الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
الحديث على آيات الباب وحديث "كان رسول الله ﷺ يعجبه التيمن" إلى «ابدأن بميامنها..»
تاريخ النشر: ٢٨ / صفر / ١٤٣١
التحميل: 1371
مرات الإستماع: 2066

مقدمة باب استحباب تقديم اليمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:  

فهذا باب "استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، كالوضوء والغسل والتيمم، ولبس الثوب والنعل، والخف والسراويل، ودخول المسجد، والسواك والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس والسلام من الصلاة، والأكل والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، والخروج من الخلاء، والأخذ والعطاء، وغير ذلك مما هو في معناه.

ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط والبصاق عن اليسار، ودخول الخلاء، والخروج من المسجد، وخلع الخف والنعل والسراويل والثوب، والاستنجاء، وفعل المستقذرات، وأشباه ذلك".

هذا تفصيل لهذه الجملة التي ذكرها المصنف -رحمه الله- في ترجمة هذا الباب، استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم.

فاليمين أشرف من الشمال كما هو معلوم، فتُقدم في كل ما كان من هذه البابة، يعني ما كان له تكريم، أو فيه تكريم، بخلاف الشمال، وهذه الأشياء التي ذكرها المصنف -رحمه الله- هي من باب التمثيل، قال: كالوضوء، يبدأ بميامنه فيغسل يده اليمنى قبل يده اليسرى، ولو أنه قلب فغسل اليسرى قبل اليمنى صح وأجزأ؛ لأنه غسل الأعضاء التي أمر الله بغسلها، لكنه يكون قد أساء وخالف السنة، وهكذا أيضاً الغُسل فإن الإنسان كما هو معلوم في غسل الجنابة يغسل فرجه، وما أصابه، ويتوضأ وضوءه للصلاة، ويتمضمض ويستنشق، ثم يبدأ بميامنه يغسل ميامنه، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الشق الأيسر، ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه ثلاثًا، يقول: "والتيمم"، التيمم هو يضرب بيديه -بكفيه- على الأرض ثم يمسح بهما وجهه، لكن المقصود بذلك -والله تعالى أعلم- أنه يبدأ بمسح ظاهر اليسرى قبل اليمنى، هذا هو المراد، وإلا فإن الضرب يكون في وقت واحد، والمسح على الوجه يكون في وقت واحد.

يقول: "والنعل" بمعنى أنه ينتعل يبدأ باليمنى، وإذا كان الإنسان يزاول عملاً يحتاج فيه إلى هذا وهذا، بمعنى عند الخروج مثلاً من المسجد يقدم اليسار، وهو يريد أن ينتعل فيلبس اليمين، يبدأ باليمين، فماذا يصنع إذا كانت نعله عند باب المسجد؟

يضع قدمه اليسرى، يُخرج اليسرى، ثم يخرج اليمنى ينتعل، ولو كان لابدّ له من وضعها على النعل فإنه يضعها على ظهرها دون أن يلبسها، ثم بعد ذلك يدخل رجله اليمنى قبل اليسرى، وهكذا إذا كان الإنسان يريد دخول الخلاء والنعل في داخل دورة المياه -أعزكم الله- فماذا يصنع؟ نقول: ابدأ بالشمال أدخلها، وضعها على ظاهر النعل، ثم أدخل اليمنى، ثم ابدأ بلبس اليمنى من النعل ثم اليسرى، فيكون بذلك قد وافق السنة، لبس النعال والخف وهكذا يقال أيضاً في لبس الجوارب -الشراب- يبدأ باليمين، والسراويل بمعنى أنه يدخل رجله اليمنى قبلُ، ودخول المسجد.

