الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث "كان رسول الله يعتكف العشر.." إلى "كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة.."
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

والباب الأخير أو الكتاب الأخير هو كتاب الاعتكاف، قال: باب فضل الاعتكاف.

والاعتكاف حقيقته: المكث الطويل، والفقهاء يعبرون عنه بلزوم المسجد لعبادة، وهو مختص بالمسجد؛ لأن الله قال: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد تُصلى فيه الجماعة، وأما الذي لا تُصلى فيه الجُمعة فاختلفوا فيه، وهكذا أيضًا فيما عدا المساجد الثلاثة، والراجح: أنها تصح في كل مسجد تُصلى فيه الجماعة، ولو لم يكن جامعًا، ولو لم يكن أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى، وإن كان الاعتكاف فيها أفضل وأكمل من غيرها.

ولم يرد عن الشارع تحديد لوقت الاعتكاف، ومدته، ومتى يبدأ الاعتكاف؟ وغاية ما يَحتج به من يتكلم في تحديده هو سؤال عمر للنبي ﷺ أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي ﷺ: أوف بنذرك[1]، فأخذ منه بعضهم أن أقل الاعتكاف ليلة، وبعضهم قال: يوم وليلة؛ لأن العرب تعبر بالليلة وتريد ما يعقبها أيضًا من يوم، وقد يعبرون باليوم ويقصدون اليوم وليلته، وعلى كل حال لا إشكال، لكن ذلك لا يعني التحديد؛ ولهذا فإن بعض أهل العلم قال: إن أي مكث في المسجد بنية الاعتكاف يكون اعتكافًا، كما هو مذهب الحنفية والشافعية[2]، ومن يقول بعدم التحديد من المعاصرين كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، والمقصود أن الشارع لم يرد عنه التحديد، فإذا لم يرد عنه التحديد نرجع إلى عرف المخاطبين في زمن النبي ﷺ، فإن لم يكن لهم عرف رجعنا إلى اللغة، والاعتكاف في كلام العرب لا يقال إلا للبقاء والمكث مدة تطول عرفًا، مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52] يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138] فالبقاء الطويل عرفًا يُقال له: اعتكاف، فمن دخل المسجد ليصلي فرضًا لا يقال: هذا اعتكاف، ولو نواه -والله أعلم-؛ ولهذا لو أن  أحدًا جلس مثلاً من غروب الشمس إلى الفجر، أراد أن يعتكف ليلة أو ليالي العشر مثلاً، فإن ذلك يصح في الاعتكاف، فإن خرج فإنه ينقطع اعتكافه، ثم إذا جاء في الليلة الأخرى، فإنه ينوي نية الاعتكاف، وهكذا، أو لو أن أحدًا أراد أن يجلس مثلاً في المسجد من الظهر إلى المغرب، فهذا مكث طويل يعتبر عرفًا اعتكافًا، ولو جلس من الفجر إلى غروب الشمس مثلاً، فهذا يعتبر اعتكافًا يومًا كاملاً، لكن أكمل ما يكون الاعتكاف في العشر الأواخر، أن يبدأ من غروب شمس يوم العشرين؛ لأن هذه الليلة الداخلة هي من ليالي العشر؛ لأن الليلة تسبق اليوم، فمن أراد أن يعتكف العشر الأواخر يبدأ من مغرب اليوم إلى مغرب آخر يوم من رمضان، يعني رؤية هلال شوال، فيكون قد اعتكف العشر الأواخر بأيامها ولياليها، وهذا هو الأكمل والأفضل.

وكان النبي ﷺ يعتكف في العشر، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان[3]. متفق عليه.

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده[4]. متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال كان النبي ﷺ يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا. رواه البخاري[5].

يعني: مزيدًا من الاجتهاد في طاعة الله ، فالإنسان يجد ويجتهد وكلما مضى عليه عمر أكثر وأطول ينبغي أن يكون أكثر مبالغة وإقبالاً على الله وعبادة له؛ لقرب الرحيل.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه

  1. أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم برقم (2043).
  2. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 323) والمجموع شرح المهذب (6/ 489).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها برقم (2025) ومسلم في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان برقم (1171).
  4. أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها برقم (2026) ومسلم في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان برقم (1172).
  5. أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان برقم (2044).

مواد ذات صلة