الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(6) قوله:ومتلف مؤذيه ليس يضمن بعد الدفاع بالتي هي أحسن إلى قوله:ويفعل بعض الأمور إن شق فعل سائر الأمور
تاريخ النشر: ٠٩ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 2268
مرات الإستماع: 4247

بسم الله الرحمن الرحيم

القواعد الفقهية لابن سعدي

6- قوله: "ومتلفُ مؤذيه ليس يضمنُ *** بعد الدفاع بالتي هي أحسنُ

إلى قوله: ويفعل بعض الأمورِ إنْ *** شق فعلُ سائر الأمورِ"

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:

ومتلفُ مؤذيه ليس يضمنُ *** بعد الدفاعِ بالتي هي أحسنُ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فنص عبارة المؤلف -رحمه الله- في التعبير عن هذه القاعدة في كتابه الآخر: "القواعد الجامعة"، يقول: "من أتلف شيئاً لينتفع به ضمنه، ومن أتلفه دفعاً لمضرته فلا ضمان عليه".

هذه القاعدة تتعلق بباب الإتلاف، وقد سبق الكلام عليه، متى يكون الضمان في الإتلاف؟، فذكرنا من قبل: أن الجهل، والخطأ، والنسيان كل ذلك مغتفر، وأنه يستثنى من تلك القاعدة باب الإتلاف، وقلنا: إن الضمان ثابت إلا في بعض الصور، وذلك إذا لم يوجد التفريط، كما في الوديعة مثلاً، أو الشركة، أو الوكالة، أو نحو ذلك، فإنه لا يضمن من غير تفريط، إذا لم يفرط ما يضمن، فهنا:

ومتلفُ مؤذيه ليس يضمنُ *** بعد الدفاعِ بالتي هي أحسنُ

هذا إتلافٌ إذن على سبيل التعمّد، وليس الإتلاف الذي هناك الذي بطريق الخطأ، أو الإكراه، أو غير ذلك، إنما هذا الإتلاف عن طريق القصد، من غير خطأ.

هذا الإتلاف هل يضمنه إذا كان قاصداً له أو لا يضمن؟

نقول: لا يقال: لا يضمن، ولا يقال: يضمن بإطلاق، إذا كان هذا الإنسان وقع منه الإتلاف لدفع الأذى، لدفع أذى هذا الشيء فإنه لا يضمن، وإذا أتلفه لينتفع به فإنه يضمن، أتلفه لدفع الأذى، الآن لو خرجتَ من هذا المسجد فوجدتَ ثوراً هائجاً ينطح الناس ويؤذيهم، فقتلته، وإن لم يأتِ إليك، أو أتى إليك، الحكم: لا يُضمن، دفع المؤذي، دفع الصائل، لا يُضمن.

وهكذا لو أن إنساناً جاء إنسانٌ يريد قتله، أو أخذ ماله، أو نحو ذلك.

فالنبيﷺ يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد)([1]).

لكن يجب أن يكون الدفع بالتي هي أحسن، يعني: لا يبدأ بالدفع بالأعظم ويستطيع أن يدفع بالتي هي أحسن، يدفع بالأرفق، ثم يتدرج، ومما يدل على هذه القاعدة الحديث في دفع المار بين يدي المصلي، هذا يُدفع، تدفعه باليد، فإن لم يندفع قال النبيﷺ: (فليقاتله، فإن معه القرين)([2])، فلو أدى هذا الدفع إلى قتله، أو كسر يده، أو نحو ذلك، هل يضمن؟

الجواب: لا ، لكن لا يبدأ بهذا([3])، وكذلك أيضاً في الدفع عن المال، ونحو ذلك، فيبدأ بالأسهل، ثم ينتقل منه، هذا فيمن دفع الأذى فإنه لا ضمان عليه، لكن إن قتله، أو أتلفه لمعنى آخر وهو أن يستجلب النفع لنفسه، هذا إنسان عمد إلى مال معصوم فقتله ليأكله، دابة فلان، ناقة، نحرها ليأكل منها، حتى لو كان جائعاً معذوراً فإنه يضمن.

متى لا يضمن؟ إذا كان هذا الشيء يسيراً، لا يتضرر منه الآخر، كأن يأخذ من الثمرة، أو نحو هذا، هذا لا يضمن، إذا كان مضطراً، أما إذا كان الشيء معتبراً؛ إنسان يوشك على الهلكة، وما وجد إلا دابة فلان، وجد ناقته، فنحرها، ثم أكل، يدفع، فهو يضمن في هذه الحال، لكنه معذور بهذا التصرف.

وكذلك لو أنه صاد من صيد الحرم من أجل أن يدفع عن نفسه الجوع الذي يفضي به إلى الهلكة، وصل إلى حالة من الجوع، لابد أن يصطاد من الحرم، فهنا يقال: يجوز له أن يأكل، ولكنه يضمن؛ لأنه قتله لمصلحة نفسه، هذا معنى هذه القاعدة يقول:

ومتلفُ مؤذيه ليس يضمنُ *** بعد الدفاعِ بالتي هي أحسن

يعني: أن لا يبدأ بالأشد، وإنما يبدأ بالأخف.

وأل تفيد الكلَّ في العمومِ *** في الجمع والإفراد كالعليمِ

العليم هذا مثال، هذه القاعدة هي قاعدة أصولية مما يتعلق بمباحث الألفاظ، "ال" تفيد العموم، والاستغراق، والمقصود بها: "ال" المعرِّفة؛ بمعنى أنها تفيد العموم مالم يكن هناك عهدٌ، ما تكون عهدية.

فحينما تقول مثلاً: الرجل أقوى من المرأة، هذه "ال" المعرفة، يعني: جنس الرجل أقوى من جنس المرأة.

لكن لو كان هناك معهودٌ، إما ذكري، وإما حضوري، وإما ذهني.

أنواع العهد: عهد ذكري، تقول: رأيت رجلاً وامرأة، والرجل أقوى من المرأة، هنا "ال" عهدية، العهد ذكري، أنا ذكرتُ الرجل قبل قليل، رأيت رجلاً وامرأة، والرجل -يعني الذي ذكرته آنفاً المعهود- أقوى من المرأة، فهنا لا عموم، نتكلم عن رجل معين.

والعهد الحضوري تنظر إلى رجل وامرأة قد وقفا، وأتيا، فتقول: الرجل أطول من المرأة، فهذا عهد حضوري، الرجل الحاضر، أو تقول: الرجل ينتظرك، الرجل الواقف، فهذه ليست في العموم.

كذلك إذا كان العهد ذهنيًّا، هناك شخص بينك وبينه حديث، ثم أقول لك: الرجل نسي الأمر، أو نسي ما طلبتَ منه، الرجل: هل المقصود كل الرجال، أو الرجل الذي بيني وبينك حديث عنه؟، رجل معهود بالذهن، الرجل أحضر الكتاب، -يعني: المعهود في الذهن- فهذا كله ليس للعموم.

"ال" العهدية ليست للعموم، إنما التي للعموم هي: "ال" المعرِّفة -التعريفية- التي إذا دخلت على المفرد، أو الجمع فإنها تفيد الاستغراق، والشمول، فهذا من القواعد الأصولية.

وأل تفيد الكلَّ في العمومِ *** في الجمع والأفراد كالعليمِ

"العليم" هنا دخلت "ال" على هذا الاسم: "عليم" ما وجه العموم هنا؟ يعني ذلك: كل عليم؟ بحسب الاستعمال، بحسب المثال، إذا كانت في أسماء الله –- فإن "ال" هذه في العليم يمكن أن يقال: لاستغراق جميع العلم فهو متحقق لله –-، مثلما تقول: الحمد، كل المحامد مستحَقة لله –-.

وإذا قلت: العليم، وقصدتَ بها معنى شائعًا في أفراد كثير، فإذا قلت: "العليم خير من الجهول" العليم: فكل عليم أفضل ممن يتصف بضد ذلك، فهذه للاستغراق والعموم، هكذا نطبق على هذا المثال الذي ذكره.

أما الأمثلة الأخرى فهي كثيرة جدًّا لا تحصى، وهي قاعدة أصولية كما قلت.

سريعاً نأتي لبعض الأمثلة، حينما يقول النبيﷺ: (البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس)([4])، "البر" يعني: كل بر إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ النحل:90، بجميع أنواع العدل، ما حدد شيئاً بعينه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، بكل ضروب الإحسان.

وحينما يخبر أنه يأمر بالإحسان لذوي القربى -القرابات- يشمل كل القرابات، يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء، دخلت "ال" على كلمة: الْفَحْشَاء فإن ذلك للعموم، كل نوع من أنواع الفحشاء فهو منهي عنه عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي النحل:9.

