الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
07- ابن القيم البدائع. القواعد 848-857
تاريخ النشر: ١٠ / جمادى الأولى / ١٤٣٣
التحميل: 3293
مرات الإستماع: 2801

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

"846- حمل المطلق على المقيد مشروط بأن لا يقيد بقيدين متنافيين، فإن قيد بذلك؛ امتنع الحمل، وبقي على إطلاقه، وعلم أن القيدين: تمثيل، لا تقييد، ومشروط أيضًا إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن استلزمه حمل على إطلاقه".

نسمع كثيرًا، ونقرأ من كلام الأصوليين أن المطلق محمول على المقيد، وهذه قاعدة مشهورة، والواقع أنها ليست على إطلاقها، كما هو الشأن في بعض القواعد المشهورة، مثل قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فهي ليست على إطلاقها، وكذلك قاعدة المصالحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ليست على إطلاقها، فهذه قواعد صحيحة، ولكنها مقيدة بضوابط، وقيود.

فكذلك هنا المطلق محمول على المقيد، هذا بشروط، فهنا ذكر من هذه الشروط، قال: بأن لا يقيد بقيدين متنافيين، يعني: إذا قيد بقيد واحد وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228] هذا عام، لكن حينما يقول مثلاً: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] في كفارة اليمين، وفي القراءة الأخرى غير المتواترة: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} فهذا قيد بالتتابع في كفارة اليمين، كلاهما في كفارة اليمين، في الصوم، فهنا يقال عند من يقول: بأن القراءة الآحادية إذا صح سندها؛ فإنهُ يحتج بها في الأحكام؛ تنزيلا لها منزلة الحديث النبوي، وهذا المسألة ليست محل اتفاق، لكن هذا هو الأقرب، والله أعلم.

فعند من يقول بهذا، يقول: بأن قوله -تبارك وتعالى-: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] ما قيدها بالتتابع، ولا قيدها بالتفريق، هذا مطلق، وفي القراءة الأخرى جاء ذلك مقيدًا بالتتابع {ثلاثة أيام متتابعات} فهذا لا إشكال، والمقصود التمثيل، لكن من المطلق ما يكون له أكثر من تقييد، وهذه المقيدات غير متفقة، يعني: مثلاً في الصيام، فيمن لم يجد الهدي فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] فهذا مقيد بالتتابع، ولا بالتفريق؟

بالتفريق، وصوم كفارة القتل، والظهار قال فيه: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [المجادلة:4] قيده بالتتابع فلاحظ هنا، إذا وجدنا صومًا مطلقًا مثل في كفارة اليمين فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ[المائدة:89] هذا مطلق، وعندنا في المقيدات جاء عندنا مقيد بالتفريق، ومقيد بالتتابع، فالقيدان متنافيان، أليس كذلك؟

فهنا هل نقول يحمل المطلق على المقيد، هكذا بإطلاق، وعلى أي القيدين بالتتابع، أم بالتفريق؟ تصورتم المسألة؟

انظر كلام ابن القيم: مشروط بأن لا يقيد بقيدين متنافيين، فإن قيد بذلك؛ امتنع الحمل، وبقي على إطلاقه، وعلم أن القيدين تمثيل لا تقييد، الآن هذا الكلام يصدق على بعض الصور، ولا يصدق على جميع الصور، في القيود المتنوعة، المتنافية، هذا الذي قاله يصدق على بعضها، يعني: هذا الكلام الذي قاله هل يصدق على المثال الذي ذكرته آنفًا؟

الجواب: لا، ما يصدق عليه هناك نحتاج إلى نظر آخر في أمور أخرى، لعلي أشير إليها، لكن قد يصدق على بعض الصور.

الآن في حديث الولوغ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم أمر النبي ﷺ بغسله سبعًا سبع مرات، جاء في بعضها: أولهن بالتراب[1] وجاء في بعضها: أخراهن بالتراب[2] أولاهن، أخرهن، وفي بعضها إحداهن بالتراب[3] إحداهن، لاحظ، إحداهن ما قيدت بالأولى، ولا بالأخيرة، فهذه مطلقة، فالرواية الأخرى: أولاهن، الثانية: أخراهن، فعلى أي شيء نحمل الحديث؟

هل نبقيه على إطلاقه، ونقول: ما ذكر فيه أولاهن، أنه على سبيل التمثيل، وما ذكر فيه إحداهن فإنه على سبيل التمثيل أيضًا، وأن المقصود أن تكون واحدة من تلك الغسلات بالتراب؟

هذا الذي أراده ابن القيم -رحمه الله- واضح؟ مع أن هذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم، فيه خلاف كثير، بعضهم يرجح الأولى، وبعضهم يرجح الأخيرة، وبعضهم يقول: هو مخير، لكن مأخذ المسألة عند من قال: إنه مخير هو ما ذكرت، أن ذلك إذا قيد بقيدين متنافيين، فإن ذلك يكون على سبيل التمثيل، لا التقييد، فأنت مخير، المهم أن تكون واحدة بالتراب، الأولى، أو الأخيرة، واضح في هذا المثال؟ مع أن هذا المثال فيه كلام كثير لأهل العلم، الفقهاء من جهة حمله على هذا القيد، أو هذا القيد، انتهينا من هذه الصورة.

قال: ومشروط أيضا إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن استلزمهُ؛ حمل على أطلاقه، الواقع إن هذه فائدة مستقلة عن السابقة، في كلام ابن القيم، هي فائدة مستقلة، لكن الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- لخص الكلام، وضمه هذه إلى هذه، وجعل ذلك بهذه الصفة، أنهما شرطان، مشروط أيضًا إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، الآن عندنا قيد واحد، لكنه قد يقتضي إذا حملنا المطلق على المقيد، يقتضي أنهُ أخر البيان عن وقت الحاجة.

يتضح لكم بالمثال: النبي ﷺ حينما خطب في المدينة، لما أراد الحج -عليه الصلاة والسلام- قال: إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين[4] أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- فهنا في المدينة قال: من لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما إذًا هذا مقيد بالقطع.

ولما خطب -عليه الصلاة والسلام- الناس بمكة قال: ومن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين وما قال: وليقطعهما[5] لاحظ، أطلقه، هل نقول: هذا المطلق الذي جاء في مكة، محمول على المقيد الذي جاء في المدينة، وكلام الشارع متحد، فكأنهُ كلام واحد يضم بعضه إلى بعض، فنحمل مطلقه على مقيده، وعامه على خاصه؛ لأنهُ كلام متكلم واحد، وإذا بين الشارع لبعض الأمة، لبعض المكلفين، فذلك كالبيان لعموم المكلفين، هذا يقوله بعض العلماء، ومن، ثم يقولون: بأن هذا محمول على هذاـ لا بد من القطع لمن لم يجد النعلين، يقطعهُ ما دون الكعبين.

