الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(2) من حديث أبي سعيد الخدري إلى حديث أنس رضي الله عنهم
تاريخ النشر: ١٤ / ذو الحجة / ١٤٣١
التحميل: 50
مرات الإستماع: 235

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الحث على سور، وآيات مخصوصة أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن[1] النبي ﷺ يقسم أنها تعدل ثلث القرآن.

وفي رواية: أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ثلث القرآن[2] رواه البخاري.

وعنه: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله ﷺ فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن[3] رواه البخاري.

وجاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: إنها تعدل ثلث القرآن[4] رواه مسلم، فهذه الأحاديث، والروايات تدل، وتبين فضل هذه السورة على سائر سور القرآن، من جهة أنها تعدل ثلث القرآن، والعلماء -رحمهم الله- تكلموا في هذا المعنى كثيرًا، وفي بيان المراد بكونها تعدل ثلث القرآن، فبعضهم قال: بأن ذلك من جهة أن القرآن يشتمل على موضوعات ثلاثة: التوحيد، والأحكام، والقصص، وأن هذه السورة تتصل بثلثه الأول، والأشرف، وهو ما يتعلق بالتوحيد، فهي تعدل ثلث القرآن يعني من جهة موضوعات القرآن، وهذا قد يفهم منه أن من قرأها لا يكون له كأجر من قرأ ثلث القرآن بهذا الاعتبار، إنما تعدل ثلث القرآن من جهة الموضوع.

ومن أهل العلم من قال: إنها لما كانت تتعلق بصفة الباري -تبارك وتعالى- كان لها هذه المزية أن من قرأها فإنه يكون له كأجر من قرأ ثلث القرآن، يعني: أنها تعدل في الأجر لا من جهة الموضوع الذي تتحدث عنه إنما من جهة الثواب والأجر، فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن هنا تكلم بعض هؤلاء فيمن قرأها ثلاث مرات، قالوا: فإنه يكون كأنما قرأ القرآن مرة واحدة من غير تضعيف، من غير تضعيف بمعنى لا أقول: ألم، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر[5] قالوا فإذا قرأها ثلاثين مرة فكأنما قرأ القرآن ختمة كاملة بالتضعيف، هكذا قالوا.

قالوا: إن كانت تعدل ثلث القرآن بالأجر فقراءتها ثلاث مرات كأنما قرأ القرآن، لكنه وعد على قراءة كل حرف من القرآن الحرف بعشر حسنات، فهذا الذي قرأ حروف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كأنما قرأ الثلث، لكن الذي مر على حروف القرآن في الثلث يكون له بكل حرف عشر حسنات، قالوا يحتاج أن يقرأها بثلاثين مرة باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها، فيكون كالذي قرأه مرة واحدة بالتضعيف الحرف بعشر حسنات، هكذا قال بعضهم، وليس ذلك بقاطع، بل ذهب بعض أهل العلم كالإمام أحمد -رحمه الله، وابن عبد البر إلى ترك الخوض في ذلك كله، قالوا مقصود النبي ﷺ بيان شرف هذه السورة، والحث على الاشتغال بها، وقراءتها أما كيف يحصل هذا، ولماذا ؟ فمثل هذا التنقير ليس عندنا فيه من الله برهان، نقول: كأنما قرأ ثلث القرآن، وانتهى، فينبغي على الإنسان أن يقبل على هذه السورة.

و من ثم لا يرد السؤال الذي لربما ينقدح في أذهان بعضهم يقول: هذا الآن جلس نحو ست ساعات بقراءة تكون من قبيل الحدر، وقرأ القرآن ختمة كاملة، أو جلس عشر ساعات، أو جلس ثلاثة أيام، فقرأ القرآن كله، هل يكون مثل هذا الذي قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات تمامًا؟

نقول له ليس كذلك لا ينظر للقضية بهذه النظرة، مثل الحديث الوارد عند من حسنه من أهل العلم مثلاً من جلس بعد صلاة الصبح، وذكر الله ثم صلى ركعتين، فكتبت له أجر حجة وعمرة، تامتان تامتان مثلاً، أو الذي يذهب، ويصلي في مسجد قباء توضأ في بيته، ويصلي ركعتين كان له كأجر عمرة، هل هذا الذي ذهب إلى قباء الأن هو له أجر عمرة، لكن تبقى الأعمال الأخرى المصاحبة، والمشقات، والسفر، والنفقات إلى آخره، هذه تفضل هذا العمل بمجرده، فحينما يذكر عن هذا العمل، أنه يعدل حجة، أنه يعدل عمرة، أنه يعدل قراءة القرآن يبقى أن الاشتغال، وقضاء الوقت في هذه العبادة، والمشقات العارضة، وما إلى ذلك هذا شأن آخر.

كذلك أيضًا لا يسقط عنه العمل المشروع يعني: بعض الناس قد يقول: أنا أجلس بعد الفجر، وأذكر الله ثم أصلي ركعتين، لماذا أذهب للعمرة؟ لماذا أذهب للحج؟ لست بحاجة إلى هذا، هذا يقوله بعض العامة، وإذا رأى إنسانًا يريد العمرة، أو الحج قال: الحمد لله، لماذا تذهب؟ اجلس في المسجد، واذكر الله .

