الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذا كتاب آداب السفر، والسفر معروف، وقيل له ذلك عند بعضهم؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، فإن الإنسان حينما تصحبه في سفر، فإنه يمر بأحوال شتى، من راحة، وتعب، وسرور إلى غير ذلك، فتتقلب نفسه على هذه الحالات المتنوعة، فيظهر بذلك أخلاقه؛ لأن الناس إنما يلقاهم الإنسان غالبا، وهم في حال من الاستعداد، والتهيؤ لمقابلة الآخرين، يعني حينما يتعب الإنسان، ونحو ذلك، يعمد إلى بيته، ثم يستريح، ثم بعد ذلك يخرج لملاقاة الناس، وقد تهيأ لهذا.
أما في السفر فإنهم يرونه على حالات مختلفة.
على كل حال، يقول: باب استحباب الخروج يوم الخميس، واستحبابه أول النهار، استحباب الخروج يوم الخميس، يعني: أن يكون السفر في يوم الخميس، واستحباب أن يكون السفر في أول النهار، سواء كان في يوم الخميس، أو في غير يوم الخميس، وذلك أن النبي ﷺ قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها[1] وثبت أيضا من فعله ﷺ في السفر، وذلك لا يعارض ما جاء عنه ﷺ من قوله: عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل[2] فهذا، وهذا يمشي في أول الصباح، لكن السفر المتواصل الطويل يستعان على قطعه بالسير في مثل هذه الأوقات، يبدئ في أول النهار، ويستعان عليه بالدلجة إن كان المشي في الليل.
وذكر حديث كعب بن مالك وهو حديث طويل في قصة تبوك لما تخلف عنها هو، وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا قال: كعب بن مالك "بأن النبي ﷺ خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس"[3].
يعني لو بقينا مع الجزء الأول أنه خرج يوم الخميس لربما يقول قائل: وقع ذلك اتفاقا من غير قصد، ولكن قوله: وكان يحب أن يخرج يوم الخميس يدل على أن ذلك مقصود، وأن النبي ﷺ يؤثره على غيره من الأيام.
أما العلة في هذا فهي غير ظاهرة، فالله تعالى أعلم، قال: وفي رواية: لقلما كان رسول الله ﷺ يخرج إلا في يوم الخميس"[4] يعني أنه غالب السفر يكون في يوم الخميس هذا بالنسبة ليوم الخميس.
أما ما يتعلق بأول النهار فذكر في ذلك حديث صخر بن وداعة الغامدي الصحابي وغامد قبيلة معروفة بطن من الأزد شنوءة، قيل: لجدهم غامد؛ لأنه دخل بين قوم بينهم خصومة، وشجار، وشر، فأصلح بينهم، وأغمد ذلك، فقيل له غامد.
على كل حال صخر بن وداعة الغامدي يقول: بأن النبي ﷺ قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها[5] وهذا عام في السفر، وفي غير السفر، فيدخل فيه الضرب بالأرض لطلب الرزق، والتجارة، ويدخل فيه أيضا الاشتغال بالعلم، ويدخل فيه أيضا السعي في سائر المصالح، مصالح الإنسان، وهذا شيء مشاهد، فإن الإنسان يستطيع في أول النهار في البكور، وذلك بعد صلاة الفجر يستطيع أن ينجز أشياء كثيرة، والناس لم يستيقظوا بعد، هذا مشاهد فهو وقت مبارك، ولهذا يقول: وكان إذا بعث سرية، أو جيشا بعثهم من أول النهار.
صخر بن وداعة استفاد من هذا المعنى، فجاء في هذا الحديث: "وكان صخر تاجرا، فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى، وكثر ماله"[6] رواه أبو دواد، والترمذي، وقال حديث حسن.
وهذا يؤخذ من أن الإنسان من أراد البركة في التجارة، وطلب الرزق فعليه بأول النهار، بالغدو في وقت البكور، فيبيع، ويشتري، ونحو ذلك، فيحصل ما لا يحصل في غيره، وكثير من الناس من الباعة الذين يعمدون إلى السوق في أول النهار يقع عندهم شيء من الخطأ فيما يتصل بهذا الباب، أو بعض ما يتعلق به، وذلك أنهم إذا جاءهم أول آت من المشترين، أو من المتسوقين فإنه يتعلق به، ولو باع بخسارة، من أجل أنه يتفاءل، أو يتشاءم بهذا، يريد أن يتفاءل به، وهذا غير صحيح، فإن الشؤم من عمل الجاهلية، يعني: هو يعتقد أن هذا إذا جاءه، ورجع عنه أنه لن يكسب، ولن يربح سائر اليوم، وهذا غير صحيح.
وأسوأ من هذا ما يفعله بعضهم إذا جاءه إنسان فيه عاهة كالأعرج، والأبرص، ونحو ذلك فإنه لربما شتمه، وعنفه، وأغلق متجره؛ لأنه يعتقد أن هذا اليوم شؤم، لا كسب فيه، ولا ربح، وهذا كله من عمل الجاهلية، لا يجوز.
وقد ذكرت في بعض المناسبات حال ذلك الملك الذي خرج، فلقي رجلا فيه عاهة من هذه العاهات، فغضب عليه، وأمر بحبسه سائر اليوم، وكان ذلك في أول النهار، ولم يلق ذلك الملك شيئا مما يكره، ما حصل له شيء، فأمر بالإفراج عنه، فقال له ذلك الرجل: أينا أشأم؟ لقيتني، فلم تلق شيئا، يعني: ما لقيت شرا، ولقيتك، فدخلت الحبس من المشؤوم فينا -والله المستعان-.
هذا، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يبارك لنا، ولكم في الأوقات، والأعمار، والأعمال، والأولاد، والأموال، وأن يجعلنا، وإياكم مباركين حيثما كنا، وأن يبارك لنا، ولكم في القرآن العظيم، وأن يجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وجلاء همومنا، وأن يذكرنا منه ما نسينا، ويعلمنا منه ما جهلنا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.
- أخرجه الترمذي في سننه، برقم (2606) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1296).
- أخرجه أبو داود في سننه، برقم (2571) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4061).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، برقم (2950).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، برقم (2949).
- أخرجه الترمذي في سننه، برقم (2606) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1296).
- أخرجه أبو داود، برقم (260) والترمذي، برقم (1212) وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (4735).