الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ..}
تاريخ النشر: ٠٦ / محرّم / ١٤٢٨
التحميل: 2185
مرات الإستماع: 3247

قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...}

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب جديد هو باب حق الزوج على المرأة، وذلك بعد أن ذكر المصنف -رحمه الله- باب الوصية  بالنساء، وذكر فيه شيئاً من حقوق المرأة على زوجها، وصدّر المصنف -رحمه الله- هذا الباب على عادته بآية من كتاب الله ، قال الله تعالى:  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ [النساء:34].

فهذه الآية دلت على أن القوامة للرجال، ومعنى القيام على النساء: أنه قائم عليها بالحفظ والرعاية وكلاءتها، والاحتياط لها، وتدبير شئونها، يعني: أن الرجل هو السيد، وهو الرئيس للمرأة، وهو الذي يقوم على شئونها، وهي تابعة له واجب عليها طاعته بالمعروف، فالقوامة تعني: الحفظ والرعاية، ولا تعني: التسلط والتحكم بالمرأة بمحض المزاج، والتعدي على حقوقها ومصادرة ما لَها من حق، وإنما تعني أن يحفظها ويكلأها ويرعاها، فكثير من الناس لا يحسن استعمال القوامة بل يستغل ذلك في اضطهاد المرأة وظلمها، وهذا لا يجوز، وليس هذا هو معنى القوامة، ثم انظروا إلى الأمرين اللذيْن ذكرهما الله علة لهذه القوامة، فذكر أمراً وهبيًّا وذكر أمراً كسبيًّا.

أما الوهبي فهو قوله -تبارك وتعالى-: بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وذلك أن الله -عز وجل- فضل الرجل على المرأة بكمال العقل، وقوة الإدراك، ورباطة الجأش، وقوة البدن، والقدرة على السيطرة على الانفعالات والعواطف، فلا تحركه عواطفه، ولا يكون منساقاً لانفعالاته، وأعطاه الله -عز وجل- بدناً قوياً، فالرجال بهذه المثابة، وذكرنا في مناسبات سابقة أن العلم الحديث يثبت أن عقل الرجل أكبر من عقل المرأة، وأن تلافيف المخ الموجودة لدى الرجل أكثر من التي عند المرأة، ثم أيضاً ما يعرض للنساء من العوارض الطبيعية التي تجعلها في حالة لا تستطيع معها التركيز، وذلك أنها في حال الحمل يحصل لها ضمور في المخ، وفي حال الحيض -وهو عارض يتكرر في كل شهر مرة لربما يستغرق ثلث الشهر أو نحو ذلك- تكون المرأة في حال من التوتر والانزعاج وتغير المزاج، فلو كان الطلاق مثلاً بيد المرأة لطلقت الرجل منذ أول شهر، وهذا يذكره بعض النساء، ولكن الرجل أصبر وأقدر على التحمل، وهذا التفضيل الوهبي هو من حيث الجنس، جنس الرجال، وإلا فمن حيث الأفراد لا شك أنه يوجد من النساء من تكون هي المدبرة لزوجها، وهي أعقل منه، وأذكى منه، وأقدر على ضبط العواطف والمشاعر والنزوات والانفعالات، والشريعة إنما تحكم بالأعم الأغلب، فهذا أمر أجراه الله -عز وجل- وهو عليم حكيم، وهذا بالنسبة للأمر الوهبي.

وأما الأمر الكسبي ففي قوله: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فالذي ينفق هو السيد، فالرجل ينفق المهر، يعطيها المهر، وينفق عليها النفقات الواجبة، يوفر لها المسكن والمأكل والمشرب وما أشبه ذلك، فهذان الأمران هما قِواما القوامة، إنما تقوم القوامة على هذين الأمرين، فهما ركناها، فإذا كان الرجل ضعيفاً لا رأي له فكيف يستطيع أن يدبر شئون المرأة؟!، والمرأة لا تثق بالرجل إذا كان بهذه المثابة، وكذلك إذا كان متردداً متلكئاً، وإذا قرأته مقابلات مع كثير من الفتيات والنساء: من الرجل الذي يعجبك وتتمنين أن يكون زوجاً لك؟ تقول: أريد زوجاً يقول لي: لا، هكذا تقول كثير من النساء، لماذا؟ لأنها تريد زوجًا يكون حازماً، يكون عاقلاً، يكون له رأي سديد، ولذلك كثير من النساء تفضل الرجل الصامت، أو الذي يغلب عليه الصمت، الرزانة، التؤدة، بُعد النظر في الأمور، أما الرجل الذي لا رأي له، ويتردد في المجلس الواحد أكثر من مرة، ويكون محلاً للاستخفاف كالأطفال، لا شخصية له، ولا هيبة، ولا كرامة، ولا احترام، فمثل هذا المرأة لا تريده، ونحن نعرف من مشكلات النساء ومما يذكرنَه نعرف هذا جيداً، فالمرأة تريد رجلاً يكون بعد الله سنداً لها، ترجع إليه، يكون حازماً يدبر لها أمرها تدبيرًا صحيحًا، لا يتركها كما تريد.

