الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث "أمرنا رسول الله ﷺ بعيادة المريض.." ، «حق المسلم على المسلم خمس..»
تاريخ النشر: ٢٩ / جمادى الآخرة / ١٤٣١
التحميل: 1375
مرات الإستماع: 1629

مقدمة باب عيادة المريض وتشيع الميت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا كتاب عيادة المريض، وتشييع الميت، والصلاة عليه، وحضور دفنه، والمكث عند قبره بعد دفنه، ويأتي الكلام على هذه المعاني بإذن الله -تبارك وتعالى- في ثنايا شرح هذه الأحاديث في هذه الأبواب التي عقدها المصنف -رحمه الله.

فأول هذه الأبواب هو: باب عيادة المريض، والعيادة هي: بمعنى الزيارة، وقيل لها: عيادة من العود؛ لأن ذلك يتكرر، فالمريض خُص في عرف الاستعمال غالبًا التعبير عن زيارته بالعيادة، فإذا قال: عُدتُ فلانًا معناه: أنه كان عليلًا، ولكن إذا زاره من غير علة، من غير مرض، يقال: زرته.

والمريض منكسر القلب، والإنسان تنكسر نفسه، ويتلاشى كبرياؤه، ويحصل له من الضعف، والشعور بالعجز، والمسكنة إذا أصابه المرض فأقعده، فعندئذ يعرف ضعفه، ومسكنته، وحاجته، وفقره إلى ربه -تبارك وتعالى؛ لأن الكثيرين أيها الأحبة يعيشون في سكرة، وفي غفلة في حال عافيتهم، يذهب ويجيء بقوته ونشاطه، فإذا مرض أبصر حقيقةً كان قد غفل عنها، وإذا نظر إلى الناس خارج المستشفى من زجاج المستشفى، من نافذة المستشفى، وهم يذهبون ويجيئون، والسيارات وهي تذهب في الطرقات، أدرك أنه فقد شيئًا في غاية الأهمية، وأنه يعيش بشيء من الوحشة والغربة، حيث أسره المرض فأقعده عن مزاولة مصالحه، كما يزاول الناس أعمالهم، فهو ينظر إليهم باعتبار أنهم شيء آخر، يملكون ما لا يملك، وأُعطوا ما سُلبه هو، وقد يكون ذلك نعمة على العبد، يعرف بها قدر نعمة الله عليه، وما هو فيه من التفريط والإعراض.

فالمقصود: أن المريض لما كان في هذه الحال من الضعف والكسرة، كان بحاجة إلى من يقويه، ويشد عزيمته، فكانت العيادة مشروعة؛ لأنه لو بقي مع وحشته وضعفه لربما يتضاعف عليه المرض والألم، ولا يخفى أن العلل البدنية، والأمراض التي تصيب الإنسان أنها تقوى وتضعف بحسب ما يحصل عند المريض من قوة القلب وضعفه، فالإنسان الذي يحصل له ضعف، وانكسار، وينحسر الألم في نفسه، يتضاعف عليه المرض، فيهد أركانه، وآخر يعيش في حال من قوة القلب، والفأل الحسن، وعنده من الصبر، والعزيمة، والرضا، والشكر لله الشيء الكثير، مثل هذا يدفع المرض بإذن الله -تبارك وتعالى، وهذا أمر معروف مشاهد، يعرفه عقلاء الأطباء، وغيرهم، هذا معروف لا يُنكر، يسمونه هم: بالحالة النفسية للمريض؛ ولهذا يحتاج إلى شيء من معرفة الآداب -أعني: العائد للمريض، إلى معرفة آداب مناسبة لائقة في هذه، مما يتصل بتطويل الزيارة، أو تقصير الزيارة، أو التوسط، بحسب حال المريض، فأحيانًا ينفعه ذلك، وأحيانًا يضره، وأحيانًا لا تصلح له الزيارة، وأحيانًا لابدّ منها، والناس أحيانًا قد يمنعون ذويهم من عيادة الناس حينما يمرضون، وقد يخطئون في حقهم، وأحيانًا يُعذرون في هذا، ولكل حال لبوس، لكن لو لم يكن لهم إلا الدعاء لكفى، وهكذا أيضًا ما يتصل بما يقال للمريض، وما يُدعى له به، وما يتحدث به عنه، فإن هذا أمر مطلوب أن يعرف، وأن يتأدب به؛ لأن من الناس من يأتي إلى المريض ويذكر له جملة من الحالات التي تشبه حالته ممن أصيبوا بهذا المرض، وأنهم قد ماتوا، فتكون هذه العيادة على خلاف المقصود، فينكسر قلب المريض، ويحزن، ويغلب عليه اليأس، والضعف، والمقصود: أن الزيارة يفترض أن تكون عكس هذا، فما تذكر له إلا الأخبار السارة، والأمور المفرحة التي تقوي قلبه، ويذكر له أحوال من تعافى من هذا المرض، وأن هذا شيء يسير، وأن الأمور بيد الله ، فلا ييأس، ويذكر له أشياء عكس ذلك.

أمرنا رسول الله ﷺ بعيادة المريض
ذكر حديث البراء بن عازب -رضى الله عنهما- قال: "أمرنا رسول الله ﷺ بعيادة المريض، واتباع الجَنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المُقسِم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام"[1]متفق عليه.

"أمرنا رسول الله ﷺ"، والأصل: أن الأمر للوجوب، فهذه الأمور منها ما هو: فرض عين، ومنها ما هو: فرض كفاية، على تفصيل في بعضها.

