السبت 14 / جمادى الأولى / 1446 - 16 / نوفمبر 2024
(1) حديث أبي سعيد الخدري وحديثا جابر رضي الله عنهم
تاريخ النشر: ٠١ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 469
مرات الإستماع: 1143

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي كتاب آداب السفر، باب إعانة الرفيق قال المصنف -رحمه الله-:

"وفي الباب أحاديث كثيرة تقدمت، كحديث: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه[1]".

وهذا على سبيل العموم والإطلاق، فلا يختص ذلك في السفر، ولكنه كلما كانت الحاجة أدعى كان ذلك آكد. قال: "وحديث: كل معروف صدقة[2]، وأشباهها".

ثم قال المصنف:

"وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالاً، فقال رسول الله ﷺ: من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل[3]. رواه مسلم".

يقول: "بينما نحن في سفر؛ إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالاً" يعني: كأنه محتاج، ويبحث عن شيء "فقال رسول الله ﷺ: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له" فضل ظهر يعني: مركوب زائد فليعد به على من لا ظهر له يعني: يدفعه ويعطيه، وعُبّر بقوله: فليعد به كأن ذلك -والله أعلم- كأنه متأخر على الناس، فيرجع إليه ليعطيه ما يركبه.

قال: ومن كان فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له يعني: الزاد عن قدر حاجته، وهذا أمر، والأصل أن الأمر يقتضي الوجوب.

قال: "فذكر من أصناف المال" يعني: كالثياب، ونحوها "حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" يعني: ما زاد على الحاجة، وهذا جاءت فيه أحاديث، فَهِم منها بعض أصحاب رسول الله ﷺ كأبي ذر : أن كل ما ادخره الإنسان فوق حاجته كنز، يكوى به ظهره وبطنه وجنبه، ولكن ذلك كان في أول الإسلام، حيث الحاجة.

ولهذا لما جاءت الدافة[4]، وهم قوم جاءوا إلى المدينة، وهم في غاية الفقر في وقت الأضحى، فنهى النبي ﷺ عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وكان ذلك في ذلك العام فقط، وليس دائمًا، فلما وسع الله على المسلمين تغير الأمر.

فإذا كان المسلم يخرج زكاة المال، فإن ذلك لا يكون من قبيل الكنز، فنسخ ما كان في أول الإسلام.

ثم قال المصنف:

"وعن جابر عن رسول الله ﷺ أنه أراد أن يغزو فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، إن من إخوانكم قومًا ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين، أو الثلاثة.

فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عُقبة، يعني: كعقبة أحدهم، قال: فضممت إلي اثنين أو ثلاثة، ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي[5]. رواه أبو داود".

قوله: إن من إخوانكم قومًا ليس لهم مال ولا عشيرة العشيرة: هم جماعة الرجل وقرابته الأدنون، قيل: يجتمعون معه في الجد العاشر، وقيل لهم ذلك لكثرة مخالطتهم له، ومعاشرتهم.

قال: فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة يقول: فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة كعقبة" يعني: كعقبة أحدهم، بمعنى: أنهم يتعاقبون ركوب البعير، هذا يركب ساعة وينزل، ويركب الآخر ساعة وينزل، وهذا يركب ساعة وينزل.

والحديث الأخير هو أيضًا حديث جابر .

قال المصنف:

"وعنه قال: كان رسول الله ﷺ يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له[6]. رواه أبو داود، بإسناد حسن".

قوله: "كان رسول الله ﷺ يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف" يزجيه يعني: يسوقه، كما قال الله -تعالى- في السحاب: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا [النور:43].

قال: "فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له، رواه أبو داود بإسناد حسن" يعني: أن النبي ﷺ كان يرفق بأصحابه، وينظر إلى أضعفهم ويراعيه في السير، ويسير معهم، وخلفهم، ويحمل الضعيف، ويردفه، ويدعو له.

كما دعا النبي ﷺ أيضًا لبعير جابر ، فصار -بعد أن كان متخلفًا عاجزًا ضعيفًا- يسبق غيره، ويتقدم القوم.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

  1. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم (2699).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة برقم (6021) ومسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف برقم (1005).
  3. أخرجه مسلم في كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال برقم (1728).
  4. أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء برقم (1971).
  5. أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو برقم (2534) وصححه الألباني.
  6. أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في لزوم الساقة برقم (2639) وصححه الألباني. والجملة الأخيرة منه: "ويدعو لهم".

مواد ذات صلة