الآن الذين يقولون، وهذا الذي يقصده ابن القيم -رحمهُ الله- الذين يقولون: لا يحمل المطلق على المقيد هنا لماذا؟ مطلق، ومقيد، والقاعدة أن المطلق محمول على المقيد، قالوا: هذا يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن هذا كتمان، وهذا أصل معروف، أنهُ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكن يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة، وما وجه الكتمان هنا، وأن هذا تأخير له عن وقت الحاجة، أليس قال لهم في المدينة؟ قالوا: بلى، ولكن الذين جاءوا في مكة جاء أناس من اليمن، ومن أنحاء جزيرة العرب، وفيهم من أهل مكة ما سمعوا خطبته -عليه الصلاة والسلام- التي كانت في المدينة؛ فدل على أن هذا ناسخ ثاني، ناسخ للأول، أنهُ ما يحتاج قطع، اتضحت الصورة الآن؟

قالوا: لو قلنا: إن قوله ﷺ من لم يجد النعلين فليلبس الخفين تعرفون الخفين؟ فليلبس الخفين ما قال: وليقطعهما هذا في مكة، وفي المدينة قبل الحج خطب، وعلم الناس، وقال لهم فيما قال -عليه الصلاة والسلام-: ومن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين جيد؟

يعني: يقطع الخف بحيث يصير مثل -الله يعزكم- الأحذية التي نلبسها الآن، دون الكعبين، ولهذا العلماء يختلفون فيها هذه، هل تجوز في الإحرام، أو لا؟ باعتبار أنها أقل من الكعبين، باعتبار معين، وهو أن هذه الرخصة هل هي فقط لمن لم يجد النعلين؟ أم أن ذلك يصيرها بمنزلة النعلين؟

فمن قال: إنه يصيرها بمنزلة النعلين؛ قال: لا بأس أصلاً بأن يلبس الإنسان ما دون، بعض الناس يقول: المسعى قاسي، الأرض أتعب مع السعي، أو بارد، الأرض باردة، وأحتاج ألبس، فيلبسون شيئًا دون الكعبين من جلد، أو غير ذلك، هل هذا يجوز؟

هو بناء على هذه مسألة، هل القطع لمن لم يجد النعلين يصيرها بمنزلة النعلين؟ فينتفي المحذور، أو أن ذلك يكون رخصة لمن لم يجد النعلين فقط، وإلا فلا يجوز أن يلبس الخفين ما دون الكعبين بإطلاق، لكن ليست هذه المسألة الآن، المسألة المطلق والمقيد، المطلق: من لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين هذا قاله في مكة، لما حضرت الجموع من أنحاء جزيرة العرب، وفي المدينة قبل: من لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- فهذا مقيد، هل نحمل المطلق على المقيد؟

ابن القيم يقول: لا، لماذا؟

قال: لأننا إذا قلنا يحمل على المقيد، فمعنى ذلك أنهُ صار هنا عندنا تأخير للبيان عن وقت الحاجة، ما بين لهم في مكة، ما قال لهم: أقطعوها، طيب قال لهم في المدينة، قالوا: لا، الذين حضروا في مكة كثير، أكثر من الذين في المدينة، وما سمعوا خطبته في المدينة، فهذا ما حصل البيان لهؤلاء الناس، اتضحت؟ هذا الذي يقصدهُ، يقول: إذن يحمل المطلق على المقيد بشرطين:

الشرط الأول: ألا يكون له قيدان متنافيان، فإنهُ لا يحمل على واحد منهما، فيكون ذلك للتمثيل، هذا الكلام يصلح في بعض الصور، والصورة الأولى التي كنت ذكرت لكم ما ينطبق عليها هذا الكلام.

والشرط الثاني الذي ذكره: ألا يقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة، بصرف النظر عن الأمثلة، والتطبيقات -كما قلت لكم- لتكن العناية بالقواعد، كون المطلق محمول على المقيد هذه قاعدة صحيحة، هل هي على إطلاقها؟

الجواب: لا، افهم هذا القدر، بصرف النظر عن الأمثلة والتطبيقات، وإلا ففي المسألة إذا كان لهُ أكثر من قيد في المسألة تفصيل، ولها أربع صور، في مسألة المطلق والمقيد، حمل المطلق على المقيد، لهُ أربع حالات:

أن يتحد الحكم والسبب؛ فيحمل المطلق على المقيد، بلا إشكال.

أن يختلف الحكم والسبب؛ فلا يحمل المطلق على المقيد، بلا إشكال.

تبقى صورتان محل الخلاف، هما في الوسط، أن يتحد السبب، ويختلف الحكم، والعكس؛ يتحد الحكم ويختلف السبب، هذا لم يذكره ابن القيم، ولكن شرحه، والتمثيل له قد يأخذ علينا جزء غير قليل من هذا الدرس الأخير، فهل تريدون أشرح هذه، وأذكر أمثلتها، أم ننتقل، ومن أراد أن يراجعها فليراجعها في كتب الأصول؟

أحوال المطلق مع المقيد، له أربع حالات، ماذا ترجحون؟ من يرى أننا نشرحها؟ من يرى أننا نتجاوزها؟ نتجاوزها هي لم يذكرها ابن القيم، لكن هي مهمة جدًا، ودقيقة، تراجع، من أراد يراجعها، الشاهد: افهم الآن أن حمل المطلق على المقيد صحيح، ولكن على ليس إطلاقه، بس المقدار هذا، إذا وصلت إليه.

"847- القياس، وأصول الشرع يقتضي أنه لا يصح رفض شيء من الأعمال بعد الفراغ منه، وأن نية رفضه وإبطاله لا تؤثر شيئًا، فإن الشارع لم يجعل ذلك إليه".

هذه مسألة مفيدة، ومهمة، ونحتاج إليها، ونقع فيها أحيانًا، بعض الناس يقول: أنا حججت حجة فرض الإسلام، ومعي أناس لا يعينون، وكنا نضحك، ونعلق على الناس، وعلى الحجاج، وعلى جهلهم، ونمزح، ولم نكن نضبط ألسنتنا، وأبصارنا، وجوارحنا، فأنا لا أريد أن تكون تلك هي الفرض، أنا الآن تعلمت، وعرفت، وتبين لي أن تلك الحجة فيها تفريط كثير، أنا لا أريدها، هي الحجة مجزية، لكن يقول: أنا لا أريد أن تكون هي الفرض، أريد أحج حجة على السنة، وأكون مع رفقة طيبة صالحة، وأضبط نفسي في هذه الحجة، والحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة، ونريد أن يكون الفرض بهذه المثابة، هل له ذلك؟ هل يمكن هذا، نقول له: خلاص الحجة تلك تلغى، وحج مرة ثانية حجة الإسلام؟ لاحظتم!