"أمرنا رسول الله ﷺ بعيادة المريض"، هذا ظاهره: أن العيادة واجبة، لكنها واجبة على الكفاية، بمعنى: أنه يزار إذا كانت حاله تسمح بذلك، يزوره بعض المسلمين، لا يُترك، لا يهمل، لا ينقطع من زيارة الناس، وهي على الأفراد مستحبة، وكما سبق أن العيادة تدل على التكرار، من العَوْد، فلا يكتفى بزيارته مرة واحدة، والمرض هنا لا يختص بالمرض الذي يُقعد الإنسان على فراشه، وإنما كل ما يصدق عليه أنه مرض يمكن أن يعاد من أجله، فإذا كان المرض أكثر يعني: كلما تحقق فيه هذا الوصف أكثر -الذي هو المرض- كلما كان هذا المطلوب -أعني العيادة- آكد.

قال: "واتباع الجَنازة"، اتباع الجنازة معروف، أن يتبع الجنازة من بيت أهلها في الأصل، حينما كانوا يخرجون بها من بيتها، كما تدل عليه بعض الأحاديث، حتى تغسل، حتى يصلى عليها، ثم يذهب بها إلى المقبرة، حتى تدفن، لكن الآن -كما أشرت في بعض المناسبات- صار الناس مباشرة من المستشفى يذهبون به إلى مغسلة الموتى في المسجد، فإذا ذهب الإنسان هناك، وصلى عليه، ثم تبعه إلى المقبرة رُجي أن يحصل له الأجر، وأن يكون قد حقق هذا الأمر.

الجَنَازة والجِنَازة ما الفرق بينهما؟ دائمًا بهذه الطريقة: أن الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، جَنازة وجِنازة، الفتح أعلى، إذن هو: الميت، والجِنازة: النعش، فالأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، مع أن هذا ليس محل اتفاق، فمن أهل العلم من يقول: هما بمعنى واحد، ومنهم من يقول بالعكس.

يقول: "واتباع الجَنازة"، يعني: الميت.

"وتشميت العاطس"، وعرفنا ما معنى: التشميت، والتسميت، والفرق بينهما، معنى هذا: الدعاء، وعرفنا حُكمه.

"وإبرار المُقسِم"، يعني: حلف عليه، قال: والله إنك ستأكل عندي، والله إنك ستجلس عندي، والله إنك ستدخل عندي، فلا تضيع هذا اليمين، ويحنث بناء على عدم استجابتك، فإذا حلف عليك بشيء ليس فيه محظور، فيُبَر.

قال: "ونصر المظلوم"، "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"[2]، فأما نصر المظلوم فهو: بدفع حقه إليه، ودفع ظالمه عنه، وأما نصر الظالم فبكفه عن الظلم.

قال: "وإجابة الداعي"، وهذه فيها تفصيل، إجابة الداعي حق، وهي: مطلوبة، والنبي ﷺ أمر بهذا، وأهل العلم اختلفوا في إجابة الدعوة، وفيما يطلب لذلك، والشروط، لكن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن الذي يجب هو: الدعوة إلى وليمة النكاح، هذا الواجب، على تفصيل في ذلك، يعني: الآن الدعوة: بطاقات توزع، أو رسائل بالجوال، أو نحو هذا، هل هذه يجب الإجابة فيها؟ أو يقال: إذا دعاك بعينه، اتصل عليك، وقال لك: أنا أدعوك، أو جاء إليك، أو نحو ذلك، وقال: أنا أدعوك للزواج، فهذه دعوة خاصة، غير هذه البطاقات التي تكتب بالمئات، بعد عصف ذهني، يعني: يستحضر فيه كل من يخطر في البال من الأسماء، وإن لم يقصد حضورهم بالضرورة، يعني: معلوم أن عددًا من هؤلاء يقرب من الثلث لن يحضروا.

فعلى كل حال: من أهل العلم من يقول: لا يجب في مثل هذا الإجابة، بهذه الطريقة.

وعلى كل حال: يحسن بالمسلم أن يقدر أخاه، فإذا وجه إليه الدعوة أجابه، وإذا جاء يَطْعم من الوليمة، أو يعتذر، أما باقي الدعوات فإنه لا يجب عليه تلبيتها، والله تعالى أعلم، لكنه من السّنة، والأمر المؤكد المطلوب شرعًا: إجابة الداعي.

"وإفشاء السلام "متفق عليه، يعني: نشره، وإذاعته، وسبق الكلام على هذا المعنى.

حق المسلم على المسلم خمس
وذكر حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس[3]متفق عليه.

وقد سبق الكلام على هذا الحديث في تعظيم حرمات المسلمين،فهنا سماه: حقًّا، وهناك قال: أمرنا رسول الله ﷺ، وكل هذا يشعر بالوجوب؛ ولهذا من أهل العلم من يقول: إن إجابة الدعوة مثلًا واجبة مطلقًا، والناس يتساهلون، ونحن نتساهل في هذا كثيرًا، والله المستعان، ولكن الإنسان يتعلم؛ ليمتثل ويعمل، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وأن يعيذنا وإياكم من الشيطان وشركه، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب وجوب عيادة المريض، رقم: (5650)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العَلَم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، رقم: (2066).
  2. أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما، رقم: (2443)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، رقم: (2584).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، رقم: (1240)، ومسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، رقم: (2162).

مواد ذات صلة