الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
شرح مقدمة الباب إلى حديث «اللهم اغفر لحينا وميتنا..»
تاريخ النشر: ٠٣ / شعبان / ١٤٣١
التحميل: 1010
مرات الإستماع: 1295

مقدمة باب ما يُقرأ في صلاة الجنازة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب ما يُقرأ في صلاة الجنازة.

يقول النووي -رحمه الله: يكبر أربع تكبيرات، يتعوذ بعد الأولى، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يكبر الثانية، ثم يصلي على النبي ﷺ فيقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد. والأفضل أن يتممه بقوله: كما صليت على إبراهيم - إلى قوله - إنك حميد مجيد.
ولا يقول ما يفعله كثير من العوام من قراءتهم: إنَّ اللهَ وَمَلائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ [الأحزاب: 56] الآية، فإنه لا تصح صلاته إذا اقتصر عليه، ثم يكبر الثالثة، ويدعو للميت وللمسلمين بما سنذكره من الأحاديث إن شاء الله تعالى، ثم يكبر الرابعة ويدعو. ومن أحسنه:  اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.
والمختار أنه يطول الدعاء في الرابعة خلاف ما يعتاده أكثر الناس، لحديث ابن أبي أوفى الذي سنذكره إن شاء الله تعالى.

"يكبر أربع تكبيرات، يتعوذ بعد الأولى، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يكبر الثانية". يعني: في الأولى لا يقرأ دعاء الاستفتاح، طبعًا هنا لم يذكر البسملة، باعتبار: أن من أهل العلم من يرى أن البسملة هي من الفاتحة، لا يحتاج أن ينبه على ذلك.

يقول: "ثم يكبر الثانية، ثم يصلي على النبي ﷺ، فيقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، والأفضل: أن يتمه بقوله: كما صليت على إبراهيم... إلى قوله: إنك حميد مجيد".

والدليل: لما سأل قيس بن سعد بن عبادة النبي ﷺ: قد علمنا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد...[1]، إلى آخره، فهذه هي الصيغة الكاملة المشروعة.

قال: "ولا يفعل ما يفعله كثير من العوام، من قراءتهم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] الآية".

لأنه إن فعل ذلك لا يكون قد صلى على النبي ﷺ، وإنما قرأ الآية التي تخبر أن الله وملائكته يصلون على النبي، وفيها أمر لأهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

قال: "فإنها لا تصح صلاته إذا اقتصر عليه، ثم يكبر الثالثة، ويدعو للميت وللمسلمين بما سنذكره من الأحاديث -إن شاء الله تعالى، ثم يكبر الرابعة، ويدعو، ومِن أحسنه..".

يعني: من أحسن الدعاء.

قال: "اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، والمختار: أنه يطول الدعاء في الرابعة، خلاف ما يعتاده أكثر الناس؛ لحديث ابن أبي أوفى الذي سنذكره -إن شاء الله تعالى".

من أهل العلم من يقول: إنه إذا كبر الرابعة يسكت هنيهة، ولا يقول شيئًا، ثم يسلم، وبعضهم يقول: يصلي على النبي ﷺ، ولا أعلم فيه شيئًا يثبت عنه ﷺ، يقول النووي -رحمه الله: إنه يدعو بعده، باعتبار أن النبيﷺ جاء عنه أنه سكت سكوتًا طويلًا، حتى ظنوا أنه سيكبر خامسة.

قال: "فأما الأدعية المأثورة بعد التكبيرة الثالثة، فمنها..".

على كل حال، ورد أيضًا صفات أخرى في صلاة الجنازة، فيها أكثر من أربع تكبيرات.

اللهم اغفر له وارحمه وعافه
يقول: وعن أبي عبد الرحمن، عوف بن مالك ، يعني: الأشجعي، قال: صلى رسول الله ﷺ على جنازة، فحفظت من دعائه، وهو يقول: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت،[1]رواه مسلم.

قوله: اللهم اغفر له، الغفر يتضمن أمرين -كما سبق التنبيه عليه في بعض المناسبات: الستر، والوقاية، ومنه المِغفر؛ لأنه يستر رأس لابسه، ويقيه أيضًا ضرب السلاح.

وارحمه، والرحمة أعم من الغفر؛ لأن الغفر جزء من الرحمة، فإذا رحم الله عبدًا غفر له، ومن رحمته إدخاله الجنة، ومن رحمته رفع الدرجات، وما إلى ذلك.

قال: وعافه يعني: من العذاب، من النار.

واعفُ عنه، العفو بمعنى: المحو، عفت الريح الأثر، أي: محته، تُمحَى خطاياه وذنوبه.

وأكرم نزله، وأصل النزل هو: ما يعد للضيف، والمقصود هنا: ما يصير إليه من الثواب والأجر.