يقول: أنا اغتسلت غسل الجنابة، والآن تعلمت أن الغسل يحتاج إلى وضوء قبلهُ، وأن ذلك أفضل في صفة معينة، ويبدأ بميامنه، ثم بمياسره، ثم يفيض الماء على رأسه، يحثوا ثلاثًا، إلى آخره، أنا ما كنت أعرف هذا، ولآن اغتسلت من الجنابة، أريد أن أعيد الغسل، أريد أن اغتسل مرة ثانية.

يقول: أنا صليت المغرب، وفاتتني الجماعة، والآن أشوف جماعة يصلون، أريد أن أصلي معهم، وتلك لا أعتد بها، صلى وسلم، وانتهى، أريد أني أصلي مع هؤلاء، وتكون هي المغرب، طيب والتي صليتها؟ قال هذه أريد أن ألغيها خلاص، هذا رفض العبادة بعد الفراغ منها، فهل يسوغ هذا، هل يصح، هل يجوز، أو لا؟

هذا فيه خلاف من بين أهل العلم، والمشهور من مذهب المالكية: أنهُ يصح في الصلاة، والصوم فقط، يصح في الصلاة والصوم، وفي الحج والطهارة خلاف، وعند الحنابلة في الطهارة وجهان في المذهب، وعلى كل حال الذي يظهر -والله أعلم- أن العبادة حينما يوقعها المكلف على وجه مجزئ فإنهُ لا يصح رفضها، الحجة تلك وقعت حجة الإسلام، وانتهينا، تحج ثانية هذه تطوع، الصلاة التي صليتها لوحدك هذه هي وقعت صلاة الفرض، والثانية التي تريد أن تصليها الآن مع الجماعة، هذه تكون لك نافلة، فأتبعها بركعة حتى ما تكون ثلاث ركعات.

فالفرض أجزأتك الصلاة الأولى، ولا يمكن أن ترفض بأثر بعد ذلك، فما وقع من عبادتنا على وجه من الإجزاء فإنهُ بالنسبة للفرائض هو الفرض، لو قضى يوم من رمضان، وبعد القضاء قال: أنا اليوم اغتبت ناس، وأنا ما أريد أن يكون هذا اليوم هو القضاء، غدًا سأجعل القضاء إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى[6] هذا الذي وقع فرضًا في حقك اتضحت الصورة؟ أخرج مالاً باعتبار أنه زكاة المال، زكاة، ثم قال: لا، أنا ما أريد هذا هو الزكاة، أريد أن أخرج مالاً آخر، الأصل الذي خرج خرج بنية الزكاة، والأمر خرج من يدك، وهكذا، هذا يسمى رفض العبادة بعد الفراغ منها.

"848- الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية".

الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية، الآن الأسباب الفعلية، الآن إنسان محجور عليه مثلاً بسبب الإفلاس، فهذا الآن لو أنهُ باع أو اشترى، قال: بعتك، أو اشتريت، أو نحو ذلك من الصيغ، أو أعتقت مماليكي، أو نحو ذلك، فهذه أسباب قولية، باللفظ تنعقد، وهناك أسباب فعليه، مثل: لو أنهُ، الآن هو محجور عليه، احتطب حطبًا، أو صاد صيودًا، احتطب، أو صاد، أو وطء الأمة فاستولدها، الآن جاءته مكاسب جديدة، أو ذهب إلى أرضٍ فضاء، فأحياها، والنبي ﷺ يقول: من أحيا أرضًا ميته فهي له[7] فأحيا هذه الأرض الآن هذه أسباب قولية، أم أسباب فعلية؟ هذه أسباب فعلية، ابن القيم يقول: الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية، الآن هذا الذي استولد الأمة ليس هو الذي وطئ؛ لأنه سيكون الولد حرًا، يكون ولدًا له.

لكن لو أن عنده مملوكًا آخر، وزوجه إياها، أو كان متزوجًا لها، أو زوجها لأحد آخر من الأحرار، فإن الأولاد يكونون أرقاء، فهو يريد أن يكثر الأرقاء عنده، مماليك جدد، فاستولد هذه الأمة، مكَّن زوجها منها؛ فولدت، حملت، وولدت، الآن هذا كسب جديد، صار مملوكًا جديدًا له؛ لأنهُ يملك الأمة، والولد تبع لأمة، بالنسبة للحرية والرق، إلا أن يكون ذلك بالتسري؛ فإنهُ يكون تبعًا لأبيه، لكن بالعقد، بالنكاح، ولهذا نهى الله عن التزوج من الإماء إلا بحالة، وهي إذا خشي العنت على نفسه، قال: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25] لأن الأولاد سيكونون مماليك لسيد الأمة.

فالآن هذه الرجل استولدها، وصار عنده، جاءه -ما شاء الله- الآن مملوك جديد، فمثل هذا الآن كسب جديد، بالقول وإلا بالفعل؟ بالفعل.

فهنا يقول: الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية، لكن قوله: بعتك، أو اشتريت، أو أعتقت، أنت حر لوجه الله، يقول لمملوكه، أو نحو ذلك من الأشياء، فهذه أسباب قولية، ينعقد بها البيع، أو الشراء، أو العتق، أو نحو ذلك، فهذه تعتبر لغوًا، نقول له: ما تعتق، محجور عليك، ولا تبع، ولا تشتر بسبب الحجر، واضح الآن؟ الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية.

"849- النكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الاستفهام، أو الشرط تعم".

الآن خلينا في هذه؛ النكرة في أربع حالات تكون للعموم، يقول: في سياق النفي، بأي صيغة من صياغ النفي، مثال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] أين النكرة؟ أحدًا تعرفون النكرة وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] فهنا مسبوقة بماذا؟

بنفي، لا النافية، لا يظلم أحدًا، أي أحد، فهذا يشمل: المؤمن، والكافر، والذكر، والأنثى الصغير، والكبير، البر، والفاجر، الله لا يظلم أحدًا، فهذه للعموم، فـ "أحدا" هذا نكرة في سياق النفي وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] أي أحد، ما تفهم منها هذا؟ إنما يظلم أي أحد.

وهكذا في قوله: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] (نفس) الآن هذه النكرة أليس كذلك؟ في سياق النفي فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ [السجدة:17] أي نفس، لا ملك، ولا نبي، ولا أحد من الناس فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17].

