يقول: لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفَّة، ما منهم رجل عليه رداء، يعني: مع الإزار، ومعلوم أن الإزار هو ما يلبس في أسافل البدن، والرداء ما يوضع في أعلاه، بمعنى أنه لا يجد قطعتين من القماش، يلبسهما في أعلى بدنه وفي أسفله، إنما هي قطعة واحدة، إما إزار ثم يَعْرى أعلاه، ليس عليه شيء من الفقر، وإما كساء، بمعنى: أنها قطعة واحدة يربطها في عنقه، وتصل إلى أنصاف ساقيه، قطعة واحدة، وإذا جلس جمعها بيديه كراهية أن ترى عورته.
هكذا كانت حياتهم وثيابهم.
وجاء من حديث عائشة ر قالت: كان فراش رسول الله ﷺ من أُدْم حشوه ليف[2].
قولها: "من أُدْم" الأدْم: هو الجلد المدبوغ، هذا فراش النبي ﷺ "حشوه من ليف"، وهو ما يؤخذ من النخيل، وهو ليس بالناعم، وليس ذلك بفراش المرفهين، وإنما هو شيء لربما يتأذى منه البدن، فهذا فراش أفضل وأطهر الخلق ﷺ.
وجاء من حديث ابن عمر رضى الله عنهما:
قوله ﷺ: يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟ فقال: صالح، هو كان مريضًا، فسأل عنه النبي ﷺ وهذا يدل على كمال شفقته، وكمال تواضعه ﷺ، يسأل عن أصحابه ويتفقدهم، وكان الجواب أن قال الرجل: صالح، وهذا جواب يصلح أن يجيب به من سئل عن مريض كيف هو؟، فيقول: صالح، فقال رسول الله ﷺ: من يعوده منكم؟ يعني: من يزوره معي؟ وهذا يستدل به من يقول: إن عيادة المريض ليست من واجبات الأعيان تجب على كل أحد، وإنما هي من فروض الكفايات، إذا زاره البعض لم يجب على الباقين، مع أنه وردت نصوص وأحاديث واضحة وصريحة في أن من حق المسلم على المسلم العيادة، وعلى كل حال الجمهور يقولون: إنها ليست واجبة على الأعيان، وهذا مما استدلوا به على ذلك.
قال: من يعوده منكم؟ فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، يعني: ما بين العقدين يقال له بضع، بضعة عشر يعني: أنهم لربما يكون عددهم خمسة عشر، أربعة عشر، ستة عشر، أو نحو هذا، يقول: فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قُمُص، نمشي في تلك السِّباخ، السباخ هي الأرض التي لا تنبت، حتى جئناه، فاستأخر قومُه مِن حوله، يعني: ليدنو منه النبي ﷺ، يقول: فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله ﷺ وأصحابه الذين معه[1].
وظاهر هذا الحديث قام وقمنا معه وذكر صفتهم، يقول: ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قُمُص نمشي في تلك السباخ أن النبي ﷺ هكذا كان أيضًا معهم، أنه مشى معهم من غير نعل ولا خف، وإنما ذهبوا حفاة، فهذا كله يدل على تقللهم من الدنيا، وأنها لم تكن بأكبر همهم، ولم يكن لهم حرص على جمعها وتحصيلها، ولم تكن المظاهر هي الأمور التي يعولون عليها ويترفعون بها، وإنما كانوا يعولون على معالي الأمور، والعمل الصالح، والزلفى والتقرب إلى الله ، فهذا هو الذي عليه المعوَّل، وهو الذي يصل به الإنسان ويبلغ ويرتفع عند الله -تبارك وتعالى، فقيمة الإنسان إنما تكون بهذا الاعتبار، لا بالثياب، ولا بالمراكب ولا بأي شيء -أعزكم الله- من النعال التي يلبسها، وإن كان الإنسان يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فإذا وجد فإنه يلبس من غير إسراف ولا تباهٍ ولا تفاخر، ومن غير كبر على الناس، ولا مخيلة، فهذا هو الهدي، القصد في هذه الأمور وإذا لم يجد فإنه لا تذهب نفسه عليها حسرات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب في عيادة المرضى، (2/ 637)، برقم: (925).