الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث "ما ضرب رسول الله ﷺ شيئًا قط بيده.." ، "كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه بُردٌ.."
تاريخ النشر: ٢٦ / رجب / ١٤٣٠
التحميل: 1464
مرات الإستماع: 6260

ما نيل منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "العفو والإعراض عن الجاهلين"أورد المنصف -رحمه الله-:

حديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى[1]. رواه مسلم

قولها: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قط بيده يعني: لا بهيمة، ولا صغيراً، ولا كبيراً، ما ضرب شيئاً، فإن "شيئاً"نكرة في سياق النفي، فذلك للعموم.

"ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا" المرأة والخادم هي من جملة ما يدخل في الشيء، فيما سبق من قولها: ما ضرب شيئاً، لكنها خصت ذلك بالذكر؛ لأنه جرت عادة الكثيرين أن يضربوا المرأة والخادم؛ للتأديب.

"إلا أن يجاهد في سبيل الله" بمعنى: أنه يضرب أعداء الله -تبارك وتعالى، "وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى".

ما نيل منه: يعني: من عرضه، أو ما نيل منه بأي لون من الإساءة، والتعدي، "فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله"، يحتمل أن يكون الاستثناء هنا من قبيل المتصل، بمعنى: أنه لا ينتقم إذا نيل منه إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله .

يعني: إذا كان في هذه الإساءة انتهاك لشيء من محارم الله ، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً، المعنى يكون هكذا: وما نيل منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه، لكن إذا انتهكت محارم الله انتقم لله، لا أنه ينتقم لنفسه ﷺ.

وهذه تربية وأخلاق عالية، كون الإنسان لا يضرب بيده أحداً، وكذلك أيضاً أنه لا ينتقم لنفسه، وإنما يكون انتقامه لله -تبارك وتعالى.

كنت أمشي مع رسول الله ﷺ
ثم ذكر حديث أنس قال: كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه بُردٌ نجراني غليض الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء. متفق عليه

جبذه يعني: جذبه جذبة شديدة، أو جبذة شديدة، المعنى واحد.

يقول: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ يعني: رقبته- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته.

ثم قال: يا محمد، ناداه باسمه، لم يكنه، ولم يناده بوصف الرسالة ﷺ، والله يقول: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63].

قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، ما قال: أحسن إليّ، أو أعطني، أو نحو ذلك، مُر لي من مال الله الذي عندك.

كأنه يقول: فإنك لا تعطيني شيئاً من مالك، قال: فالتفت إليه رسول الله ﷺ فضحك، ثم أمر له بعطاء[1].

العادة أن الإنسان في مثل هذه المقامات يغضب، يحنق على هذا الإنسان الذي لم يحسن التصرف، والنبي ﷺ ضحك وأمر له بالعطاء، فهذه -أيها الأحبة- أخلاق عالية، لا يكفي أن يسمعها الإنسان وينقضي بعد ذلك كل شيء، وإنما يرجع إلى نفسه: لو كان في هذا المقام، لو كنت في مكانك الذي أنت فيه في عمل، أو في مدرسة، أو في مستشفى، أو في أي مكان تعمل، فجاءك إنسان من المراجعين وجذبك جذبة أمام الناس، وقال لك: أعطني كذا، أو افعل لي كذا، أو نجِّز لي المعاملة الفلانية، فأنت موظف هنا لا أكثر ولا أقل، كيف سيكون شعور الإنسان؟ وكيف سيرد عليه؟ نحن ننسى كثيرًا من هذه المعاني والتربية والأخلاق التي نسمعها إذا كان الإنسان في موقف يُستفز فيه غضبه وتستثار فيه نفسه، فيصدر أحياناً من الإنسان ما لا يليق من الأقوال والأفعال، ولربما يخرج عن طوره، فيتصرف بتصرفات السفهاء.

والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

  1. أخرجه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (4/ 94)، رقم: (3149)، ومسلم، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة (2/ 730)، رقم: (1057).

مواد ذات صلة