الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث "خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزاة.."
تاريخ النشر: ٢٣ / رجب / ١٤٢٩
التحميل: 1384
مرات الإستماع: 2187

خرجنا مع رسول الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب القناعة أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي بُرْدة عن أبي موسى الأشعري، وأبو بُردة -رحمه الله- هو ابن أبي موسى الأشعري ، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه[1].

يقول: "خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزوة" وهذه الغزوة هي غزوة ذات الرقاع، وهذه الغزوة بعضهم يقول: كانت بعد الخندق، وبعضهم يقول: كانت قبل الخندق، واختلفوا في تحديد وقتها، فبعضهم يقول: كانت بعد النضير وقبل الخندق، وبعضهم يقول: بعد قريظة، ومعروف أن قريظة كانت بعد الخندق مباشرة، وبعضهم يقول: كانت بعد غزوة خيبر، وبعضهم يقول: كانت قبل غزوة بدر، وهذا بعيد جدًّا.

والمقصود أن الصحابة خرجوا في هذه الغزوة غزوة ذات الرقاع، وقيل لها: ذات الرقاع الأقرب -والله تعالى أعلم- بناءً على ما ذكره أبو موسى من أنه تنقبت أقدامهم، كانوا حفاة، ويمشون على الحجارة، فتنقبت أقدامهم وسقطت أظافر أو أظفار أقدامهم، فصاروا يربطون على أرجلهم الرقاع -الخِرق، ليس عليهم نعال؛ ليتقوا الأذى والحجارة، وما إلى ذلك مما يحصل به جراحهم، وبعضهم يقول: سميت بهذا بناءً على جبل كان له ألوان فقيل لها: ذات الرقاع، وبعضهم يقول: الأرض التي ذهبوا إليها كانت ذات ألوان فقيل لها: ذات الرقاع، وبعضهم يقول: بناءً على شجرة هناك يقال لها: ذات الرقاع، على كل حال الأقرب والمشهور أنها قيل لها ذلك لأنهم كانوا يضعون الرقاع على أرجلهم.

يقول: "ونحن ستة نفر"، طبعاً هم كانوا أكثر من هذا، غزوة ذات الرقاع كان فيها جمع كبير من الصحابة ، لكن المقصود بالستة هم الذين كانوا معه يعتقبون على بعير واحد، يعني: رفقة يعتقبون على بعير، ومعنى: يعتقبون على بعير أي: أنه يركبه واحد منهم، ثم بعد ذلك ينزل إذا انتهت نوبته، فيركب الآخر، ثم الثاني، حتى يأتي الدور عليه من جديد.

يقول: "فنَقِبت أقدامنا"، يعني: تنفطت، ورقت جلودها، يقول: "ونقبت قدمي، وسقطت أظفاري"  ولك أن تتصور في سفر، وفي غزوة، وفي مشي، ثم هذا سقوط الأظفار لا يعقبه راحة، ولا يلبس شيئًا كما نحن إذا حصل لنا أدنى أمر، لا، وإنما لا معقمات، ولا أدوية، ولا لفائف، ولا غير ذلك، ولا ينتظر إلا الزيادة من المشقة والمشي والطين والتراب والأذى.

يقول: وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا من الخرق، فسميت ذات الرقاع، هذا على قول أبي موسى الأشعري : لِمَا كنا نعصِب على أرجلنا من الخرق، وهذا يدل على حالهم وما كانوا فيه من العيش، ومع ذلك كانوا في غاية الزهادة، والقناعة، والرضا، وأبعد ما يكونون عن التسخط على ما فاتهم من عرض الدنيا وزينتها، ولما حصلت الدنيا في أيديهم، وحصل لهم الملك وصار كل واحد منهم أميراً في بلد من البلاد، لم يُفضِ بهم ذلك إلى البطر، والأشر، والعلو في الأرض والفساد، فهذه هي تربية رسول الله ﷺ.

يقول أبو بُردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، يعني: ندم، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره. تأسف، يعني: قال: ما الذي حملني لأنْ أتحدث عن هذا؟، لماذا ندم؟ ندم لأنه تحدث عن عمل صالح عملوه يرجى به رفيع الدرجات، فنقل ذلك العمل، خشي أن ينقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية، وقد يُنقص ذلك أجره.

والإنسان يخشى على نيته، ولا يستطيع أن يسيطر عليها، فهي تتقلب عليه كثيراً، فندم أنه تحدث بهذا الحديث، وكان يرجو أن يكون ذلك بينه وبين الله ، وفي هذا يعرف الإنسان أنه لربما ينطلق لسانه ويتحدث عن بعض أعماله، وبعض ما قدم وبذل، أو بعض ما لحقه من الأذى في سبيل الله فيكون ذلك لربما سبباً لنقص أجره، ولذلك الإنسان يمسك لسانه، ويحسب كلماته، ولو لم يكن ذلك الذي قاله من قبيل الحرام لكنه قد ينقص أجره.

قال: كأنه كره أن يكون شيئاً من عمله أفشاه. متفق عليه، وهذا يدل على شدة إخلاصهم، وعظيم تحرزهم من كل ما يدنس الإخلاص ويؤثر عليه.

فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (5/ 113)، برقم: (4128)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذات الرقاع، (3/ 1449)، برقم: (1816).

مواد ذات صلة