النفي أو النهي، قوم لوط قول الملائكة للوط وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ [هود:81] هذه لا ناهيه، ما هي نافية مثل الذي قبل قليل وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ [هود:81] أحد، أي أحد، الجميع يمنعون من الالتفات، حينما ينزل العذاب بهؤلاء المجرمين، فأحد هنا نكرة في سياق النهي، فهي للعموم، لما يقول لك: لا تكلم أحدًا، أحدًا هذه نكرة في سياق النهي، أي أحد، تقول: أنا كلمت صديقي، لا تكلم أحدًا، قل كلمت أخي، لا تكلم أحدا، للعموم، واضح؟

قال النفي، أو النهي، أو الاستفهام، بأي أداة من أدوات الاستفهام هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] النكرة: سميا، سميا، يعني: أي سمي، لا أحد يساميه، ولا يدانيه في كماله -تبارك وتعالى-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65].

أو الشرط، نكرة في سياق الشرط وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ [التوبة:6] (إن أحد) أحد هذه هي النكرة أداة الشرط (إن) وَإِنْ أَحَدٌ أي أحد استَجَارَكَ كبير، صغير، امرأة رجل فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة:6] فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26] فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ هنا في سياق الشرط أَحَدا فَقُولِي أي أحد ترينه قولي له هذا الكلام إِنِّي نَذَرتُ لِلرَّحمَنِ صَوما لا تكلمين الناس.

"والمفرد المحلى بأل".

المفرد المحلى بأل، مفرد إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2] الإنسان، الإنسان مفرد، أليس كذلك؟ دخلت عليه أل، فصار ذلك للعموم، جنس الإنسان إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:2] واضح، الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] الرجال، هذا جمع، دخلت عليه أل، والذي قبلهُ مفرد، فكذلك الجمع إذا دخلت عليه أل الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].

"والمفرد المضاف هو عموم الجمع المحلي باللام".

المفرد المضاف، مفرد مضاف: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية:29] أين الشاهد؟ كِتَابُنَا أين المفرد؟ كتاب، أضفناه إلى المعرفة، الذي هو الضمير (نا) كتابنا، والمفرد إذا أضيف إلى معرفة؛ فإنهُ يكون للعموم، أي كتاب هنا المقصود به؟

على أحد الأقوال المشهورة في التفسير هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية:29]؟ كتب الأعمال وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف:49] كتاب الأعمال هَذَا كِتَابُنَا مفرد مضاف، يعني: كتب الأعمال، فهذا بمعنى العموم، كل إنسان له كتاب، في قوله تعالى في سورة النور في الأكل، ودخول البيوت، وما أشبه ذلك أَوْ صَدِيقِكُمْ [النور:61] صديق هذه مفرد، مضاف إلى معرفة الذي هو كاف الخطاب صَدِيقِكُمْ فهذا للعموم، يعني: أو أصدقائكم، الذي قلبه المفرد المضاف أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] ما معناه؟ الطفل هذا مفرد، أو جمع، مضاف، أو غير مضاف؟ مفرد.

هل هو مضاف، فيه إضافة؟ ما فيه إضافة، دخلت عليه أل فيكون ذلك للعموم، أو الطفل يعني: أو الأطفال الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، وعموم الجمع المحلى باللام، وبعضهم يقول: اللام، وبعضهم يقول: أل، مثل ما سبق مثلت الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] فهذا كله للعموم.

"وأدوات الشرط كلها تعم، وشواهدها كثيرة".

أدوات الشرط كثيرة جدًا؛ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [طه:112] أين أداة الشرط؟ مَنْ؛ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه:112] فأدوات الشرط هذه للعموم، من يعمل، أي أحد.

وهكذا في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8] وفي قوله مثلاً: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أينما تكونوا في أي مكان يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء:78]، وهكذا في قوله تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:197] ما تفعلوا من خير، أي خير، أي خير.

"850- الأمر المطلق: للوجوب، والنهي: للتحريم إلا إذا دل على خلاف ذلك".

الأمر المطلق للوجوب، والنهي للتحريم، الأمر المطلق يدل على أنهُ للوجوب أدلة من النقل، والنظر، يعني: العقل، واللغة، فعلى سبيل المثال: الله ماذا قال لإبليس، لما قال للملائكة: اسْجُدُواْ لآدَمَ [الأعراف:11] قال له ماذا لما ما سجد قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [الأعراف:12] فعاقبه الله على الامتناع من السجود، ولعنه؛ فدل على أن الأمر للوجوب، ما قال إبليس: الأمر ليس للوجوب، وهكذا أيضًا يقولون: إذا قال لعبده أفعل كذا، ولم يفعل؛ فإنه يكون مستحقًا، لماذا؟ للعقوبة.

فالشاهد: أنهم يذكرون أدلة على أن الأمر للوجوب، وهذه القاعدة صحيحة، الأصل أن الأمر للوجوب إلا لصارف، الأمر المطلق، ولكننا نجد عند النظر في التطبيقات، والأمثلة أن هناك من الأوامر ما لا يحمل على الوجوب مع أننا لا نعرف له صارفًا، فمثل هذا ماذا يقال فيه؟

العلماء -رحمهم الله- بعضهم يقول: إنه يكون للإرشاد في الآداب، وبعضهم يقول: في المعاملات، أو يكون للاستحباب في كذا، والواقع أن مثل هذا -والله أعلم- لا حاجة إليه، وغاية ما هنالك أن يقال: هذه قاعدة، والقواعد أغلبية، بمعنى: أنها تنتظم عامة التطبيقات، كثيرًا من الجزئيات والأفراد الداخلة تحتها، هذا شأن القواعد، ويوجد لها مستثنيات، فكل قاعدة يخرج منها أشياء، يكفي أن القاعدة تنتظم الغالب، يعني: أكثر من 50% فتكون قد لمت لك شعث هذه المفردات، والجزئيات؛ فيسهل حفظ ذلك وضبطه لدى طالب العلم، يكفي هذا.

فإذا وجدنا أشياء لا تحمل على الوجوب، وفيها أمر واضح، صريح، ولا نعلم الصارف؛ نقول: هذا مما يخرج عن هذه القاعدة، ولا حاجة لأن نقلب القاعدة، إما أن نقول: إن الأمر لا يكون للوجوب -كما يقول بعض أهل العلم- وإما أن نقول في بعض الأبواب: لا يكون للوجوب، لا، نقول: الأمر للوجوب إلا لصارف، وهي قاعدة أغلبية.

إذا فهمت هذا القدر، أنها قاعدة أغلبية؛ انحلت عنك الإشكالات، وهو السؤال الذي يتكرر، نجد أوامر، ولا يقال: إنها للوجوب، ولا نعلم لها صارفًا، فنقول: هذا مما يخرج عن القاعدة، اتضح؟

والنهي للتحريم إلا إذا دل على خلاف ذلك، وهكذا النهي يقال فيه كما يقال في الأمر، كل الكلام الذي قلته في الأمر يقال في النهي، أن القضية أغلبية إلى آخره، ولا حاجة لتقييده في بعض الأبواب، ولا يقال: إنهُ للكراهة، بل للتحريم، والله -تبارك وتعالى- لما نهى آدم من الأكل من الشجرة، وأكل منها قال الله: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] ما قال آدم: النهي للكراهة، وليس للتحريم.

