الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «إن الله يحب العطاس..» إلى «إذا عطس أحدكم فحمد الله..»
تاريخ النشر: ٢٢ / جمادى الآخرة / ١٤٣١
التحميل: 778
مرات الإستماع: 1302

مقدمة باب استحباب تشميت العاطس

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

قال المصنف:

باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى، وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى، وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب.

قوله: "باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى" ذكر الاستحباب، مع أنه جاء عن النبي ﷺ كما سيأتي- قوله: فإذا عطس أحدكم وحمد الله، كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله[1] فظاهره الوجوب، كذلك: وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله[2] فهذا أمر، وهكذا في قوله: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه[3] والأمر للوجوب.

قوله: "استحباب تشميت العاطس" التشميت ما هو؟ من أهل العلم من يقول: التشميت والتسميت بالسين بمعنى واحد، والعرب تناوب بين الحروف، فيقولون: سمّته، وشمّته، وأن المعنى واحد.

وبعضهم يفرق بينهما، فيقولون: سمته إذا دعا له بالبركة، وشمته بمعنى دعا له باجتماع شمله، يقولون: بأن ذلك مأخوذ من قولهم: شُمَّت الإبل في المرعى، يعني جمعت وضمت، فيكون المعنى: جمع الله شمله.

وبعضهم يقول: سمته وشمته بمعنى: أقام سمته؛ ولأنه في حال العطاس تضطرب أعضاؤه وأبعاضه اضطرابًا عظيمًا، فيدعى له باجتماعها، ورجوعها إلى حالتها.

فمن يفرق بين المعنيين يقول: اجتماعها هذا هو التشميت، شمته، وسمته: أقامها وأعادها إلى مواضعها، وحالها التي كانت عليها.

وبعضهم يقول: التشميت من الشوامت، وهي القوائم، يقولون: لا أبقى الله له شامتة، يعني: قائمة، والمشهور أن معنى التسميت والتشميت واحد.

وقيده النبي ﷺ بأن يحمد الله تعالى، كما سيأتي في الأحاديث، فإذا لم يحمد الله فإنه لا يشمت؛ ولهذا قال: "وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى" لأن النبي ﷺ أمر بتشميته إذا حمد الله، فإذا عُكست القضية، فمفهوم المخالفة: إذا لم يحمد الله لا تشمتوه، فيكون ذلك للكراهة.

لكن من عُرف من عادته أنه يحمد الله، لكن لم تسمعه لبعده، أو لمؤثرات صوتية، أو لغط وكلام للناس، فهل هذا يشمت؟ الجواب: لا؛ لأن ذلك مقيد بما إذا سمعته.

ولو كنتَ بعيدًا فسمعت من يليه قالوا: يرحمك الله، هل يشمت؟ لأن معنى ذلك: أنهم سمعوه، وأنت لم تسمع؟ الإمام مالك -رحمه الله- يقول: لا يشمته، ولو سمع من يليه يشمته[4] فذلك مقيد بسماعك له.

قال: "وبيان آداب التشميت" آداب التشميت يعني ماذا نقول له؟ وماذا يجيب؟

"والعطاس" من خفض الصوت، وما إلى ذلك، مما يأتي.

"والتثاؤب" وهو معروف، فلا يحتاج إلى شرح، وإن حاول بعض أهل العلم أن يفسره ويعرفه، لكنه تعريف بما هو أصعب مما عرف.

إن الله يحب العطاس
عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم، وحمد الله تعالى كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان[5] رواه البخاري.

قوله: إن الله يحب العطاس لماذا يحب العطاس؟ لأنه عنوان النشاط والصحة والحيوية، ما لم يكرره -كما في الثالثة- فإنه يدل على أن الإنسان مريض ومزكوم؛ ولعله يأتي -إن شاء الله- الكلام عليه، لكن في الأحوال العادية -الطبيعية- يدل على كمال الصحة؛ لأن الأصل أن المريض غير المزكوم قد لا يحصل منه هذا؛ ولهذا يستبشر الناس إذا رأوا المريض قد عطس.

ثم فيه خروج الأذى من الإنسان، من الأبخرة الضارة من الدماغ، أو غيره.