"والسواك"، السواك هنا بمعنى أنه يستاك يبدأ بشقه الأيمن، ولكن هل معنى ذلك أنه يأخذ السواك بيمينه؟، هذا ليس محل اتفاق، ومن نظر إلى أن الاستياك هو عبادة وأمر يحبه الله، وأنه سنة، وأنه من الفطرة من نظر إلى هذه المعاني قال: إنه يأخذ السواك بيمينه، ومن نظر إلى أن ذلك من باب التنزه والتنظف، وما أشبه ذلك قال: فإنه يأخذ السواك بشماله، ومن أهل العلم من فصل في هذا فقال: إذا كان السواك إنما استعمله من باب الاتباع فقط فإنه يكون بيده اليمنى، وإذا كان للتنظيف فبيده اليسرى، بمعنى أن الإنسان أحياناً يأتي للصلاة وقد استاك عند الوضوء، وهو أيضاً مأمور بالاستياك عند الصلاة، وقد يكون فمه لا يحتاج أو لا يتطلب الاستياك، إنما يفعل ذلك اقتداء فقط، قالوا: يأخذه بيمينه لكن إن كان ثمّة ما ينظف به فإنه يكون بشماله، وهي مسألة يسيرة، ونحن ندقق أحياناً في مثل هذا، ونترك الأشياء الواضحة، الغيبة حرام، وهي من الكبائر، ومع ذلك نغتاب، ولربما ينقضي وقت طويل من الجدل، هل يأخذ السواك بيده اليمنى أو بيده اليسرى؟ 

يقول: "والاكتحال" بمعنى أنه يبدأ بالعين اليمنى، "وتقليم الأظفار"، تقليم الأظفار يبدأ باليمنى، لكن هل يقص اليمنى كاملة ثم يقص اليسرى، أو أنه يبدأ باليمنى؟، يبدأ كما يقول بعضهم: بالخنصر، ثم بالوسطى، ويترك البنصر، ثم بعد ذلك بالإبهام يترك أصبعًا كما يقولون: في اليمنى (خوابس) الخاء يعني الخنصر، والواو يعني الوسطى، والإبهام، ثم في اليد اليسرى، يقولون: (اوخسب) يعني جمعوا الحروف بمعنى أنه يبدأ بالإبهام من اليسرى ثم بالوسطى، ثم بالصغرى ثم يرجع إلى السبابة، هذه السين (اوخسب)، والباء هذه للبنصر، هذه جمع حروف، يعني ليست كلمة معبرة، وهكذا (خوابس) الألف هذه للإبهام، والباء للبنصر، والسين للمسبحة السبابة، والأحسن أن يقال: المسبحة، وهذا لا دليل عليه، وإن ذكره بعضهم كأبي حامد الغزالي في كتاب "الإحياء"، وإنما يقص أظفاره اليد اليمنى: يبدأ من الأيمن فيها، الأصبع الأيمن، ثم يأخذ إلى ناحية الشمال، والله تعالى أعلم.

يقول: "تقليم الأظفار وقص الشارب"، بمعنى أنه يبدأ بالطرف الأيمن، "ونتف الإبط" أو حلق الإبط، كذلك "وحلق الرأس"، أما في النسك فهذا من السنة بلا شك يبدأ بشقه الأيمن، وهذه يغفل عنها كثير من الناس، يبدأ بشقه الأيمن فيحلق أو يقصر، ثم الشق الأيسر، ومن أهل العلم من قال: إن ذلك لا يختص بالنسك، فيبدأ باليمين تكريماً له إذا حلق رأسه أو قصره، دائماً يبدأ باليمين، ثم ينتقل إلى اليسار، وهذا له وجه.

يقول: "والسلام من الصلاة، والأكل والشرب" وهذا واضح. 

"والمصافحة واستلام الحجر الأسود"، بمعنى بيمينه، وكذلك لو أنه أراد إشارة يشير بيمينه.

"والخروج من الخلاء" يُخرج اليمنى، "والأخذ والعطاء"؛ لأن الشيطان يأخذ بشماله، ويعطي بشماله، ويأكل بشماله ويشرب بشماله.

قال: "وغير ذلك مما هو في معناه"، وغير ذلك مما هو في معناه ما شئت أن تذكر، يعني لو أن الإنسان مثلاً أراد أن يتداوى، يضع دواء في عينيه، يبدأ باليمين، لو أراد أن يضع سعوطاً أو دواء في أنفه، فكذلك يبدأ باليمين، لو أن هذا الإنسان أراد أن يُجري إصلاحات في أسنانه مثلاً في اليمين واليسار يبدأ باليمين، أمور كثيرة جدًّا، ونحن في الغالب نغفل عن مثل ذلك.