"851- ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب".

هذه ربما يكفي أن نمر عليها، الذي سيذكره الآن واضح، كيف نعرف التحريم من الوجوب الصيغ الواردة في الكتاب والسنة، التي يعبر بها الشارع، فنعرف إن هذا يراد به التحريم، وهذا يراد به الوجوب، صيغ كثيرة، فهذا كلام نفيس، فنعرف ذلك أن الأمر للوجوب من أمور متعددة، منها:

"ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمه لمن خالفه، وتسميته إياه عاصيًا".

لاحظ الآن هذه ما هي مجتمعة، يعني: أن يقع واحد من هذه الأشياء، إذا ذمهُ على عدم الامتثال؛ عرفنا أن الأمر للوجوب، وكذلك أيضًا إذا عده عاصيا؛ عرفنا أنهُ للوجوب.

"وترتيبه عليه العقاب العاجل، أو الآجل، ويستفاد كون النهي للتحريم من ذمه لمن ارتكبه، وتسميته إياه عاصيًا، وترتيبه العقاب على فعله، ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب، والفرض، والكتب".

يعني هذه الصيغ التي نعرف بها، مثلا: الإيجاب أن يعبر عنه بالفرض، والفرض بمعنى الواجب، أو الكتب كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183].

"ولفظة على".

على، تقول: عليك كذا، فهذا يدل على الوجوب، ولفظة حق الله على العباد.

"ولفظة حق على العباد، وعلى المؤمنين، وترتيب الذم، والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك، ويستفاد التحريم من النهي، والتصريح بالتحريم، والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل".

هذا كله واضح، أم لا؟ إيجاب الكفارة على الفعل، استفيد تحريم الظهار مثلاً من عدة أمور، منها: إيجاب الكفارة عليه.

"وقوله: لا ينبغي، فإنها في لغة القرآن، والرسول للمنع عقلاً، وشرعًا".

للمنع عقلاً وشرعًا؛ إذا جاءت أنهُ لا ينبغي له أن يكون كذا، أن يفعل كذا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:92] فمثل هذا يدل على الامتناع، وهذا الامتناع قد يكون عقليا، وقد يكون إذا وردت هذه الصيغة قد يكون شرعيًا، يقول: ما ينبغي لك أن تفعل كذا، يعني: لا يجوز، فإنها لغة القرآن، والرسول، بالمنع عقلاً، أو شرعًا.

ولهذا بالفتاوى العلماء أحيانًا يستخدمون هذه اللفظة، يقولون: لا ينبغي أن يفعل كذا، فبعض الناس يقول: قال: لا ينبغي، ما قال: حرام، ولا ينبغي يدل على التحريم، وأتذكر أن أحد الأشخاص ممن يجادلون في البديهيات، هذا الذي تحدث عنها شيخ الإسلام السفسطة في درء التعارض تذكرون في من يجادل بالبدهيات، أمور واضحة يجادل فيها، ويريد الدليل على كل شيء، يعني: وجدنا من يقول: ما الدليل في دروس التجويد، ما الدليل على الإدغام؟ ما الدليل على الإظهار؟ ما الدليل على الغُنة؟ هذا يحتاج دليل!!! أشياء واضحة، فبعض الناس يسمع الدليل، وطلب الدليل، والعناية بالدليل، ويظن أن القضية بهذه الصورة.

فأذكر أن أحد هؤلاء جاء الكلام في مسألة مد الرِّجْل إلى المصحف، ووضع المصاحف مع الأحذية -أعز الله كتابه، وأعز أسماعكم- وهذا يحصل للأسف مع بعض طلاب العلم، تجده يدخل بسرعة المسجد، ومعه كتب، ويضع أحذيته، ويضع الكتب مع الأحذية، دروج الأحذية.

وبعضهم -وهذا في الحرم- تجده يضع المصحف يضع حذاءه، يجمعه، ويضع الحذاء فوقه، أو يضعه بين الصفوف، والذي يسجد رجله تلامس المصحف، وتعال، وإذا نظرت أحيانا طالب علم، ولحية ما تتقي الله، ما تخاف من الله، يقول لك ماذا فيها؟ ما الدليل؟ هذه تحتاج لها دليل! فجلس أحد الأشخاص مرة يجادل في هذه، ماذا فيها؟ أين الدليل على أن إذا وضعت القدم عند المصحف، ومدة القدم الى المصحف، الآن القدم أليس هذا فيه امتهان، وابتذال؟ قال هذا في أعرافنا الفاسدة، يعني: رجلك قدمك مثل وجهك؟

قال نعم، لكن أعرافنا الفاسدة هي التي. قلت: الآن لو جاء أحد تضع رجلك في وجه أبيك؟ قال: نعم، ولكن هو ما يرضى للأعراف الفاسدة، وإلا ما في شيء، إذا ما قصد في ذلك الأذى، قلت: لو جاء أحد، ووضع رجله في وجهك؟

قال إذا ما كان يؤذيني ما فيه إشكال، هذا طالب علم الآن، هذا طالب علم، فقلت: ما شاء الله، وقوله: نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا [فصلت:29] قال: هذا على أساس أنهم يطؤونهم؛ ليؤذوهم، ما هو من أجل الإهانة، قلت: من ترضى من الخلق، هذا على وجه الأرض، نحن لا نستطيع أن نصل إلى غير الأرض، لكن على وجه الأرض من ترضى من هؤلاء المخاليق تسمع جوابه؟

قال: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فاتصلت عليه، وقلت: اسمع، الحمد الله رد الشيخ، قلت: يا شيخ كذا، وكذا، لا، وهو يقول: أنا في المكتبة إذا وضعت الكتب، يقول: إذا أردت أروح الكتب مبسوطة في الأرض كلها ما في الممر؛ أمشي عليها، كتب حديث، وكتب تفسير يمشي عليها؟ ما يجوز

المهم سألت سماحة الشيخ -رحمهُ الله- قال: ما ينبغي، قلت: جزاك الله خيرًا، نزلت السماعة، قلت سمعت الشيخ ماذا يقول؟ يقول: ما ينبغي، قال نعم، قال: ما ينبغي، ما قال: ما يجوز، قلت: ما ينبغي أشد، قال: لا، واتصل مرة ثانية، قلت: يا شيخ إذا قلت: ما ينبغي، ماذا تقصد فيها؟

قال هذا أشد في المنع والتحريم وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:92] قلت سمعت؟ سكت، ويبدو لي أنه ما اقتنع، انتهينا على هذا، هذا نموذج ومثال.

