الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان..» إلى «ألا إن الناس قد صلوا..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب كراهة قول: ما شاء الله وشاء فلان".

وذكر فيه حديثًا واحدًا.

وهو حديث حذيفة عن النبي ﷺ قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان[1]، رواه أبو داود، بإسناد صحيح.

"باب كراهة قول: ما شاء الله وشاء فلان".

والكراهة هنا ينبغي أن تحمل على الكراهة التحريمية؛ لأن هذا نهي عن النبي ﷺ، ولا يوجد صارف يصرف ذلك إلى كراهة التنزيه، فهو شيء محرم، فلا يجوز للإنسان أن يقول: ما شاء الله، وشاء فلان؛ لأن ذلك يجعل هذا المقول فيه بمنزلة المعبود ، فإن الواو تقتضي التشريك، يعني: كأن مشيئته صارت مساوية لمشيئة الله ، وهذا لا يكون لأحد.

وأما (ثم) فإنها تدل على التعقيب مع التراخي، وهذا التعقيب تارة في التراخي، يكون في الزمان، وتارة يكون في الرتبة ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17] ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ يعني: كان بعد ذلك، فهذه للرتبة، كما تقول لأحد من الناس مثلاً: ثم أنت فعلت كذا، ثم جئت تقول: كذا وكذا يعني: ليس المقصود الترتيب في الزمان، يعني: أنت مع فعلك هذا، وفوقه أيضًا تطلب كذا وكذا.

فهنا لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان فذلك يكون قد جعل الله بمنزلة هذا المقول فيه من جهة المشيئة، فسوى بين الخالق والمخلوق في المشيئة، وصارت مشيئة المخلوق بمنزلة مشيئة الله -تبارك وتعالى-.

ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان فلا بد أن يؤخر، فرتبته بعد مشيئة الله ، فهي دونها وتابعة لها؛ لأنه لا يقع في الكون تحريكة ولا تسكينة إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- وحده، والله قال: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير:29] فمشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الخالق، فالمخلوق له مشيئة، والخالق له مشيئة، إلا أن مشيئة المخلوق لا تنفرد وتستقل بالمطلوب، أو بالمراد، وإنما تكون تبعًا لمشيئة الله ، وهذا من الآداب المتعلقة بالألفاظ في باب التوحيد، وهي من الآداب الواجبة.

ثم ذكر بعد ذلك "باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة" والمقصود بالحديث يعني: المحادثة بين الناس، وهذه المحادثة على أنواع.

والمصنف -رحمه الله- هنا في صدر هذا الباب ذكر شيئًا من التفصيل، قال النووي -رحمه الله-: "والمراد به الحديث الذي يكون مباحًا في غير هذا الوقت"[2] لأن لو تحدث بعد العصر في الضحى، فهذا لا إشكال فيه، يتحدث بحديث مباح "فهو منهي عنه في هذا الوقت خاصة" قال: "وفعله وتركه سواء"[3]، يعني: هذا مستوي الطرفين الذي هو حديث مباح، وأما الحديث المحرم أو الحديث المستحب أو الواجب، فإن مثل هذا لا يقال: إنه مكروه، وإنما المحرم يحرم في أي وقت، ولا يختص بهذا الوقت، والحديث الذي يكون في أمور مستحبة أو يكون حديثًا واجبًا، أو نحو ذلك، فإن هذا لا يكون مكروهًا بعد العشاء، وإنما يكون مطلوبًا بحسب مرتبته.

قال: "فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريمًا وكراهة"[4]؛ لأنه في أصله محرم أو مكروه، فإذا وضع في هذا الوقت الذي نهي فيه عن الحديث المباح، فإن ذلك يكون جمعًا بين أمرين، بين هذا الحديث الذي في أصله محرم أو مكروه، إضافة إلى الزمن الذي نهي فيه عن الحديث.

يقول: "وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم، وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف -يعني: لمؤانسته- ومع طالب حاجة، ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه"[5]؛ لعذر وعارض مثل لو أنه احتاج لإصلاح شيء قد تطرق إليه الفساد والخلل في بيته مثلاً، فاحتاج إلى الحديث، فاتصل بأناس يشرح لهم المشكلة، ويطلب من يصلح له، فهذا لعذر وعارض، فإن هذا لا إشكال فيه.

أو إنسان بحاجة إلى استشارة، أو نحو ذلك، وهو سيسافر لن يقيم، أو نحو هذا، فجلس معه وتحدث، فهذا لا إشكال فيه.

