الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
24 – من تفسير سورة الإخلاص ورسالة الرد على الفصوص. القواعد 296-308
تاريخ النشر: ٢٥ / ربيع الآخر / ١٤٣٣
التحميل: 3255
مرات الإستماع: 2399

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله-:

296- من تفسير سورة الإخلاص:

"ذكر نصوصًا كثيرة من القرآن في الأمر بالرجوع إلى القرآن في كل شيء، ثم قال: فهذه النصوص وغيرها تبيّن أن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب لبيان الحق من الباطل، وبيان ما اختلف فيه الناس، وأن الواجب على الناس اتباع ما أنزل إليهم من ربهم، ورد ما يتنازعون فيه إلى الكتاب والسنة، وأن من لم يتبع ذلك كان منافقًا، وأن من اتبع الهدى الذي جاءت به الرسل، فلا يضل، ولا يشقى، ومن أعرض عن ذلك حُشر ضالاً شقيًّا معذبًا، وأن الذين فارقوا دينهم قد برئ الله ورسوله منهم".

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه الرسالة في تفسير سورة الإخلاص، طُبعت مستقلة، وهي أيضًا ضمن مجموع الفتاوى، في المجلد السابع عشر، وهذا الكلام الذي ذكره هنا واضح، فلا يحتاج إلى إيضاح، والله -تبارك وتعالى- يقول: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92] ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال:20] ويقول: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51] إلى غير ذلك من النصوص.

وما ذكره الله -تبارك وتعالى- عن المنافقين من أنهم إذا دعو إلى الله ورسوله فإنهم يعرضون ويستكبرون أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا ۝ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61] فهذا حال المنافقين، فلا يُتصور أن يدّعي أحد الإيمان بالله ورسوله ﷺ، ثم يستنكف بعد ذلك من التحاكم إليه، وقبول شرعه، أو أن يُوجد في صدره حرج من ذلك، وهذا أمرٌ مقرر عند أهل الإيمان، لا يحتاج إلى مزيد بيان، لكن الناس بحاجة إلى تذكير بهذا الجانب؛ لأننا في زمان أصبح الناس لربما يستحي بعضهم، أو يهاب في كثير من البلاد في هذه الأوقات التي تقوم فيها هذه الثورات من أن يُطالب بالتحاكم الى لله ورسوله ﷺ، وكثير ممن في قلوبهم مرض يرون أن ذلك من أعظم المنكرات، ولربما حاكموا من يطالب بذلك، فالله المستعان؛ ولذلك الشعارات التي ترفع في الغالب هي شعارات ترضي الأعداء، فصار المطالبة بحكم الشريعة كأنه قضاء على الدعوة برمتها، وعلى أصحابها، فإذا أراد الواحد منهم أن يتوارى في مطالبة، فإنه لا يرفع هذا الشعار -تحكيم الشريعة-؛ لأن ذلك سينفر عنه الكفار بمللهم المختلفة، وينفر عنه المنافقين غاية النفور، فيحتاج إلى أن يرفع شعارات من الحرية، والديمقراطية، وما أشبه ذلك، من أجل أن تقبل هذه المطالبات والدعاوى، فيقول: نحن نريد الديمقراطية، وأن يكون الحكم للشعب، وما أشبه هذا من الأباطيل.

 297- "ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل، أو الحس، إلا وفي القرآن بيان معناه، فإن القرآن جعله الله شفاءً لما في الصدور، وبيانًا للناس، فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة، حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول، إما أن لا يعرفوا اللفظ، وإما أن يعرفوا اللفظ، ولا يعرفوا معناه، فحينئذٍ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة".

يعني: لا يعرفون اللفظ باعتبار أنه لم يبلغهم النص أصلاً، أو بلغهم ذلك فخفي عليهم المعنى.

"ومن ههنا يقع الشرك، وتفريق الدين شيعًا، كالفتن التي تحدث بالسيف، فالفتن القولية والفعلية من الجاهلية، بسبب خفاء النور عنهم، فإذا انقطع عن الناس نور النبوة، وقعوا في ظلمة البدع، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم".

يعني: كلما خفت نور النبوة، وشمس الرسالة، فإن ذلك مؤذنٌ بظهور البدع والضلالات، وكما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في بعض المواضع: يكثر حينئذٍ السحر والشعوذة، وألوان الباطل والمنكر، فكل أرض خفتت فيها أنوار الرسالة، يظهر فيها أضداد ذلك، يظهر فيها السحر، وتظهر فيها ألوان المنكرات والبدع، والأهواء والضلالات، والمذاهب المنحرفة، فإذا سطعت عليها شمس النبوة أحرقتها، وذهبت؛ ولهذا في البيئات البدعية التي تنتشر فيها البدع، هم أحوج ما يكونون إلى العلم، والتسلح بسلاح العلم، فإنه الذي يبدد تلك الظلمات، يعني: تلك البيئات لا يحتاجون إلى الوعظ، وذكر الرقاق، وما أشبه ذلك؛ لأن هؤلاء عندهم شبهات وأهواء وضلالات تحتاج إلى نور كاشف، وهذا النور الكاشف لا يمكن أن يكون إلا بالعلم الصحيح؛ ولذلك ينبغي على الإخوة في البيئات التي تكثر فيها هذه الأهواء والبدع من المذاهب الكلامية، والطرق الصوفية، وما أشبه ذلك أن يكون عندهم سلاح قوي من العلم، وهذا العلم هو المأخوذ من الكتاب والسنة، فلا يقف أمام الواحد منهم -من تسلح بهذا السلاح- أحد من هؤلاء المبتدعة؛ لأنهم ليس عندهم حق، وإنما هي أباطيل تضمحل أمام نور الوحي.

298- "يحتاج المسلمون إلى شيئين: معرفة ما أراد الله ورسوله بألفاظ الكتاب والسنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين في معاني تلك الألفاظـ، وهذا أصل العلم والإيمان، والسعادة والنجاة، ثم معرفة ما قاله الناس في هذا الباب؛ لينظر المعاني الموافقة للرسول فتُقبل، والمخالفة فترد، فيجعل كلام الله ورسوله ومعانيهما هي الأصل، وما سواها يرد إليها".

يعني نحن نحتاج إلى أمرين:

الأمر الأول: المعين الصافي، والميزان القسط؛ وذلك بمعرفة دلائل الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح لهذه النصوص، كيف فهموها؟ لا كما يقول بعضهم: نقرأ ذلك قراءة جديدة، بحسب فهمنا وعصرنا، فنحن رجال وهم رجال، هذا كلام غير صحيح، نحن بحاجة إلى هذا المعين، وإلى معرفة فهم السلف الصالح ، فهذا منبع الهدى، نفهمه على ضوء فهم السلف، فهم أعلم الناس بدين الله -تبارك وتعالى-.

ثم بعد ذلك ننظر في كلام أهل العلم، في مصنفاتهم، وما قالوه، وما جاء عنهم من كلام في تفسير القرآن، أو في شرح حديث رسول الله ﷺ، أو في الفقه، أو في العقائد، أو في غير ذلك من الأخلاق والسلوك، ونحو هذا، فنزن ذلك بذلك الميزان، نعرضه على الكتاب والسنة، بحسب فهم السلف الصالح ، فما وافقه قُبل، وما خالفه رُد، وبهذا نسلم من الضلالات.