 وكما قلت لكم: رأيت من يسأل عن الدليل على الإدغام، والدليل على الإظهار، ورأيت من يستوقف في درس الفرائض في كل جزئية، البنت لها النصف في كذا، ما الدليل؟ الأم لها السدس في كذا ما الدليل؟ الأم لها الثلث في كذا ما الدليل؟

يا أخي أقرأ الآيات التي ذكر الله فيها الفرائض، فالشاهد: فهنا ما ينبغي هذه تدل على التحريم، فإذا سمعت في فتاوى أهل العلم يقول: ما ينبغي، فهو يقصد التحريم.

"ولفظة ما كان لهم كذا، ولم يكن لهم".

 مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة:120]

"وترتيب الحد على الفعل، ولفظة لا يحل، ولا يصلح، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان، وعمله، وأن الله لا يحبه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك".

يعني مثل هذه واضحة، وما تحتاج أن نقضي الوقت بالتمثيل عليها، حيث رأيت مثل هذا في ألفاظ الشارع، فهو للتحريم.

"وتستفاد الإباحة من الإذن، والتخيير، والأمر بعد الخطر، ونفي الجناح، والحرج".

هذه الإباحة الآن من الإذن، أن الشارع أذن لهم بكذا، أو أن يخيرهم، الأمر بعد الحظر على قول بعض أهل العلم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها[8] أمر بعد الحظر فزروها فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا [الجمعة:10] هذا أمر بعد الحظر إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] حرم عليهم المعاملات، البيوع، ونحوها، ثم قال: فَانْتَشِرُوا فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا [الجمعة:10] هذا أمر بعد الحظر، فبعض أهل العلم يقول: الأمر بعد الحظر للإباحة، يكون مباحًا، والأقرب -والله أعلم- أن الأمر بعد الحظر يرجع فيه الحكم إلى حاله قبل الحظر.

فمثلاً: البيع قبل النداء الثاني للجمعة ماذا كان حكمه؟ مباح، فلما منع وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] صار محرمًا، ثم قال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] فهذا أمر بعد الحظر، فيرجع إلى حاله الأولى، وهي الإباحة، كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فزيارة القبور في الأصل مشروعة.

"ونفي الجناح، والحرج، والإثم، والمؤاخذة".

نفي الجناح لا حرج في كذا، ليس عليكم جناح في كذا.

"والمؤاخذة، والإخبار بأنه معفو عنه، وبالإقرار على فعله في زمن الوحي، وبالإنكار على من حرم الشيء".

يعني كنا نعزل، والقرآن ينزل[9] حديث جابر، فدل على أنهُ مباح؛ لأن الشارع ما أنكره عليهم، والعلماء في مسألة الإقرار يتكلمون بضوابط، وقيود لها.

"وبالإنكار على من حرم الشيء، والإخبار بأنه خلق لنا كذا، وجعله".

 لذلك يقولون: الأصل مثلا في هذه الأشياء التي ما أنعم الله به على عبادة، وما إلى ذلك من الإباحة هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] فدل على أن هذه الأعيان، والأشياء، والمنافع مباحة، إلا ما دل الدليل على تحريمه.

"وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل من قبلنا له، غير ذام لهم عليه، فإن اقترن بإخباره مدح فاعله لأجله؛ دل على رجحانه، استحبابًا، أو وجوبًا".

هذا الآن بداية فصل جديد في الكتاب، لكن الشيخ عبد الرحمن -رحمهُ الله- دمج هذه جميعًا، في سياق واحد، وإلا فهذه مختلفة، منفصلة.

"وكل فعل عظمه الله، ورسوله، ومدحه، أو مدح فاعله لأجله، أو فرح به، أو أحبه، أو أحب فاعله، أو رضي به، أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطيب، أو البركة، أو الحسن، أو نصبه سببًا لمحبته، أو لثواب عاجل، أو آجل، أو نصبه سببًا لذكره لعبده، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه، وتكفير سيئاته، أو لقبوله، أو لنصرة فاعله، أو بشارة فاعله بالطيب، أو وصف الفعل بكونه معروفًا، أو نفي الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصبه سببًا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو أقسم به، أو بفاعله، كالقسم بخيل المجاهدين، وإغارتها، أو ضحك الرب من فاعله، أو عجبه به، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب".

نعم، هو هذا سبق الكلام على أن المشروعية تدل على طلب الشارع، فيصدق ذلك على، يعني: قدر زائد على المباح، فيكون ما طلبه الشارع أما وجوبًا، وأما ندبًا، هذا أيضًا فصل جديد، من هنا فصل جديد.

"وكل فعل طلب الشارع تركه، أو ذم فاعله، أو عتب عليه، أو لعنه، أو مقته، أو مقت فاعله، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو الرضا عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم، أو الشياطين، أو جعله مانعًا من الهدى، أو القبول، أو ما يقارب هذه المعاني؛ دل على تحريمه".

 هذه واضحة، لا حاجة للاشتغال بها، والتمثيل لهذه الأمور، وليس هذا فحسب، بل القضية لها توابع، وكلام، فمثل هذا لم ينتهِ كلام ابن القيم -رحمهُ الله- لكن الشيخ عبد الرحمن -رحمهُ الله- اقتطعهُ، واجتزء بما سبق، وإلا فالسياق مستمر، يقول: أو وصفهُ بسوء، أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه، أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح، أو لعذاب عاجل، أو آجل، أو لذم، أو لوم لضلالة، أو معصية، أو وصف بخبث، أو وصف بخبث، أو رجس، أو نجس، أو بكونه فسقًا، أو إثمًا، أو سببًا لإثم، أو رجس، أو لعن، أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة، أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله، أو لمحاربته، أو للاستهزاء به، وسخريته، أو جعله الرب سببًا لنسيانه لفاعله، أو وصف نفسه بالصبر عليه، أو بالحلم، والصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث، أو احتقار، أو نسبه إلى عمل الشيطان، وتزيينه، أو تولي الشيطان لفاعله إلى آخر ما ذكر، وهكذا، يقول: ولفظة قتل من فعله، أو قاتل الله من فعله، أو أخبر أن فاعله لا يكلمهُ الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، إلى آخره، كلام كثير تراجعونه في الأصل، من أراد من يستوفي هذه الصيغ؛ فليرجع إلى الأصل، وهذا مهم في معرفة ألفاظ الشارع، وما تدل عليه.

"852- ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المواد للعقل، وتصويره في صور المحسوس، بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس".