يقول: "وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته"[6] يعني: أنه لا إشكال في الحديث الذي يكون مع الضيف، أو في أمور مستحبة ومطلوبة مثل مذاكرة العلم، ونحو هذا.

الآن "كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة" وهنا العشاء قيدها بالآخرة؛ لأن المغرب قد يقال لها: العشاء، فحتى لا يفهم أن المقصود المغرب، قال: العشاء الآخرة، التي هي هذه الصلاة التي صليناها، ولا زال العامة في بعض النواحي يسمون المغرب أيضًا بالعشاء، فإذا أرادوا أن يذكروا العشاء قالوا: الأخير، فإذا وعدته قلت له: العشاء لربما جاء بعد صلاة المغرب؛ لأنك لم تقل له: الأخير، هذا عرف لدى بعض الناس.

فالمقصود -أيها الأحبة- الآن كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة قد يكون هنا الكراهة للتنزيه، يعني: ليست كراهة تحريمية، لكن لماذا يكره؟ بعض العلماء يقولون: من أجل أنه يكون عائقًا دون قيام الليل، هذا السبب.

وبعضهم يقول: قد يكون ذلك مفضيًا إلى الاستغراق في الحديث، ومن ثم النوم عن صلاة الفجر، والناس لو نظرنا إلى حالنا في هذا العصر الذي تغيرت فيه الأحوال، ونظرنا إلى معاناة الكثيرين مع صلاة الفجر، فضلاً عن قيام الليل لوجدنا أن المشكلة في هذا الموضع، وأن الهدي النبوي هو العلاج والحل لهذه المعاناة لدى الكثيرين، فلاحظ أن هذه قضية شرعية، غفلنا عنها في هذا العصر، فتحولت الأحوال، فصار السهر عادة، ولربما الذي ينام مبكرًا هو الذي ينام قبل الثانية عشرة، وهذا له آثار اجتماعية ونفسية وصحية على جسم الإنسان، وعقله وتركيزه.

هذه حثالة اليوم يكون الذهن مكدودًا مشوشًا لكثرة المشاهدات المبصرة، ولكثرة الأمور العالقة في الذهن، مما يستجمع من الأمور التي يسمعها، والأمور التي يعافسها في يومه، فإذا جاء آخر هذا اليوم فإن الذهن يكون مكدودًا، ولو أن الإنسان جلس يحسب هذه المدة التي بعد العشاء بزعمه أنه يستغل الوقت، فلو قُدر أنها تبلغ إلى ساعتين أو ثلاث ساعات، ونظرنا إلى ما نضيع من أول النهار، والنوم بعد الفجر، والمخاطرة بصلاة الفجر، أو قيام الليل، فإننا نجد أننا نترك الوقت الأنفس والأبرك، ونستعيض عنه بهذا الوقت الذي يكون الذهن فيه كالاً، وهذا أمر مشاهد ومجرب، تستغل ساعة أو ساعتين بعد الفجر في نظري أبرك من اليوم كاملاً، وقد رأيتُ هذا، ولا يمكن أن تقاس بالوقت الذي نقضيه بعد صلاة العشاء، فهؤلاء الذين يقولون: ننام عن الصلاة، ولا نستطيع أن نصلي الفجر، أو حاولنا، أو من يقول: أنا لا أستطيع أن أقوم الليل، حاولت مرارًا، يقال له: ابدأ بهذا، لاحظ الحديث، ولو قل، بعد صلاة العشاء "كراهة الحديث بعد العشاء".

فالإنسان حينما ينام بعد العشاء مباشرة كما كانت عادة الناس يصلون، ثم ينطلقون، فينامون، هؤلاء قبل الفجر بساعة على الأقل يكون الواحد منهم الكبار والصغار في غاية النشاط، والذين أدركوا أو عرفوا بعض الأحوال في بعض الأرياف، ونحو ذلك، يرون ذلك عيانًا، البيت بكامله يستيقظ من غير إيقاظ قبل الفجر على الأقل بساعة، وقد ذكر لي بعض العامة: أنهم منذ طفولتهم يقومون الليل، جميع البيت يقومون الليل، وما كانوا من المتدينين، يقول: قيام الليل عادة؛ لأننا ننام بعد صلاة العشاء مباشرة، فمن الطبيعي الجميع مستيقظ على الأقل قبل الفجر بساعة في غاية النشاط، فيقومون ويصلون، يقولون: كانت صلاة الليل بالنسبة إلينا بمثابة الفرض، كأنها فريضة نتربى عليها، كما نتربى على الفرائض، وهم غير متدينين، وليسوا من طلاب العلم، أو لا يوجد في بيتهم طالب علم أصلاً، عوام لا يفقهون كثيرًا من القضايا الشرعية الواضحة، يعني: في الوقت نفسه مثلاً عندهم عادات مخالفة لصريح الشرع، البنت تجلس مع ابن عمها، ومع ابن خالها لا غضاضة في ذلك عندهم، وقيام الليل شيء أساسي، لا يمكن أن يُترك، والسبب ينامون بعد العشاء مباشرة، وجرب هذا، نم بعد العشاء مباشرة تجد أنك في غاية النشاط قبل الفجر على الأقل بساعة، فكم فرطنا وضيعنا؟

