الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي كتاب الفضائل، وفضل قراءة القرآن، أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي موسى الأشعري فقال:
"وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، كمثل التمرة، لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها مر[1] متفق عليه".
قوله ﷺ: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن هذا من جملة الأمثال المضروبة في سنة رسول الله ﷺ، فالأمثال جاءت في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وفي سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتذكر غالبًا لتقريب المعاني بالصور المحسوسة؛ ليكون ذلك أوقع في النفوس، وأبلغ أثرًا، وأظهر في المعنى، فيتضح ما قد يغيب عن المكلف بمثل هذا التصوير الذي يصور به المعنى بقضية يحسها ويعرفها ويلمسها ويشاهدها.
فهنا ذكر النبي ﷺ: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن فاجتمع فيه الإيمان، مع قراءة القرآن، قال: مثل الأترجة والأترجة: هي ثمرة معروفة، طيبة الطعم، وهي أيضًا طيبة الريح، وفيها من المنافع والفوائد الجمة ما هو معروف مما قد يفوت الحصر، فإن هذه الثمرة من الثمار النافعة من وجوه متعددة، فهي غذاء، وهي دواء، وما فيها من لب يكون بين القشر وبين المادة التي تكون في النواة يكون دباغًا للمعدة، إلى غير ذلك من المنافع والفوائد، فقال: ريحها طيب، وطعمها طيب فمثله بالأترجة؛ لطيبها؛ ولكثرة منافعها؛ ولاشتمالها على الأمرين: طيب الرائحة، مع طيب الطعم، فريحها طيب، وطعمها طيب.
فجعل القراءة بمنزلة الرائحة، والإيمان بمنزلة الطعم، كما يدل عليه باقي الجمل التي ذكرها في هذا الحديث، والرائحة دون الطعم، فالطعم أثبت، والإيمان أثبت، فجعل للإيمان الطعم، وجعل للقراءة الرائحة، فثبات الإيمان في القلب بمنزلة ثبات الطعوم، فقد تزول الرائحة لسبب أو لآخر، ولكن لا يزول الطعم، مما يكون له هذا الوصف.
قال: ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها، وطعمها حلو فدل على أن الطعم المقصود به الإيمان، فطعم التمرة حلو، كما أن طعم الأترجة أيضًا حلو، لكن هناك وجدت القراءة، فوجدت الرائحة هنا، في التمرة لم توجد القراءة، فلم توجد الرائحة.
قال: ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة الريحان معروف، ريحها طيب، يعني تجد منها رائحة طيب، والقراءة هي أمر ظاهر، زائد على الطعم، فيوجد من هذا الفعل الظاهر الجميل، فهو بمنزلة الرائحة، ريحها طيب، وطعمها مر؛ لأن هذه مجرد رائحة، ولكن تحتها حقيقة مرة، وهو النفاق.
قال: ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها مُر فدل هذا على أهمية قراءة القرآن، وأنها تُصيِّر المؤمن بهذه المنزلة، وتجعل له هذه المزية على غيره من أهل الإيمان، ففرق بين مؤمن يقرأ القرآن، ومؤمن لا يقرأ القرآن.
فينبغي للإنسان أن يجعل لنفسه وردًا في قراءة القرآن، لا ينقص منه في يومه وليلته.
وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، باب ذكر الطعام برقم (5427) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة حافظ القرآن برقم (797).