كل منكر، وكل فحشاء، وكل بغي، فهو منهي عنه، وهكذا إذا دخلت على الجمع، أو المفرد فإنها للعموم.

والمقصود بالمفرد: الذي يؤثِّر دخولها عليه، وهو النكرة، أو يقال: اسم الجنس مثلاً، فإنها للعموم، يؤثر دخولها عليه، بخلاف الاسم العلم.

 شخص اسمه براء، أو حارث، أو عباس وقلت: البراء، والحارث، العباس، فهذه لا تفيد العموم، ليس كل براء، وليس كل حارث، دخلت على العلم، فهذه تدخل على العلم للمح الأصل مثلاً، أصل هذه اللفظة، أو نحو ذلك، لكنها لا تفيد العموم، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2، كل إنسان فهو خاسر إلا من استثنى الله –-.

و(إن الرقى، والتمائم، والتِّوَلة شركٌ)([5])، كل الرقى، وكل التمائم، هذا في الأصل، في ظاهر اللفظ، إلا ما دل الدليل على استثنائه.

وإذا كان هناك عهدٌ فإنها لا تحمل على العموم، كأن يتكلم على رقى معينة كانت موجودة معروفة في عهدهم، فلا يُحمل هذا على كل الرقى، ومعلوم أنه ليس كل الرقى شركًا، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار النساء:145 كل المنافقين، مَن نفاقهم ليس بعملي، وإنما النفاق الاعتقادي.

وأيضاً: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ [القلم:34]، المتقين، مَفَازًا لكل المتقين، فـ"ال" هذه إذا دخلت دلت على العموم.

بعضهم يقول: "ال"، وبعضهم يقول: "اللام".

"أل" حرفُ تعريفٍ أو اللامُ فقط *** فنَمَطٌ عرَّفتَ قُل فيه النَّمطْ

"ال" بعض العلماء يقولون: "أل" هي المعرِّفة، وبعضهم يقولون: "اللام" هي المعرِّفة فقط.

فهذه قاعد أصولية.

النكراتُ في سياقِ النفي *** تعطي العمومَ أو سياقِ النهي

عبارة المؤلف في الكتاب الآخر، ونحتاج -كما قلت- إلى ذكرها؛ لأن النظم يُتوسع فيه، والقواعد تحتاج إلى شيء من الضبط في العبارة، يقول في عبارته: النكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الشرط تفيد العموم.

والواقع أن النكرة تفيد العموم في أربع حالات: النكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الشرط، أو الاستفهام، أربع حالات تفيد فيها النكرة العموم.

والنكرة: هي اللفظ الشائع في جنسه، أو ما دل على معنى شائع في جنسه، ويقبل دخول "ال" مؤثرة فيه، هذه هي النكرة، هل هي اسم جنس، أو هل هناك فرق بينها وبين اسم الجنس؟، على كل حال نحن نتحدث عن النكرة.

 

النكرة: هي اللفظ الشائع في جنسه، أو ما دل على معنى شائع في جنسه، ويقبل دخول "ال" مؤثرة فيه، هذه هي النكرة، هل هي اسم جنس، أو هل هناك فرق بينها وبين اسم الجنس؟، على كل حال نحن نتحدث عن النكرة.

 

فالنكرة هي بهذا الاعتبار اسم وُضع لشي لا بعينه يدل على معنى شائع في جنسه، إذا دخلت عليه "ال" المعرِّفة أثرت فيه التعريف، اسم وُضع لمعنى لا بعينه، كلمة: ساعة، هل وضعت على ساعة معينة، ساعة اليد، أو ساعة الحائط، أو ساعة زيد؟

الجواب: لا، اسم وضع لمعنى، وهي حاسبة الوقت، لا بعينه، يدل على معنى شائع في جنسه، كل ما كان بهذه المثابة فهو ساعة، يقبل دخول "ال"، وتؤثر فيه أل، مثلما تقول: الساعة، فهنا صار معرفة بدخول أل عليه، بخلاف مالا يؤثر دخول "ال" عليه، كما قلنا: العلم كالعباس، الحارث، البراء، اليمان، وأمثال ذلك، فهذه الأعلام لا يؤثر فيها دخول "أل"، وإنما هي لمعنى كلمح الأصل.

هذه هي النكرة، الأمثلة على هذا كثيرة في الكتاب والسنة، لكن دعونا نأخذها واحدة واحدة.

النكرة في سياق النفي تفيد العموم، مثل: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ البقرة : 197.

هذا نفي مضمن للنهي، فَلَا رَفَثَ أيّ: رفث، وهو مقدمات الجماع، لا رفث لا بالقول، ولا بالفعل فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ لا فسوق في الحج، إذا حج الإنسان -والعمرة حج أصغر- فلا فسوق إطلاقاً، فالنظر في الحج إلى النساء، أو في العمرة هذا من جنس الفسوق (من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)([6]) فيغض بصره، َلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ، ولا يعلق على الآخرين، أو يغتاب الناس، أو يتندر منهم، ويستهزئ بهم، فهذا كله من الفسوق، وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ على المعنى بأنه لا يجادل، نهي عن المجادلة، نفي مضمّن معنى النهي، أي جميع أنواع الجدال إلا ما ورد استثناؤه، وهو التباحث في المسائل لمعرفة الحق، السؤال عنها، والجواب، فالمجادلة هي: المجاوبة بين شخصين.

النكرة في سياق النهي مثل: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا النساء:36 فـشَيْئًا نكرة في سياق النهي فيشمل كل شيء، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195، بِأَيْدِيكُمْ أيديكم هذه جمع مضاف إلى معرفة وهي الكاف، والجمع إذا أضيف، أو النكرة إذا أضيفت أفاد ذلك التعريف، فأكسبها العموم من وجه آخر ليس على أنها نكرة في سياق النفي، بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة لكن التهلكة تفيد العموم من جهة دخول "ال" عليها، أي كل تهلكة.

((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالهما))([7])، (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان...)([8])، هذه في النفي.

لا يقول: أنا قلبي طيب، وهذه مثل أختي، أو يقول: حاشا، وكلا، (إلا كان الشيطان ثالثهما).

ولا يقال: هذا سائق، ما عليه حرج، لكن في النهي تقول: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)([9])، امرأة، أي امرأة، قد تكون شخصيتها قوية، أقوى من الرجل، ما تسافر إلا مع ذي محرم.

قد تكون كبيرة، لا يُطمع بمثلها، نقول: لا تسافر إلا مع ذي محرم، قد يكون السفر بالطائرة، لا تسافر إلا مع ذي محرم في سياق النهي.

في سياق الشرط: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الزخرف:81، أيّ ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، وأيضاً مثال آخر، سياق الشرط: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا المؤمنون:117، إِلَهًا أيّ: إله، وأيضاً: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب آل عمران:100 أي: فريق منهم: يَرُدُّوكُمْ آل عمران:100 النفي، أو النهي، أو الشرط، أو الاستفهام، نكرة في سياق الاستفهام مثل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا مريم:65، أيّ: سمِي، على كلٍّ هي قاعدة أصولية.

كذاك مَن وما تفيدان معا *** كلَّ العموم يا أُخَيَّ فاسمعا

وهذه أيضاً من القواعد الأصولية، وليست من القواعد الفقهية، وعرفنا الفرق بين القاعدة الأصولية، والقاعدة الفقهية، نص هذه القاعدة في كتاب: "القواعد الجامعة" هو قوله -رحمه الله-: "من، وما، وأل، وأي، ومتى يدل كل واحد منها على العموم، وكذلك المفرد المضاف يدل على العموم".

هذا الكلام كله صحيح، كل هذه من صيغ العموم، لكن المؤلف هنا -رحمه الله- في النظم اقتصر على اثنتين منها، وإلا فهذه الأشياء التي ذكرها مَن، وما، وأل، وأي، ومتى، يدل كل واحد منها على العموم، وكذلك المفرد المضاف يدل على العموم، فلن أشرح هذه المفردات التي ذكرها جميعاً، وإنما الذي ذكره هنا، "مَن، وما" تفيدان العموم.

"مَن" إذا كانت شرطية، أو كانت موصولة، أو كانت استفهامية، وكذلك "ما" في الشرط، والاستفهام، والموصولية هي في هذه الحالات الثلاث تدل على العموم، والمؤلف في هذا ذكر آيات كثيرة نستخرج منها موضع الشاهد: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ آل عمران: 109 هنا يقول مثال "مَن"، هذا في الواقع مثال على "ما"، وليس "مَن" وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الشاهد: "ما"، فما هذه نوعها هنا موصولة، "ما" موصولة بمعنى: الذي، إذا أردت أن تعرف ما الموصولة ضع مكانها الذي وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ يعني: الذي في السموات، كل ما في السموات فهو ملك لله وكل ما في الأرض فهو ملك لله.