يعني: إذا عُرضت هذه المذاهب الكلامية، وطرائق المتأخرين في الفهم، والنظر، والاستدلال، والاعتقاد على هذا الأصل، فإنه يتبين الصحيح من الزائف، والحق من الباطل، وقل مثل ذلك أيضًا فيما يتصل بالفقه، فإن الكثير مما في كتب المتأخرين من الفقهاء ممن صنفوا في المذاهب الكتب المختصرة، أكثر ذلك ليس على قول الإمام، وإنما هي تفاريع وتخريجات، وأشياء فهمت وقيس عليها، حتى آلت إلى حالٍ استقرت عليها المذاهب عند المتأخرين، ولكنها قد لا تمت إلى قول الإمام بكبير صلة، في كثير مما ينقل فيها ويقرر، وصارت تحفظ كما تحفظ النصوص، ويحتج بها، فإذا سُئل عن الدليل قال: قال في النظم، وقال في المتن الفلاني، وقال خليل، وقال في الزاد، وقال في كذا، وهذا موجود، وهو كثير، وصار ذلك هو المعول عند كثير من المتعلمين، وتركت النصوص والأدلة، وصار في كثير من الأحيان -لا سيما في بعض البيئات- إذا سأل طالب العلم عن الدليل، فإن ذلك يكون منكرًا في نفوس بعض هؤلاء، ولربما زجره المعلم، أو الشيخ، باعتبار أنه ليس بكفء بأن يسأل عن الأدلة والنصوص، وأن ذلك للمجتهدين الاجتهاد المطلق، وقد سدوا باب الاجتهاد منذ قرون طويلة، كما هو معلوم، من الجنايات التي حصلت في وقت الدولة العثمانية، قفل باب الاجتهاد، وصار الناس يرددون هذه الكتب -كتب المتأخرين-، وأما قراءة القرآن، وقراءة الحديث، فإنهم لا يستنبطون من ذلك قليلاً ولا كثيرًا، أنما يقرؤون ذلك للبركة، فبقيت كثير من قضايا النوازل والمستجدة ليس لها أحكام، فاضطروا إلى أيجاد القوانين الملفقة التي تضبط حياة الناس في هذه الجوانب، وقد اشتُهر سليمان القانوني بالنسبة للعثمانيين، بأنه قد عُني بالقوانين عناية فائقة، والواقع أن القوانين الوضعية كانت قبل سليمان القانوني لدى الدولة العثمانية، كل ذلك بسبب قفل باب الاجتهاد، فصار الناس في جمود، وصار الفقهاء لا يستنبطون الأحكام، ولا يبينون أحكام النوازل، فاحتاجوا إلى قوانين ترقع لهم هذا النقص، وهذه جناية كبيرة بلا شك.

فالمقصود: أننا إذا قمنا بهذا، وفعلنا ذلك، وسرنا على هذه الجادة، فإننا نسلم من الانحرافات في أبواب العلوم المختلفة، في الاعتقاد، والعبادات، والمعاملات، والسلوك، وغير ذلك، ما وافق الكتاب والسنة قُبل، وما خالفه رد، وكل يُؤخذ من قوله ويرد، فنسلم من التعصب، ونسلم من رواسب القرون، حيث تبدأ الانحرافات يسيرة، ثم تتسع وترسخ، حتى يظن الأجيال المتعاقبة الذين فتحوا أعينوهم على هذه الطرائق: أن هذا هو الحق الذي جاء به الرسول ﷺ، وأن من قدح فيه، أو أبان عن شيء من مخالفته، أو نحو ذلك، فقد جاء بالعظائم؛ ولهذا لقي شيخ الإسلام -رحمه الله- ما لقي من هؤلاء المبتدعة، ولقي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما لقي -والله المستعان-.

299- "التأويل هو بيان العاقبة، ووجود العاقبة، وقد تبين أن تأويل الخبر هو وجود المخبر به، وتأويل الأمر هو فعل المأمور به، فالآية التي مضى تأويلها قبل نزولها من باب الخبر يقع الشيء فيذكره الله، كما ذكر ما ذكره من قول المشركين للرسول وتكذيبهم له، وهي وإن مضى تأويلها فهي عبرة، ومعناها ثابت في نظيرها، وإذا تبين ذلك فالمتشابه من الأمر لا بد من معرفة تأويله".

الآن هذا الكلام في أوله: التأويل: هو بيان العاقبة، ووجود العاقبة، هذه العبارة لم يقلها شيخ الإسلام هكذا، وإنما هي فهم الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- من كلام طويل لشيخ الإسلام، فجاء بمثل هذه العبارة "التأويل هو بيان العاقبة، ووجود العاقبة" هو جاء بها هكذا على كل حال، ثم جاء بما بعدها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

وحاصل هذا المعنى: أن التأويل الذي عند السلف، وفي لغة القرآن، يأتي بمعنى التفسير، كما هو معلوم، فيكون تأويل الكلام بمعني: تفسير الكلام، وتأويل القرآن بمعنى: تفسير القرآن، وتأويل الرؤيا بهذا الاعتبار -اعتبار التفسير- هو تفسيرها، نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ [يوسف:36] يعني: نبئنا عن تفسير الرؤيا.

ويأتي بمعنى: ما يؤول إليه الشيء في ثاني حال، فتأويل الأمر فعل المأمور، وتأويل الخبر وقوع المخبر به، وتأويل الرؤيا بهذا الاعتبار هو نفس تحققها، فإذا جئنا إلى تأويل الأمر، وهو فعل المأمور، فيكون ذلك كما في المثال المشهور الذي يذكره أهل العلم في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] قالت عائشة -رضي الله عنها- في الحديث المشهور عنها: كان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن[1]، يعني: يطبق ويمتثل، إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] الآية، قال: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] فهذا فعل المأمور يُقال له: تأويل، فيكون التأويل هنا بالفعل، وتأويل الخبر وقوع المخبر به، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف:53] يعني: وقوع ما أخبر به القرآن؛ من القيامة وما إلى ذلك، فإذا وقع ذلك، فإنهم يقولون: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53] فيعاينون الحقائق حينئذٍ.

وتأويل الرؤيا بهذا الاعتبار وقوع ذلك، يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف:100] لما رأى أبويه وإخوته يسجدون له، قال: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف:100] هذا حاصل الكلام في هذه القضية.

أما التأويل الذي عند المتأخرين، وهو بمعنى صرف الكلام من المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح، هذا لم يكون معروفًا عند السلف، فإذا جاء التأويل في القرآن، كما في آية آل عمران:وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] فهنا الآية تحتمل معنيين بحسب الوقف والوصل فيها، فإذا قيل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] ووقفنا، فهنا لا يمكن أن يحمل على التفسير؛ لأنه لا يوجد في القرآن شيء لا يعرف معناه، فكل ما في القرآن يعرف معناه، فيكون هنا المراد الكنه والكيفية، وحقائق الأمور الغيبية.

وإذا وصلنا وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7] فالراسخون يعلمون تأويله، فهذا هو المتشابه النسبي، فالله يعلمه، والراسخون في العلم يعلمون تأويله، يعني: تفسيره، فيكون ذلك تفسير المعنى، يخفى على بعض، وأهل الزيغ يتتبعون ذلك، ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7] فهنا يكون عندنا التأويل في الآية يمكن أن يُحمل على هذا وهذا، وكلاهما صحيح، وكل ذلك ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما-[2]، فإذا وصلت فالتأويل في الآية بمعنى: التفسير، وهو المتشابه النسبي.

وأما التأويل الذي يكون على الوصل يكون بمعنى التفسير، وإذا وقفنا في الآية فهذا بمعنى الكنه والحقيقة، فيكون هو المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله ، فإذا قيل: هل في القرآن تشابه مطلق؟ الجواب: فيه تفصيل، فإذا كان المقصود من جهة المعنى فلا يوجد، وإذا كان المقصود من جهة الحقيقة والكنه... إلى آخره، فيوجد تشابه مطلق، فيكون الوقف في آية آل عمران باعتبار التشابه المطلق، وليس التشابه النسبي، فآية آل عمران هي التي يأتي عليها مدار الكلام في هذا الباب، وشيخ الإسلام -رحمه الله- له رسالة: (الإكليل في المتشابه والتأويل) وهي معروفة مشهورة، هذا حاصل الكلام على موضوع التأويل، وهو خلاصة ما يقال، والله تعالى أعلم. وهو -فيما أظن- الأقرب في الفرق بين التأويل والتفسير، فإن الكثيرين يكثرون الكلام في هذه القضية، ويذكرون فروقات كثيرة على آراء مختلفة، والأقرب -والله أعلم- أن التأويل يأتي مطابقًا للتفسير على المعنى الأول، ويكون مفارقًا له على المعنى الثاني.

