- إن فيك خصلتين يحبهما الله
- ترجمة أشج عبد قيس
- إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله
- إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي
- إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب "الحلم والأناة والرفق" أورد المصنف -رحمه الله-:
الأشج هذا لقب له؛ لشجة فيه، وأما اسمه فقد اختلفوا فيه كثيراً، وكذلك أيضاً اختلفوا في اسم أبيه.
فبعضهم يقول: هو المنذر، وبعضهم يقول: ابن الحارث، وبعضهم يقول: ابن عامر، إلى غير ذلك من الأقاويل.
وعبد القيس كما -هو معلوم- كانت منازلهم في هذه الناحية شرق الجزيرة العربية، في منطقة الإحساء، وما والاها، ما يسمى بالبحرين، هذه مناطق ممتدة تشمل مدنًا متعددة اليوم.
أشج عبد القيس وفد إلى النبي ﷺ مع قومه من بني عبد القيس، وسبب ورود هذا الحديث: هو أنهم حينما قدموا على النبي ﷺ، لم يتمالكوا حينما وصلوا المدينة، فانطلقوا إلى رسول الله ﷺ تاركين دوابهم، ولم يغيروا ملابس السفر، ولم يتهيئوا؛ لفرط شوقهم لرؤية رسول الله ﷺ، أما الأشج فبقي في رحالهم، وعقل راحلته، وغير ثيابه، وتهيأ للقيا رسول الله ﷺ، ثم جاء إليه، فأكرمه النبي ﷺ وقربه.
لما دخل وفد عبد القيس انكبوا يقبلون يديه ورجليه ﷺ ولا يُعرف هذا لوفد دخل على النبي ﷺ سوى هذا الوفد.
فلما حصل منه ما حصل -أعني الأشج- وتأخر عن أصحابه لهذا السبب، قال له النبي ﷺ: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة.
الحلم بعض أهل العلم فسره بالعقل، والعقل يقال له: حلم، ويقال لأصحاب العقول: أصحاب الأحلام، أولو الأحلام، ويقال له: النُّهى، ويقال له: اللب.
فبعض أهل العلم يقول: إن قوله ﷺ هنا الحلم، أي: العقل، فيك عقل، رجاحة عقل، ومن أهل العلم من يقول: الحلم هو المعروف، الذي يكون بكف النفس عن دواعي الغضب.
والمصنف -رحمه الله- أورد هذا الحديث هنا في باب الحلم والأناة، وليس المقصود في هذه الترجمة التي وضعها المؤلف في هذا الباب باب الحلم أنه باب العقل والأناة، لا، إنما يقصد الحلم الذي هو بمعنى كف النفس عن دواعي الغضب.
وأما الأناة فسبق الكلام في معناها، والمراد بها خلاف العجلة، وهي بمعنى التؤدة، والتروي، والنظر في الأمور والعواقب، قبل أن يُقدم الإنسان على القول أو العمل، لا يستعجل.
الشاهد أن النبي ﷺ أخبره أن الله يُحب ذلك، وأن هذه الأوصاف متحققة فيه، وفي بعض الروايات أنه قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما، أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلّتين يحبهما الله ورسوله[1].
وكما سبق أن هذه الأخلاق منها ما هو فطري، ومنها ما يكون بالاكتساب والترويض، وكما في الحديث الآخر: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم[2].
وإذا كان الله -تبارك وتعالى- يحب الحلم والأناة فقد يفهم بمفهوم المخالفة أن خلاف ذلك لا يحبه الله -تبارك وتعالى، يعني: العجلة في الأمور، التسرع، وكذلك أيضاً الطيش وسرعة الغضب والانفعال وما شابه هذا.
رفيق هذا من أسمائه -تبارك وتعالى، يحب الرفق، كما أنه جميل يحب الجمال هو رفيق يحب الرفق.
يحب الرفق في الأمر كله، بمعنى أن الرفق في كل الأمور مطلوب ومحبوب، والقاعدة في هذا أن كل ما يمكن أن يتوصل إليه من طريق الرفق فإنه لا يختار سواه.