فإذا كان الشيء مما لا يعقل، أو مما لا يوصف بالعلم فإنه يستعمل معه عادة "ما"، ومن يعقل، أو من يوصف بالعلم يستعمل معه لفظة: "من" تقول: رأيت من عندك، وتقول: رأيت ما بيدك، ما تقول: رأيت من بيدك وتقصد المفتاح!، تقول: رأيت ما بيدك؛ لأن المفتاح لا يوصف بالعلم، لكن تقول: رأيت من عندك، وهو زيد، فما يوصف بالعلم يعبر عنه عادة بـ"من"، ومالا يوصف بالعلم يعبر عنه بـ"ما".

وقد يستعمل أحدهما في موضع الآخر؛ لمعنى من المعاني، مثل: التغليب، إذا غلب من لا يعقل على من يعقل، مثل: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ آل عمران:109، منها الناس، وهم ممن يعقل، فغلّب ما لا يعقل، ومثل تنزيل هذا منزلة الآخر: مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ الإسراء:67، يعبدون حجارة! فعاملها؛ لأنهم باعتبارهم هم جعلوها آلهة، ليست بشرًا فقط، فعاملها بحسب نظرهم، واعتبارهم، وحكمهم عليها.

مثال آخر على: "ما" وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر البقرة:110 هذه "ما"، ومَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّه البقرة:110 ماذا تكون "ما"؟ هذه "ما" شرطيه تفيد العموم، كل ما تقدم لنفسك من خير فهو مضمون عند الله –-: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النحل:97، الشاهد: "مَن" نوعها: شرطية، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كل من عمل صالحاً.

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان الرحمن:46 موصولة، لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان، للذي خاف مقام ربه جنتان، هذه جملة خبرية.

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق:2 الشاهد: "مَنْ"، شرطية، مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ كل من يتق الله.

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه الأنفال:49، نفس الشيء.

وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا النساء:87 استفهامية، يعني: لا أحد أصدق من الله حديثاً، مضمنة معنى النفي وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50 استفهاميه تفيد العموم، لا أحد أحسن من الله حكماً.

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِالمؤمنون:117 هذه تكون شرطية.

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النساء:69، شرطية.

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍالفتح: 17 شرطية.

وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا الفتح:١٢٥ شرطية.

وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ النساء:125، استفهامية، لا أحد أحسن منه.

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهالبقرة:130 هذه تكون شرطية، ويمكن أن تكون استفهامية، وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ؟ لكن من سفه نفسه إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه لكن من سفه نفسه فإنه يرغب عنها، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه النساء: 125 استفهامية، لا أحد أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه.

يقول: وكذلك الأحاديث: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له)([10])، مَن شرطية.

مثال: "ما"، يقول: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ آل عمران:109، هذه نوعها موصولة.
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِفاطر:11، نوعها: شرطية. وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ سبأ:39 شرطية، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواالحشر:7، هذه شرطية، في بعض السور بحسب التفسير، تحتمل أن تكون شرطية، وتحتمل أن تكون استفهامية، وكلاهما للعموم، وليس المقصود هنا تحقيق المعنى، إنما المقصود المثال.

مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير سبأ:22، هذه خارجة عن الموضوع الذي نتحدث عنه، هذه داخلة تحت النكرة في سياق النفي، شِرْكٍ نكرة مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ نكرة في سياق النفي، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير ظَهِير نكرة في سياق النفي،والنكرة في سياق النفي للعموم.

وإذا دخلت عليها "مِن" قبلها، مثل: مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ مَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير.

إذا سُبقت بمِن وهي في سياق النفي، أو في سياق الشرط فإن ذلك ينقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، يعني: هذا يكون أقوى في الدلالة على العموم، أقوى مما لو قال: "مالهم فيهما شرك"، "وما له منهم ظهير" الأقوى أن يقال: مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير فـ"ما" هنا ليست داخلة تحت الموصولة، أو الاستفهامية، أو الشرطية، مَا لَهُ هذه نكرة في سياق النفي.  

ومثلُه المفردُ إذ يضافُ *** فافهم هُديت الرشدَ ما يضافُ

وهذه أيضاً من القواعد الأصولية، ليست من القواعد الفقهية، ويمكن أن يعبر عنها بعبارة مختصرة يقال: "المفرد، والجمع إذا أضيفا دلا على العموم"، المفرد، والجمع إذا أضيفا إلى معرفة دلا على العموم، المفرد المضاف، والجمع المضاف.

مفرد مضاف كقوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث الضحى:11، النعمة الآن نكرة في أصلها، هذه النكرة أضيفت إلى معرفة اسم ظاهر، بِنِعْمَةِ رَبِّكَ، والنكرة إذا أضيفت أفادها ذلك التعريف، فهنا نكرة أضيفت إلى معرفة، وهذه المعرفة اسم ظاهر وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث.

نِعْمَةِ رَبِّكَ كل نعمة لله، ظاهرة، أو باطنة، كبيرة، أو صغيرة، يشمل ذلك جميعاً، كأنه يقول بالضبط: وأما بنعم ربك فحدثهذه مفرد مضاف.

قوله: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  آل عمران:103 ه نا أضيفت إلى معرفة ضمير، بِنِعْمَتِهِ بنعمه: بإرسال الرسول ﷺ وتليين قلوبكم، وجعل الود فيها، وما إلى ذلك من إزالة المعوقات، فحصلت هذه الأخوة بين المؤمنين بعد أن كانوا أعداءً، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.  

الجمع المضاف يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ النساء:11، أولاد من حيث هي نكرة، جمع، أضيفت هنا إلى معرفة كاف الخطاب، أَوْلَادِكُمْ، وأما الميم فهي للجمع، لا علاقة لها يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ فهذا يشمل كل ولد، سواء أكان كبيراً أم صغيراً، مريضاً أم صحيحاً، بارًّا أم عاقًّا، إلا ما ورد استثناؤه، كالكافر مثلاً لا يرث المسلم، والقاتل، والرقيق يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ كل ولد لك.

وهذا الذي احتجت به فاطمة -ا- على أبي بكر حينما طالبت بإرثها من رسول الله ﷺ في فدك، فاحتجت بهذه الآية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ فهذا يشمل كل ولد، حتى أولاد الأنبياء في ظاهره، فأبو بكر ، والصحابة ما ردوا عليها هذا الاستدلال من حيث إن الجمع إذا أضيف إلى معرفة فإنه لا يفيد العموم، ما قالوا لها هذا، قالوا لها: استدلالك بأن هذا يدل على العموم صحيح، ولكنهم بينوا مأخذاً آخر وهو الحديث، استثناء (نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث)([11]).

فإذن، يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ كل الأولاد، ويخرج من هذا أولاد الأنبياء، وما دل الدليل على إخراجه، مثل: القاتل، واختلاف الدين، الكافر لا يرث المسلم، والرقيق؛ لأنه لا يملك، لا يرث، لو كان أحد أولاده رقيقًا فإنه لا يملك، ولا يرث، وهكذا، فهذا جمع أضيف إلى معرفة.

والأمثلة كثيرة جدًّا، كَبَائِرَ الْإِثْمِ الشورى: 37، كَبَائِرَ نكرة أضيفت هنا إلى معرفة، كَبَائِرَ الْإِثْمِ أي: كل الكبائر، كل كبائر الإثم، وأيضاً: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم الأنعام: 151 نفس الشيء مثل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ النساء: 11، وأيضاً لو فتحت أي ورقة في المصحف ستجد فيها أمثلة، عَالِمُ الْغَيْبِ الأنعام: 73. هناك أمثلة تحتاج إلى ورشة، نحن لا نريد الأمثلة التي أحتاج أن أقول لكم: حياتكم الدنيا، حياة: نكرة أضيفت إلى كاف الخطاب، والحياة باعتبار أنها حقيقة واحدة فهي معنى واحد، وليس ذلك للعموم، وباعتبار أن الحياة كل معاني الحياة، بما فيها من زينتها، ومباهجها، وما فيها.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الأحزاب: 56 الملائكة جمع، نكرة أضيفت إلى الضمير، كل الملائكة، بما فيهم جبريل، وميكال -عليهم الصلاة والسلام.

وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا الجن: 19، لا، عبد الله هنا هو النبي ﷺ، فهل كل عبد قام يدعوه كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا يعني: الجن؟([12]).

