الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
من أخبار السلف في فضل يوم الجمعة
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما ورد عن السلف في باب فضل يوم الجمعة، ووجوبها، والاغتسال لها، ما جاء عن مطرف بن عبد الله العامري أنه كان يبدو، يعني: يخرج إلى الصحراء، فإذا كان ليلة الجمعة؛ أدلج على فرسه، فربما نوَّرَ له سوطه، –يعني: كرامة من الله تبارك وتعالى- فأدلج ليلة حتى إذا كان عند القبور هوم على فرسه –يعني: أصابه نعاس، أي: تحرك رأسه ناعسًا- هوم على رأسه، قال: فرأيت أهل القبور، صاحب كل قبر جالسًا على قبره -يعني: رؤيا منام- فلما رأوني قالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة -لأنه يأتي من البادية لحضور الجمعة، يبكر لها- يقول: قلت أتعلمون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، نعلم ما تقول الطير فيه؟ قال: قلت: وما تقول الطير؟ قالوا: تقول سلام سلام من يوم صالح![1].

هذه رؤيا، والرؤيا لا يبنى عليها حكم، ولكن ذلك يستأنس به فحسب، يعني: لا نستطيع أن نقول بناء على ذلك أن أهل القبور يعرفون الجمعة، وأنهم يعرفون ما تقول الطير.

وجاء عن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المعروف أنه قيل له: عجل بك الشيب! قال: وكيف لا، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة؟![2] يعني: الخطبة؛ لأن الخليفة هو الذي يخطب، فيقول: أنا أعرض عقلي على الناس، وهذا فيه معنى كبير، وهو الاهتمام والعناية بشأن الخطبة، فالإنسان يعرض عقله على الناس حينما يتحدث، وحينما يخطب، ثم أيضًا عليه أن يحترم عقولهم؛ بأن يعد لهم الخطبة إعدادًا جيدًا، فهذا عبد الملك بن مروان مع علمه، يعتبر من الفقهاء، ومع فصاحته، كان يعلل ما حصل له، وما وقع له من الشيب في وقت مبكر؛ بأن ذلك بسبب الخطابة، يعرض عقله على الناس في كل جمعة.

فالخطيب يهتم بشأن الخطبة، يعتني بها، يحضر لها تحضيرًا جيدًا، ولا يأتي، ويصور أوراق من كتاب، ثم يقرأها، ولربما لا يحسن قراءتها، هذا خطأ.

وكان لعلي بن الحسين زين العابدين كساء أصفر يلبسه يوم الجمعة[3] يعني: أنه يخصص شيئًا جميلاً من اللباس ليوم الجمعة، فيلبس لها الإنسان ما لا يلبس في غيرها، لا يستوي يوم الجمعة، وهو يوم عيد، مع غيره من الأيام في اللباس.

وكان الحسن يصفر لحيته كل جمعة[4] يصفر لحيته، يعني: يحنيها، وذلك من الزينة.

يقول هشام بن عمار: ما أَعَدتُ خطبة منذ عشرين سنة[5] يعني: هو خطيب يقول ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة، بمعنى: أنه في كل أسبوع خطبة جديدة، وما كان عندهم هذه الكتب، وما كان عندهم الآن مواقع في الإنترنت يجدون فيها الخطب مكتوبة، وإنما كان الواحد يخطب من مخزونه، ومعلومه، فاليوم تسهلت الخطبة كثيرًا، فصار الإنسان يجد المادة التي يريد في مواقع مخصصة لذلك، لكن لا أرى أن يطبعها، ثم يقرأ ذلك على الناس، وإنما يستفيد من المادة الموجودة، ثم يصوغ ذلك بأسلوبه فإن كان ممن يحسن الإلقاء من غير ورقة؛ فليلقها من غير ورقة إن كان يحسن، وأما إذا كان فكره وذهنه يتشتت، فيشرق ويغرب؛ فينبغي عليه أن يقرأ من ورقة، وكثير من الناس يظن أن الارتجال أنه يخطب من غير ورقة، وهذا ليس بالارتجال حقيقة، الارتجال أن تأتي المناسبة، ويقوم الإنسان ويتكلم من غير إعداد مسبق، هذا الارتجال، أما أن يعد الخطبة.

وبعض الخطباء يحفظها عن ظهر قلب -كما أخبرني- سألت بعضهم: كيف هذه الخطبة المتقنة من غير ورقة؟ فقال: أحفظها عن ظهر قلب، يكتبها ويحفظها عن ظهر قلب، ثم يأتي، ويسمع على المنبر، حافظ الخطبة من أولها إلى آخرها، ليس فقط النصوص، وإنما كل الخطبة يحفظها، فهذا ما يقال له: ارتجال.