لكن مع هذا السهر إذا أراد الواحد أن ينام، ثم يستيقظ، فهو يكون في غاية الإجهاد، ومغالبة النوم، ويكون حاله كما ذكر النبي ﷺ: إذا نعس الرجل وهو يصلي فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري[7]، يعني: هو مأمور أن ينام في مثل هذه الحال؛ وقد قال بعض السلف في قوله تعالى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]: في حال النعاس[8]، مع أن هذا ليس المعنى، لكنه أشار إلى معنى قد يغفل عنه بعض الناس، فيكون بمنزلة من كان في حال سكر، يعني: أنه لا يستطيع أن يركز، فلربما يتكلم بأشياء، والسبب أنه يخلط؛ لأن ذهنه يغالب النوم في حال من النعاس.

وذكر حديث أبي برزة أن رسول الله ﷺ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها[9]، متفق عليه.

أبو برزة هذا هو الوحيد من الصحابة الذي يكنى بهذه الكنية.

"كان يكره النوم قبل العشاء" لماذا؟ لأنه قد ينام عن صلاة العشاء هذا السبب.

والبخاري -رحمه الله- حينما بوب بهذا، وذكر الحديث، في الباب الذي بعده، قال: "لمن غلبه النوم" يعني: الترخيص في النوم قبل العشاء لمن غلبه النوم.

وذكر فيه حديث عمر لما تأخر النبي ﷺ وأبطأ على أصحابه، فحصب عمر باب النبي ﷺ، وقال: "نام النساء والصبيان"[10]، يعني: وهم ينتظرون صلاة العشاء، فهذا من غلبه النوم.

وبعض أهل العلم يقال: ما دام أن العلة مدركة، وهي الخوف على صلاة العشاء، فإن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فقالوا: هذا مقيد بما إذا كان لا يوجد من يوقظه، أو أنه إذا نام لا يستيقظ، ولو أوقظ، فإنه لا ينام بعدها؛ لأن هذا النوم سيفضي إلى تضييع صلاة العشاء، لكن من كان بحاجة إلى نوم، ويوجد من يوقظه ويستيقظ، فمثل هذا لا إشكال فيه.

"كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها" لهذه العلة، إما لقيام الليل؛ لئلا يفوت، أو من أجل صلاة الفجر، ولا شك أن هذا أعظم.

ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ صلى العشاء في آخر حياته وبعضهم يقول: هذا كان قبل وفاته ﷺ بشهر، فلما سلم قال: أرأيتكم ليلتكم هذه الليلة التي أنتم فيها فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد[11]، متفق عليه.

هذا الشاهد في الباب: أن النبي ﷺ بعد صلاة العشاء تحدث، فدل على أن الحديث إذا كان في العلم وفي مدارسته في الأمور النافعة أن هذا لا إشكال فيه.

لكن الحديث الذي يكون في الأمور المباحة، وما إلى ذلك، هذا هو الذي يكون مكروهًا؛ لأنه يسهر ويلعب ورق، أو جالس على قنوات فاسدة، فهذا أشد من الحديث في الأمور المباحة، ويدخل في الحديث بعد العشاء كذلك المحادثة بالوسائل الجديدة اليوم، يعني: يتحدث مع أحد بوسائل الاتصال الماسنجر، وإلا يتحدث معه بطريقة أو بأخرى، كالواتس أب، فهذا حديث بعد العشاء، وتجد الناس لربما يقضون الوقت الطويل وهم يتحادثون، ومجموعات كأنهم في مجلس واحد، هذا يعلق من هنا، وهذا يتندر من هنا، وهذا يضحك من هنا، وهذا يضيف من هنا، فهذا مثل كما لو اجتمعوا في مكان واحد، فيدخل في الكراهة، أما إذا كان الحديث في هذه الوسائل محرمًا، فهذا لا شك أنه أشد.

