الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «من غدا إلى المسجد أو راح..» ، «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها..»
تاريخ النشر: ١٦ / شوّال / ١٤٢٦
التحميل: 1992
مرات الإستماع: 8029

تعليق على ما سبق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: إنه خُلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل...[1].

وهذا يفسر ما سبق من قوله ﷺ على كل سُلامَى من أحدكم صدقة...[2]، قلنا: السُّلامى هي المفاصل، فهذا الحديث مصرح بذلك، وذكر جملتها.

قال: فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل وسبح الله واستغفر...، وهناك قال: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة إلى آخر ما ذكر ﷺ.

قال: وعَزَل حجراً عن طريق الناس...، كما في الحديث الآخر: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، قال: أو شوكة، وهي من جملة الأذى، ولكنه من الأذى اليسير الذي لا يحتاج إلى كلفة في إزالته ومعالجته، قد يكون الأذى يحتاج إلى جهد، لكن الشوكة شيء يسير، وأذى يسير، ولا يحتاج إلى كثير عمل من أجل دفعه، فدل على أن إزالة الأذى عن الطريق ولو قل فهي صدقة، وكذلك عزل الحجر، وعَزَل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظماً عن طريق الناس، أو أمَرَ بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار، أخرجه مسلم.  

ماذا نريد أكثر من هذا -أيها الإخوان-؟، لو أن الإنسان فقط مر على مائة إنسان في عمله، أو في السوق وسلّم هذه مائة صدقة، وبعد الصلاة يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويكبر ثلاثًا وثلاثين، ثم يختم المائة بـ "لا إله إلا الله" إلى آخره، فهذه مائة بعد صلاة، فإذا فعل ذلك بعد صلوات يكون قد جاء بهذا العدد، والمقصود أن الإنسان يحرص غاية الحرص على بذل المعروف وفعل الخير، سواء كان قاصراً أو متعدياً، القاصر مثل التسبيح والتحميد، الذي يرجع إليه هو فقط، والمتعدي مثل إزالة الأذى عن الطريق، مثل الإحسان إلى الناس ونحو ذلك.

من غدا إلى المسجد أو راح

والحديث الذي بعده أيضاً مما أورده الإمام النووي -رحمه الله- هو:

حديث أبي هريرة مرفوعاً: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح، متفق عليه.

من غدا إلى المسجد أو راح، ما قال: للصلاة فقط، والغدو يطلق على الذهاب في أول النهار، والرواح يكون في آخره، فسواء كان ذهب لاعتكاف، أو ذهب لطلب علم، أو ذهب لصلاة فإنه يعد الله له بذلك نزلاً، والنزل هو ما يعد للضيف، فتصور هذا النزل الذي يعده الله -تبارك وتعالى- وهو أغنى الأغنياء، وهو أكرم الأكرمين ، فلو أنك دعيت إلى مأدبة وأعد لك النزل -ما يوضع للضيف- فإن مثل هذا قد يحتاج الإنسان إلى مكافأة عليه، ورد للجميل وشكر وما أشبه ذلك، فهو شيء كثير، أو كبير أو يعده الإنسان من الإحسان الواصل إليه، يحتاج إلى مقابلته، ومع ذلك الله -تبارك وتعالى- بهذا العمل اليسير "غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح"، في كل مرة يعد له نزلاً، فما ظنكم بهذا النزل الذي يعده رب العالمين ؟!.

يا نساء المسلمات
وحديث آخر مما ذكره أيضاً من:
حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة[1].

أيها النساء المسلمات، خاطب النساء؛ لأنها هي التي في العادة تختص بأمور المنزل وصنع الطعام، وما أشبه ذلك، وملاحظة الجارة، الفِرسِن بكسر السين والفاء هو من البعير كالحافر في الفرس والحمار، ولا يقال ذلك في العادة -في الغالب- للشاة، وإذا استعمل فيها فقد يفهم منه الظِلف؛ لأنه هو الذي بمنزلة الحافر للحمار والفرس.

وبعض أهل العلم يفسره بالعظم قليل اللحم، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولا فِرْسِنَ شاة، بمعنى: ولو شيئاً يسيراً، فهذا له دلالة، يدل على عناية بهذه الجارة واهتمام بها، ويدل على أنها منها على بال ولو كان شيئاً يسيراً رمزياً، وهذا يحتاج النساء إلى التذكير به اليوم، كثير من النساء تقول: الناس الآن في غنى ليسوا بحاجة، فتترك أن تعطي جارتها شيئاً ولربما تؤمل أنها تعطيها شيئاً كبيراً وقد لا تفعل، أو لا تساعدها الأمور، فتبقى السنوات لا يصل منها إلى جارتها لا قليل ولا كثير، مع أن الشيء اليسير مما تصنعه من الطعام ولو بشيء من الآنية صغير تبعث به إليها وهي غنية فإن هذا يدل على محبة وذكر لها ومودة، وأنها على بال منها، وأنها مراعية لحقها وحق جيرتها، وحق حرمتها وما أشبه ذلك، أما أن يبقى الباب قفلاً تعرض تماماً عن هذا، والجارة لا تعرف جارتها إطلاقاً ولا تطرق بابها بشيء لا بقليل ولا بكثير، فهذا أمر غير جيد، فهذا لا يختص بالفقر والحاجة، ويتأكد في وقت الحاجة، ولكنه حتى مع الغنى، هذا مما يقوي الوشائج والروابط، ولو أعطيت الإنسان شيئاً رمزياً هدية، ولو كان قليلاً وهو غني فإن ذلك يبعث السرور في نفسه، ويجد في قلبه ميلاً إليك، أكثر وأعظم مما كان يجده قبل ذلك، هذا الحديث أخرجه الشيخان.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب: لا تحقرن جارة لجارتها (8/ 10)، رقم: (6017)، ومسلم، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره (2/ 714)، رقم: (1030).

مواد ذات صلة