الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «نعم صلي أمك»
تاريخ النشر: ١٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٨
التحميل: 1623
مرات الإستماع: 12546

قدمت علي أمي وهي مشركة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب بر الوالدين وصلة الأرحام أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ فاستفتيت رسول الله ﷺ قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك[1].
ترجمة أسماء بنت أبي بكر

أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنهما، وهي أخت عائشة لأبيها، لم تكن شقيقة، وكانت أسن من عائشة -رضي الله تعالى عنها- بعشر سنين.

وقال بعض أهل العلم: إنها ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، يعني: حينما هاجر النبي ﷺ كان لها من العمر سبع وعشرون، وهي امرأة معروفة صابرة، لقيت ما لقيت، وقتل ابنها عبد الله بن الزبير وصلب وصبرت غاية الصبر، بل هي التي ثبتته وصبرّته حينما ذكر لها أنه يخشى أن يمثل به، قالت: ما يضر الشاةَ سلخُها بعد ذبحها، وهي الملقبة التي لقبها النبي ﷺ بذات النطاقين؛ وذلك أنها كانت تأتي للنبي ﷺ وأبيها وهما في الغار، في حديث الهجرة، فوضعت لفافة فيها طعام، وما يحتاج إليه النبي ﷺ وصاحبه، فشقت نطاقها فربطت هذه الصرة بقطعة من هذا النطاق وأبقت الأخرى تنتطق بها، وكانت -رضي الله تعالى عنها- قد تزوجت بالزبير بن العوام وأنجبت منه خمسة من الأبناء وثلاثًا من البنات، وروايتها عن النبي ﷺ تبلغ ثمانية وخمسين حديثاً، -رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وكان موتها بعد قتل ابنها -أعني: عبد الله- قيل: بثلاث ليالٍ، وقيل: بأكثر من هذا بقليل.

تقول أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها: قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ.

وأمها قيلة بنت الحارث، من بني مخزوم، وقيل: قتيلة، قدمت في وقت الهدنة التي وقعت بين المسلمين وبين المشركين في السنة السادسة، يعني: بعد صلح الحديبية، قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ، في عهده: ليس المقصود في زمانه، وإنما في العهد الذي وقع بينه وبين المشركين، فاستفتيت رسول الله ﷺ قلت: قدمتْ عليّ أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟، وفي بعض الروايات: أنها قدمت ومعها هدايا من زبيب وسمن ونحو هذا، فامتنعت ابنتها أسماء من إدخالها في بيتها، ومن قبول هديتها، خشية أن يكون ذلك من موالاة المشركين، رفضت أمها، وأوقفتها وهي قادمة من سفر، لربما جاءت على جمل أو على قدميها، ومنعتها من الدخول خشية أن يكون ذلك من موالاة المشركين، فسألت عائشةَ -رضي الله تعالى عنها، فطلبت منها أن تسأل النبي ﷺ، فأذن لها بأن تصلها، فهي تقول: قدمتْ عليّ أمي وهي راغبة، يعني في الصلة، في العطية، في أن أصلها بشيء، أن أعطيها مالاً أو متاعاً أو نحو هذا، وفي بعض الألفاظ وهي راغمة -بالميم- يعني: أنها كارهة للإسلام مصرة على الكفر، وبعضهم فسر "راغبة" أي: راغبة عن الإسلام، ولكنه خلاف الظاهر، راغبة: يعني ترغب في الصلة، ولهذا سألت قالت: أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك.

فهذه الصلة تكون بالإذن لها بالدخول، وتكون بالإحسان إليها بالقول، والفعل، وبالمال، والمواساة، كل ذلك ولو كانت مشركة، فالإسلام يأمر بالصلة والإحسان وإيتاء ذي القربى، كل ذلك مما شرعه الله لنا، فإذا كانت المرأة الأم وهي مشركة نؤمر بصلتها فكيف بالوالدة إذا كانت مسلمة، أو الوالد؟!، فإن ذلك أعظم وأجل، هذا بعض ما يتعلق بهذا الحديث من الفوائد، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم البر والصلة والإحسان، وأن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وأن يقينا ويعيذنا من شر الشيطان وشركه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصبحه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الهدية للمشركين، (3/ 164)، برقم: (2620)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، والوالدين ولو كانوا مشركين، (2/ 696)، برقم: (1003)، بلفظ: قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ، فاستفتيت رسول الله ﷺ، قلت: وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك.

مواد ذات صلة