الآن سبق الكلام في المقدمات النظرية في رمضان، في حديثنا عن الأمثال، الكلام على فوائد ضرب الأمثال، فهذه جملة من هذه الفوائد، فهي تقرب المعنى المعقول في صورة المحسوس، هذا من أبرز الفوائد، وإن كان ذلك لا يصدق على جميع أنواع الأمثال، فحينما يقول الله مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة:17] هذا يصور في حال المنافقين، وما عندهم من دعوى الإيمان كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17] فصورة بصورة محسوسة؛ تقريبًا للأذهان، وهكذا أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ [البقرة:19] هذا في حال المنافق، وما هو فيه من الحيرة والتردد إذا سمع قوارع القرآن، وزواجره، سمع براهينه، فالبراهين كالبرق الذي يكاد أن يخطف بصره، والقوارع والزواجر كالرعد، فإذا جاءت أشياء يتبينها ويفهمها مضى، ما يوافق مراده، وإذا جاءت أمور أخرى وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة:20] وقف، مثل هذا الذي يمشي في هذا الرعد، والبرق، والمطر، هذه حال المنافق في هذه الحياة، في سلوكه فيها.

"وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم".

الآن هذه أغراض التي تأتي من أجلها هذه الأمثال، ولتقريرها تفاوت الأجر مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261] لاحظ هذا، وفي قوله -تبارك وتعالى-: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265] الوابل المطر الكثير فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] يعني: طل يكفيها، وقد مضى الكلام على هذه الأمثال مفصلاً، وأن من أهل العلم من قال: أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] هذا باعتبار تفاوت الصدقات، وبعضهم يقول: هذا باعتبار تفاوت ما يقوم في قلوب أصحابها من قوة الإخلاص، والاغتباط بها، والفرح، وما إلى ذلك، وهكذا جودة هذه النفقة، وكونها من كسب طيب تتفاوت آثارها كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] طل: اليسير، من هذا الندى يكفيها، فهذا لبيان تفاوت الأجر.

"وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم".

وعلى المدح والذم: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ [هود:24] وقد مضى الكلام في رمضان عن هذه الأمثال، تصوير هؤلاء الضلال الكفار بالأصم والأعمى، وتصوير المهتدي بالمبصر والسميع، كما مثلهم الله بالميت، مثل الكفار، ومثل أهل الإيمان بالحي، إلى غير ذلك مما يقتضي المدح والذم، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا [النحل:75] وهكذا، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92] فهذا للذم.

وعلى الثواب والعقاب وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [الحج:31] هنا يمثل العقاب، وشدة الجريمة وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل:112] قال: وعلى الثواب والعقاب.

وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ [يونس:24] هنا لماذا؟ للتفخيم، أم للتحقير؟ لتحقير الحياة الدنيا، وبيان شأن هذه الحياة مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5] هذا للذم والتحقير فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] هذا للذم والتحقير، وهكذا.

قال: وعلى تحقيق أمر، الكلام ناقص، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر، كقوله -تبارك وتعالى-: لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ [الرعد:14] في آله المشركين الذين يدعونهم من دون الله لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ [الرعد:14] وقد مضى الكلام على مفصلاً على هذا المثل، وما المراد به، وبعضهم يقول: كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ [الرعد:14] بأن الماء إذا كانت مبسوطة لا يستقر فيها الماء أصلاً، فكيف يستطيع يشرب؟ يريد أن يشرب، ليس معه وعاء، ولا يقول بيديه هكذا، وإنما باسط كفيه إلى الماء؛ ليبلغ فاه، فلا يستقر فيها شيء، وبعضهم يقول: كالذي يدعو الماء من بعيد، يبسط كفيه لينتقل الماء، ويأتي إلى يديه.

وبعضهم يقول: يرى صورته في الماء، فيبسط كفيه في الماء؛ لعله يحصل منه شيئا، من بعيد، في رأس البئر، حينما يرى صورته في الماء كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ [الرعد:14] فهؤلاء يطلبون من هذه المعبودات أن تعطيهم، وأن تغنيهم، وأن تدفع عنهم، وحالهم كهذا الذي يبسط كفيه إلى الماء، ولا يصل إلى فيه شيء منه، مثل هذا هنا يدل على تحقيق أمر وإبطال أمر.

"853- السياق يرشد إلى بيان المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته".

هذا صحيح، يعني: نحن لا يكفي أن ننظر في معنى اللفظة بمجرده، نرجع للقاموس، وننظر ما معنى هذه اللفظة الواردة في هذا الحديث، أو في هذه الآية، لا، لا بد من مراعاة السباق، والسياق، واللحاق، فإن هذا يستبين به المعنى، فتجد اللفظة الواحدة أحيانًا تستعمل في مواضع، وفي كل موضع نفهم منها معنى من خلال السياق إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ[النحل:120] ما المعنى؟ الرجل الجامع لخصال الخير، التي تفرقت في غيره.

موسى لما ورد ماء مدين قال: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [القصص:23] وجد رجل جامع لخصال الخير؟ لا، وإنما وجد جماعة، فالأمة بمعنى الجماعة هنا، قال: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا [يوسف:45] السجين الذي كان مع يوسف وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف:45]، يعني: بعد مدة زمنية تذكر، كان ناسيًا وصية يوسف اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42] وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ بعد مدة من الزمان، لاحظ السياق كيف يبين لنا أمة هنا ما المراد بها، وهكذا.

في قوله -تبارك وتعالى- المحصنات مثلاً: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24] في سورة النساء فيما يحل ويحرم من النساء قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، يعني: هنا المقصود المتزوجات، يحرم عليك أن تتزوجها ذات الزوج إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] ثم قال الله -تبارك وتعالى-: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ [النساء:24] إلى أن قال: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25] يعني: ماذا؟ هل هي مثل الأولى المتزوجات؟

 لا، الحرائر، المحصنات، يعني: الحرائر، فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25] إلى أن قال: فَإِذَا أُحْصِنَّ [النساء:25]، يعني: ماذا؟ يعني: تزوجن فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] المحصنات الثانية ماذا تعني؟ يعني: الحرائر، يعني: الحد نصف حد الحرة، كيف عرفنا هذا؟

عرفناه من خلال السياق، السياق يبين، فلا بد من مراعاة السياق، فلا يكفي أن ننظر هذه اللفظة مثلاً في اللغة معناها كذا، ثم نقول: هذا تفسيرها، وإنما لا بد من النظر في السياق حتى يعرف المراد.

"854- الحاكم محتاج إلى ثلاثة أمور لا يصح له الحكم بدونها".

الحاكم، يعني: القاضي يحتاج إلى ثلاثة أمور.

"معرفة الأدلة، والأسباب، والبينات.

فالأدلة: تعرفه الحكم الشرعي، الكلي، والأسباب: تعرفه ثبوته في هذا المحل المعين، وانتفاءه عنه، والبينات تعرفه طريق الحكم عند التنازع، ومتى أخطأ في واحد من هذه الثلاثة؛ أخطأ في الحكم، وجميع خطأ الحكام مداره على الخطأ فيها، أو في بعضها".