فهنا قال: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد هذا استدل به على أن الخضر غير موجود، يعني: أنه مات، خلافًا لما يزعمه بعض الصوفية وغير الصوفية، فيقولون: أن الخضر لم يمت، وهذا لا دليل عليه، بل هو مات، وهذا قول النبي ﷺ دليل على أنه لا يبقى بعد رأس مائة سنة من تلك الليلة أحد، ممن هو على وجه الأرض، بخلاف من كان في السماء، فعيسى في السماء، رفع، فإنه لا يشمله هذا، والملائكة مقامهم في السماء، فلا يشملهم ذلك، لكن على وجه الأرض.

ولاحظ هنا أحد نكرة في سياق النفي، أي أحد، هل هذا في البشر فقط، أو يشمل البشر وغير البشر ممن هو على وجه الأرض كالحيوانات مثلاً؟

الذين يقولون: إن الحمار الوحشي أو أن الضب، أو أن وحيد القرن، أو كذا، بعضهم يذكر أن هذا النوع من الحيوانات يعيش ثلاثمائة سنة، أو أربعمائة سنة، وأكثر، هل هذا صحيح؟ هذا لا دليل عليه، فالحديث يحتمل، فإذا قيل: على العموم الأعم دخل فيه حتى الحيوانات، ما يبقى منها شيء، بعد تلك المقولة التي قالها، يعني: من تلك الليلة على رأس مائة سنة ولا يعرف أحد من أصحاب النبي ﷺ بقي بعد ذلك التاريخ، يعني: آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل، مات سنة 110، آخر واحد، وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة ، مات سنة 110، فالمقصود النبي ﷺ تحدث بعد العشاء.

الحديث الأخير في الباب، وهو حديث أنس أنهم انتظروا النبي ﷺ فجاءهم قريبًا من شطر الليل" ووقت الليل ينتهي بنصف الليل، يعني: نحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فالنصف هذا، وقت نهاية صلاة العشاء، أحيانًا يكون الساعة الثانية عشرة، وأحيانًا قبلها بقليل، وأحيانًا بعد ذلك لربما تحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم نقسم على اثنين، ونعرف نصف الليل الذي هو ينتهي عنده وقت العشاء، فوقت العشاء لا يمتد إلى الفجر، وليس لها وقت اختيار، ووقت اضطرار، وإنما هو وقت واحد، لكن الأفضل أن تؤخر، كما فعل النبي ﷺ، أو أرشد إليه.

"فجاءهم قريبًا من شطر الليل فصلى بهم" يعني: العشاء، قال: "ثم خطبنا، فقال" وهذا الشاهد أنه تكلم بعد العشاء، لكن في العلم ألا إن الناس قد صلوا، ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة[12]، رواه البخاري.

أنتم تصلون وأنتم جالسين هذا الوقت، لربما انتظروا، يعني: من أول دخول وقت العشاء إلى منتصف الليل، أو قريب من منتصف الليل، لربما جلسوا ينتظرون نحو أربع ساعات، أو قريب من هذا، ثلاث ساعات، أو ثلاث ساعات ونصف، فهم في صلاة هذه المدة كلها؛ لأنهم ينتظرون الصلاة، فكانوا في المسجد ينتظرون، ليس المقصود أنهم في فرشهم ودورهم، لا، كانوا ينتظرون في المسجد، حتى قال عمر : "نام النساء والصبيان".

فهنا تحدث النبي ﷺ بعد صلاة العشاء، إذًا: إذا كان الحديث في أمور نافعة فلا إشكال، وإذا كان في أمور مباحة، فهذا ينهى عنه، مكروه، وإذا كان في أمور محرمة، فهو أشد تحريمًا.

وينبغي أن ننظر في حالنا اليوم، وكثرة التفريط في هذا الباب، وهذا بسبب هذه المدنية التي غشت الناس، وأنماط الحياة الجديدة، حتى إني رأيتُ خلال العشر سنوات الماضية في بعض البلاد كانت الأسواق تغلق في الساعة الثانية ظهرًا، ولربما إذا تأخرت في الساعة الرابعة، تغلق المجمعات التجارية والأسواق، ثم بعد ذلك إذا جاء المغرب، على كثرة الناس، رأيتُ الطرقات فارغة، لا يكاد يمر بها إلا الواحد بعد الواحد، بعد ما كانت مزدحمة غاية الازدحام، لا يكاد يمر أحد، وإذا بقيت إلى العشاء، وجلست تنظر، فإنك لا ترى إلا النادر من يمشي في الطريق لا سيارة، ولا أحد على رجليه، ولا على دراجة، بعد العشاء، وكان الشباب الذين يسهرون، يعني: الذين جاء للسهر، ويريد السهر، وذهب مع لربما صديقته، أو نحو ذلك بدباب، قد أردفها معه، هذا سهران بعد المغرب، يعني: توجد بعض مطاعم الوجبات السريعة، تفتح إلى أذان العشاء، هؤلاء في سهرة، يعني: الآن متأخر في النوم.