قوله: ويكره التثاؤب لماذا؟ لأنه يكون من الامتلاء والاسترخاء والكسل والتثاقل، ومثل هذا أمر غير محمود، فالإنسان الذي كلما جلس لا سيما في مجالس العلم تثاءب مرة بعد مرة، فهذا أمر غير جيد، والناس لا يحبونه، ولا يحبون هذا؛ لأن التثاؤب يكون عندما يريد الإنسان النوم، لكن إذا جلس في مجالس العلم يتثاءب في المجلس الواحد بين المغرب والعشاء ما يزيد على عشرين مرة!

ثم إن النفوس لها نوع من التجاذب لا يخفى، فتجد الإنسان إذا أكثر منه أثر ذلك على غيره، ولو لم يره؛ لأن الشيطان يحضر، فالتثاؤب من الشيطان، والله يكرهه؛ ولذلك تجد الإنسان أحيانًا يتثاءب وأنت لم تره، فتجد الآخر يتثاءب، وهذا مشاهد، وإذا كثر أدى إلى وهن فيمن حوله؛ ولهذا نقل عن بعض أهل الحيل أنه إذا أراد أن يسرق دارًا، أو نحو ذلك، وعليها حارس، جاء بقرد قد دربه وعوده، فجعل هذا القرد يتثاءب مرة بعد مرة أمام الحارس، فما الذي يحصل؟ الحارس ينام، ثم ينتهز الفرصة ذاك، ويدخل الدار فيسرق.

قال: فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى فقيده هنا بالحمد.

كان حقًا على كل مسلم هذا يدل على أمرين:

الأول: أن ظاهره الوجوب.

الثاني: هل التشميت فرض كفاية؟ بمعنى: إذا قال واحد كفى على الآخرين؟ كثير من أهل العلم يقولون: نعم هو فرض كفاية، فإذا شمت واحد حصل المقصود، وناب عنهم.

لكن قوله: كان حقًا على كل مسلم سمعه هذا أشبه ما يكون بالنص الصريح في تعيينه على كل من سمعه، ومن ثم فيقال: الجميع يشمتونه، ولا يكفي واحد، فعلى كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله.

ثم لماذا نقول له: يرحمك الله؟ ولماذا هو يقول: الحمد لله؟

من أهل العلم من يقول: إنه يقول: الحمد لله؛ لأن هذا الأمر الذي حصل له يحصل فيه اضطراب عظيم جدًا، فيحمد الله على هذا الأمر الذي يحبه، وأنه عنوان العافية والنشاط في الأصل.

ثم أيضًا حينما يحصل له مثل هذا تخرج منه الأبخرة الضارة، فهو يحمد الله على ذلك.

ثم إنه لم يحصل له مكروه بسبب مثل هذا الاضطراب الذي يحصل لأبعاض وأجزاء الدماغ، وما يليه، فيحمد الله. وبعض أهل العلم يقول: يقال له: يرحمك الله، باعتبار أنه حينما حصل له هذا -أعني العطاس- فهو بحاجة إلى ألطاف الله  ورحمته، من أجل أن تبقى عافيته وتماسكه، وأن يرجع كل عضو منه إلى موضعه، هكذا قال بعض أهل العلم.

يقول: وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان كيف من الشيطان؟ الله يقول: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [المجادلة: 10] يعني: من تسويله وتزيينه، وعمله من الشيطان، وهنا التثاؤب من الشيطان يعني: ربما يكون مما يدعو إليه الشيطان ويحبه، وربما هو الذي يكسل الإنسان ويثقله؛ لأن الشيطان لا يريد من الإنسان أن يكون في حالة من التألق والنشاط والحيوية، وإنما يريده في حال من الخمول والكسل عن الطاعة والحزن؛ ولهذا قال النبي ﷺ : الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان[6] من أجل أن يحزن الإنسان، والنجوى أيضًا قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10] هو يريد من الإنسان أن يكون مكتئبًا ومتكاسلا ومتثاقلا، فينبغي للإنسان أن يدافع هذه الأمور، وأن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يستعين على أعباء الحياة المادية، وعلى الطاعات بما أمر الله به وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة: 45] استعين بها على قضاء الحوائج الدنيوية، فالإنسان خلق في كبد، ونستعين بها على قضاء ما أمر الله به من التكاليف.

فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع بخلاف العطاس، فالعطاس لا يرفع صوته به جدًا، وإنما يغض صوته، وهذا من الأدب، لكن لا يكتم فيتضرر بذلك، وأما التثاؤب فليرده ما استطاع كيف؟ ألا يتثاءب إذا استطاع، يغلق فمه تمامًا، فإن لم يستطع أحكم إغلاقه بيده، فلا يبدو منه شيء من الخلل بين الأصابع، أو المسام، أو نحو ذلك؛ لماذا؟ قال: فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان رواه البخاري.

