الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا "باب النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما"، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه، النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وذلك لا فرق فيه بين صغير أو كبير، فنتف الشيب ولو ظهر مبكرًا فإن ذلك لا يسوغ، ولما سيأتي من الأحاديث من أن هذا الشيب يكون نورًا للمؤمن يوم القيامة، هذا بالإضافة إلى أنه يرفع به درجة، ويكتب له به حسنة، ويحط عنه به خطيئة بكل واحدة من هذا الشيب، فلا ينتف.
وكذلك أيضًا النهي عن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه، يعني ليبقى على هذه الصفة وهذه الحال من كونه لا شعر له في وجهه، يعني ليبقى حديث السن في نظر العين، فهذا أمر لا يسوغ، فإن اللحية لا يصح نتفها ولا حلقها، وقد ذكر أهل العلم كالنووي -رحمه الله- في "شرحه لصحيح مسلم" ذكر جملة من الأمور التي تكون منهية أو مكروه أو مذمومة في اللحية، فمن ذلك مما ذكره النووي[1] -رحمه الله- أن ينتف شعرها في أول طلوعه، ليبقى كأنه صغير، ومن ذلك الحلق، وهو محرم، ومن ذلك أيضًا وهو لم يذكره، القص فيما دون القبضة، وإذا سلط المقص على اللحية فإن ذلك مؤذن بتلاشيها، والله المستعان.
ومن ذلك أيضًا أن ينتف الشيب منها، ومن ذلك أن يصبغ بالسواد، ومن ذلك أن يضع مادة وقد ذكر هذا النووي -رحمه الله- وهو موجود الآن، وتعجب من وجوده أن يضع مادة تظهر بعض الشعر أبيض إما في ناحية معينة، أو يكون بعض الشعر أسود وبعض الشعر أبيض، وهؤلاء تعجب كيف يفعلون هذا، ولكن لله في خلقه شؤون، فمن الناس من يبحث عن السواد فيصبغ الأبيض بالأسود، ومن الناس من يبحث عن الشيب فيضع مادة أو أصباغ موجودة الآن تظهر الشعر في هذه الصفة، وذلك ربما ليكبر نفسه، أو من أجل إظهار الوقار، وما أشبه ذلك مما يقصده بعض الناس، فهذا أمر لا يسوغ.
وكذلك ذكر النووي -رحمه الله- أن يصبغها بالصفرة، وهذا أمر لا إشكال فيه لكن قال: "إن قصد بذلك التشبه بأهل الصلاح"[2]، وهذا أمر إلى الله -تبارك وتعالى- وله نيته؛ وإنما الأعمال بالنيات.
وكذلك أيضًا عقد اللحية فقد جاء النهي عن عقدها؛ أن يعقد اللحية، وكذلك أن يضفرها يجعل اللحية بشكل ضفيرة، فهذا أيضًا منهي عنه.
وذكر النووي -رحمه الله- أن يجعل اللحية على شكل طبقات، يقول: "من أجل أن يستميل بها النساء"[3]، لربما كان هذا في عصرهم محبوبًا جذابًا للنساء.
وذكر أيضًا من هذه الأشياء قال: "أن يترك ذلك على صورة وحال من الشعث"[4]، يعني يتركها مبعثرة إظهارًا للزهد وقلة العناية بالمظهر، ونحو ذلك، فهذا أمر مذموم.
ومن ذلك أيضًا العناية الزائدة بها بالتسريح والاستشوار والتمليس وما إلى ذلك، فمثل هذا أيضًا لا يحسن، والاعتدال في الأمور مطلوب.
ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يعني عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي ﷺ قال: لا تنتفوا الشيب، وهذا عام كما سبق يشمل المرأة والرجل، ويشمل الكبير والصغير الذي ظهر له الشيب في وقت مبكر.
ثم ذكر علة هذا النهي قال: فإنه نور المسلم يوم القيامة[5]، فكيف ينتفه قال: حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، بأسانيد حسنة، قال الترمذي: "هو حديث حسن".
وجاء أيضًا في بعض الأحاديث كما أشرت في شرح ترجمة هذا الباب أنه: ما من مسلم يشيب شيبة إلا كانت له نورًا يوم القيامة، أو رفع بها درجة، وكتبت له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة[6]، ثلاثة أشياء أو كما قال النبي ﷺ مع أن هذه الأمور لا يد للإنسان فيها، يعني هو يشيب من غير اختياره.
والمقصود أن الشيب غير مذموم، وليس ثمة ما يدعو إلى التنزه عنه، والتباعد عن ذلك.
وذكر بعد ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: من عمل عملا ً ليس عليه أمرنا فهو رد[7]، رواه مسلم.
ووجه ارتباط هذا الحديث بهذا الباب النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس أن ذلك على خلاف المشروع وأنه فعل مخلاف لهدي النبي ﷺ، ولما أرشد إليه، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.
- شرح النووي على مسلم (3/149).
- شرح النووي على مسلم (3/149).
- شرح النووي على مسلم (3/149).
- شرح النووي على مسلم (3/149).
- أخرجه أبو داود، كتاب الترجل، باب في نتف الشيب، برقم (4202)، والترمذي وحسنه، أبواب الأدب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في النهي عن نتف الشيب، برقم (2821)، والنسائي، كتاب الزينة، النهي عن نتف الشيب، برقم (5068)، وأحمد في المسند، برقم (6672)، وقال محققوه: "صحيح لغيره"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7463).
- أخرجه أبو داود، كتاب الترجل، باب في نتف الشيب، برقم (4202)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5760).
- أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718).