- مقدمة باب تحريم ابتداء الكافر بالسلام
- لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام
- إذا سلم عليكم أهل الكتاب
- أن النبي ﷺ مر على مجلس فيه أخلاط
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا باب تحريم ابتداء الكافر بالسلام، وكيفية الرد عليهم، واستحباب السلام على أهل مجلس فيهم مسلمون وكفار.
تحريم ابتداء الكافر بالسلام، وذلك للنهي الصريح في قول النبي ﷺ في الحديث الذي صدّر به المصنف -رحمه الله- هذا الباب: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام.
فهذا نهي، والأصل أن النهي للتحريم، وقول النووي -رحمه الله- وكيفية الرد عليهم، يعني: ماذا يقول؟ هل يقول: وعليكم السلام، والله يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].
هل إذا قال: السلام عليكم، نقول: وعليكم السلام، أو وعليكم السلام ورحمة الله، أو نزيد وبركاته؟ يأتي هذا.
قال: واستحباب السلام على أهل مجلس فيهم مسلمون وكفار، يعني: بقصد المسلمين؛ لئلا نخالف قوله ﷺ في هذا الحديث.
الابتداء بالسلام فيه تكريم للكافر، وكما قلنا بأن الصغير يسلم على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد.
قال: فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه يعني: ألجئوه إلى أضيقه، هذا إذا كان الطريق ضيقًا، أو فيه زحام، بمعنى: أن المسلم لا يتنحى، ويمشي بجانب الطريق، ويترك الكافر يمر في وسطه، وإنما المسلم هو العزيز، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
فالمؤمن هو الذي يمشي في وسط الطريق، والذي يتنحى هو الكافر، ولا يكون المسلم ذليلًا بحال من الأحوال، لكن إذا كان الطريق واسعًا هل يُقصد إيذاؤه بإلجائه إلى أضيق الطريق؟ الجواب: لا، وسواء كان الإنسان راكبًا، أو كان ماشيًا، إذا كان في سيارة هل المسلم هو الذي يتنحى إذا كان الطريق ضيقًا، ويلصق بالجدار من أجل أن يمر الكافر في وسط الطريق؟ الجواب: لا، وإنما يكون ذلك للكافر، فإن لم يكن هناك ما يستدعي ذلك فلا يجوز للمسلم أن يتقصد أذيته بأن يضيق عليه قصدًا من غير موجب؛ ليضطره إلى أضيق الطريق، فإن هذا لا يجوز.
يعني: نرد عليهم، لكن لا نقول: وعليكم السلام، فضلًا عن أن نقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لماذا؟
لأنه جاء في رواية في صحيح مسلم أيضًا، إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم، فقل: عليك[2].
السام معناه: الموت، الموت عليكم، فيلوون ألسنتهم بها، فكأنه ألقى السلام، فهنا ليس المؤمن بالفاحش، ولا البذيء، ولا اللعّان، ولا الطعان، وإنما يقول: وعليكم.
لما مر اليهود بالنبي ﷺ، فقالوا: السام عليك، قال: وعليكم، فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله ﷺ: مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف، أو الفحش...[3].
فالنبي ﷺ وجهها، وعلمها كيف ترد، فإذا قال المسلم: وعليكم، بالواو، هنا الواو تحتمل أن تكون عاطفة، أيْ: عطف على تحيتهم، هم قالوا: السام عليكم، فيقول: وعليكم، هذا يُشعر بأن الموت حالٌّ بالجميع، علينا وعليكم، هو شيء كتبه الله على الجميع، هكذا فهم بعض أهل العلم، باعتبار أنها عاطفة، مع أن بعض أهل العلم أنكر هذه الرواية بالعطف، وقال: كيف يشترك معهم؟، مع أن لها توجيهًا آخر، يعني: أن تكون الواو استئنافية، ليست عاطفة، هم قالوا: السام عليكم، فيقول: وعليكم، الواو استئناف، جملة جديدة، يعني: وعليكم السام، وعليكم مثلما قلتم.
وأما الرواية الثانية، التي بدون الواو، عليك ما قلت[4]، فهذه واضحة، عليكم: يعني عليكم ما قلتم، عليكم السام، يعني: فيه مقدر محذوف.
فإن كان الذي ألقاه هو السلام فعندئذ تكون رددتَ عليه بمثل تحيته، وإن كان الذي ألقاه غير ذلك رجع عليه، ولا حاجة إلى التكلف في هذا.
وبعض أهل العلم خص ذلك بمن عرف عنه هذا، يعني: النبي ﷺ قال: إذا سلم عليكم اليهود، وهنا في هذا الحديث: إذا سلم عليكم أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، لو لم يُعرف عنه أنه يقول هذا، يقول بعبارة واضحة: السلام عليكم، أو كان من غير اليهود، من غير أهل الكتاب، وقال: السلام عليكم، فمن أهل العلم من يقول: يرد عليه كما قال، فيقال: وعليكم السلام، ومنهم من يقول: لا، نقول كما علمنا النبي ﷺ لأنه هنا لم يقيد، قال: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم، يعني: أيًّا كان قولهم -قول أهل الكتاب، فهذا عام.
ومن أهل العلم من يرى أنه مقيد بما جاء في الرواية الأخرى، وأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإنما يقال لهم: وعليكم، للعلة المذكورة، أنهم يقولون: السام، فإن علمنا أنهم لا يقولون ذلك، أو علمنا عن أحدهم أنه لا يقول ذلك، فمن أهل العلم من يقول: يرد عليه كما قال، فيقال: وعليكم السلام.
والأخلاط: جمع خِلط، يعني أخلاط الناس فيه، كما جاء هنا "من المسلمين، والمشركين -عبدة الأوثان، واليهود، فسلم عليهم النبي ﷺ".
فإذا كان المكان يوجد فيه من المسلمين أحد فإنه يلقي السلام، ويقصد بذلك أهل الإسلام؛ من أجل أن لا يخالف قول النبي ﷺ: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، هذا جمع بين هذه الأحاديث.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين (8/ 56)، رقم: (6254)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في دعاء النبي ﷺ إلى الله، وصبره على أذى المنافقين (3/ 1422)، رقم: (1798).