يقول: "ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط والبصاق"، يعني يستعمل يده اليسرى وما شابه ذلك يعني وضع النوى مثلاً، إذا وضع النوى حينما يخرجه من فمه يضعه في اليمنى أو يضعه في اليسرى؟

الصحيح أنه يضعه في اليسرى، ومن الناس من يضعه في اليمنى، ولربما يكون هو الذي يباشر إكرام الضيوف ونحو ذلك، ويصب لهم وما أشبه ذلك، يأكل معهم ويضع النوى في اليمنى، وهذا غير مناسب، ولا لائق.

يقول: "ودخول الخلاء والخروج من المسجد، وخلع الخف، والنعل، والسراويل، والثوب، والاستنجاء، وفعل المستقذرات"، لو أنه كان أقطع اليمنى فعندئذ يسقط ما اتصل بها، لكن من الناس من يجري هذا في أمور قد تحتاج إلى مزيد تأمل ونظر، ومناقشة، على سبيل المثال كثير من الناس إذا أراد أن يدخل المسجد ومعه غيره فإنه يقدم الأيمن، يقول: اتفضل قبلُ، فهل هذا مُسَّلم وصحيح؟

هنا يدخل في مسألة أخرى، وهي قضية الإيثار بالقُرَب، ولا شك أن دخول المسجد ابتداء قبل غيره لاسيما يوم الجمعة، والملك يكتب أن هذا لا يُؤثِر، ولا يُقدِّم غيره عليه فيه، ولو كان ذلك عن يمينه، وهكذا في مسألة الخروج من المسجد أحياناً يقال: تقدم؛ لأنه عن يمينه، والواقع أنه لم يكرمه بهذا؛ لأنه أخرجه قبله من المسجد، وإنما بقاء الإنسان في المسجد مدة أطول خير له، فإذا قدمه عليه في الخروج لم يكن ذلك من التكريم، وإن كان في ثوب التكريم -صيغة التكريم، فهذا من الأشياء الشائعة التي يقع فيها الناس.

قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ...}

يقول: قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19] هذا من الناجين، من المفلحين، يُعطَى الكتاب بيمينه، فدل على شرف اليمين، هذا وجه الشاهد.

ويقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ بمعنى خذوا.

قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ...}

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۝ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:8-9]، بعضهم يقول: هم الذين كانوا عن يمين آدم حينما استخرج الله ذريته من صلبه، وبعضهم يقول: هم عن يمين عرش الرحمن، وبعضهم يقول: هم الذين يأخذون كتابهم بأيمانهم، وبعضهم يقول: هم أصحاب اليمين، وهذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [البلد:19] أهل الخسار والبوار والهلاك، وهذا يدل على شرف اليمين، وفضل اليمين.

يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله ﷺ يعجبه التيمن في شأنه كله، في طهوره وترجله، وتنعله"[1]، متفق عليه.

"يعجبه التيمن" يعني البداءة باليمين في شأنه كله، وشأنه كله محمول على ما سبق، يعني مما يقدم به اليمين من الأمور الشريفة، ومثلتْ على ذلك بهذه الأمثلة الثلاثة: في طهوره، يعني في الطهارة سواء كان الغسل، أو الوضوء، والترجل وهو تمشيط الشعر يبدأ بالجانب الأيمن، وقل مثل ذلك أيضاً في مشط اللحية، يبدأ بالجانب الأيمن، والتنعل.

وعنها قالت: "كانت يد رسول الله ﷺ اليمنى لطهوره وطعامه"، بمعنى يأكل بيمينه، "وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى"[2]، رواه أبو داود، وغيره بإسناد صحيح.

ثم ذكر حديث أم عطية -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال لهنّ، يعني النساء اللاتي يغسلن ابنته، قيل: زينب، وقيل: أم كلثوم ، قال لهن في غَسل ابنته لما ماتت، يقول هنا: زينب -رضي الله عنها- في هذه الرواية: ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها[3]، متفق عليه.

ابدأن بميامنها يعني في الغَسل -غسل الجنازة- الشق الأيمن، ثم بعد ذلك بالشق الأيسر، ويُبدأ بمواضع الوضوء قبل غيرها، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، برقم (426).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، برقم (33)، وأحمد في المسند، برقم (26283)، وقال محققوه: "حديث حسن بطرقه وشاهده، وهذا إسناد ضعيف"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (26).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم (167)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم (939).

مواد ذات صلة