عَقَدَتْ أَيْمَانُكُم فيشمل جميع الأرقّاء، كل رقيق.

هنا في الأمثلة التي ذكرها: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إبراهيم: 34 لاحظ، نِعْمَتَ مفرد، وأضيفت نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا معناها: كل نعم الله، بالضبط وإن تعدو نعم الله لا تحصوها هذا هو المعنى.

والفرق بين هذا، وبين مثال الأخ: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِالجن: 19، أن "نعمت" مفرد مضاف، لكن الآية هنا أصلاً في النبي ﷺ في قصة الجن، واستماع القرآن، فهنا ما يقال: كل عبد لله فهو داخل في هذا، لكن لما يقول: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)([13]) هذا كل عبد للدينار، وكل عبد للدرهم، كل عبد للخميصة.

لاحظ الأمثلة التي ذكرها -رحمه الله-: قوله: يَا عِبَادِيَالزمر: 53، عباد أضيفت إلى المعرفة وهي الياء فتشمل كل عبد قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الزمر: 53، كل عبد مسرف على نفسه أيًّا كان جرمه، لكن انظر المثال الآخر، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِالإسراء: 1، هل هذا مما نحن فيه؟ لا، بِعَبْدِهِ نعم مفرد مضاف، عبد أضيف إلى المعرفة، لكن المقصود به شخص معين، وهو النبيﷺ، فهذا ليس من الأمثلة التي تنطبق عليها القاعدة، تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه الفرقان: 1 هذا خاص بالنبي ﷺ.

يقول الشارح -رحمه الله- يوم ذكر هذين المثالين، قال: إشارة إلى قيامه بجميع وظائف العبودية "بعبده"، لكن مثل هذا الاستنتاج يحتاج إلى مناقشة في فهم معناها بِعَبْدِهِ هذه العبودية تفيد التشريف، أضافه تشريفاً عبودية خالصة، عبودية الاختيار.

ولا يتم الحكمُ حتى تجتمعْ   كلُّ الشروط والموانعُ ترتفعْ

نص القاعدة عند المؤلف-رحمه الله- في الكتاب الآخر: "الأحكام الأصولية، والفروعية لا تتم إلا بأمرين، وجود شروطها، وأركانها، وانتفاء موانعها" مرة ثانية: "الأصولية، والفروعية لا تتم إلا بأمرين: وجود شروطها، وأركانها، وانتفاء موانعها"، وهذا يمكن أن يدخل في عامة الأبواب، أو كل الأبواب، الحكم لا يتحقق، لا يتنزل إلا باستجماع الشروط، وانتفاء الموانع، الإخوان الذين يحضرون معنا في صحيح مسلم شرح كتاب الإيمان، كم مرت بنا من الأحاديث التي فيها الوعد بدخول الجنة لمن عمل كذا (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)([14])،وكان الكلام دائماً أن هذا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع.

عصمة الدم بالنسبة لمن قال: (لا إله إلا الله) إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)([15]) إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، يحرم على النار (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)([16])، إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، وإلا توجد أدلة أخرى تدل على أن بعض أهل لا إله إلا الله أهل التوحيد يعذبون، لكنهم لا يخلدون في النار، فالأحاديث التي جاءت فيها هذه المعاني هي مقيدة بما إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، ولهذا يقال -وهذا من الأمور المهمة جدًّا-: إن الحكم له تنزيلان:

الأول: تنزيل عام ، ليس على معين، والثاني: على المعين، وهذا كله يحتاج إلى علم، وربما يحتاج إلى شيء من الاجتهاد خاصة الثاني، اجتهاد غير الاجتهاد في الأول، الأحكام تقال على سبيل العموم ولا يعني هذا أنها تنزل على كل فرض؛ لأنه قد لا يوجد الشرط، أو لوجود مانع، مثل: لو سألتَ الآن ما حكم الزكاة؟ نقول لك: الزكاة واجبة، إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع.

لو جاء زيد، وقال: هل تجب عليّ الزكاة؟ أنتم قلتم: الزكاة واجبة، هل يجب عليّ أن أزكي؟ نقول: إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، لا ندري، نحتاج أن نعرف الحالة التي أنت عليها، قال: أنا عندي نصاب ألستم تقولون: نصاب كذا وكذا هو كذا وكذا، هذا هو النصاب، أنا عندي أكثر من هذا النصاب، وأضعاف هذا النصاب، هل هذا يكفي في وجوب الزكاة فيه؟ الجواب: لا، ما نوع المال؟ قال: أنا أموالي كلها تفاح، -وليس عروض تجارة-، أو دواب أستعملها، أو آلات أستعملها، أو عمائر، لكن ليست للبيع، ولا أؤجرها، فنقول: لا تجب عليك الزكاة عنده نصاب لا يجب عليه الزكاة.

لكن لو جاء وقال: أنا عندي نصاب في مال تجب فيه الزكاة، هل تجب عليّ الزكاة؟ نقول: انتظر، ما هذا المال؟ هناك بعض الأموال تحتاج أن يدور عليها الحول، وهناك مالا يشترط فيها دوران الحول، فلا نستطيع أن نقول: وجبت عليك الزكاة، أو لم تجب الزكاة.

كذلك أيضاً الموانع، عند من يقول من الفقهاء -رحمهم الله-: إن الدَّين مانع من وجوب الزكاة([17])، قد يكون هذا الانسان عنده نصاب، لكن عليه دين، فهذا مانع، قد يكون هذا الإنسان عنده نصاب، يملك عشرة ملايين، لكنه أقرضها إلى إنسان قبل عشر سنوات، ولم يردها، ويماطل، هل نقول: تجب عليك الزكاة؟ زكِّ هذه العشرة الملايين كل سنة، أو وجد مانع؟ وجد مانع، وليس المقصود تحقيق الأمثلة.

المقصود: توضيح القاعدة فقط، فإذا ذكرتُ لك عشرة أمثلة ألغِ تسعة، وخذ واحدًا، دائماً إذا أردت أن تنتفع في العلم لا تجادل في الأمثلة.

والشأنُ لا يُعترض المثالُ *** إذ قد كفى الفرضُ والاحتمالُ

الأمثلة هي جزئيات يُختلف فيها، تختلف الأنظار فيها، لكن المقصود وضوح القاعدة فقط.

ولذلك الفقهاء -رحمهم الله- من مختلف المذاهب أحياناً يمثلون بأمثلة خارجة عن قولهم، ومذهبهم؛ لتوضيح القاعدة فقط، هم لا يتبنونها.

فالآن مسألة الزكاة، فالحكم من حيث الإطلاق والعموم شيء، ومن حيث تنزيله على الأفراد شيء آخر.

الصلاة، قبول العمل، قبول العبادة، الصلاة تكون صحيحة إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع.

الشروط: الطهارة، الاستقبال، بالشروط، بالضوابط المعروفة، النية، دخول الوقت، وأشباه هذا، انتفت الموانع ألا يوجد مانع من الصحة، المانع: لو أحدث في الصلاة، انتقضت طهارته، هذا مانع الآن، لو كان هذا الإنسان كافراً لا تصح صلاته، القبول مرتبة فوق الصحة، العبادة تكون صحيحة بمعنى: تسقط المطالبة، مجزئة، القبول شيء آخر، قد تكون مجزئة، لكن لا يثاب عليها، مثل: (إن الرجل ليصلي الصلاة ما له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها)([18])؛ لأنه لم يعقل منها شيئًا، لا يثاب، فالثواب شيء، والصحة شيء آخر، القبول: قبول العبادة الآن قد يكون مرائيًا، هو متطهّر، مستقبل القبلة، ودخل الوقت، وصلى، لكنه مراءٍ، فهل تقبل صلاته؟ الجواب: لا، لا تقبل؛ لوجود المانع، لابد من وجود الشروط، وانتفاء الموانع.

اللعن: لعن الله من فعل كذا، وكذا، (لعن الله من غيّر منار الأرض، لعن الله من لعن والديه)([19])(لعن الله النامصة، والمتنمصة، والواشمة، والمستوشمة)([20])،الحديث، هذا اللعن لعن عام.

لكن إذا رأيت نامصة، هل يجوز لك أن تقول: فلانة بعينها ملعونة؟، هل يجوز هذا؟

الجواب: لا، لماذا؟ لأنه قد يوجد مانع يمنع من لحوق اللعن بها، قد تكون معذورة، جاهلة، لا تدري عن هذا، ويعذر مثلها بهذا الجهل، فلا يلحقها اللعن.

قد يوجد للإنسان -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مصائب مكفرة، فيسقط عنه هذا الوعيد.