ووسع مدخله يعني: القبر.

واغسله بالماء والثلج والبرد، وهذه الثلاثة معروفة، لكنه يرد سؤال هنا، وهو: أنه ما وجه تحديد هذه الأمور؟ لأن الغسل بالماء واضح، لكن يرد سؤال: وهل الذنوب تغسل بالماء؟ وما علاقة ذكر الثلج والبرد؟ ابن القيم -رحمه الله- ذكر أنه سأل شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذا الدعاء: واغسله بالماء والثلج والبرد، ما وجهه؟ وأن الذنوب لا تغسل بالماء، وما وجه ذكر الماء والثلج والبرد؟ والماء الحار أبلغ في التطهير والتنظيف، فلماذا ذكر الثلج والبرد؟ فشيخ الإسلام -رحمه الله- أجابه: بأن الشهوات والذنوب والمعاصي تورث حرارة في القلب، وضعفًا، وارتخاء، فناسب ذكر الغسل بالماء والثلج والبرد، فالماء يحصل به التطهير؛ لأن الذنوب تنجس القلب، وتقذره، فذكر الماء، كما أنها تؤثر فيه ارتخاء، وضعفًا، ويناسب هذا الغسل بالثلج والبرد، فيكون فيه قوة وصلابة، وتبريد لما في الذنوب والشهوات من الحرارة، فذكر هذا، فيكون في غاية المناسبة، والله تعالى أعلم.

قال: ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، الدار التي في الدنيا التي كان فيها، يُبدل خيرًا منها.

وأهلًا خيرًا من أهله يعني: الولد، والخادم، وما إلى ذلك.

وزوجًا خيرًا من زوجه يعني: من الحور العين، أو من نساء الجنة.

وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وهذا من أجمع الأدعية؛ ولهذا قال عوف بن مالك : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت.

اللهم اغفر لحينا وميتنا
ثم ذكر: حديث أبي هريرة ، وأبي قتادة، وأبي إبراهيم الأشهلي، عن أبيه، وأبوه صحابي، يعني: لا تضر الجهالة، ما يعرف من هو أبوه، لكنه صحابي، لا تضر الجهالة فيه ، عن النبي ﷺ: أنه صلى على جنازة، فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده[2].

فهذا دعاء جامع، يعني: اغفر للجميع.

وصغيرنا وكبيرنا، مع أن الصغير ليس عليه خطايا، فمن أهل العلم من يقول: بما يصير إليه، يعني: إذا صار في سن التكليف، والمقصود هو: اغفر للجميع، باختصار.

قال: وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، كما في هذه الرواية، وفي بعض الروايات غير ذلك، فالإسلام في الأولى والثانية، وقال هنا: فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان، فإذا ذكر الإسلام والإيمان معاً صار لكل واحد منهما معنى يخصه، فالحياة على الإسلام بمعنى: الاستسلام لله ، أن يكون منقادًا لربه -تبارك  وتعالى، مستجيبًا له، مطيعًا، وهذا الذي يناسب في الحياة، ويموت على الإيمان، فإن ذلك يتصل بالقلب، بالتصديق، والانقياد، والإذعان، والإقرار، وما إلى ذلك.

قال: اللهم لا تحرمنا أجره يعني: أجر الاحتساب، وأجر الصلاة عليه، وأجر الدعاء له.

ولا تفتنا بعده؛ لأنه قد ذهب بعمله، ولم يبقَ عليه إلا فتنة القبر، ولكن فتن الدنيا قد تركها وراء ظهره، فيقول: ولا تفتنا بعده، رواه الترمذي من رواية أبي هريرة، والأشهلي، ورواه أبو داود من رواية أبي هريرة وأبي قتادة، قال الحاكم: حديث أبي هريرة صحيح على شرط البخاري ومسلم، قال الترمذي: قال البخاري: أصح روايات هذا الحديث رواية الأشهلي، قال البخاري: وأصح شيء في الباب: حديث عوف بن مالك، الأول الذي في صحيح مسلم، ومعلوم أن قولهم: أصح ما في الباب، لا يعني: أنه صحيح، فقد يكون صحيحًا، وقد لا يكون كذلك، وهنا حديث عوف بن مالك صحيح، وهذه الروايات صحيحة أيضًا، وإن كانت تتفاوت أيضًا في الصحة، هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، رقم: (963).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، رقم: (3201)، والترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ، باب ما يقول في الصلاة على الميت، رقم: (1024)، والنسائي، كتاب الجنائز، باب الدعاء، رقم: (1986)، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة، رقم: (1498)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: (5/ 70)، رقم: (3059).

مواد ذات صلة