الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
حديث «نفس المؤمن معلقة بدينه..» ، «إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت..»
تاريخ النشر: ٠٧ / شعبان / ١٤٣١
التحميل: 992
مرات الإستماع: 1745

مقدمة باب تعجيل قضاء الدين عن الميت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تعجيل قضاء الدين عن الميت، والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيُترك حتى يُتيقن موته.

يقول: تعجيل قضاء الدين عن الميت؛ لأنه كما سيأتي أن نفس المؤمن معلقة بدينه، ومن ثَمَّ فإنه يشرع التعجيل، ولا تركة قبل قضاء الدين، وإنفاذ الوصية، ثم بعد ذلك ينظر في قسم تركته، لكن أول ما يبدأ به تجهيز الميت، وقضاء الدين، ثم بعد ذلك ينظر إن كان له وصية، ثم بعد ذلك يوزع المال على الوارثين.

قال: والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت، يعني: موتًا مفاجئًا، فيترك حتى يتيقن موته؛ لأنه -لاسيما في السابق- ليس هناك من الوسائل والآلات الطبية التي يتحقق بها من الوفاة، لكن العلماء -رحمهم الله- من الفقهاء وغيرهم ذكروا علامات يعرف بها موت الإنسان، كانوا يعرفون هذا، لكن ما كل الناس يعرف، والموت يدخل في كل بيت، ما كل الناس يعرف هذا، وما كل الناس فقيهًا، وما كل فقيه عندما تحضره الحال يحضره علمه؛ لأن الإنسان في كثير من الأحيان إذا كان أمام الحالة الواقعة فإن كثيرًا من معلوماته تتلاشى، وجرب هذا في نفسك، في حالات: إما حالات وفاة، أو جرب هذا في نفسك في حالات تتصل حتى بمناسك الحج والعمرة، لربما الإنسان يحصل له بعض الاضطراب في التطبيق في بعض الأمور، مع أنه درس هذا من الناحية النظرية، فالعلم والفهم غير التطبيق والعمل والامتثال.

فإذا مات الإنسان موتًا مفاجئًا فإن ذلك قد يكون إغماءً، وقد يكون غيبوبة؛ ولهذا كان بعضهم يعرف حال الإنسان، يعني: جيء بميت محمول على نعش، قد كفن، وغسل، يذهبون به إلى المقبرة، فرآه بعض من يعرف ويعلم ويفقه في هذه الأمور، فعرف أنه لم يمت، فنهاهم، كيف عرف؟ رأى أقدامه منتصبة، مثلما إذا استلقى أحدنا كيف تكون أقدامه؟ قائمة؛ لأن العصب حي، لكن إذا مات الميت، ما الذي يحصل؟ يرتخي العصب، فالأقدام ما تبقى قائمة بهذا الشكل؛ ولهذا إذا رأوها بهذه الصورة كحال المستلقي يعرفون أنه ما مات، بل حي، والعصب حي مشدود، فترتخي إذا مات، ترتخي أعصابه، وما تبقى قدمه منتصبة، ويعرفون هذا من حال العين، ويعرفون هذا بأمور أخرى غير نبض القلب أيضًا، وقبل أيام سقط رجل، فجاء بعض من يتعاطى الطب، ونظروا فيه في بيته، فقالوا: فارق الحياة، فطُلب منهم أن يحملوه معهم من أجل أن لا يفجع به أهله، فالحاصل أنهم حملوه فيما بعد، وذهبوا به، فلما ذهبوا به إلى المستشفى تبين للأطباء أنه لم يمت بعد، وأعطوه ما يعطى لمثله من إنعاش، وما يحصل به تحريك قلبه، وما إلى ذلك، وبقي ما يقرب من يومين أو أكثر على قيد الحياة، الشاهد: أنه لم يمت في تلك الساعة، ووُجد بعض من دفن في القبور التي تفتح في بعض البلاد التي إما لطبيعة أرضها، مثل: مصر، أو لقلة المساحات، أو لتوارد الناس عليها في بعض المقابر، مثل المعلاة في مكة، وُجد في بعض القبور التي تفتح، وُجد أن الميت في غير الحالة التي وضعوه فيها، يعني: ضم رجليه وغيرها، يعني: مات في القبر اختنق، ما كان قد فارق الحياة، فأحيانًا قد يكون التقرير غير صحيح، فإذا كان موته مفاجئًا فإنه لا يستعجل في ذلك، هذا الذي أراده المصنف -رحمه الله.

نفس المؤمن معلقة بدينه
وذكر حديث أبي هريرة : عن النبي ﷺ قال: نفس المؤمن معلقة بدينه، حتى يقضى عنه[1].
ما معنى معلقة بدينه؟ قيل: أي: محبوسة، والنبي ﷺ أخبر أن الشهيد يغفر له من أول قطرة من دمه كل شيء، إلا الدين[2]، فنفس المؤمن معلقة بدينه.
وحديث جابر وما ذكره المصنف في هذا الباب، في القصة المعروفة، لما مات رجل من أصحاب النبي ﷺ، فجهزوه، ووضعوه في موضع الجنائز، وتقدم النبي ﷺ خطوات لما آذنُوه، ثم سأل: هل عليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران، فرجع النبي ﷺ وقال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة : هما عليّ يا رسول الله، فصلى عليه[3]، وجاء في بعض الروايات أن النبي ﷺ قال: هما في مالك وفي ذمتك؟ قال: نعم، فصلى عليه النبي ﷺ، فلقيه من الغد، فقال: ما فعل الديناران؟، فقال: إنما مات بالأمس، ثم لقيه بعدها، قال: ما فعل الديناران؟، فلما أخبره أنه قضاهما عنه قال: الآن بردت عليه جلدته[4].