ثم رأيت هؤلاء بعد نحو عشر سنوات، وإذا الحياة انقلبت رأسًا على عقب، طول الليل والطرق والأسواق والمطاعم، والحياة تعج بالناس، فهذا تحول، فلما سئلوا عن هذا، قالوا: كنا مجتمع زراعي، والآن تحولنا إلى مجتمع صناعي.

لكن الشيء المشاهد كثرة المطاعم الغربية خلال العشر سنوات، فصار الشباب يتهافتون عليها، ومن قبل ما كانت بهذه الصورة، فصارت عندهم أدوار كاملة مخصصة للمطاعم في الأسواق، وفي كل زاوية ترى هذه المطاعم، فهذه ليست مجرد أكل يؤكل، هي أكل معه ثقافة؛ ولذلك أقيمت احتفالات كبيرة حينما فُتح أول محل لأحد الوجبات السريعة الغربية، أو الأمريكية في موسكو، رأوا أن ثقافتهم قد وصلت إلى عاصمة المعسكر الثاني، المنافس لهم، وأذكر أنه كان في احتفالات للصين الشعبية بيوم الثورة، جاؤوا بصور لأطفال يشربون الببسي، فقالوا: في بكين يحتفلون بالثورة الشيوعية، ويقبلون على المشروبات الأمريكية، لاحظ يعني: هذه قضية تعني الشيء الكثير عندهم، وتجد في بعض الدول الأوربية التي لربما تعتز بثقافتها، تمنع كثيرًا من هذه الأشياء؛ والسبب أنهم يرون أنها ليست مجرد أكلات، وإنما ثقافة، ولك أن تتخيل إحدى الدول الغريبة يقبل شبابهم ونساؤهم وأطفالهم كثيرًا على الجريش، والمطازيز، والقرصان، ويلبس رجالهم هذه الثياب، وهذه الغتر، ويتشدقون بعبارات باللغة العربية، وإذا تكلم الواحد مع صاحبه في الهاتف، أو نحو ذلك، قال له كلمات باللغة العربية: أبشر، حاضر؛ ليثبت أنه مثقف مثلاً، كما كان الذين يتعلمون في بلاد المسلمين في الأندلس، تصور لو كان أناس بهذه المثابة، يقبلون على الأكلات التي عندنا، وثيابنا يلبسونها... إلى آخره، كيف تكون حال هؤلاء في نظرنا؟ أنهم أقرب إلينا من اليد للفم.

أن هؤلاء ممكن يدخلون بالإسلام بكل سهولة، وأن هؤلاء امتداد لنا، أننا غزونا قلوبهم بثقافتنا، أليس كذلك؟ ناس يقبلون على العادات التي عندك ولغتك، ويتكلمون بعبارات في ثنايا كلامهم من كلامك، ونحو ذلك ويعجبون بهذا، وأمنية الواحد منهم أن يأتي إلى هذه البلاد، هؤلاء بكل بساطة هم يحتاجون إلى جهد بسيط فقط حتى يدخلوا في الإسلام، بكل بساطة.

وانظر إلى حالنا مع أعدائنا نتقمص، ونقلدهم في كل شيء، حتى في المستبشع من المظاهر، وفساد الأذواق، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفسي برقم (4980) وصححه الألباني.
  2. رياض الصالحين - الفحل (2/291).
  3. رياض الصالحين - الفحل (2/291).
  4. رياض الصالحين - الفحل (2/291).
  5. رياض الصالحين - الفحل (2/291).
  6. رياض الصالحين - الفحل (2/291).
  7. أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب النعاس برقم (162) وصححه الألباني.
  8. قاله ابن عباس كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/546).
  9. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر برقم (547) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها... برقم (647).
  10. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل العشاء برقم (566) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها برقم (638).
  11. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب السمر في العلم برقم (116) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض ... برقم (2537).
  12. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء برقم (600).

مواد ذات صلة