قد يكون له حسنات عظيمة ماحية، فيسقط عنه مثل هذا"([21]).

حاطب بن أبي بلتعة، ماذا صنع؟ أفشى سر رسول الله ﷺ، وأيّ سر؟ السر العسكري، الذي يعتبر بجميع الأعراف الدولية اليوم خيانة عظمى، كتب إلى المشركين: "إن الرسول ﷺ قد جهز لكم جيشًا كالليل، يسير كالسيل، وأنه أقسم أنه إن لم يسر إليكم إلا وحده أن الله يظفره بكم"، كتبه، وأرسله مع المرأة، فوضعته في عِقاص شعرها"، فلما أطلع الله النبي ﷺ، وجيء بخطاب حاطب، ووضع بين يديه، وقال: (ما هذا يا حاطب)؟ فقال: "يا رسول الله، لا تعجل عليّ، وذكر أنه ما فعل ذلك شكًّا في دينه، وإنما ذكر أمرين، وصدقه في ذلك النبيﷺ، وأقره، ولم يتعرض له، لمّا قال عمر: "يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، بين له النبيﷺ مانعاً يمنع من ذلك، فحاطب ذكر قضيتين:

القضية الأولى: هو أن الرجل كان يتيقن أن الله سينصر نبيه ﷺ، وأن هذا الخطاب لا يقدم، ولا يؤخر، من حيث ميزان المعركة، فالمعركة محسومة، هذه نقطة مهمة جدًّا في هذه الحادثة، موالاة المشركين: إعانتهم على المسلمين بأي لون من الإعانة، يعلم أن هذا التصرف لا يزيد، ولا ينقص، المعركة منتهية محسومة، ولن يتأخر النصر، ولن يلحق المسلمين أذى بسبب هذا التصرف، هذه واحدة.  

النقطة الثانية: قال: له أهل، هو أصلاً ملحق بقريش، ليس من قريش، هو من أهل اليمن، فهو من موالي قريش، بينهم وبينه ولاء فقط، فهو يقول: إنه ملحق، وله أهل في مكة، وأن أصحابه من المهاجرين لهم عشيرة يحمونهم، وهو ليس له عشيرة تحميه، فهو أراد معنى دنيويًّا، ولم يقصد شيئاً آخر، مع علمه أن هذا الأمر لا يؤثر فيه، ويبقى مع هذا أن هذا التصرف عظيم، ولذلك قال عمر ما قال.

فالمقصود: أن النبيﷺ قال لعمر: (إن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)([22])، عنده حسنة عظيمة، وهي حضور بدر، فكفرت هذا الذنب العظيم.

فهذه مسألة توازن الحسنات والسيئات، فاللعن لا يعني أنه يلحق المعين.

الوعيد الذي ورد في المنتحر، (من قتل نفسه بحديدة فهو يَجَأ نفسه فيها في نار جهنم)، ووعيد بالخلود، وكذلك (من تردى من شاهق فهو يتردى في نار جهنم، من تحسّى سمًّا فهو يتحسّاه في نار جهنم)([23])

هذا الوعيد هل يلحق كل منتحر؟ إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع، قد تكون له حسنة ماحية تمنع من لحوق هذا الشيء.

أحد الإخوان قبل أيام يسأل، يقول: قُدّم لنا شخص قيل لي: إنه منتحر، فتنحينا، لم نصلٍِّ عليه، لماذا لم تصلِّ عليه؟ يمكن ألا تصلي عليه من باب الزجر، الإمام العادل أو من يُقتدى به؛ العالم، أو نحو هذا فقط، أما البقية فيصلون عليه، مسلم.

فمما يدل على أنه قد  يوجد له حسنة ماحية الرجل الذي هاجر -الحديث في مسلم- مع النبي ﷺ "أصابه مرض، فاستعجل الموت، فقطع عروقه بمَشاقص، ثم مات، فرآه أخوه من المهاجرين، الطفيل بن عمرو الدوسي، فرآه في المنام قد غطى يده، الموضع الذي فيه الإصابة، قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، أو قال: أدخلني الجنة، أو قال: غفر لي بمهاجري إلى رسول الله ﷺ، غير أنه قال: لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك هذا! كان مغطيها في الرؤيا، في المنام، أخبر النبي ﷺ بهذه الرؤيا، فقال ﷺ: (وما أفسد من نفسه اللهم فاغفر)([24])، أو كما قال -ﷺ.  

لاحظ: ما عُذب، والحديث في صحيح مسلم، وكان يغطي يده، وهذه الرؤيا لا يُبنى عليها حكم، لكن النبيﷺ أقرها، فدل على أنها رؤيا فعلاً صحيحة، قاتل نفسه -المنتحر- قد لا يدخل النار؛ لوجود حسنة عظيمة ماحية، أو لوجود مانع.

في الجمهوريات الإسلامية، أذكر أول دفعة ذهبت من الدعاة، ذهب مجموعة من الجامعة الإسلامية

يقول لي أحد المشايخ: زرنا أحد الأشخاص متحمس هو لا يعرف شيئًا عن الدين، يقول: زرناه في بيته، فأسرع، وجاء لنا بالخمر، ووضعه بين أيدينا، تفضلوا! ما يجوز هذا الكلام، هذا خمر، من الكبائر، قال: هذا من عرق جبيني أخذتها! ما سرقتها، قالوا له: هذه لا تجوز، سرقتها، أو ما سرقتها، هي خمر من الكبائر، لما علم صار يخرج قوارير الخمر من الثلاجة، ويريقها في الشارع، ما كان يعرف، طول عمره كان يشرب الخمر، هل هذا يؤاخذ؟ هل هذا يقال: لا يشرب من خمر الجنة؟ هل هذا يجلد؟ لا، لابد من وجود الشروط، وانتفاء الموانع.

من أنكر شيئاً من الشرع، لو جاء واحد وقال: هذه ليست بآية من القرآن، يقال: كيف ذلك؟، انتظر! هذا القرآن، يُعلَّم، يبين له. 

ومسألة الجهل لا تنضبط بضابط محدد، نقول: مثل مسائل الرياضيات، ما يمكن ضبطها؛ لأن هذا يختلف باختلاف الزمان، والمكان، الناس الذين يدركون في آخر الزمان، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة، حديث حذيفة: الله الله، أو يقولون: الله، أو لا إله إلا الله فقط، ولا يعرفون شيئاً عن الدين، فلما قيل له: ما تنفعهم؟ قال: تنجيهم من النار، تنقذهم من النار؛ لأنهم في حال صاروا من الجهل لا يعرفون شيئاً.

في تلك البلاد كانوا يسألون الناس من هو محمد؟ ما هي أركان الإسلام؟ ما يعرفون أركان الإسلام!، لكن يعتز بإسلامه، ويفتخر بهذا، لكنه جاهل.

فالحاصل: أن مسألة الجهل هذه مسألة متشعبة، لكن تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والحال، والأفراد.

ولذلك المعلوم من الدين بالضرورة يختلف من بلد إلى بلد، عندنا هنا الخمر محرم معلوم من الدين بالضرورة، لكن هناك، كما يقول العلماء: من كان يعيش على شاهق جبل، أو في غابة، بعيدًا، ولم يسمع أن الزنا حرام، في بعض البوادي هنا ذهب بعض الدعاة لقوم في غاية الجهل فأحدهم يسأل بكل براءة يقول: خرجت، فوجدت امرأة خرجت لقضاء الحاجة، وقد غلبت عليها الشهوة، فقال عبارة بمعنى أنه أحسن إليها، وأطفأ شهوتها، يعني: فجر بها، يقول: هل أؤجر؟

لا يدري أن الزنا حرام!، يعيش في هذه البادية، في هذا الجهل، إلى هذا الحد!.

فالمقصود أنه حتى المعلوم من الدين بالضرورة يختلف من مكان إلى مكان، ما يكون معلومًا من الدين بالضرورة هنا غير المعلوم من الدين بالضرورة في بلاد أخرى، وهكذا.

فالمقصود أنه لابد حتى ننزل الحكم على المعين أن توجد الشروط، وتنتفي الموانع.

فإذا سمعت مثلاً: (لعن الله النامصة)([25])، إذا رأيت نامصة ما تقول: هذه ملعونة، قد توجد شروط، لابد من وجود شروط، وانتفاء الموانع، قد يوجد مانع، وهكذا مسائل التكفير، وهي من أدق المسائل، ومن أخطرها، فلا يصح إذا رأينا إنساناً ارتكب مكفراً أن نكفر هذا الإنسان مباشرة بعينه، وإنما لابد من وجود الشروط، وانتفاء الموانع، وهي من دقائق العلم.