وعلى كل حال الناس يتفاوتون، وليس بلازم أن يخطب الإنسان من غير ورق، والموهبة لها أثر في ذلك، قد يكون الإنسان عالمًا، ولكنه لا يحسن الخطابة، وقد يكون خطيبًا مفوهًا، وليس من أهل العلم، وهذا مشاهد، والناس مواهب وقدرات، ومن الناس من لا يصلح للخطابة، بمجرد ما يصعد على المنبر، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ تعرف أنه ليس بخطيب، ومن الناس بمجرد السلام ترفع رأسك تعرف أن الذي جاء خطيب، هذا شيء ندركه ونعرفه، والناس يعرفون هذا جيدًا، فالتكلف قد يكون الإنسان نعم في البداية يحتاج إلى شيء من الدربة، لكن من الناس من يخطب سنين، وهو هو لا يصلح.

إذا لم تستطع شيئًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع[6]

وجاء عن مالك بن مغول، عن رجل أنه عد على ابن الأسود يوم الجمعة، قبل الصلاة ست وخمسين ركعة[7] هذا الذي ذكرته في ليلة سابقة، قلت: أن الإنسان يصلي كما دل عليه الحديث ما كتب له[8] حتى يقوم الخطيب على المنبر.

وجاء عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي يوم الجمعة، فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها[9] والنبي ﷺ كان يقرأ سورة ق[10] هل كان يقرأ قراءة مجردة، ويكتفي بذلك، أو كان يتكلم عن مضامينها، ويعلق، ولكن ذلك قد يطول لاسيما مثل سورة إبراهيم أطول من ق، والنبي ﷺ جاء عنه بأن من فقه الرجل طول الصلاة، وقصر الخطبة[11] فإذا كان يقرأ في الصلاة بنحو سبح اسم ربك الأعلى، والغاشية، فماذا عسى أن تكون الخطبة؟ لاسيما إذا كان الناس يحتاجون إلى مزيد من الإيضاح، لكن التطويل الزائد، والتكلف بالسجع، ونحوه هذا يحتاج الإنسان أن يركز في الخطبة أكثر مما يركز في غيرها من الكلام.

وكان أبو طاهر الباقلاني من الزهاد، وهو حسن الطريقة، وفيه أخلاق جيدة وجميلة، كان يقول لأصحابه: أنا بحكمكم إلا يوم الجمعة، فإنه للتبكير والتلاوة[12]؛ يقول: أنا الذي تريدون، ما شئتم، ما أردتم مني فأنا على الاستعداد إلا يوم الجمعة فإنه للتبكير والتلاوة، كان يبذل أوقاته للناس.

وفيما يتعلق باستحباب جعل النوافل في البيت أيضًا من الآثار المنقولة ما جاء عن ابن عمر أنه كان يحيي بين الظهر والعصر[13] هو وقت صلاة، يصلي فيه تطوعًا إلى العصر، والربيع بن خثيم ذكروا عنه أنه ما شوهد يصلي في مسجد الحي تطوعًا إلا مرة واحدة[14] كان يصلي ذلك في بيته، وأخبارهم في هذا كثيرة جدًّا لكن خذ هذا المثال، وأعلم أن بعضهم يستكثر ذلك ما جاء عن علي بن المديني، الإمام المعروف، يقول: ما رأيت أخوف لله من بِشر بن منصور، كان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة في اليوم والليلة، وجاء عن الإمام أحمد أنه كان يصلي ثلاثمائة ركعة[15] تطوعًا يعني.

وهذا يزيد بن هارون، ذكروا عنه من حسن صلاته، وأنه كان يصلي الضحى ست عشرة ركعة، يجودها كثيرًا[16]، فهذه حالهم، وهذه صلاتهم، وهذا اشتغالهم، فأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (2/205).
  2. انظر: المجالسة وجواهر العلم، لأبي بكر الدينوري (6/135).
  3. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (4/397).
  4. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (3/25).
  5. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (5/1272).
  6. انظر: الشعر والشعراء، لابن قتيبة (1/362).
  7. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (5/11).
  8. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الدهن للجمعة، برقم (883).
  9. انظر: البداية والنهاية، لأبي كثير (11/142).
  10. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (873).
  11. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (869).
  12. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (19/144).
  13. أخرجه أبن أبي شيبة في مصنفه، برقم (5937) وصححه زكريا بن غلام. انظر: ما صح من آثار الصحابة في الفقه، لزكريا بن غلام (1/425).
  14. انظر: صفوة الصفوة، لابن الجوزي (2/35).
  15. انظر: حليلة الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (9/181).
  16. انظر: تاريخ الثقات، للعجلي (481).

مواد ذات صلة