وجميع خطأ الحكام، عندكم الحكم؟ الحكام مداره على الخطأ فيها، أو في بعضها، الآن الحاكم يحتاج إلى معرفة الأدلة، ما فائدة الأدلة؟ تعرفه بالحكم الكلي، يعني: الآن هذا الحاكم يحتاج إلى أن يعرف الحكم الشرعي أصلاً ما هو؟ ما حكم الطلاق في حال الحيض؟ ينظر في الأدلة، فيتوصل إلى الحكم ما هو الحكم؟ أنه حرام، قول الرجل لامرأته، تحريم الرجل لامرأته، ما حكمه؟ حرام، ينظر إلى الأدلة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] واضح؟

فإذا نظر في الدليل عرف الحكم الكلي أن هذا حلال، هذا حرام، هذا واجب، هذا مستحب، هذا باطل، فاسد، هذا الحكم الكلي، ثم يحتاج إلى أمر آخر، يقول: الأسباب تعرفه ثبوته في هذا المحل المعين، أو انتفاءه عنه، يعني: هناك ملابسات، وعلائق تتصل بالمكلف المعين، الآن عنده إنسان يتحاكم إليه، خصومة، وكذلك المفتي، الآن عرف أن الغضب الذي يكون بإغلاق بحيث ما يعي ما قال، أنهُ لا يقع فيه الطلاق، وعرف أن الطلاق في حال الحيض لا يجوز، إلى آخره، جاءت عنده الآن قضايا معينة، فهل ينزل الحكم الشرعي مباشرة على هؤلاء بمجرد ما يبتدئونه بالسؤال، أم يحتاج يستفصل؟ يحتاج يستفصل، لماذا يحتاج يستفصل؟

هذا الذي يسمونه تحقيق المناط، تحقيق المناط: هو تنزيل الحكم الكلي على المعين، متى يتنزل على المعين؟ إذا وجدت، وتحققت الشروط، وانتفت الموانع، ولذلك يحتاج يستفصل، يسأل هذا المكلف، يستفصل يسأل عن أسئلة، لو جاء إنسان، وقال ما حكم الزكاة؟

نقول: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [البقرة:43] الزكاة واجبة، جاء إنسان، وقال: أنا عندي مال، وهذا المال عبارة عن دخول لإجارات، ونحو ذلك، وأصرفها أثناء الحول، هل تجب علي الزكاة؟ ملايين أصرفها في الحول نفسه؟ نقول له: لا، ما يجب عليك الزكاة.

هذا إنسان يقول: أنا عندي مال، هل تجب علي الزكاة؟ نسأله عن نوع المال، هل هو من الأموال الزكوية؟ هل هذا المال دار عليه الحول، أو لا؟ هل يوجد مانع يمنع من الزكاة عند القائل بأن الدين من الموانع مثلاً؟ ثم تستطيع أن تقول: لهذا تجب عليك الزكاة، أو لا تجب عليك الزكاة.

هذا الرجل قال: طلقت، الطلاق يحصل به الفرقة، لكن بمجرد ما يقول: طلقت، نقول: تعال امرأتك خلاص وقع عليها الطلاق؟ لا، نحتاج أن نسأل، نقول: ماذا قلت؟ ما هي العبارة؟ وما هي الحالة التي كنت فيها، كنت سكران، أو صاحي، كنت غضبان، وإذا كنت غضبان، الغضب ثلاث درجات، غضب بإغلاق، غضب شديد من غير إغلاق، هناك غضب عادي، هل كنت غضبان، أم لا؟

قال: نعم، أنا كنت غضبان، نقول له: من أي درجة من درجات الغضب؟ ثم ننظر، هل المرأة حائض، أم لا؟ إذا كانت طاهر، هل هو طهر جامعها فيه، أو لا؟

بعض الناس تقول: في واحدة قالت: أسألي لي، وتتصل بالتلفون، وتقول: إن زوجها طلقها، أو تقول: قال لها: إن خرجت من الدار؛ فأنتِ طالق، طيب هذا نحتاج أن نسأله، ماذا يقصد بهذا الكلام؟ هل يقصد تطليقها، أو يقصد منعها؟ قالت: لا يقصد المنع، شققت عن قلبه؟ أنتِ تسألين عن زوج صديقتك، دعيه هو يسأل؟ قالت لا هو ما يريد أن يسأل، هذا كثير، إذا ما كان يريد أن يسأل أنا أيضًا ما أريد أن أجيب، يعني: لا أستطيع أن أجيب، نحتاج نسأله، ماذا قصد؟ هذا قضية تتعلق بقلبه هو، فالشاهد هذه أمثله بسيطة تتكرر كثيرًا، فهنا عندنا الحكم معروف، هذا نتوصل إليه بالأدلة، عرفنا الحكم الكلي، يبقى المعين هذا، هل يتنزل عليه هذا الحكم، أم لا، الحيض مانع من الصلاة مثلاً، أليس كذلك؟

هذه امرأة تقول: نزل عليها دم، نحتاج نسأل، هل لها عادة، أو ليس لها عادة منتظمة؟ وإذا كان لها عادة هل نزل هذا الدم، أو الكدرة، والصفرة في وقت العادة، أو خارجًا عنها؟ وإذا كان ما لها عادة، هل لها تمييز، أو ليس لها تمييز؟ فإن كان لها تمييز، هل هذا الدم بصفة دم الحيض، أو لا؟

ونحتاج مجموعة من الأسئلة؛ حتى نستطيع أن نقول: بأن هذا حيض، أو ليس بحيض، فهذا يسمى تحقيق المناط، يعني: تنزل الحكم على المعين، على الواقعة المعينة، فهذا نظر، آخر، هو الذي عبر عنه هنا بالأسباب، قال: والبينات، هي التي تعرفها على طريق الحكم عند التنازع، لا بد من هذا، الآن في المنازعة، هذا يحتاج إلى البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، فما هي البينة؟ وما الذي يعتبر من هذه البينات؟ هناك أشياء ليست بينات؟ وهكذا، لا بد من هذه الأمور الثلاثة حتى يحكم، ومتى أخطأ في واحد من هذه أخطأ الحكم، فأخطاء الحكام تكون بسبب واحد من هذه الثلاث.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم (279).
  2. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الكلب، برقم (91)، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، برقم (35).
  3. أخرجه النسائي في سننه، باب ذكر بئر بضاعة، باب تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه، برقم (337)، وصححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، برقم (145).
  4. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب البرانس، برقم (5803)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، برقم (1177).
  5. أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب إذا لم يجد الإزار، فليلبس السراويل، برقم (1843).
  6. أخرجه البخاري، كتاب، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ برقم (1).
  7. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إحياء الموات، برقم (3073) وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (1550).
  8. أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه -عز وجل- في زيارة قبر أمه، برقم (977).
  9. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب العزل، برقم (5207)، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم (1440).

مواد ذات صلة