ولذلك أنا لا أنصح الشباب أن يتشاغلوا في هذه المسائل الدقيقة -الاشتغال بتكفير المعين- وهم في بداية طلبهم بالعلم، ثم يجرون الأحكام على الناس، وتصل الأمور إلى أشياء لا تحمد عقباها، إطلاقاً، هذا خطير، وإنما يؤخر هذا حتى يتمكن طالب العلم، ويفهم المسائل فهماً صحيحاً، ويتصور عقيدة أهل السنة والجماعة تصوراً صحيحاً، أما أن يبدأ فيها كما يبدأ بعض الشباب، هل حضرت درسًا؟، يقول: لا، هل لك اشتغال بالعلم؟ يقول: لا، شاب عمره ١٨ أو ١٩ سنة، ويسأل عن مسائل دقيقة جدًّا في هذا الباب، هذا خطأ، وإنما يبدأ بصغار العلم، المسائل الواضحة، ويتدرج حتى يفهم العلم، ويتصوره تصوراً صحيحاً.

 وقل ذلك -هذه القاعدة- في كل الأبواب: في الزكاة، في الصيام ، في الحج، في العمرة، لا نحتاج أن نطيل فيها أكثر من هذا.   

نساء كاسيات عاريات، فمثل هذا لا يعني: العنوهنّ! لم يقل: لعن الله الكاسيات العاريات، فهذا يختلف عما نحن فيه، قال: (العنوهن فإنهن ملعونات)([26])، لكن نحن نتكلم عن الأحكام العامة، الحكم العام، لعن الله الكاسيات العاريات، لو قال هكذا، هل يتنزل على كل كاسية عارية؟

الجواب: لا، (لعن الله النامصات)([27])، لا يتنزل، لم يقل: لعن الله الكاسيات العاريات، قال: (العنوهن فإنهن ملعونات).

وهذا محل نظر، وبحث، هل يعني هذا لعن كل واحدة من هؤلاء بعينها؟ أو أنه لعن الجنس، لعن الله الكاسيات العاريات مثلاً، ليس المقصود المثال، إنما المقصود فهم القاعدة.

الحكم إذا نظرنا إليه من جهة أنه كلي، فنستطيع أن نطلق الحكم العام، وإذا نظرنا إليه بالمعنى الجزئي، أي تنزلُّه على الأفراد فله حكم آخر، هذا ذكره الشاطبي في الموافقات، وشرحه([28]).

ولذلك تجد أن النظر الآخر -النظر الثاني باعتبار المعين- يحتاج إلى اجتهاد آخر، وهو استجماع الشروط، وانتفاء الموانع.

ومَن أتى بما عليه من عملْ *** قد استحق ما له على العملْ

نص هذه القاعدة عند المؤلف -رحمه الله-: "إذا أدى ما عليه، وجب له ما جُعل عليه".

معنى هذه القاعدة: إذا أدى ما عليه، هذا سواءً في باب الجَعالة، أو في باب الإجارة، ونحو ذلك.

الآن لو قلت: من عثر على الشيء الفلاني المفقود -المال المفقود- فله كذا، وجاء إنسان، وعثر عليه، فإنه يستحق هذا الموعود.

وكذلك لو أنك قلت مثلاً: من أصلح هذا الجهاز مثلاً فله كذا، فأصلحه فلان فيُعطَى ذلك.

كذلك في باب الإجارة، لو استأجرت إنساناً معيناً على عمل من الأعمال، وقلت له: تعمل لي هذا العمل تبني لي هذا الجدار على أجرة بالساعة، أو باليوم، أو غير ذلك، فبنى هذا الجدار، فإنه يستحق هذه الأجرة.

لكن لو أنه انقطع، بنى شيئاً، ثم ترك، فما الحكم؟، هل يستحق أو لا يستحق؟ تعرفون الحديث -وإن كان النبي ﷺ ذكره في معنى آخر- الذي هو في أهل الكتاب وهذه الأمة، اليهود عملوا إلى منتصف النهار، والنصارى إلى العصر، ثم جاءت هذه الأمة، وأكملت العمل، وأخذت الأجر، فهؤلاء ذكر النبي ﷺ أنهم ليس لهم من الأجر شيء، لا يُعطَون شيئًا من الأجر([29]).

فهذا يمكن أن يُستنبط منه حكم في باب الإجارة، استأجرتَ عاملا، وقلت له: أريد منك أن تصبغ هذه الدار كلها، فصبغ غرفتين، ثم قال: حر، وتعب، وأنا تعبت، ولا أريد أن أكمل، هل يستحق أجرة غرفتين؟

الجواب: لا يستحق شيئاً، يكمل ويُعطَى الأجرة، أو ما يُعطَى شيئًا، لاحظتَ.

لو أنك ركبت في تاكسي، ثم هذا التاكسي مشى بك إلى نصف الطريق أنت ذاهب معه إلى الرياض، فلما وصلت إلى الحسا قال: أنا وجدت صديقًا لي هنا، وسأجلس معه، وليس عندي استعداد أن أواصل معك فأعطني أجرة نصف الطريق، قل له: ما تستحق شيئًا، استأجرت سيارة لمدة شهر، بعد عشرة أيام اتصلت عليك الشركة قالوا: والله نحن نبغي السيارة، لماذا؟، قالوا: سيارتنا أجرناها، نريد نقطع الإيجار، ما تستحقون عشرة أيام إذاً، خذوا سيارتكم، أستأجر من غيركم، هذا الحكم صحيح، لكن هل هذا على إطلاقه؟    

الجواب: لا، ليس على إطلاقه، إن كان الترك لعذر معتبر فإنه يستحق بقدر ما أخذ، على سبيل المثال: الآن لو إنسان استأجر داراً لمدة سنة، ودفع الإيجار، أو ما دفع الإيجار، لمدة سنة، جلس فيها شهراً، ثم قال: أنا غيرت رأيي، لماذا غيرت رأيك؟ وجدت بيتاً أحسن من هذا، وأرخص، تريد أن تخفض لي بالسعر، أو ما أريدها، هو دفع الأجرة كاملة، نقول: نحسب عليك السنة كاملة، تفضل تريد أن تذهب السنة محسوبة.

لكن لو أنه قال: أنا استأجرت منك هذه الدار، وجلست فيها شهرًا، وهذا قرار نقل جاءني إلى الرياض، قرار نقل، وأنا لا أستطيع، أنا أتيت هنا فترة أعمل، وظننت أني أستمر، ثم جاء هذا القرار فجأة، جاءني نقل، هذا معذور، هنا نقول: تدفع بقدر ما جلست تدفع شهرًا، ويُرجع لك الباقي.

استأجر سيارة، وجلست عنده، استأجرها شهراً، استعملها ثلاثة أيام، وإذا بالمرور يصادرون السيارة، أخذوها، الشركة تقول: أنت استأجرتَها شهرًا، نعم استأجرتُها شهرًا لكن انتفعتُ منها ثلاثة أيام فانقطعت الإجارة، وهذا عذر معتبر، فماذا أصنع؟ نقول له: تدفع لهم ثلاثة أيام فقط، وقل مثل ذلك في الأشياء التي يُستأجر الناس عليها، استأجرت شركة، اتفقت على عقد مع شركة صيانة مثلاً، مع شركة تنفذ لك مشروعاً من المشاريع، حفر، أو أي شيء، مشروع تنفذه شركة، لمدة معلومة، بمواصفات معلومة، اشتغلت هذه الشركة نصف العمل، والنصف الثاني الشركة قالت: نحن لا نريد أن نكمل هذا العمل، هناك عروض عندنا أفضل من هذا، وأكثر أرباحًا، وأقرب، ونحن تعبنا، نذهب بالعمال، ونأتي بهم بالباصات لهذا المكان، ولا نريد، أعطنا النصف الذي اشتغلنا فيه، واتفقْ مع مقاول يكمل لك الباقي.

نقول: لا، ما نعطيكم شيئاً حتى تكملوا هذا العقد، لكن لو أن الشركة تشتغل، ثم جاء قرار بإلغاء التصريح للشركة بالعمل، حُجر عليها، شيء من هذا القبيل، نقول: قَدِّر العمل الذي اشتغلوه، ثم يُعطَون.

وهذا من كمال عدل هذه الشريعة، وهذه أمور تقع للناس كثيراً، ويختصمون عليها، ويختلفون فيها، فيفرَّق بين ما كان عذرًا معتبرًا شرعاً، وما كان لغير عذر معتبر.

فيقال: إذن القاعدة: "إذا أدى ما عليه وجب له ما جعل له" هذه هي القاعدة.

