الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في كتاب عيادة المريض (5-6)
تاريخ النشر: ٠٩ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 659
مرات الإستماع: 2163

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فمما جاء عن السلف في فضل الصلاة على الميت، وتشييعه، وحضور دفنه، أنه لما مات رافع بن خديج قيل لابن عمر: أخروه ليلته ليؤذنوا أهل القرى، فاستحسن ذلك، وقال: نِعم ما رأيت[1].

وهذا التأخير المقصود به ما لم يحصل ضرر على الجنازة، من التغير ونحو ذلك، إن دعت إليه حاجة، وإلا فالأفضل والأولى هو التعجيل به، وهل إعلام الناس ليعلم به أهل القرى، أو يعلم به قرابته في النواحي البعيدة، هل يكون ذلك أولى، بحيث تؤخر الجنازة إلى اليوم الثاني مثلاً؟

لأجل هذا المعنى الأقرب -والله تعالى أعلم- أنه لا يؤخر من أجل ذلك، وما جاء من الأدلة الدالة على التعجيل مقدم على هذا، لكن لو دعت حاجة إلى التأخر فلا بأس، مثل لو أن الجنازة تحتاج إلى تأخير بسبب معرفة بعض الملابسات في موتها مثلاً، فلا إشكال، أو أنهم ينتظرون أهلها لم يحضروا، فلا إشكال، أو كان قد أوصى أن ينقل إلى مكان آخر، وأراد ذلك الورثة إن لم يترك مالاً ينقل به، ولم يلحقهم بذلك مشقة معتبرة، أو أنهم تبرعوا بهذا تنفيذا لوصيته، ولم يحصل ضررًا على الجنازة من تغير، ونحوه، فلا إشكال، ينقلونه إلى المكان الذي أوصى به، وإن كان الأولى أن يدفن الإنسان في البلد الذي مات فيه، لكن قد يحتاج إلى هذا، وأحيانا من غير وصية، قد يدفن، قد يموت في بلد لا يوجد فيها أحد من المسلمين، لا يوجد مقبرة، فينقل إلى مكان آخر، ونحو هذا.

وجاء عن ثابت البناني قال: كان الحسن البصري متواريًا من الحجاج، فماتت بنت له، فبادرت إليه رجاء أن يقول لي: صل عليها، فبكى حتى ارتفع نحيبه، ثم قال لي: اذهب إلى محمد بن سيرين، فقل له: ليصل عليها، فعرف حين جاءت الحقائق أنه لا يعدل بابن سيرين أحدًا[2].

والمقصود بذلك أنه تضاعفت عليه مصيبته، حيث كان الحجاج بن يوسف يطلبه، وكان متواريا مختفيا، ولم يستطع أن يشهد ابنته حينما ماتت، وطلب أن يصلي عليها محمد بن سيرين، ويؤخذ من هذا أنه يتحرى في الصلاة على الجنازة أن يصلي عليها أهل الفضل والصلاح والتقوى.

وكذلك جاء عن أنس أنه أوصى أن يغسله ابن سيرين، وأن يصلي عليه[3].

ويقول ابن عيينة: تبع محمد بن المنكدر جنازة سفيه، فعوتب، فقال: والله إني لأستحيي من الله أن أرى رحمته عجزت عن أحد[4].

وكان المزني يغسل الموتى تعبدا، واحتسابا، وهو القائل: "تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة" وهو الذي غسل الشافعي[5] وهو من الفقهاء صاحب الشافعي، يغسل الموتى ليرقق قلبه، ولكن مع كثرة المعافسة صار ذلك أشبه ما يكون بالصنعة، ومن ثم فإنه لم يعد يرق قلبه، ولم يعد يتأثر، هذا مشاهد معروف في حال الناس، لكن لو أن الإنسان فعله بين حين وآخر، فإن ذلك يحصل به المقصود -والله تعالى أعلم-.

وهنا آثار في ذكر الحشود التي حضرت جنائز بعض الأئمة كالأوزاعي، وغيره، وداود الطائي حتى إنه حمل على سريرين، أو ثلاثة، كلها تكسر من شدة الزحام[6].

وتذكر أخبار عجيبة في هذا الباب، حتى ذكر أن الناس لربما اجتمعوا ثلاثة أيام، أو ثلاث ليال، مخافة أن يفوتهم شهوده[7].

وأما ما يتعلق بالتعجيل بالجنازة، والذي أشرت إليه قبل قليل، فمما جاء عنهم في هذا، ما جاء عن ابن حرملة، قال: كنت مع ابن المسيب في جنازة، فقال رجل: استغفروا لها، فقال: ما يقول راجزهم: قد حرجت على أهلي أن يرجز معي راجز، وأن يقولوا: ما سعيد بن المسيب، حسبي من يقلبني إلى ربي، وألا يمشوا معي بمجمر، فإن أكن طيبا فما عند الله أطيب من طيبهم[8].

وأوصى سعيد بن المسيب -رحمه الله- أهله بثلاث: ألا يتبعه راجز، ولا نار، وأن يعجلوا به، يقول: فإن يكن لي عند الله خير فهو خير مما عندكم، ويقول لزرعة بن عبد الرحمن: إني أشهدك على ابني محمد لا يؤذنن بي أحد حسبة أربعة يحملوني إلى ربي[9] طبعا كما سبق في الليلة الماضية أن هذا ذهب إليه بعض السلف، خافوا أن يكون ذلك من النعي المذموم، والأقرب -والله تعالى أعلم- أن الإخبار بالجنازة من أجل الصلاة عليها أن هذا لا إشكال فيه، ولكن النعي المذموم هو نعي أهل الجاهلية، والنبي ﷺ لما ماتت المرأة السوداء قال لأصحابه: فهلا آذنتموني[10] يعني من أجل أن يصلي عليها -عليه الصلاة والسلام- فهذا لا إشكال فيه، الأعلام بموت الميت من أجل الصلاة عليه فهذا حسن، يرسل برسالة جوال، أو نحو هذا، أو بالاتصال، أو غير ذلك من الوسائل، وتكثير المصلين على الميت لا شك أن هؤلاء يشفعون له، وقد مضت الأحاديث في هذا الباب -والله تعالى أعلم-.

  1. انظر: سير أعلام النبلاء (3/182).
  2. انظر: المصدر السابق (4/610).
  3. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (7/13).
  4. انظر: سير أعلام النبلاء (5/359).
  5. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (6/299).
  6. انظر: المصدر السابق (4/357).
  7. انظر: سير أعلام النبلاء (7/425).
  8. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (5/141).
  9. انظر: سير أعلام النبلاء (4/244-245).
  10. أخرجه ابن ماجه في سننه، برقم (1527) وصححه الألباني.

مواد ذات صلة