بعض النساء تقول: مشكلتي أنني في البيت أنا التي أدبر شئون الإخوان والوالد والوالدة وكل شيء،  تقول: أريد أن أتزوج رجلاً حازمًا، وأريد أن أجرب كلمة "لا"، تقول: أنا المدبرة لكل شيء، لا أجد أحدًا يقول لي: لا لما أطلبه وما أقرره وما أخطط له، فالمرأة تحتاج إلى رجل حازم.

فالأمر الكسبي هو: بما أنفقوا من أموالهم، الذي ينفق أيها الإخوان سيد.

لولا المشقّةُ ساد الناسُ كلُّهُمُ الجُود يُفقِرُ والإقدامُ قتّالُ[1].

طبعاً الكلام الذي في البيت أن "الجود يفقر والإقدام قتال" ليس صحيحًا، لكن هكذا قال الشاعر.

وأما قوله: "لولا المشقة ساد الناس كلهم" فصحيح، فالذي ينفق ويعطي يكون هو السيد، هذا شيء معروف، لو أن الناس ذهبوا في سفر مثلاً، أو أقاموا في محل، مجموعة من الناس، وواحد منهم هو الذي ينفق، وإذا نزلوا في مكان هو الذي يشتري، وهو الذي يأتي بما يحتاجون إليه من ماله، ونحو ذلك، أليس هو الذي يكون السيد؟ ما يكون هو الشخص المدبر؟، ما يكون هو المرجع؟ هكذا تكون الأمور، فالرجل إذا كان هو الذي ينفق ويأتي بالنفقة المرأة تخضع له، لكن إذا كانت المرأة هي التي تنفق كيف تكون القوامة للرجل؟ أو يقول لها: بما أنك موظفة ادفعي، أنتِ عليكِ أجر الخادمة وعليّ أجر البيت، وإذا تواضع قال لها: ادفعي النصف، الأثاث بالنصف، نصف عليّ ونصف عليكِ، فتركيزه الأول على هذا الراتب وهذا الرصيد، وهذه دناءة ليست  بعدها دناءة، تارة يقول لها: أضعها لك في أسهم، وفي مشروع، هاتيها، وتارة يقول: أقرضيني، وتارة يقول: عليّ ديون، وتارة يقول: أين المواسا؟ة، وأين العشرة؟، وأين التي تضحي من أجل زوجها؟

وكل يوم يأتيها بحيلة جديدة بعدما يعصر ذهنه، والمسكينة تبقى تضرب أخماسًا بأسداس، وتبدأ تسأل تقول: أنا أخاف أن أعطيه، أخشى أن هذا الرجل لا ينفع به العطاء، يكون مثل فلان وعلان، أعطتهم زوجاتهم أموالهن ثم طلقوهن، هي تقول هكذا، أو تقول: أنا إن امتنعت سيتغير علي ويعاملني معاملة سيئة، وبدأ يلوح ببعض الأمور، مسائل تتعلق بالطلاق، فيقول مثلا: أنا ما أستطيع أن أبقى مع امرأة ما تضحي من أجل زوجها، خاصة إذا كانت زوجة ثانية مسكينة، تزوجها لأنها موظفة أو مدرسة، وعلى باله أنه سيطأ ويستمتع بها فقط، ويأكل عندها ويشرب وهي التي تنفق، فقط، تيس مستعار -أعزكم الله-، ما هو مستعار، على كل حال هذا الذي في باله، فلما يأتي ويطالبها بالإنفاق وتمتنع، وتقول له: الإنفاق على الرجل، يبدأ يقول: لا، كيف هذا؟، وأحياناً هو ما عنده قدرة أصلاً على النفقة، وتزوج هذه المرأة الثانية، ويقول لها: أنا ما أستطيع أن أفتح بيتًا آخر، أنا ليس عندي هذا الكلام، ترجعين إلى بيت الأولى، وتسكنين معها، فتقول له: أين الشرط الذي اتفقنا عليه، أن تضعني في بيت لوحدي، ووافقت عليه؟ فيقول: أنا كنت أظن أنك مثل النساء تواسين زوجك، وأما الآن بهذه الطريقة فأنا لا أستطيع أن أفتح بيتاً آخر، ونفقة مستقلة لكل واحدة، وما أشبه ذلك، فترجعين معها، فتقول: أنا ما أرجع معها، أنا على الشرط، فيقول: إذاً الطلاق.

فصارت هذه النفقة وهذا الراتب سبباً لفشلها في الزواج، وتعثر حياتها، والمرأة إذا طلقت عندنا في المجتمع كما تعرفون الحال ربما ما يتقدم لها أحد إلا ما ندر، وليس على شروطها، فهذه مشكلة، فالرجل لا يطلب من المرأة شيئًا، ولا يأخذ منها شيئًا -وليته يَسْلم-؛ لأن معنى القوامة أنه هو الذي ينفق، والمشكلة أن المرأة إذا كان عندها مال تبدأ تترفع على الرجل، ويأتي لها من يوسوس لها إذا كان لها زميلات لا ينفعنها، ويقلن: هل أنت محتاجة له؟ أنت ضعيفة له، ماذا تريدين منه أصلاً وأنت مستغنية؟، مشكلة هذه.

