الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث "خط النبي ﷺ خطوطًا.." ، "خط النبي ﷺ خطًا مربعًا.."
تاريخ النشر: ١٠ / صفر / ١٤٣٠
التحميل: 2405
مرات الإستماع: 10354

خط النبي ﷺ خطوطاً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب ذكر الموت وقصر الأمل أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أنس قال: خط النبي ﷺ خطوطاً، فقال: هذا الإنسان، وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذا جاءه الخط الأقرب[1]، رواه البخاري.
خط النبي ﷺ خطاً مربعاً

ثم أورد بعد ذلك أيضاً:

حديث ابن مسعود قال: خط النبي ﷺ خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط-، وهذا الذي هو خارجٌ أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا[2]، رواه البخاري.

حديث أنس خط النبي ﷺ خطوطاً فقال: هذا الإنسان وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب.

وحديث ابن مسعود أوضح وأكثر تفصيلاً، فصورته التي قد تكون هي الأقرب، وهي التي لربما تكون موافقة لظاهر هذا الحديث أنه هكذا بهذه الصورة، هذا مربع أو مستطيل هنا نقطة هذا الإنسان، وهذا خط طالع من الخط المربع خط طويل، وهذه بجانب هذا الخط داخل المربع خطوط صغار.

فهذا الإنسان، وهذا الأجل محيط به، وهذا الخط الطويل الذي خارج من المربع هو الأمل، وهو ما يرجيه الإنسان ويؤمله، من المسارِّ، والملذات، والمحبوبات، وما إلى ذلك، يريد أن يفعل كذا، ويحصِّل كذا، ويتَّجر بكذا، ويحقق كذا، ويعمل المشاريع الفلانية ثم يأتي الأجل.

فهذه الخطوط الصغار بجانبه هي الأعراض، يعني: ما يعرض للإنسان، فإذا أخطأه هذا، نهشه هذا.

فعبر النبي ﷺ بالنهش، وذلك إنما يكون للهوام، وذوات السموم كالحية، ونحو ذلك،فهذه الأعراض التي تعرض للإنسان، هذه المرة انقلب بالسيارة، لكن سلم، هذا عرض من الأعراض عرضت له، المرة الأخرى طاح، وانكسر، لكنه سلم، والمرة الثالثة وقع له مرض شديد، لكنه سلم، تجاوز هذا المرض، لكن إذا جاء الأجل ولو كان على فراشه.

لن يموت حتى يأتي أجله، فإذا جاء الأجل انقطعت الآمال، ولاحظوا خط الأمل طالع من الأجل، بعيد، فهؤلاء الناس الذين ماتوا وفاتوا، وهم مرتهنون بأعمالهم في المقابر هل انقطعت آمالهم، وكانوا فقط يؤملون إلى حد الموت وانتهى كل شيء؟، لا.

كان عندهم أشياء كثيرة سيعملونها ومشاريع وبرامج، بل بعضهم لربما كان يؤمل أنه سيتوب وسيعمل أعمالا صالحة وطيبة، وسيتفرغ لعبادة الله في أوقات أفضل وأكثر، ثم جاء الأجل وانتهى كل شيء.

فهذه الأحاديث يوضح فيها النبي ﷺ هذا المعنى الذي نعايشه وهو حالنا تماماً.

ثم أيضاً فيه طريقة من طُرق التعليم بالرسم والإيضاح، وهي التي يسميها الناس اليوم في طرق التعليم المعاصر: وسائل الإيضاح.

فالنبي ﷺ سبق هذه الطرق الحديثة، فكان يرسم لأصحابه، ويخط لهم خطوطاً، ويبين لهم، وهذا جاء في أكثر من حديث.

ووسائل التعليم عنده ﷺ كانت متنوعة، أحياناً يسألهم ﷺ ثم يجيب كما حدث لمّا سألهم عن الشجرة التي لا يسقط ورقها إلى آخره، ومثّلها بالمؤمن وبعدما ذهبت إجاباتهم هنا وهناك أخبرهم أنها النخلة، إلى غير ذلك من طرق تعليمه ﷺ[3].

فالمقصود أن الآمال -أيها الأحبة- طويلة، والآجال دونها، كل إنسان آماله أبعد من أجله، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعمل وألا يتعلق بهذه الآمال كأنه سيحققها، وإنما إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن فراغك لشغلك، ومن حياتك لموتك.

فيبادر الإنسان إلى الأعمال الصالحة، فيكون على حالة مرضية، فإذا لقي الله يكون له رصيد، له أعمال، له حسنات، والآخرة دار لا تصلح للمفاليس، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله (8/ 89)، رقم: (6418).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله (8/ 89)، رقم: (6417).
  3. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم (1/ 22)، رقم: (62)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب مثل المؤمن مثل النخلة (4/ 2164)، رقم: (2811).

مواد ذات صلة