إذا جاء بالعبادة على الوجه المطلوب فيرجى له الثواب المطلوب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ التوبة:120، ويُنظر في العبادات التي عملها الإنسان.

مثل: الاعتكاف، لو قلنا: إن أقله يوم وليلة ثم جلس نصف يوم، والاعتكاف إذا كان بغير نذر فالراجح أنه يجوز قطعه، فلو قطعه من نصف النهار نصف اليوم، جلس نصف يوم، إذا قلنا: لابد من يوم وليلة، قطعه من نصف اليوم هل يؤجر عليه أجر الاعتكاف؟، هذا لا يعتبر اعتكافًا على هذا القول، لكن قطعه فيمكن أن يقال: إنه إن قطع ذلك لعذر خارج كالمرض مثلاً، فالله يكتب له ما عمل، ونيته، وما أشبه ذلك. 

لو قطع الصلاة في وسطها، صلاة نافلة، يصلي، ثم قطعها بطلت، هل يؤجر على عمله الأول؟  

نقول: إن كان قطعها لعذر فإنه يؤجر لتوجهه للصلاة، وتشاغله بها، وإن كانت غير معتبرة، غير مجزئة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ الزلزلة:7، وهكذا في ألوان العبادات، فإنْ قطعه لغير عذر فقد يقال: إنه لا يؤجر عليه، لا يؤجر على عمله هذا، العلم عند الله، لو صام نصف النهار ثم قطعه، لا شك أن هذا الصوم لا يصح لكن هل يؤجر على النصف الأول طول النهار أنه صام، ونوى الصوم، وكذا؟ لا يبعد، والعلم عند الله -

ويُفعل البعضُ من المأمورِ*** إنْ شقَّ فعلُ سائرِ الأمورِ

نص القاعدة عند المؤلف طويل جدًّا يقول: "يجب فعل المأمور به كله، فإن قدر على بعضه، وعجز عن باقيه وجب عليه فعل ما قدر عليه إلا أن يكون المقدور عليه وسيلة محضة، أو كان بنفسه لا يكون عبادة فلا يجب فعل ذلك البعض"

 

نص القاعدة عند المؤلف طويل جدًّا يقول: "يجب فعل المأمور به كله، فإن قدر على بعضه، وعجز عن باقيه وجب عليه فعل ما قدر عليه إلا أن يكون المقدور عليه وسيلة محضة، أو كان بنفسه لا يكون عبادة فلا يجب فعل ذلك البعض"

 

، يعني الصياغة طويلة جدًّا، وليست هذه الطريقة المعهودة في صياغة القواعد لكن يمكن أن يعبر عن هذه القاعدة بعبارة مختصرة جدًّا، فنقول: "الميسور لا يسقط بالمعسور"، معنى هذا الكلام أن العبد إذا كان مطيقاً لبعض العبادة، وعاجزاً عن بعضها، فهل يطالب بما أطاق، ويسقط عنه الباقي، أو يسقط عنه الجميع؟، فروع هذه القاعدة متنوعة، وفيها أيضاً بعض الخلاف.

القاعدة في أصلها صحيحة، لكن في بعض تفاصيلها، وفروعها، وتطبيقاتها بعض الاختلاف.

فهذه القاعدة تدخل تحتها أنواع، فمن هذه الأنواع مثلاً: من قدر على بعض العمل، وعجز عن باقيه، مثل الصورة الأولى، الحالة الأولى، أو النوع الأول: أن يكون هذا المقدور عليه من باب الوسائل المحضة، هذه الوسيلة المحضة قدر عليها، أو قدر على بعضها، هل يطالب بها؟، وسيلة محضة، أي: ليست هي عبادة في ذاتها، قد يكون الأمر وسيلة إلى الشيء -كما قلنا لكم- باعتبار، وهو أيضاً مقصود باعتبار آخر، لا، وسيلة محضة، قدر عليها، وما قدر على المقصود -على العبادة المقصودة-، مثل: هذا الإنسان الآن سيحلق في الحج، أو في العمرة، ما فيه شعر، فهو عاجز عن العمل المشروع الذي هو الحلق أو التقصير، ما فيه شعر، إما أنه حلق أصلاً قبلُ، أو أصلع خلقةً، فهنا يستطيع الوسيلة؛ أن يمرر الموس على الرأس، فهل يفعل؟ إمرار الموس وسيلة محضة، والمقصود هو الحلق، فهنا نقول: إمرار الموس وسيلة محضة، فلا تعتبر، لا يمرر الموس، قدر على بعض العبادة، وعجز عن الباقي، الذي قدر عليه هو الوسيلة المحضة.

الحج وجب عليه مثلاً، الحج عبادة مطلوبة، يقول: أنا أستطيع أن أذهب إلى مكة، لكن لا أستطيع دخولها أو القيام بأعمال الحج؛ لأني لا أملك تصريحاً، فهل يجب عليّ الذهاب إلى هناك؟ هو قادر على الوسيلة، يقول: عندي مال، وعندي سيارة، وعندي تذكرة، وأستطيع أن أشترك في حملة، أصل إلى هناك، لكن لا أستطيع الدخول، فهل نقول: يجب عليك الذهاب إلى هناك؛ لأنك قدرت على الوسيلة، أو على بعضها، على الأقل على الميقات؟ الجواب: لا؛  لأن الذهاب وسيلة محضة فلا يجب عليه، يسقط عنه.

ومعلوم أنه إذا سقط اعتبار القصد سقط اعتبار الوسيلة، هذا النوع الأول: أن يكون وسيلة محضة.

النوع الثاني: أن يكون من المتممات، أي أن يكون من اللواحق سواء كان من المتممات أو من توابع العمل.

من المتممات مثل: الآن نحن نعرف أنه ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، فإذا غسل اليد لابد أن يغسل شيئاً يسيراً من العضد؛ حتى يتحقق أنه وصل الذراع، فغسل العضد لا يجب من حيث هو، لكن من باب ما لا يتم الوجوب إلا به، فإنسان مقطوع إلى المرفق، هل نقول له: يجب أن تغسل شيئاً يسيراً من العضد؟ لا؛ لأن غسل هذا الجزء اليسير هو من المتممات فلا يجب.

من اللواحق مثل: امرأة أو رجل لا يستطيع رمي الجمار، ونحن نعرف أن الرمي في أيام التشريق رمي الجمرة الأولى، والثانية أنه يقف، ويدعو، كان النبيﷺ يدعو دعاء بقدر سورة البقرة، يقف، ويدعو، لكن ليس وجوباً، فهذا من اللواحق عموماً.

إنسان عاجز عن الرمي، وكّل غيره أن يرمي عنه، هل نقول له: أنت عجزت عن الرمي، لكن اذهب إلى المرمى حتى إذا رمى عنك تقف، وتدعو؛ لأن من عجز عن بعض العبادة، وقدر على بعضها طولب بهذا البعض؟، هل نقول له هذا؟، إذا نظرنا إلى الدعاء أنه عبادة، ومن أعمال الحج في هذا المقام ممكن أن نقول: نعم، لكن إذا نظرنا إلى القضية باعتبار آخر، وهو أن الذي يدعو هو الذي رمى، فيكون الدعاء من الرامي، وليس منه هو، فإذن لا يجب عليه الذهاب، يأتي واحد يفتي في حملة يقول: يا جماعة كل الأخوات العاجزات عن الرمي، وإخواننا الذين يعجزون عليهم أن يتوجهوا إلى المرمى؛ لأنهم يحتاجون الوقوف للدعاء؛ لأننا نقول في القاعدة: إن من عجز عن بعض العبادة، وقدر على بعضها فإنه يطالب به، نقول له: هذا الكلام ليس صحيحًا، ليس بهذه الصورة.

فهذا إذا كان من الأمور اللواحق؛ من المتممات، من التوابع، هذا نوع.

وقسم آخر: ما كان العمل فيه مقصوداً، ليس من المتممات، ولا من اللواحق، ولا من الوسائل، وإنما هو من الأمور المقصودة، من الأعمال المقصودة، هذا هو محل القاعدة، مثل: الطهارة، هذا الإنسان يريد أن يتطهر للصلاة، أمس أحد الإخوة يسأل عن الاغتسال في لفائف؟ يسأل عن حكم الاغتسال كيف يغتسل؟ كيف يصنع؟نقول له: اغسل -في الاغتسال الشرعي- ما تستطيع أن توصل الماء إليه، والباقي لا يُغسل، فإذا قال: أنا أستطيع أن أغسل البدن، ولا أستطيع أن أغسل الباقي نقول: اغسل بعض البدن، لكن هل هذا في كل الصور؟ لا، هناك صور يُختلف فيها كثيراً.