"وإذا تبيّن ذلك فالمتشابه من الأمر لا بد من معرفة تأويله؛ لأنه لا بد من فعل المأمور، وترك المحظور، وذلك لا يمكن إلا بعد العلم، لكن ليس في القرآن ما يقتضي أن في الأمر متشابهًا...".

الآن المتشابه من الأمر لا بد من معرفة تأويله، من أجل أن نمتثل، فنحن بحاجة إلى معرفة معناه، وهؤلاء الذين صار بالنسبة إليهم متشابهًا؛ لأنه خفي عليهم معناه، أو التبس بسبب أو لآخر، كالإجمال، ونحو ذلك، يكون بالنسبة لآخرين غير ملتبس وغير مشتبه، فهو محكم بالنسبة لمن عرف المعنى، ومتشابه بالنسبة لمن خفي عليه، ولا يمكن أن يقال: في القرآن أشياء لا يُعرف معناها، وإلا كيف يمتثل المكلف، ويعمل بمقتضاه، ويهتدي بهدايات القرآن، وهو لا يعرف معانيه، والله أخبر أنه يسره للذكر... إلى آخره.

"فإن قوله: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] قد يُراد به من الخبر مثلما أخبر به في الجنة من اللحم واللبن والحرير، ونحو ذلك، كأن بين هذا وبين ما في الدنيا تشابه في اللفظ والمعنى، ومع ذلك فحقيقة هذا مخالفة لحقيقة هذا، وتلك الحقيقة لا نعلمها نحن في الدنيا".

يقول: فإن قوله: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] قد يُراد به الخبر، مثلما أخبر به في الجنة... إلى آخره، يعني: من المتشابه المطلق، حيث لا يعلم ذلك إلا الله، لا يعلم كنهه وحقيقته، أما المعنى: فهو معلوم، فحينما يقول: فيها أنهار من لبن إلى آخره، كل هذا يُعرف معناه.

300- "ومن أعظم الاختلاف: الاختلاف في المسائل العلمية الخبرية المتعلقة بالإيمان بالله، واليوم الآخر، فلا بد أن يكون الكتاب حاكمًا بين الناس فيما اختلفوا فيه من ذلك، ويمتنع أن يكون حاكمًا إن لم يكن معرفة معناها ممكنًا، وقد نصب الله عليه دليلاً، وإلا فالحاكم الذي لا يتبين ما في نفسه لا يحكم بشيء".

يعني: الآن الناس اختلفوا في الاعتقاد، واختلافهم في الاعتقاد هذا أعظم من اختلافهم في غيره من مسائل الدين، فلا بد من مرجع يرجعون إليه، فيكون حاكمًا، فإذا قيل مثلاً: بأن نصوص القرآن لا يُعرف معناها، أو أنها ليست بقطعية في دلالتها مثلاً، ويعتبرون النص -كما يفعله أكثر الأصوليين- هو ما دل بنفسه على معنىً واحد، لا يحتمل غيره، فضيقوا واسعًا، وصارت عامة نصوص القرآن لا تدل على المطلوب دلالة قطعية، ومن ثم قالوا: إذًا الاعتقاد لا بد له من قواطع من الأدلة، والقرآن لا يصلح لهذا عندهم -نسأل الله العافية-، فكيف يكون حاكمًا؟ ولهذا قلت في بعض المناسبات: بأن الشيطان لم يترك أحدًا، فهؤلاء الآن من المتكلمين تقول لهم: بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فيقالون: نعم، لكن السنة ثابتة بأدلة آحاد، والاعتقاد لا بد من قواطع، والقرآن؟ قالوا: نعم القرآن ثابت بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، ولكن دلالته أورد عليها الرازي القوادح العشرة التي تقدح في الدلالة، بحيث أنه -عندهم- لا يُوثق به في الاستدلال -نسأل الله العافية-، فقطع عليهم الطريق، نقول لهم: نتحاكم إلى القرآن؟ قالوا: لا، نتحاكم إلى ماذا؟ قالوا: لا بد من دليل قطعي، وما الدليل القطعي؟ قالوا: العقل، طيب أنتم اختلفتم غاية الاختلاف، وقد مضى الإشارة إلى هذا من قبل، وأنا أأكد على هذا المعنى؛ لأنه مهم، وهو يحوم في نفسي دائمًا حينما أتأمل الفرق والضلالات، وكيف يفترق الناس؟ ولماذا يختلفون؟ وما المرجع؟ وما الطريق لجمع شمل الأمة، وتوحيد كلمتها على الحق؟ وما أشبه ذلك، فأجد الشيطان جالس لكل فريق قد قطع عليهم الطريق، وأحاطهم بسياج في ضلالاتهم -نسأل الله العافية-، فإذا جئت للصوفية نفس القضية، تقول الصوفية: نحن نأخذ عن الحي الذي لا يموت، وأنتم تقولون: حدثنا فلان، حدثنا البخاري... إلى آخره، ونحن نأخذ عن الحي الذي لا يموت، عندنا أصول نأخذ منها، ومنها: الإلهام، فعندهم مصادر ليس عند الناس، ولذلك يقول مراقي السعود:

وينبذ الإلهام في العراء أعني به إلهام الأولياءِ[3]

فلما ذكر أنواع الأدلة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وتكلم عن الأدلة المختلف فيها، ومنها: قول الصحابي، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، جاء للأدلة مثل: الإلهام عند الصوفية، وعند الرافضة: الأئمة، فهم معصومون، فتأتي للرافضة تقول لهم: بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فيقالون: أما السنة فهي من رواية هؤلاء الكذبة، وهم الصحابة ، يضللونهم إلا نفرًا يسيرًا، طيب والقرآن؟ قالوا: أصلاً القرآن محرف، طيب ما هو المرجع والمعول؟ قالوا: كلام المعصومين من الأئمة، ولفقوا على هؤلاء المعصومين من الأكاذيب ما الله به عليم، وهم غير معصومين.

وإذا جئتَ اليوم إلى بعض المثقفين، أو العقلانيين، أو التنويرين، أو إلى أمثال هؤلاء، تجد منهم من يقول: نقرأ بفهمنا، ونقرأ القرآن بحسب معطيات العصر، ولسنا ملزمين بفهم السلف، يقول لك: نعم نرجع للقرآن، طيب أنت ترجع للقرآن؟! فهذا قول ابن جرير، وهذا قول مجاهد، وهذا قول فلان، فيقول: لا لا، هذا الكلام كله لا تعرضه عليّ، أنا أفهم القرآن بحسب ما أعطاني الله من العقل، وأنا لا أأجر عقلي لابن جرير، ولا لمجاهد، هذا كيف تصل معه إلى الحق؟ لا يمكن، وُضع لهم خنادق، كل بحسبه، فضلوا، لكن إذا جئتَ لإنسان عنده أصول، واختلفت معه في مسألة، تقول: نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ على فهم السلف الصالح، قال: نعم، فهذا تصل معه إلى شيء، لكن أولئك لا تصل معهم إلى شيء، فكثرت الأهواء والضلالات والفرق، ولم يرجعوا منذ ذلك الزمان إلى يومك هذا، كم للصوفية وللرافضة وللمذاهب العقلية، والكلامية، كل هذا له أكثر من (1200) سنة، الخوارج تأتيهم وتقول لهم: نرجع لكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، فهم يكفرون الصحابة، ويفهمون القرآن بحسب فهمهم؛ لأن السنة لا تفسره على هذا الاعتبار، هذا فضلاً عن اختلاط الأهواء فيما بعد، يعني: الخوارج تلقفوا عقائد المعتزلة، والمذاهب الكلامية، والرافضة درسوا عقائد المعتزلة أيضًا، فدخل عليهم أيضًا أشياء في أبواب القدر والصفات والإيمان، ليست فقط قضية الإمامة، وضلالات المعتزلة والمذاهب الكلامية لحقهم منها كثير، وهكذا الخوارج منذ زمن بعيد، قبل أكثر من (1200) سنة، ما هو شيء جديد، فبقوا على هذه الضلالات إلى يومك هذا -نسأل الله العافية-، فإذا كان هذا الكتاب لا يكون بيّنًا في نفسه، كما وصفه الله : تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] فكيف يكون حاكمًا؟ وكل واحد يفهم منه ما يريد؛ ولذلك كما أشرتُ في مرة سابقة أن بعض اللبراليين اليوم يقول لك: يعظم القرآن بزعمه أمامك في المجلس، ولكن يقول: يكفينا القرآن، يعني: ما نريد السنة، فإذا نحى السنة، فسّر القرآن كما يريد، وكل طائفة تفسر القرآن على طريقتها، فلا يكون حاكمًا على أهواء الناس، وما وقع بينهم من اختلاف، والله المستعان.