فهذه البطاقة التي في شنطتها، بطاقة الصرافة تجعلها تترفع على هذا الزوج، فتقول: الحمد لله أنا مستغنية، أو أنا أذهب وأتركك، أنا عندي -الحمد لله- رصيد وعندي راتب، فهذا العقل وهذا التدبير الآن، لكن حينما تكون المرأة ما عندها شيء، والرجل ينفق عليها بالمعروف تفرح بالذي يعطيها، إن وضع بيدها مالا فرحت، وإن اشترى لها ثوباً أو قماشًا فرحت به، وإن اشترى لها تحفة فرحت بها، وشكرت له على هذا، لكن إذا صارت بيدها الأموال كلما أتى لها بشيء قالت: هذه أصلاً نوعية غير جيدة، وهذا مقلد، وهذا أفضل منه في المكان الفلاني، وإذا أخذته فمجاملة على إغماض، مجاملة له، فلا يكون له موقع في نفسها، فهذه مشكلة، فضاعت قوامة الرجال بسبب استغناء النساء بالنفقة، إمّا أنها تشعر أنها مستغنية، أو أنها مستغنية بالفعل، هي التي تنفق.

تقول: أنا التي أنفق عليه، قوامة على ماذا؟ وقد لا تتبدى هذه الأمور وتتكشف لأول وهلة، قد تعطي المرأة وتبذل، وقد تكون تحب زوجها، وقد تكون تخاف من المشاكل، أو من الطلاق، لكن ما الذي يحصل فيما بعد إذا تزوج، أو فكر أن يتزوج؟ أخرجت قائمة الحسابات، وتقول: أنا التي أعطيت كذا، أنا التي دفعت كذا، وأنا التي ساهمت في كذا، أنا ساهمت معك في بناء البيت، أنا ساهمت معك في تأسيس البيت، أنا ساهمت معك في أثاث البيت، أنا ساهمت معك... وأنا ساهمت وأنفقت كل ما عندي، وفي الأخير تأتي وتتزوج علي، وتبدأ تتكلم عليه بهذه الطريقة، بل قد تتكلم بكلام يجرح، ويكون قويًّا جداً، قد تقول: هذا بيتي وأنا أخرجه من البيت، قد يكون البيت فعلاً لها، وقد تكون هي التي تنفق عليه، وما عنده شيء، فقير، وتقول: أنا التي أنفق عليه، هو المحتاج لي أصلاً، فأنا ممكن أن أقطع عنه النفقة ليتأدب، هكذا تقول بعض النساء، فهذه مشكلة.

ولذلك أنا أقول: الرجل الحر الكريم الذي يريد أن يحفظ القوامة ما يأخذ منها من أول يوم في الزواج ولا ريالًا واحدًا، وإذا أعطته شيئًا قال: ألف شكر، وإذا أردتِ مالا أنا مستعد، عندي ما يكفيك ويكفيني، فلا يأخذ منها شيئا أبداً، خاصة الذي يفكر أن يتزوج ثانية، فإن أخذتَ ستعيد لك هي هذه الحسابات، وتذكرها عند الآخرين، أنا أعطيته وأنا ضحيت لأجله، وأنا كذا، ويكون هذا الكلام مجرد شيء تلوكه بلسانها في المجالس، وتتحدث عنه، فما أحسن استغناء الرجل والانفراد بالقوامة، وتكون المرأة خاضعة له مطيعة كما ذكر الله في صفتي النساء في هذه الآية نفسها، قال: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ [النساء:34]، القنوت هو الدوام، دوام الطاعة، قَانِتَاتٌ مطيعات لله ومطيعات لأزواجهن، ليست تطيعه بعض الأحيان، وإذا غضبت منه لا تطيعه، بل هي دائمة على الطاعة قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ يعني: تحفظ الزوج في حال غيبته في ماله، تحفظه في نفسها وعرضه، بِمَا حَفِظَ اللّهُ، يحتمل أن يكون المعنى بِمَا حَفِظَ اللّهُ أي: بما وفقهن للحفظ -والموفق من وفقه الله ، بما قواهن عليه من الحفظ وأعانهن عليه من تحقيق هذا المعنى، ويحتمل بما حفظ اللهَ أي بما أمرهن الله من حفظ الزوج في ماله وعرضه، ويحتمل أن يكون على قراءة أخرى بما حفظَ اللهَ أي: الزوج، بما حفظ اللهَ فيها وراقبه، وأنفق عليها وقام بحقوقها، فهي بالمقابل تحفظه في ماله، وتحفظه في نفسها، -والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. انظر: طيب المذاق من ثمرات الأوراق، لابن حجة (ص:18)، وزهر الآداب وثمر الألباب (4/ 1046).

مواد ذات صلة