وفي الحديث الآخر الذي سيأتي: إذا تثاءب أحدكم، فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل[7] أي يدخل الشيطان في جوفه، فلا تجعل له مجال، لا للدخول، ولا تكن في هيئة يضحك منها الشيطان.

يضحك منه الشيطان إذا فتح فمه، لا سيما إذا قال: هاه هاه، يكون معه صوت، الشيطان يضحك منه، وينظر إلى جوفه، ويدخل فيه، ويسمع منه هذا، وهو في حال من الكسل والقعود، فيضحك منه، كما لو أن الإنسان أمامه عدوه، وعدوه يضحك منه، في تصرف من التصرفات، ويعرف هذا، ويشمت منه، ويضحك عليه، هل يظهر منه هذا التصرف ويبدو؟

الجواب: أبدًا، وإنما يتجلد ويتصبر؛ ولذلك تجد الإنسان أحيانًا يقع في مصيبة، ينكسر معها كثير من الناس، ويحصل لهم من الهلع والجزع، لكن من الناس من يتجلد، كأنه لم يحصل له شيء، بسبب ألا يشمت به عدوه، لا طلب لمرضاة الله وهذا مشاهد.

إذا عطس أحدكم فليقل
وعنه عن النبي ﷺ قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله، ويصلح بالكم[8] رواه البخاري.

"وعنه" أي: عن أبي هريرة .

وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله وهذا أمر -كما سبق- وهو للوجوب في ظاهره، والله أعلم.

فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله، ويصلح بالكم يدعو له بالهداية، وصلاح البال، والله قال عن الشهداء: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۝ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [محمد: 4-5] ثم ذكر ما يكون بعد ذلك: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد: 6] فإذا هدى الله  عبدًا، وأصلح باله، استقامت أموره وأحواله كلها، وكان على الحالة المرضية في عبادته وتعامله وأخلاقه ومزاولته اليومية، وفي أعماله وكسبه وطلبه للمعيشة، وما إلى ذلك، ويكون في حال من الطمأنينة والسكينة، وييسر له ما يعسر على كثيرًا من الناس، فمن اتقى الله -تبارك وتعالى-، وعمل بما أمر به حصل له التيسير، ويجعل له من أمره يسرًا، فمن أراد تيسير الأحوال، وصلاح البال، وطمأنينة النفس، والسكينة، فليلزم طاعة الله؛ وليمتثل حتى في مثل هذه الأمور، كالتثاؤب والعطاس والتشميت...، إلى آخره.

وكثير من الناس يعاني من ضيق، وقلق وكآبة، ومخاوف، ورهاب اجتماعي، ووحشة في قلبه، فما المخرج من مثل هذه الأمور التي يجدها الإنسان؟

المخرج منها: أن يلزم طاعة الله، فلا يحتاج إلى طبيب نفسي، ولا عيادة، ولا أدوية تدكه دكًا، وتثقله عن مصالحه والقيام بشؤونه أبدًا، يلزم طاعة الله، فيحصل للنفس الانشراح، لكنها تُظْلم كلما ابتعدت عن ربها، وباريها، وخالقها .

إذا عطس أحدكم فحمد الله
وعن أبي موسى قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه[9] رواه مسلم.

هذا نص ظاهر، وأعني بالظاهر هنا: أنه ليس بمفهوم، وإنما هو منطوق فلا تشمتوه وهناك قيّد قال: إذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله مفهوم المخالفة: أنه إذا لم يقل: الحمد لله، فلا يشمت، هذا مفهوم المخالفة، وهذا المفهوم دل عليه المنطوق هنا فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ودلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم، مع أن المفهوم حجة عند الجمهور.

ومن هنا قال النووي -رحمه الله-: "وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله" لكن ما هو الصارف من التحريم الذي هو الأصل في دلالة النهي إلى الكراهة؟! فلو حُمل على التحريم لم يكن ذلك بعيدًا.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1.  أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه برقم (6226).
  2.  أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إذا عطس كيف يشمت برقم (6224).
  3.  أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2992).
  4.  إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 543).
  5.  أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه برقم (6226).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب النفث في الرقية برقم (5747) ومسلم في أول كتاب الرؤيا برقم: (2261).
  7. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2995).
  8.  أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إذا عطس كيف يشمت برقم (6224).
  9. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2992).

مواد ذات صلة