301- "أهل البدع الذين ذمهم الله نوعان:

أحدهما: عالم بالحق يتعمد خلافه".

وهذا غالب الرؤساء والكبراء والقادة من هؤلاء، فعلماؤهم كعلماء الرافضة مثلاً قال عنهم السلف: زنادقة، باعتبار أنهم يعرفون هذا، وكذا علماء الباطنية -إن كان عندهم علماء- هم منتهى الزندقة؛ لأنهم يعرفون، وأما الأتباع ففيهم من هو ملبس عليه، يتدين الله بهذا، ويعتقد أن هذا هو الحق الذي ورثه عن آبائه، ونحو ذلك، هل هو معذور؟ هذا مسألة ثانية؛ لأن جهنم فيها الأتباع، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167] فهم أتباع ومتبعون؛ ولذلك يخطئ بعض الناس فيقول: المتبعون هم الذين يعذبون، ويستحقون العذاب في النار، وأما الأتباع فهم همج، نقول: نعم، النار فيها الهمج، وفيها الرؤساء، فقص الله هذا جميعًا، وهو مصرح في القرآن، بصرف النظر عن تكفير المعين، لا أتحدث عن هذه القضية، لكن أقول: كونه ليس من العلماء وإنما من الأتباع لا يعفيه من التبعة.

"والثاني: جاهل متبع لغيره.

فالأولون: يبتدعون ما يخالف كتاب الله، ويقولون: هو من عند الله، إما أحاديث مفتريات، وإما تفسير وتأويل للنصوص باطل، ويعضدون ذلك بما يدعون من الرأي والعقل، وقصدهم بذلك الرئاسة والمأكل".

لاحظ هذا حال الرؤساء، كما يقول المعلمي -رحمه الله-: ومنهم من يكون له في الباطل شهرة ومعيشة، فهذا بصعوبة يرجع، بل لا يكاد يرجع؛ لأن هؤلاء الأتباع سيذهبون، وهذه السخرة، مثل طرائق الصوفية يجعلون للأتباع يومًا يعملون فيه بالمجان في حقوله وإقطاعاته وأرضه، وهؤلاء الرافضة من المعممين يأتيهم الخمس، وغير ذلك من ألوان المتع، فإذا تبع الحق رجع إلى المربع الأول كما يقال، فيبدأ من الصفر بحسب مؤهلاته، فمثل هذا يصعب عليه الرجوع، ويكون في آخر الناس، بعد ما كان رأسًا، لكنه رأس في  الضلالة -نسأل الله العافية-، وهذا هو السر في انحراف من ينحرف اليوم عن الجادة، ربما لم يجد له مكانًا بين أهل الحق؛ ليترأس، وله تطلع، وله طموح، فلا يجد ذلك إلا بين الغربان، فينعقون له، فيطرب، فيحسب أنه على شيء، وهم يعلمون أنهم على ضلال.

وانظر إلى حال التائبين منهم اليوم، يصرحون بما يشاهدون، وما هو واقع لأولئك المنحرفين، فهو شيء يشاهدونه، ويقرون به، ويعرفونه، طيب كيف بقوا على هذه الحال هذه المدة كلها؟ وهم يرون بُعد هؤلاء عن الحق، وأنهم إنما هم عبيد للشهوات أيًا كان نوع هذه الشهوات، سواء مال، أو غير ذلك.

"وهؤلاء إذا عورضوا بنصوص الكتب الإلهية، وقيل لهم: هذه تخالفكم، حرفوا الكلم عن مواضعه بالتأويلات الفاسدة.

وأما النوع الثاني: فهم الأميون الجهال، الذين لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78]".

وهذا لا يعفيهم، وهذه الآية لَا يَعْلَمُونَ [البقرة:78] فيها قولان مشهوران عند أهل العلم، قالها الله في اليهود، وما قيل فيهم في هذا المقام، وما جاء في ذمهم من أنهم لا يعلمون كتابهم، أو لا يعملون به، يلحق هذه الأمة من باب أولى، فهذه الأمة أشرف من بني إسرائيل، وكتابها أشرف، ونبيها أعظم، فإذا كان هذا الذم مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا [الجمعة:5] أو في قوله: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] فيتوجه لهذه للأمة من اللوم أعظم؛ ولهذا قيل: على قدر المقام يكون الملام، وقوله -تبارك وتعالى-: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] الذي مشى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال به بعض السلف: هو أن الأماني بمعنى: القراءة[4]، يعني: ما يعرفون كتابهم إلا مجرد تلاوة، دون معرفة المعاني، والفقه بما فيه، وإنما يقرؤونه قراءة مجردة، فذمهم الله لهذا، ففُسّر الأماني هنا كما في  قول الشاعر:

تَمَنَّى كِتَابَ الله أوَّلَ لَيْلِه وَآخِرَهُ لاَقَى حِمَامَ المَقَادِرِ[5]

وقول الآخر:

تَمَنَّى كتابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلةٍ تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلِ[6]

وكل هذا قيل في عثمان ، وقيل: بعضه في عثمان، وبعضه في غيره، فالمقصود هنا في البيتين: القراءة "تمني داود الزبور على رسل" يعني: قراءة داود الزبور، تمنى كتاب الله أول ليله، يعني: عثمان -رضي الله تعالى عنه-، قرأ القرآن، ثم بعد ذلك قتل -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، فهذه الأماني بمعنى: القراءة.

وبعضهم يقول: إن الأماني في الآية: إِلَّا أَمَانِيَّ يعني: جمع أمنية، يعني: أنهم يتمنون، كما يقول الله لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] لكن أماني، يقولون: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة:80] يعني: بقدر عبادتنا للعجل، هي أماني، نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] يتمنون على الله الأماني، وليس لهم نصيب من العمل والامتثال والتطبيق، والله المستعان.

وليس الكلام على المعنى الراجح في الآية، لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] وإلا فالذي أظنه أقرب -والله تعالى أعلم- هو المعنى الثاني: جمع أمنية، وراجعوا كلام المفسرين والمحققين فيها، كابن جرير.

302- "فهو تعالى أحد لم يكن من جنس شيء من المخلوقات، وأنه صمد، كامل الصفات، مقصود في كل الحاجات، وليس هو من مادة، بل هو صمد لم يلد ولم يولد".

لاحظ حمل شيخ الإسلام معنى الصمد هنا على أحد المعاني الداخلة فيه، وهو أنه الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وفقرها ومطالبها، هذا أحد المعاني، ومعنى الصمد يدخل في هذا، ويدخل في هذا: الذي لا جوف له وغير ذلك مما قاله السلف.

"وإذا نفى عنه أن يكون مولودًا من سائر المواد أولى وأحرى، فإن المولود من نظير مادته أكمل من مادة ما خُلق من مادة أخرى".

يعني: ما خُلق من مادة من نظير خلقه، أكمل ممن خُلق من مادة أخرى، يعني: مثل آدم، خُلق من تراب، وذريته خلقوا من ماء مهين، فخلق الذرية أكمل من هذه الحيثية، باعتبار أن الماء المهين متولد من الإنسان، وإن كان ذلك أدل على القدرة، يعني: كونه يخلق من الطين من غير مادته، هذا مقصود شيخ الإسلام.

