَّب إلى الله بهذا، وننتفع غايةَ الانتفاع، ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- يزيد نبيَّه ﷺ رفعةً وشرفًا بكثرة دُعاء أُمَّته له، كما زاده بصلاتهم، مع رجوع ذلك أيضًا إليهم بالأجر والثَّواب، فينتفعون به غايةَ الانتفاع.

وهنا يرد سؤال، ولكن الوقت انتهى وزاد، لعلي أترك هذا إلى الليلة الآتية، إن شاء الله.

  1. أخرجه مسلم: كتاب الأذان، باب الدُّعاء عند النِّداء، برقم (614).
  2. أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  3. أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  4. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  5. أخرجه مسلم: كتاب الأذان، باب الدعاء عند النِّداء، برقم (614).
  6. أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدُّعاء عند النِّداء، برقم (614).
  7. أخرجه أحمد في "مسنده"، برقم (7598)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (5767).
  8. انظر: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" لابن القيم (ص82).
  9. أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  10. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/95).

مواد ذات صلة