ولهذا أصلاً كانت هذه القاعدة يعبر عنها أحياناً بـ"هل من قدر على بعض العبادة، وعجز عن البعض الآخر يطالب بما قدر عليه؟"، انظر صورة تشبه هذه: لو أنه قدر على ماء قليل لا يكفي لكل الغسل، فهل يطالب بغسل بعض البدن؟، لا يعتبر غسلا كاملا، قدر على ماء قليل يستطيع أن يغسل معه بعض أعضاء الوضوء، فهل نقول له: تيمم، أو نقول له: اغسل بعض الأعضاء؟ وهل يفيده غسل بعض الأعضاء؟، أدلة القاعدة لربما يفهم منها هذا، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16، و(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)([30]).  

فبعض أهل العلم يقول: نعم يغسل بعض الأعضاء التي يكفي لها الماء، والباقي يتيمم له، وهكذا إذا كان معه ماء قليل، نقول: يغسل بعض البدن، وهذا يفيد حتى في تخفيف الجنابة؛ لأن الوضوء يخففها.

لو أردنا أن نناقش هذا، نقول: الذي يخففها الوضوء، لكن ليس غسل بعض البدن؛ لأن الإنسان الجنب إذا توضأ لا يستطيع أن يجلس في المسجد، كما كان أصحاب النبي ﷺ يفعلون.

كذلك إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام يتوضأ، ثم ينام، فالوضوء يؤثر في تخفيف الجنابة.

إذن هذه الصورة التي هي إذا كان العمل مقصوداً، وقدر على بعضه، لاحظ: الوضوء وسيلة، لكنه عبادة مقصودة فنقول: هو مطالب بأن يأتي بما قدر عليه، ما تستطيع أن توصل الماء لوجود عضو مقطوع من أعضاء الوضوء، نقول: اغسل الباقي، هذا في الطهارة، الناس الذين فيهم حروق لا يستطيع الواحد منهم إيصال الماء إليها، نقول: اغسل الباقي لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا البقرة:286.

في الصلاة: هو قادر على القيام، لكن لا يقدر على الركوع، والسجود، طبيب قال له: لا تسجد، ولا تركع لمدة أسبوع، فماذا يصنع هذا الإنسان؟

نقول: صلِّ على كرسي؟، ما عليه قيام؟ نقول: لا، صلِّ قائماً.

بعض كبار السن يقول: أنا تؤلمني ركبي، ولا أستطيع أن أثنيها، ما هو الحل؟ يقول: أصلي على كرسي، كل صلاته على كرسي، هل تستطيع القيام؟ يقول: نعم، القيام ما عندي فيه مشكلة، لكن الركوع والسجود هو المشكلة مثلاً، أو السجود والجلوس هو المشكلة، نقول له: لا، يجب أن تصلي قائماً؛ لأن من عجز عن بعض العبادة وأطاق الباقي فإنه يطالب به إذا كانت مقصودة، بخلاف ما إذا كانت وسيلة محضة، وسيلة محضة مثل: الذهاب إلى الحج، مثلا القراءة لابد من تحريك اللسان فيها، وهذا إنسان أبكم، أو أسلم حديثاً، ولا يعرف الفاتحة، ولا الأذكار، ولا شيئًا إطلاقاً، نقول له: إذا كبرت حرك لسانك بقدر ما تقرأ الفاتحة؟، تحريك اللسان وسيلة محضة لا فائدة منه، لكن لو عجز عن قراءة الفاتحة، هل نقول: تسقط عنك؟ الجواب: لا.

وهناك بعض الصور هي محل نظر واختلاف: عجز عن وضع بعض مواضع السجود على الأرض، ما يستطيع أن يضع جبهته على الأرض، لكنه يستطيع أن ينحني، يستطيع أن يضع باقي الأعضاء، كاليدين والركبتين، هل يطالب بهذا؟

بعض العلماء يقول: يطالب؛ لأن السجود على المواضع السبعة، وبعضهم يقول: لا، إذا قدر على البعض طولب به، وبعضهم يفصّل، يقول: إن كان يستطيع أن يكون في هيئة أقرب إلى السجود طالبناه بوضع اليدين على الأرض، وإذا كان أصلاً لا يستطيع أن ينحني، لا نقول: مد يديك، ووصلها إلى الأرض في السجود.

فالمسألة إذن فيها هذا، وفيها هذا، هناك بعض الأمثلة تحتمل، فيها خلاف كبير، وبعض الأمثلة واضحة، لكن هل هذا على إطلاقه أي من قدر على العبادة المقصودة يطالب بها؟

نقول: إذا كانت تصح مع هذا العمل، يوجد شيء ما يصح؟ نعم، لو قال: أنا مريض، ولابد قبل الإفطار بساعة أن آكل حبة واحدة صغيرة جدًّا، لابد أن آكلها قبل الإفطار بساعة، فهنا هل يقال: هذا الصوم صحيح؟، وقدر على بعض العبادة، وهي صيام ثلاثة أرباع النهار ويجزئه، أو يكفيه، أو يؤجر؟، يقال: لا، الصوم ما يصح، فالعبادة لا تصح.

يقول: أنا أستطيع بطاقتي أن أصوم نصف النهار، أعرف نفسي، لكن لا أستطيع أن أصوم النصف الباقي، نقول له: هذا لا يصح، لا يجزئ عنك صيام نصف النهار، وقل مثل ذلك في أشياء كثيرة "الميسور لا يسقط بالمعسور".

والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد.



[1]- حديث: (من قتل دون ماله)، أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب من قاتل دون ماله، برقم (2480)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه وإن قتل كان في النار وأن من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم (378)، وأخرجه أبو داود واللفظ له، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، برقم (4772)، والترمذي، كتاب الديات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم (1421)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، من قاتل دون دينه، برقم (4095)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم (708)..  

[2]- أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدى المصلى، برقم (1158).

[3]- فتح الباري (1 /583).

[4]- أخرجه أحمد في المسند بإسناد ضعيف، برقم (18006)، وابن أبي شيبة في المسند، برقم (753)، والطبراني في الكبير، برقم (403)، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (1/ 243): "مدار هذه الطرق على أيوب بن عبد الله، وهو مجهول".

[5]- أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب في تعليق التمائم، برقم (3883)، وابن ماجه، كتاب الطب، باب تعليق التمائم، برقم (3530)، وأحمد في المسند، برقم (3615)، وقال محققوه: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن أخي زينب، لكنه متابع"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1632).

[6]- أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (3358).

[7]- أخرجه الطبراني في الكبير بلفظ: (ما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، ...)، برقم (7830)، وذكره الهيثمي في المجمع برقم (7717)، وقال: "رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف جدًّا، وفيه توثيق"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (6056).

[8]- أخرجه الترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم (2165)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (9179)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2547).

[9]- أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم (3336).

[10]- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في الرد على الجهمية، برقم (4735)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (4733).

[11]- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (4240)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي ﷺ: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).

[12]- تفسير الطبري: (23 /666).

[13]- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، برقم (2886).

[14]- أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب فضل الإيمان، برقم (2638)، وابن حبان، كتاب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، برقم (151)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي، برقم (2638).

[15]- أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين، برقم (3118)، والبيهقي في الشعب، (1/199)، برقم (93)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف أبي داود، برقم (3116 ).

[16]- أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، برقم (99).

[17]-  الحاوي الكبير للماوردي (3 /312).

[18]- أخرجه أحمد في المسند، برقم (18894)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، والبزار في مسنده، برقم (2303)، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم (2852)، والسنن الكبرى، برقم (3527)، وصححه الألباني في صلاة التراويح (ص:119).

[19]- أخرجه مسلم، كتاب الذبح، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم (5241).

[20]- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتفلجات للحسن، برقم (5931) ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، برقم (5695).

[21]- مجموع الفتاوى: (4/474).

[22]- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، برقم (3007)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر -رضى الله عنهم- وقصة حاطب بن أبى بلتعة، رقم :(6557).

[23]- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، برقم (313).

[24]- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر، رقم: (326).

[25]- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتفلجات للحسن، برقم (5931) ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، برقم (5695).

[26]- أخرجه أحمد في المسند بإسناد ضعيف، برقم (7083)، وابن حبان في صحيحه، برقم (5753)، والحاكم في المستدرك، برقم (8346)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2683).

[27]- أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، برقم (2125)، بلفظ: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات،...)).

[28]-  انظر: الموافقات (1/ 520)، و(2/84)، و(3/177).

[29]-  أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب الإجارة إلى نصف النهار، برقم (2268).

[30]- أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم (7288)، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (3321).

مواد ذات صلة