"كما خُلق آدم من الطين في المادة التي خلق منها أولاده أفضل من المادة التي خلق منها هو؛ ولهذا كان خلقه أعجب، فإذا نُزه الرب عن المادة العليا، فهو عن المادة السفلى أعظم تنزيهًا، كما إنه إذا كان منزهًا عن أن يكون أحد كفؤًا له، فلأن يكون منزهًا عن أن يكون أحد أفضل منه من باب أولى وأحرى، وهذا مما يُبيّن أن هذه السورة اشتملت على جميع أنواع التنزيه والتحميد على النفي والإثبات؛ ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن، فالصمدية تثبت الكمال المنافي للنقص، والأحدية تثبت الانفراد بذلك".

هذا واضح ما يحتاج إلى تعليق.

303- "يُعتبر متابعة الرسول ﷺ في قصده في أموره العادية إذا علمنا أنه فعلها لقصد القربة، صارت مستحبة، وإلا فلا".

هذا أصل كبير فيما يتعلق بأفعال الرسول ﷺ، والكلام في هذا -طبعًا- يطول، وهو موضوع شريف جليل، يحتاج إلى دراسة وعناية، من قبل طلاب العلم، ففعل النبي ﷺ المجرد على أي شيء يدل؟ هذه الأفعال منها ما هو على سبيل العادة، ومنها ما هو على سبيل العبادة، فما كان على سبيل العبادة فإن هذا محل الاقتداء بلا شك، صَلُّوا كما رأيتموني أصلي[7]، وقوله: لتأخُذُوا مناسككم[8]، وما أشبه هذا، وصلى أمامهم على المنبر، وحج ﷺ على راحلته ليراه الناس، فهو محل الأسوة والقدوة في هذا كله.

وتبقى الأمور العادية -أمور العادات-، فهذه على أنواع، منها: ما كان بمحض الجبلة، مثل ماذا؟ ما يفعله الإنسان بجبلته، مثل قضاء الحاجة، والأكل، والشرب، غير الآداب الشرعية التي يقتدى به ﷺ، لكنه قضى حاجته في هذا المكان، هل يقال: إن هذا يُشرع؟ ابن عمر كان يتتبع ذلك، هناك أشياء هي من قبيل العادات التي كانت سائدة في عصره ﷺ، كلبس الإزار، فهل يُقال: يشرع لبس الإزار؟ أو يسن لبس الإزار؟ الجواب: لا، العرب كانوا يلبسون الأزر، فهناك أشياء من العادات كان يفعلها ﷺ، ويُؤثرها على غيرها، يعني: يحبها، كان يعجبه القميص ﷺ، وهو من أمور العادات، فلو أن أحدًا يلبس هذا الثوب ويقول: أنا ألبس هذا؛ لأن النبي ﷺ كان يُؤثره، وهو من أمور العادات، فهذا له وجه؛ لأن النبي ﷺ كان يُؤثره، في الأمور المطعومات نحن قلنا: الأكل والشرب من أمور الجبلة، كان يحب الحلو البارد ﷺ، وكان يحب الحلوى، وكان يتتبع ﷺ الدباء، ويحبه، فلو جاء أحد وقال: أنا أحب هذه الأشياء؛ لأن النبي ﷺ يحبها، وأنا أتتبعها، فمثل هذا هل يقال: بأن ذلك له وجه إذا فعله المكلف وقصده؟ الجواب: له وجه، ويؤجر على قصد المتابعة، لكن لو تركه المكلف، ولم يعمل به، ونحو ذلك، فهذه كلها من الأمور العادات، لا يلام، ولا يقال: بأنه مقصر في  اتباع النبي ﷺ، لكن في الأمور التي شرعها وبينها، سواء كانت من سنن الفطرة، أو كانت من الأمور التعبدية، أو نحو ذلك، فهذا يقتدى به، ويمتثل أمره، كانت له لحية ﷺ لحية تغطي صدره -لحية كثيفة-، وما كان يأخذ منها ﷺ، وأمر بتوفيرها، إلى آخره، فهنا لا يحسن بالإنسان أنه يأتي ويقول: ثبت عن فلان من الصحابة أنه قص لحيته إلى كذا، ولحية فلان من الصحابة بقدر كذا، وأن فلان كان يقصها إذا كان في النسك، الله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] فتعرض عن هدي النبي ﷺ وتلتمس هدي غيره؟ ولذلك من يسلكون هذه المسالك لا يزال الشيطان يتلاعب بهم، فتبدأ القضية من هذه البوابة، ثم بعد ذلك تجد سلوكه في أموره الظاهرة والباطنة أحيانًا ليست كما ينبغي، وليست على منهاج النبوة ولا على الجادة، والبوابة هي هذه: نُقل عن فلان، وثبت عن اثنين من الصحابة، وثبت عن أربعة من الصحابة، وصححه فلان، عندنا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] إذًا ما نلتمس هدي غير النبي ﷺ، ونحن نورد كثيرًا آثار السلف في الدروس التي تقدم للناس ونحو ذلك، والمحاضرات، وما أشبه هذا، لا بأس ليُقتدى بهم، لكن بقيد، بما لا يخرج عن هدي النبي ﷺ؛ ولذلك هذه الأشياء التي فيها نوع  مخالفة في العبادة، أو في الزهد، أو في العمل، نحن نميزها ونفرزها قبل ما تعرض للناس، فلا تذكر لهم هكذا، لكن إذا كان في جوانب معينة، مما حث عليه الشارع في الجملة، فوجد هذا الإنسان له نوع من العبادة مثلاً، يجتهد في قيام الليل، وفي قراءة القرآن، والذكر، ونحو هذا، فهذا طيب.

فهنا يقول: في الأمور العادية إذا علمنا أنه فعلها لقصد القربة، صارت مستحبة، وإلا فلا، يعني: مستحبة أنها مشروعة، والمشروع هو قدر زائد على الجائز، وهو ما طلبه الشارع طلبًا مستحبًا، أو على سبيل الوجوب، هذا قدر الذي يقال يشرع، فهنا ما فعله النبي ﷺ على سبيل التعبد، فهذا الذي يقال: إنه مستحب، أو ربما يكون واجبًا.

قال -رحمه الله-:

"ومن رسالة الرد على الفصوص".

هذا الرد على الفصوص أيضًا يُسمى بالرد الأقوم على ما في فصوص الحِكم، وشيخ الإسلام -رحمه الله- له ردود متعددة على ابن عربي، ونظرائه من غلاة التصوف الفلسفي من الملاحدة من أهل وحدة الوجود والاتحاد والحلول، له ردود في رسائل متنوعة، وكتب مستقلة، وفتوى، وفي مضامين بعض الكتب، أكثر من الرد عليهم، ومن مناقشتهم، وبيان عوار مذهبهم، وهؤلاء عمت بهم البلوى في بعض الأوقات، وفشت تلك المذاهب في بعض النواحي، وصار كثير من أهل العلم لا يجترئ على تخطئة مثل ابن عربي، وتضليله، أو تكفيره، وإنما يتأولون له التأويلات التي لا تخلو من تعسف؛ لأنهم يحسنون الظن به، فلا يتجاسرون على بيان ما في هذه المقالات والأشياء التي يكتبها على بيان ما فيها من الضلال والكفر.

وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- نفسُه كان يحسن الظن بابن عربي، حتى تبين له أنه لا مجال لإحسان الظن به، فغير رأيه فيه، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام نفسُه في بعض كتبه، ولا زال بعض الناس يحسنون الظن به إلى اليوم، حتى بعض من ينتسب إلى منهج السلف، كجمال الدين القاسمي -رحمه الله- تجدون في كتابه محاسن التأويل في التفسير، وهو من المعاصرين، يقول: "وقال العارف ابن عربي"[9] العارف بالله! هذا الملحد، والعلماء لهم كتابات مستقلة فيه، كما سبق، منها: تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي[10]، وأمثال ذلك.