هذا في دينارين، طيب والذي عليه مليونان، والذي عليه ملياران من أموال الناس من الفقراء، واليتامى، والضعفاء، والمساكين، ماذا يفعل؟ هذا في دينارين وما صلى عليه النبي ﷺ.

نفس المؤمن معلقة بدينه، والناس يتساهلون في الديْن، قديمًا قبل هذا الوقت الذي كثرت فيه البنوك، والوسائل التي سهلت على الناس أمر الديون، كان كثير من البيئات -من البادية خاصة- الديْن عندهم كالمجان؛ ولهذا كان بعض أهل الحيل يتلاعبون بهم، إذا كسدت البضاعة، مثلًا هذه الغترة بريالين، فإذا كسدت البضاعة، ماذا يقول؟، يقول: بريالين حالة، وريالين مؤجلة، دين، أي: سلف، فيتهافت كثير من الناس على شرائها، ما دام فيها سلف، فيبيعونهم بسعرها، فيقبضون منهم الثمن، والباقي يقولون: دين، فالكثير من الناس يتساهلون في الديون.

واليوم أصبح ذلك أسهل على النفوس؛ لأن الناس صاروا يتعاملون ببطاقات بلاستيكية، وأما حينما يدفع النقد فذلك أصعب عليه، لكن حينما يضع هذه البطاقة، وحينما يعطى هذه البطاقات التي تكون بلاستيكية كما هو معروف، بحيث إنها توفر له رصيدًا من البنك أحيانًا، بحسب نظام هذه البطاقة، بطاقات الفيزا، وغيرها، فإنه يشتري ولا يبالي، وإذا كانت البطاقة بطريقة محرمة فإن ذلك يعني: تراكم الدين، وزيادة المبلغ كلما تأخر في السداد، حتى إن بعضهم يقول: لو بقيت أجمع وأعمل طول حياتي ما أستطيع أن أقضي.

وللأسف، هذا لم يسلم منه التاجر، ولا غير التاجر، أكثر التجار الكبار، أصحاب المصانع، والذين يراهم الناس ويظنون أنهم أغنياء، إنما تقوم تجارتهم في الغالب على التمويل البنكي، التمويل من البنوك بمئات الملايين، كل تجارتهم وأعمالهم تقوم على هذا، وهذه مشكلة، وهذه لا تعد تجارة حقيقية، فكل إنسان يعمل بالديون، وإنما الصحيح أن الإنسان يعمل بما تحت يده، ويتوقى أموال الناس، وهذا هو الغنى الحقيقي، ليس الغنى المزيف، البنك يسهل له، يقول له: كم تريد أن نعطيك؟ خمسة ملايين، خمسين مليونًا، افتح مجالًا، افتح مشروعًا، افتح عملًا، افتح مصنعًا، ونحن نمول، ثم بعد ذلك يضعون حبل المشنقة على رقبته، وإذا مات الإنسان يكون قد حمَّل على ظهره هذه الديون العظيمة، التي لا يستطيع الوفاء بها بما ترك، ويعجز ورثته عن الوفاء.

فإذا كان أيها الأحبة في دينارين لم يصلِّ النبي عليه، فينبغي للإنسان أن لا يتساهل، وإذا اضطر فبطرق صحيحة مباحة، لا بالحيل، ولا بالربا.

وأما أن الإنسان يستدين من أجل أنه يشتري سيارة جديدة بالأقساط فهذا خطأ، ويستدين من أجل أن يبني مسكنًا فهذا خطأ، تستطيع أن تستأجر، ودع عنك الديون، وأموال الناس، لا تقربها، ويستدين من أجل أن يشتري أثاثًا، وأقبح من هذا كله أن يستدين من أجل أن يسافر للأجازة وللسياحة، فهذا في غاية السوء في التدبير، ويقول لك: من أجل الأولاد.

لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس
ثم ذكر حديث حُصين بن وحوح : أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه النبي ﷺ يعوده، فقال: إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فآذنوني، وعجلوا به، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله[5]، رواه أبو داود.

هذا الحديث لا حاجة للاشتغال بالكلام عليه، ومعناه؛ لأنه ضعيف، ولم يذكر غير هذين الحديثين على كل حال في هذا الباب، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، رقم: (1079)، وقال: هذا حديث حسن، وهو أصح من الأول، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين، رقم: (2413)،وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (2/ 1147)، رقم: (6779).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، رقم: (1886).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الحوالات، باب إن أحال دين الميت على رجل جاز، رقم: (2289).
  4. أخرجه أحمد، رقم: (14536)، وقال محققو المسند: إسناده حسن من أجل عبد الله بن محمد بن عقيل، فإنه يعتبر به في المتابعات والشواهد فيحسن حديثه، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: (5/ 248)، رقم: (1416).
  5. أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها، رقم: (3159)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته: (ص:307)، رقم: (2099).

مواد ذات صلة