الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي الباب تحريم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال في لباس، وحركة، وغير ذلك، مضى الكلام على بعض الأحاديث التي أوردها المصنف -رحمه الله- في صدر هذا الباب.
ثم ذكر حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا[1] رواه مسلم.
قوله ﷺ: صنفان من أهل النار لم أرهما يعني نوعان ممن يدخل النار من أهل الذنوب، والمعاصي لم يرهما النبي ﷺ يحتمل؛ لأن ذلك لم يظهر في زمانه، في عصره، وإنما ظهر بعد ذلك.
قال: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس فهؤلاء وجدوا في عصر المصنف -رحمه الله- أعني الإمام النووي -رحمه الله- وذكر ما وقع في زمانه على يد غلمان الشرط، فكان معهم مثل هذه السياط يضربون بها الناس بغير حق.
والصنف الثاني: وهن النساء الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، معنى كاسيات فسره المصنف -رحمه الله- وذكر الأقوال فيه، قال: كاسيات أي من نعمة الله، عاريات من شكرها، هذا تفسير، هذا قاله بعض أهل العلم.
وقيل: معناه تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهارًا لجمالها، ونحوه.
وقيل: تلبس ثوبًا رقيقًا يصف لون بدنها، وهذا على كل حال، والذي قبله هو الأقرب، أنها كاسية بمعنى أنها ليست عارية بالكلية، متجردة من اللباس، وإنما عليها لباس لا يستر، وإنما يزيدها فتنة، فهي تغطي بعض الأجزاء من الجسد، وتبدي بعضًا، كما هو حاصل في زماننا هذا، والعلماء، وإن اختلفوا كثيرًا في معنى كاسيات عاريات، لكن الذي يظهر -والله أعلم-؛ لأنهم ما عاشوا في هذا العصر، وما رأوا مما يقع من بعض النساء فيه، كما يحصل في المناسبات، وصالات الأفراح، فتلبس المرأة قطعًا من اللباس، تظهر من الجسد أكثر مما تغطيه، فتظهر مفاتنها، تظهر صدرها، تظهر ظهرها، بطنها، جنبها، تظهر لربما ساقها، وفخذها، فهؤلاء كاسيات عاريات، فهذا اللباس الذي تلبسه لا يستر، ولا يواري، وقد يكون شفافًا يبدي ما تحته -والله المستعان- فهذا من كبائر الذنوب صنفان من أهل النار.
وقال في وصفهن: مميلات مائلات معنى مائلات بعضهم يقول: عن طاعة الله تعالى، وما يلزمهن حفظه، يعني من ستر الأجسام، وما يلزمهن حفظه من العفاف، وما إلى ذلك مائلات عما يجب، مائلات عن طاعة الله .
مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، يعني أنهن داعيات إلى هذا الانحراف على هذا المعنى، وقيل: مائلات يمشين متبخترات، يعني مائلة في مشيتها، مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات يمتشطن المشطة الميلاء، وهي مشطة البغايا، ومميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة، ولعل الأقرب -والله تعالى أعلم- مائلات مميلات أنهن مائلات عن الحق، مميلات لغيرهن، هي لما تكون بهذه المثابة من التبرج، والتبذل، وإظهار المفاتن، فإنها تكون قد حادت عن الحق، وخرجت عنه، وهي مميلة لغيرها؛ لأنها دعوة صامتة تتحرك، فيتأثر بها، والطبع سراق، والناس كأسراب القطا جبلوا على تشبه بعضهم ببعض، فتبدأ بواحدة، ثم بعد ذلك ما يلبث هذا أن يتحول إلى لون من الموضة يحاكي النساء فيه بعضهن، وكذلك أيضًا هن مميلات لمن يراهن من الرجال، فيفتنون بها، فتميل القلوب، وتصغي إليها، فهن فاتنات مفتونات.
قال: رؤوسهن كأسنمة البخت البخت نوع من الإبل، كأسنمة البخت، أسنمة البخت كبيرة، فبعضهم يقول -كما يقول المصنف- أي يكبرنها، ويعظمنها بلف عمامة، أو عصابة، أو نحو ذلك، وبعضهم يقول: كأسنمة البخت المائلة، بمعنى أنها ترفع شعرها الضفائر، أو غير الضفائر، ثم تلويه فوق رأسها، فيكون كالسنام، وذلك لون من التبرج، فإذا خرجت خرجت بهذه الهيئة، ولو كان ذلك من تحت العباءة رؤوسهن كأسنمة البخت فهؤلاء ذكر النبي ﷺ: أنهن لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها.
فالأمر ليس بالسهل، وأين هؤلاء الذين يقولون من النساء بأن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة، فهذا الوصف من النبي ﷺ وهذا الوعيد كله يدل على أن ذلك لا يفرق فيه بين كون المرأة أمام المحارم، أو أمام النساء، أو أمام الرجال الأجانب، فكل ذلك أمر محرم، وليس ذلك من لباس أهل الحشمة، والعفاف، والستر، والصيانة، فينبغي على النساء أن يتقين الله -تبارك وتعالى- وينبغي على الرجال الأولياء أن يقوموا على نسائهم بما أمر الله وألا يترك المرأة ينتظر بالسيارة، أو تذهب مع السائق، فتخرج، وتلبس ما شاءت، ثم بعد ذلك إذا وصلت إلى صالات الأفراح، أو نحو هذا خلعت العباءة، فظهرت بصورة لا يرضاها الله -تبارك وتعالى- ولا يمكن أن يقبلها ذو مروءة، وعقل، ودين.
هذا، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، والله أعلم.
- أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، برقم (2128).