وهذه الرسالة: الرد على الفصوص، الفصوص هذا لابن عربي، وهو أبو بكر محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي، ولد في مرسية، بالأندلس سنة (560ه) ثم انتقل بعد ذلك إلى أشبيلية، وأخذ عن جماعة من أهل التصوف، ثم تنقل حتى استقر في دمشق، وبها توفي سنة (638هـ) وكتابه هذا (فصوص الحكم) كتبه في هذه الطريقة التي هي حقيقة الإلحاد والضلال، التي يجمع فيها بين التصوف الغالي على طريقة الفلاسفة، ولم يكتف بطريقة واحدة من طرق الفلاسفة، بل أنه حاول أن يجمع الضلالات التي عند الفلاسفة على مذاهبهم الكثيرة المختلفة، كالفلسفة المشائية الذي هم اتباع أرسطو، والفلسفة الأفلاطونية، والغنوصية، والمذاهب المنحرفة، وفلسفة فليون اليهودي، والرواقية، وما أشبه ذلك، جمع هذه الفلسفات، وصار يكتب بهذه الطريقة المنحرفة، وكتابه هذا جعله على (27) فصًا، يأتي بأشياء آيات، وأحاديث، وكذا، ويحرفها، ويعبث بها غاية العبث.

وشيخ الإسلام -رحمه الله- رد على مجموعة من هذه الفصوص، في المناقشات والرد، مثل فص حكمة نفثية، في كلمة شيثية، والثاني: فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية، فأخذ من كل نبي شيئًا، أعطاه لقبًا معينًا، أو سمة معينة يعتقد أنها بارزة فيه، ثم فص حكمه قدوسية في كلمة إدريسية، وفص حكمة ماهيمية في كلمة إبراهيمية، وفص حكمة إناسية في كلمة إلياسية، ما شاء لله! وهكذا بقية هذه الفصوص المنحرفة التي هي (27) فصًا، ويجد هذا الكلام -لا أقول رواجًا- بل تقديسًا وتعظيمًا، ومثل هذه أعتقد أنها لو طبعتها بعض الدور -دور الضرار-، وعرضتها في المعرض -معرض الكتاب- لتهافت عليها كثير من هؤلاء المنحرفين والمساكين الذين يظنون أنهم من المثقفين، وقيل مثلاً: كتب فكرية، ووضعت في قوالب، وغلاف جذاب، أو ورق من نوع معين، وبحجم معين فيتهافت عليها هؤلاء المساكين، يعني: الآن الغنوصية والأشياء هذه، هذه مذاهب، كما يقال الآن: مذاهب فكرية، وهي مذاهب منحرفة في الاعتقاد، وكثير مما يتلقفه اليوم بعض الناس في الأدب وغيره، وهي في الواقع مذاهب من هذا القبيل، فحينما يقال مثلاً: الحداثة، وهي مذهب فلسفي غربي منحرف مخالف لعقيدة الإسلام أصلاً، والإيمان، والتوحيد، ويتلقفها هؤلاء الجهال، ويتبنون هذا الاعتقاد.

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبًا خاليًا فتمكّنا[11]

ولما تأتي واحد ممن ينتسب إلى الكلاسيكية مثلاً تجده يتفلسف، ويجرون معه مقابلة، ويقول: أنا أميل إلى المذهب الكلاسيكي، وهو مذهب فلسفي أيضًا غربي، له أصوله، ومدرسة منحرفة، تخالف عقيدة الإيمان والتوحيد، وهكذا الذي على مذهب الرمزية، وإلا الذي يقول: أنا أؤمن بمذهب الإنسانية، يقال له: أنت مسلم، يقول: أنا أؤمن بالإنسانية فقط، ما أؤمن بشيء آخر -نسأل الله العافية-، وهكذا مذاهب الروحية الحديثة، وهذه الطرق التي يقولون: إنها سبيل إلى إشباع الروح، وهي من وثنيات شرقية أيضًا، وهي مذاهب موجودة، لها مدارس، ولها منظرون، وهي تخالف عقيدة الإيمان والتوحيد، وقل مثل ذلك أيضًا في مذهب الرومانسية والذرائعية البرامجتية، والبنيوية، تجدونها في كلام هؤلاء الذي ينتسبون للأدب، ويرددون مثل هذه العبارات كثيرًا، وقل مثل ذلك في المذاهب الأخرى: التأثيرية الانطباعية، ومذهب الفن للفن، التي هي البرانسية، والمادية التاريخية، والمادية الجدلية، والغائية، والعبثية، والعدمية، والعقلانية، واللبرالية، والشعر الحر، كل هذه مذاهب ومدارس غربية وشرقية، وضلالات تخالف عقيدة الإيمان والتوحيد، ولكن للأسف تجد هؤلاء الجهال الذين لم يعرفوا دينهم حق المعرفة يتبنون مثل هذه الأشياء، ويعتقدون أنها ثقافة، وأنهم جاؤوا بشيء يخالفون فيه نظرائهم، ويتميزون عنهم.

فالحاصل: أن كتاب فصوص الحكم يتكلم عن هذه العقائد الفاسدة والضلالات في الحلول والاتحاد، وتعجب حينما تقرأ في عقائد هؤلاء كيف يوجد من يتبع ذلك، ويقبل مثل هذه الانحرافات؟ ولهذا وقع هؤلاء كابن عربي وغيره بالقول بوحدة الأديان -نسأل الله العافية-، وشيخ الإسلام، وابن القيم في النونية ذكروا أشياء كثيرة، كقولهم: إن فرعون صادق حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ولكنه كفر حينما خص نفسه، فالمفروض أن الجميع رب.

فالعبد رب والرب عبد فيا ليت شعري من المكلف[12]

ولهذا بعضهم كابن عربي يرى الكلب فيقول: هذا هو، فيقولون: من؟ يقول: الله -نسأل الله العافية- ويقول: ما في الجبة إلا الله، وعبارات في غاية القبح، وصاروا يقولون: كل الأديان حق، وألف ابن عربي هذا للنصيرية ما يصحح بهم مذهبهم؛ لأنهم يعتقدون كل هذه المذاهب والضلالات أنها حق، وأن الجميع متحد، وأن ذلك لا فرق فيه بين العبد والرب، فهذه هي الحلولية أو الاتحادية المطلقة، الذين يقولون: كل ما تراه فهو الله، وأما الحلولية أو الاتحادية الخاصة، مثل عقيدة النصارى، حينما قالوا: بأن الله حل في المسيح فقط، فخصوا المسيح، ولهذا يقولون: إن النصارى كفروا لأنهم خصوا المسيح، وكما يذكر شيخ الإسلام عن بعض غلاة هؤلاء الصوفية أنه لربما يتعلق قلبه بالنسوان والمردان، فيقول: إن الله حل بهم، فأنا أنظر إلى مظهر الجمال في الحق، يعني الخالق ، حينما ينظر إلى هؤلاء الغلمان أو النسوان، فيكون صاحب شهوة.

وهكذا بعضهم حينما يعظم الحاكم تعظيمًا زائدًا، فإنه يقول: إن الخالق يتجلى به، وحل به، فكل ما يصدر عن الحاكم فهو حق، لا يمكن أن يصدر من هذا الحاكم معصية لله -تبارك وتعالى-، أو انحراف، أو خطأ، فكل ما يصدر عنه فهو حق، لا يجوز أن يعارض، ولا يجوز أن يمانع، ولا أن يخطأ، أو ينتقد، فهذا يوجد أيضًا عند بعض هؤلاء؛ لأن له هوىً في مثل هذه الأمور.

