الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث"فماذا أمركم به؟" ، «إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط..»
تاريخ النشر: ٢٠ / ربيع الأوّل / ١٤٢٨
التحميل: 1710
مرات الإستماع: 5404

يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب بر الوالدين وصلة الأرحام:

حديث أبي سفيان صخر بن حرب في حديثه الطويل في قصة هرقل، أن هرقل قال لأبي سفيان: فماذا يأمركم به؟ يعني النبي ﷺ قال: قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة[1].

يعني: أن أبا سفيان قبل إسلامه حينما ذهبوا إلى الشام أخذهم الروم ودخلوا بهم على هرقل، وكان قد طلب ذلك، وكان الرجل له علم بكتابهم، والرجل كان ينظر أيضاً في النجوم، فالشاهد أنه رأى أن ملك الختان قد ظهر، فسأل عمن يختتنون، فقال له من حوله: إن الذين يختتنون هم اليهود، وهم شرذمة قليلة في مملكتك إن شئت قتلناهم، ثم بعد ذلك وُجد هؤلاء من العرب في الشام، فجاءوا بهم إلى هرقل فوضعهم صفًّا، ووضع أبا سفيان أمامهم، وطلب منهم إذا كذب أن يردوا عليه، فسألهم أسئلة متعددة، منها: أنه سألهم عن النبي ﷺ، فماذا يأمركم به؟ يعني: النبي ﷺ، قال: قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة متفق عليه.

هذه أشياء اضطر أبو سفيان أن يقولها؛ لئلا يقفوا على كذب منه، حتى إنه في آخر ما قال لما سألهم عن العهد والغدر، قال: نحن معه على عهد لا ندري ماذا يحدث بعده، يقول: هذه الكلمة التي استطعت أن أقولها، فقط، ما استطاع أن يقول شيئاً آخر، فالشاهد أن هذه الأشياء التي سأل عنها هنا هرقل هي من دلائل النبوة، فدلائل النبوة أوسع من معجزات الأنبياء؛ لأن الدلائل منها ما هو معجزات، كانشقاق القمر، ونبع الماء بين أصابعه ﷺ، وحنين الجذع، وما أشبه ذلك من الخوارق، وهناك أشياء تدل على نبوته كصدق الحديث، وأنه عرف بالأمانة، وأنه لا يأمر إلا بخير، ولما رأى وجهه عبد الله بن سلام قال: عرفت أنه ليس بوجه كذاب، إشراق الوجه، كل هذه تسمى دلائل النبوة، فدلائل النبوة منها ما هو معجز، ومنها ما ليس بمعجز، فهذه الأمور التي سأل عنها هرقل جميعاً ليست من المعجزات، ما سألهم عن معجزة واحدة.

وذكر مما يأمر به العفاف والصلة، وهذا الشاهد.

ثم أورد حديثاً آخر، حديث أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط، والقيراط: عملة، كما يقال: الدينار، والدرهم، وفي رواية: فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً، وفي رواية: فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً[2]. رواه مسلم، فالرحم المشار إليها في الحديث -والله تعالى أعلم- ما ذكره النووي وغيره أن إبراهيم ﷺ كما هو معروف- لما كان ملك مصر قد أعطى الجارية وهي هاجر لسارة زوجة إبراهيم في القصة المعروفة، فأهدتها أو وهبتها لإبراهيم ، فتسرّى بها، فأنجبت إسماعيل، فالعرب من ولد إسماعيل، فأمهم مصرية، أم العرب، فلهم ذمة ورحم، وهنا قال: وصهراً، وأما الصهر: فهو أن النبي ﷺ قد أهداه المقوقس جاريتين، إحداهما يقال لها: مارية، والثانية يقال لها: سيرين، فالنبي ﷺ تسرّى بمارية وأنجبت له ولده إبراهيم، وسيرين أهداها لحسان بن ثابت، فهذا هو الصهر، والصهر يقال لأقرباء المرأة، ويقال أيضاً لأقرباء الزوج على المشهور عند أهل اللغة، ويقال: هؤلاء أصهاري، والمرأة تقول أيضاً: هؤلاء أصهاري، وبعضهم قال: ما يخص المرأة، يعني: الرجل بالنسبة لأهل امرأته يقال لهم: أختان، وبالنسبة للمرأة ما يتعلق بقرابات الزوج يقال لهم: أحماء، والجميع يجمع بينهم الأصهار.

فهذا الحديث أمر فيه النبي ﷺ بالصلة، مع أن الرابط بعيد جدًّا وهو إبراهيم ﷺ، ومع ذلك النبي ﷺ اعتبر هذا، وكذلك مصاهرته ﷺ، وهذا فيه جواب أيضاً لما يرد من سؤال في كثير من الأحيان في قضية الصلة، يعني: ما يتعلق بالمصاهرة، يعني: أهل الزوجة هل هم من الأقارب أو ليسوا من الأقارب؟ هم ليسوا من ذوي الأرحام، ولكن الإنسان مأمور بصلة من يمتّ إليه، فإذا كان الله أمر بالإحسان للجار المجاور، وصاحب الجنب، الزميل في العمل أو الزميل في الدراسة، أو نحو هذا، أو الرفيق في السفر، فكيف بأقارب الزوج أو أقارب الزوجة؟، هذا من باب أولى.

وهذا الحديث دليل على أن الأصهار يوصَلون، ويُحسَن إليهم ويستوصى بهم خيراً، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ [آل عمران:64] (6/ 35)، برقم: (4553)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، (3/ 1393)، برقم: (1773).
  2. أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب وصية النبي ﷺ بأهل مصر، (4/ 1970)، برقم: (2543).

مواد ذات صلة