نقول له: هذا في الحث على الجلوس، ولكن العمرة والحج فيها أعمال أخرى كثيرة زائدة، فلا يكون ذلك الترغيب سببًا في التزهيد، أو في الزهد في أعمال البر الصالحة العظيمة كالحج والعمرة، أو ختم القرآن من أوله إلى آخره، والاشتغال بقراءته، يأتي إنسان ويقول: أنا لن أزيد على قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ سأقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كل يوم ثلاث مرات، والحمد لله، لماذا أختم، ولماذا أتعب نفسي، ولماذا ..؟

نقول له: لا الحديث ما جاء من أجل أن يزهدك في قراءة القرآن، والاشتغال به، والإقبال عليه، الحديث جاء ليبين لك منزلة سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فبعض الناس ينظر إلى هذه القضايا بنظر سلبي، وهذا النظر السلبي يؤدي به إلى مثل هذا التضييع، والتفريط، وهذا في أمور كثيرة جدًا.

إذا ذكر لبعض الناس أخبار السلف في العبادة، وما هم فيه من الجد والاجتهاد، سواء بقراءة القرآن أو غيره، بعض الناس ينظر بنظر سلبي، بعضهم يقول: إذا كان بهذه المثابة إذن أين؟ نحن لا نستطيع اللحاق بهم، فلماذا نتعب؟

هذا هو الحث، فاسلك الطريق، وتكون مقتديًا بهم، وإن لم تعمل عملهم كما هو، أو كما عملوه، فمثل هذا لا يزهد بالعمل الصالح.

لما تذكر لبعض الناس مثلاً بعض يتعلم، ويتفقه، ويبدأ بعض ذلك لربما يحمله هذا التفقه، والعلم إلى القول: بأن هذا ليس محرمًا، إذًا أنا لست مقيدًا به، هذا ليس بواجب إذًا أنا لست، وهذا خطأ المفروض أن العلم يزداد الإنسان معه من العلم، والإخبات، وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ ما يكون العلم سببًا للتفريط، يقول: كنا نظن أن هذا واجب، كنا نظن أن هذا حرام، والآن تبين لنا أن ذلك لا يجب، فيكون العلم نقصًا، أو سببًا للنقص في حقه، وهذا خطأ يقع به بعض الناس ممن لم يوفق.

الحديث الأخير الذي أذكره يتعلق بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وهو.

طبعًا الراوية السابقة وهي قوله: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن أو قبله الرجل الذي تقالها، أن رجلاً يقال: هو أبو سعيد الخدري، سمع رجلاً قال قتادة بن النعمان يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي ﷺ فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقالها يعني يقول: هذا الرجل فقط قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فأخبره النبي ﷺ أن لها هذه الشأن العظيم، والثواب الكبير.

ولهذا نقول للإنسان، وهو في السيارة، وهو جالس ينتظر في مكان، وهو جاي للمسجد في الطريق اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اقرأها تعدل ثلث القرآن، واضح؟

بعض الآباء والأمهات من الأميين ما تعرف الأم مثلاً لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تحفظ شيئًا يذكر من القرآن اقرئي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ردديها، ومن قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عشر مرات بني له قصر في الجنة.

وهنا ذكر أيضًا حديث أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قال: إن حبها أدخلك الجنة[6] رواه الترمذي، وقال حديث حسن، ورواه البخاري في صحيحه تعليقًا، قصة الرجل الذي كان يصلي بأصحابه[7] فإذا صلى بهم قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقرأ سورة معها، فسألوه عن هذا قالوا: إما تكتفي بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بعد الفاتحة يعني، وإما أن تقرأ سورة أخرى، وانتهينا، فأخبروا النبي ﷺ عنه، فقال: إني أحبها فأخبره: أن الله أحبه، وهنا ليس لأحد أن يأتي بشيء بعد رسول الله ﷺ من عند نفسه اجتهادًا، واستحسانًا فإن ذلك قد يدخل في باب البدعة، لكن في زمن التشريع أقره النبي ﷺ على ذلك، فصار هذا العمل لا إشكال فيه، بمعنى لو أن أحدًا الآن قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقرأ سورة معها، لا ينكر عليه؛ لأن النبي ﷺ أقره، ما نهاه عن هذا، واضح، ولكن بعد النبي ﷺ لو جاء واحد، وقال: أنا أحب آية الكرسي، أنا أريد أن أقرأها بعد الفاتحة، آية الكرسي، ثم أقرأ سورة ثانية، دائمًا، وبهذه الطريقة، نقول له: لا، هذا يدخلك في باب من أبواب البدع، وهو ما يعرف بذرائع البدع ليس لك ذلك.

طيب، والحديث هذا؟ نقول: الحديث هذا في زمن التشريع، وأقره النبي ﷺ فصار ذلك مشروعًا، مثل الرجل لما قال: سمع الله لمن حمده، وذكر الحديث[8].

وهكذا في أمثلة متعددة يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي... قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين[9] يعني صوت مشي النعلين، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، برقم (5013).
  2. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، برقم (5015).
  3. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، برقم (5013).
  4. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة {قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، برقم (812).
  5. أخرجه الروياني في مسنده، برقم (605)، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم (2044).
  6. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باب ما جاء في سورة الإخلاص، برقم (2901)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (2130).
  7. انظر: صحيح البخاري (1/155).
  8. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم (799).
  9. أخرجه أحمد في مسنده، برقم (22996)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (7044).

مواد ذات صلة