فهذا الكتاب الذي هو رسالة: الرد على فصوص الحِكم، هو في أصله عبارة عن جواب على سؤال عن كتاب فصوص الحكم، وما تضمنه، وتجدونه في مجموع الفتاوى في المجلد الثاني صفحة (362) فهو يسأل عن هذه الأشياء التي في الكتاب، وعن هؤلاء هل هم على حق أو على باطل؟ وهل هذا له وجه صحيح أو لا؟ ما تقول السادة العلماء، أئمة الدين، وهداة المسلمين -رضي الله عنهم أجمعين-، في الكلام الذي تضمنه كتاب فصوص الحكم، وما شاكله من الكلام الظاهر في اعتقاد قائله: إن الرب والعبد شيء واحد، وليس بينهما فرق، وأن ما ثم غير، أي غير الله ، كما قال في شعره:

أَنَا مَن أَهْوى وَمن أَهْوى أَنا نَحن روحان حللنا بدنا[13]

ويسأل ويقول: يدعي القائل لذلك أنه يحب الله ، ويقول: بأن النصارى كفار بقولهم مثل هذا القول في عيسى بمفرده، أن الله حل بعيسى فقط، والمفروض يعممون الجميع.

وهكذا أيضًا يعتقد بأن الله -تبارك وتعالى عما يقولون- يتمثل تارة في الصور الحسنة إلى آخره، ويقولون: هذا الاعتقاد له سر خفي، وباطن حق، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق، خاصة الخاصة، كذلك مثل هؤلاء لهم كلام ذكره هنا -نسأل الله العافية-، وبدأ شيخ الإسلام يرد على هؤلاء، وينقل بعض مقالاتهم الكفرية، فنقل عن ابن سبعين، والتلمساني، وابن الفارض، والسهرواردي المصلوب، هذا مع ابن سبعين هم أصحاب سحر التخييل، الذي هو السيمياء -نسأل الله العافية-، وذكر كلام لابن الفارض في قصيدته التي سماها: نظم السلوك:

لها صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلتِ
كلانا مصلٍّ واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع في كل سجدة[14]

نسأل الله العافية، كلام ما يقال، أعوذ بالله، وهو في غاية القبح، فنقل هنا أشياء عن التلمساني، وابن سبعين، وعن هؤلاء الملاحدة -نسأل الله العافية-، فيمكن أن يُراجع أول السؤال، وأول كلام شيخ الإسلام على ذلك.

304- "حقيقة الدين والإيمان واليقين أمران:

أحدهما: كون الله في قلب العبد بالمعرفة والمحبة، فهذا فرض على كل أحد، ولا بد لكل مؤمن منه".

يعني: الأمور القلبية، الإيمان، ومحبة الله ، والتوكل عليه، والخوف منه، هذا أمر لا بد منه، لكن هم لما كانوا يتكلمون عن المحبة باعتبار أنهم ينسبون إلى التصوف، فهنا شيخ الإسلام يقول: هذه المحبة لا بد منها، لكن لا بد أيضًا من عمل واقعي في اتباع النبي ﷺ.

"فإن أدى واجبه فيه فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه، فهو ظالم لنفسه، وإن تركه كله فهو كافر بربه".

الأعمال القلبية والبدنية، كما هو معلوم فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32] فيمثلون فيقولون: الذي يصلي في أول الوقت فهو السابق، والذي يصلي قبل خروج الوقت مثلاً، أو في وسطه، فهو المقتصد، والذي يصلي بعد خروج الوقت فهو الظالم لنفسه، ويمثلون بأمثلة فيقولون: الذي يخرج الزكاة الواجبة فقط مقتصد، والذي يمنعها ظالم لنفسه، والذي يخرج الصدقة مع الزكاة هذا سابق بالخيرات، فهنا فيما يتعلق بالمحبة والأمور القلبية أيضًا الناس بين ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، وهكذا في الأعمال البدنية.

"والثاني: موافقة ربه فيما يحبه ويكرهه، ويرضاه ويسخطه، فهذا على الإطلاق إنما هو للسابقين المقربين الذين تقربوا إلى الله بالنوافل التي يحبها ولم يفرضها، بعد الفرائض التي يحبها ويفرضها، ويعذب تاركها، ولهذا كان هؤلاء لما أتوا بمحبوب الحق من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، المنتظمة للمعارف والأحوال أحبهم الله، فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل، مناسب له مناسبة المعلول لعلته".

مناسب له مناسبةَ المعلول لعلته وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12] إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التحريم:7] وما أشبه ذلك، فالجزاء من جنس العمل.

"ولا يتوهم أن المراد بذلك أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع، وإنما المقصود أن يأتي منها ما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما وردت بذلك النصوص".

يعني: هؤلاء الصوفية يدعون أنهم يحبون الله، وأنهم وصلوا إلى مراحل عالية في الحب، يهيمون به، ويسمون ذلك أحيانًا عشقًا، ويسمون الله سبحانه عما يقولون علوًا كبيرًا، فيقولون: عاشقًا ومعشوقًا، وما أشبه ذلك، ويدعون المحبة للنبي ﷺ، ويرقصون، ويتمايلون، وتصدر منهم تصرفات، لا تليق بالعقلاء، فضلاء عن أهل الإيمان.

فهنا شيخ الإسلام يقول: إن المحبة هي عبادة قلبية، والناس يتفاضلون فيها، فمنهم ظالم، ومنهم مقتصد، إلى آخره، ولها مقتضيات واقعية، والناس يتفاضلون في ذلك هذا التفاضل، فمنهم ظالم ومنهم مقتصد منهم سابق، وأنه يجب عليهم العمل بمقتضى ذلك، من اتباع الكتاب والسنة، وأنه حينما يكون سابقًا بالخيرات، لا يقتضي هذا أنه يعمل بكل مأمور، ويستوعب جميع المستحبات، فإن ذلك لا يحيط به أحد، لكن يعمل بحسب ما يفتح عليه فيه.

305- "عموم خلقه وربوبيته، وعموم إحسانه وحكمته أصلان عظيمان في الكتاب والسنة، والنصوص الدالة عليهما شيء كثير، وجميع الكائنات آيات له، شاهدة مظهرة لما هو مستحق له من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وعن مقتضى أسمائه وصفاته، وخلقه الكائنات".

هذا كله أيضًا واضح، ولا يحتاج بيان السياقات؛ لأن مثل هذا الكلام يتضح بنفسه، عموم خلقه وربوبيته، وعموم إحسانه وحكمته أصلان عظيمان في الكتاب والسنة، والنصوص الدالة على هذا كثيرة جدًا، هو يرد على هؤلاء، وذكر أدلة كثيرة جدًا، في بيان أن الله هو المعبود والرب وحده، إلى آخره، لكن هؤلاء يخلطون، يقولون: العبد رب، والرب عبد.

فهنا يقول: عموم خلقه وربوبيته هذه واضحة، وعموم إحسانه وحكمته أصلان عظيمان في الكتاب والسنة، فالرب -تبارك وتعالى- له صفات كاملة، والمخلوق له ما يصلح له، ولا يقال كما يقول هؤلاء الملاحدة: بأن لا فرق بين الخالق والمخلوق، فالنصوص في الكتاب والسنة كثيرة، تذكر الرب -تبارك وتعالى-، وما له من صفات الكمال، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأعراف:54] إلى آخره، فكيف يقال: بأن الرب هو العبد، وأن العبد هو الرب، وما شابه ذلك من النصوص الكثيرة، التي تذكر ربوبيته، وتذكر إحسانه إلى خلقه برزقهم، وما أشبه ذلك، يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [يونس:31] ويُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] وقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:17-18] وما أشبه هذا، فهذه كلها تذكر أوصاف المعبود بربوبيته، وإحسانه إلى خلقه، وهؤلاء يقولون: لا فرق بين العابد والمعبود، والخالق والمخلوق.

"وكما علينا أن نشهد ربوبيته وتدبيره العام المحيط، وحكمته ورحمته، فعلينا أن نشهد إلهيته العامة، فإنه الذي في السماء إله، وفي الأرض، إله في السماء، وإله في الأرض".

هذا كله تابع لما سبق، وهو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله، على المعنى المشهور: أنه في السماء إله، يعني: يُدعى إله، ويألهه أهل السماء، وفي الأرض إله، يألهه أهل الأرض، فهو المدعو إله في السماء، وفي الأرض، وليس المقصود -كما يفهم هؤلاء الملاحدة- أنه في كل مكان.

وبعض أهل العلم يقول: إن قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ [الأنعام:3] ويقف، وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3] فيجعل متعلق قوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3] يعود إلى قوله في الأرض، وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3] لكن إذا قيل: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ [الأنعام:3] يعني: هو المدعو بالألوهة وحده -تبارك وتعالى- في السماوات، وكذلك في الأرض، ولا إشكال.

"ونشهد أن كل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه، فإنه باطل إلا وجهه الكريم، كما نشهد أنها كلها مفتقرة إليه، في مبدئها، نشهد أنها مفتقرة إليه في منتهاها، وإلا كانت باطلة، والكائنات ليس لها من نفسها شيء، بل هي عدم محض، ونفي صرف، وما بها من وجود فمنه وبه، ثم إنه إليه مصيرها ومرجعها، وهو معبودها وإلهها، لا يصلح أن يعبد إلا هو، كما لم يخلقها إلا هو، لما يستحقه في نفسه، ومتفرد به من نعوت الإلهية التي لا شريك له فيها، ولا سمي له، وليس كمثله شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، وهو معنا أينما كنا، ونعلم أن معيته مع عباده على أنواع، وهم فيها درجات، وكذلك ربوبيته لهم، وعبوديتهم التي هم بها متعبدون له، وكذلك إلهيتهم إياه، وإلهيته لهم وعبادتهم التي هم بها عابدون، وكذلك قربه منهم، وقربهم منه".

يعني: هناك ربوبية خاصة، وربوبية عامة، فالربوبية العامة تكون بالخلق والرزق وتربية الأبدان، والربوبية الخاصة وهي: ما يغذوا به أولياءه، وأهل الإيمان، فيربيهم بما جاء به الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وألوان الهدايات، وما إلى ذلك، فهذه ربوبية خاصة، وقد مضى الكلام على هذا في الأسماء الحسنى، في الكلام على اسم الرب -تبارك وتعالى-، وقل مثل ذلك أيضًا فيما يتعلق بالعبودية، فمنها خاصة، ومنها عامة، فكل من في السماوات والأرض فهو عبد لله ، فهذه عبودية قهر، وهناك عبودية الاختيار، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63] فأضافهم إليه، فهذه عبودية خاصة، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19] عبودية خاصة، وهكذا قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1] كل ذلك من قبيل العبودية الخاصة.

وقل مثل ذلك أيضًا في إلهيته وقربه ، ففي قرب عام، وقرب خاص، فقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]  كثير من أهل العلم يقولون: المقصود الملائكة، فالملائكة هم الأقرب، وهناك قال: إن القرب فقط يكون خاصًا للعابد والداعي الساجد، وأنه لا يكون القرب عامًا، وهنا ذكر القرب الخاص والعام، فكل حال قربه -تبارك وتعالى- من خلقه القرب العام: بإحاطته، وقدرته عليهم، وبصره نافذ فيهم، وما إلى ذلك من المعاني، وقربه الخاص: ما يكون من أوليائه، وأصفيائه، وعباده، كما يحصل ذلك في تنزله في الثلث الليل الآخر، وفي عشية عرفة، وما إلى ذلك، والله أعلم، وهذا الكلام الذي سبق، فيه اختصار وتصرف من الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله-.

306- "الحق له معنيان:

أحدهما: الموجود الثابت.

والثاني: المقصود النافع، كقوله ﷺ: الوتر حق[15]".

الموجود الثابت يقال له: حق، فالمعدوم باطل، والمقصود النافع يقال له: حق، وهنا الشيء الذي لا يكون نافعًا يكون باطلاً، وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً [ص:27] وهكذا حينما يُقال: كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق[16]، فالشاهد كل لهو باطل، لا يكون قصده صحيحًا ولا مجديًا، ولا نافعًا، فالحق يقال لهذا وهذا، للموجود فهو حق ثابت، وكذلك المقصود الصحيح يقال له: حق؛ ولذلك الخطأ والغلط يقال له: باطل، والعقود الفاسدة يقال لها: باطلة؛ لأنها لا قيمة لها، ولا أثر لها، لا تؤثر لا انتفاعًا في المبيع، ولا في الثمن، ولا تترتب عليها آثارها.

307- "والباطل نوعان أيضًا:

أحدهما: المعدوم، وإذا كان معدومًا كان اعتقاد وجوده، والخبر عن وجوده باطلاً؛ لأن الاعتقاد والخبر تابع للمعتقد المخبر عنه؛ يصح بصحته، ويبطل ببطلانه، فإذا كان المعتقد المخبر عنه باطلاً كان الاعتقاد والخبر كذلك، وهو الكذب".

يعني: لما يقول قائل مثلاً: بأن هناك معبود غير الله ؛ فيقال: هذا من أبطل الباطل؛ لأنه لا حقيقة له، ولا وجود له، فهذا المعدوم.

"والثاني: ما ليس بنافع، ولا مفيد، ولا منفعة فيه، فالأمر به باطل، وقصده وعمله باطل؛ إذ العمل به، والقصد إليه، والأمر به باطل".

هو هذا؛ ولذلك كثير من العبث والاشتغال بما لا يجدي، ولا ينفع يقال: اشتغال بالباطل، وهكذا أيضًا البدع، والضلالات، وما إلى ذلك، هو عمل باطل، واشتغال باطل، لا يجدي على صاحبه نفعًا، بل يضره، تقول: هذا العبادات والأعمال والاشتغال والاهتمامات باطلة؛ لأنه قَصَدَ ما لا ينفع.

308- "فنفى عن نفسه -تعالى- في سورة الإخلاص الأصول والفروع والنظراء، وهي جماع ما ينسب إليه المخلوق من الآدميين والبهائم والملائكة والجن، بل والنبات، وغير ذلك، فإنه ما من شيء من المخلوقات إلا وله -ولا بد- أن يكون له شيء يناسبه، أما أصل، وإما فرع، وإما نظير، أو اثنان من ذلك أو ثلاثة".

قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:1-3] الأصول والفروع، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] هذا نفي للنظراء، فهنا يقول: هي جماع ما ينسب إليه المخلوق من الآدميين، والبهائم، والملائكة، والجن، بل والنبات، ونحو ذلك، فإنه ما من شيء من المخلوقات إلا وله -ولا بد- أن يكون له شيء يناسبه، إما أصل، وإما فرع، وإما نظير، أو اثنان من ذلك، أو ثلاثة، يعني: الملائكة مثلاً لهم نظراء، من ملائكة آخرين، وإن لم يكن لهم أصول ولا فروع، والناس والجن لهم أصول وفروع.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التسبيح والدعاء في السجود برقم (817) ومسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (484).
  2. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (6/202).
  3. نشر البنود على مراقي السعود (2/267).
  4. تفسير السمعاني (1/99) وتفسير البغوي - إحياء التراث (1/136).
  5. البيت في العين (8/390) بلا نسبة.
  6. البيت في تاج العروس (39/563) بلا نسبة.
  7. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: الصلاة في الرحال، في الليلة الباردة أو المطيرة برقم (631).
  8. أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، وبيان قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتأخذوا مناسككم)) برقم (1297).
  9. تفسير القاسمي = محاسن التأويل (7/175).
  10. كتاب: مصرع التصوف وهو كتابان: تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد، المؤلف: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885هـ) المحقق: عبد الرحمن الوكيل، الناشر: عباس أحمد الباز، مكة المكرمة.
  11. البيت في لطائف الإشارات = تفسير القشيري (2/254) بلا نسبة.
  12. لابن عربي الفتوحات المكية (1/2).
  13. البيت في المقصد الأسنى (ص: 128) بلا نسبة.
  14. مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/64).
  15. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب كم الوتر؟ برقم (1422) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع برقم (1190) وصححه الألباني.
  16. أخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد، باب الرمي في سبيل الله برقم (2811) وقال الألباني: "ضعيف، لكن قوله: "كل ما يلهو" صحيح، إلا "فإنهن من الحق".

مواد ذات صلة