وعائشة -ا- لما كانت على راحلة لم تتروض كما ينبغي فضربتها -ا، فقال لها النبي ﷺ: يا عائشة، ارفقي...[2].
والرواية التي عند مسلم:
فهذا كما أن الله يحبه، فإنه يجزي عليه، وأيضاً تستطيع أن تتوصل إلى المطلوب بالرفق، وقد لا تستطيع التوصل إليه بالعنف والشدة، وهذا كما يكون في تربية الأولاد والتعامل مع الزوجات كذلك أيضاً يكون في البيع والشراء، واستخراج الحقوق من الناس، وهكذا في حال التعامل معهم بأي لون من العاملات، بالرفق يمكن أن تحل المشكلات، بالرفق يمكن أن نصل إلى ما نريد، فلا نختار طريق الشدة والعنف، إذا كان أمامك هذا وهذا فلا يصح بحال من الأحوال أن الإنسان يتخير الشدة، فإن ذلك قد يقطع عليه الطريق، ولا يصل إلى مطلوبه بحال من الأحوال، إضافة إلى ما تورثه هذه الشدة من نفور لدى النفوس، ولربما قابلوا تلك الشدة بمثلها فوقع له ما يكره، أما إذا عاملهم باللطف والرفق فإن الناس تستمال قلوبهم بهذا، ويحصل على مقصوده.
وفي رواية ثالثة:
لا يكون في شيء، هذا عام، بل هي أقوى صيغة من صيغ العموم، النفي والاستثناء التي جاءت بها كلمة التوحيد لا إله إلا الله، أقوى صيغة من صيغ الحصر هي هذه.
لا يكون في شيء إلا زانه، هذا كلام المعصوم ﷺ ليست فلسفات تربوية يقولها البشر من عند أنفسهم.
لا يكون في شيء إلا زانه، حتى في التعامل مع الجمادات، حتى في التعامل مع البهائم، وذكرت لكم بعض الأمثلة، وبعض النماذج في شرح ترجمة الباب، لربما الإنسان يريد أن يصلح ثوبه بالعنف فيهتكه، أليس كذلك؟!
لربما يحاول الإنسان بالعنف والشدة أن يصلح شيئاً قد اختل يحتاج إلى لطف في التعامل، معه جهاز أو نحو ذلك، فبالشدة والعنف والرعونة يفسد ذلك على نفسه لاسيما إذا أخذته دواعي الغضب، وكأن هذا الجماد يفهم لربما بعض الناس كما نشاهد، أو كما نسمع، أو نحو ذلك لربما أخذ جهازه الجوال وضربه أمام الناس في المطار على الأرض؛ لأنه غضب من شخص كان يحادثه أو نحو ذلك، ما ذنب هذا؟، أنت الذي خسرت الآن، وهل انحلت المشكلة أو لا؟!
وهكذا يصادفه أدنى الأشياء كما يقال عن بعض الناس: لو عاسرته يمينه لقطعها، فهل هذا مدح يمدح به الإنسان؟!
فيستطيع الإنسان -أيها الأحبة- أن يتوصل إلى المطلوب بالرفق واللطف، وبعيداً عن دواعي الشدة والغضب، والنفوس لا تقبل هذا، المدير، الرئيس، المشرف على العمال، إذا كان يتعامل مع الآخرين بشدة وعنف مع المرءوسين تنفر قلوبهم منه.
البائع إذا كان يتعامل مع الذين يشترون بعنف وقسوة، أو الذي يبيع أو الذي يجلس في الاستقبال في فندق، أو في مكتب، أو نحو ذلك، ما يأتونه مرة ثانية، ويخرجون وهم يذمونه، لكن إذا عاملهم بالرفق فإنه يكسب.
لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، هذه قاعدة ينبغي أن يجعلها الإنسان أمام ناظريه، ويتعامل مع كل الأشياء بهذه الطريقة، والأمثلة في الحياة لا تنقضي على هذا، لا تنقضي، والله المستعان.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في قبلة الرجل (4/ 357)، رقم: (5225).
- أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3/ 118)، رقم: (2663)، والبيهقي في شعب الإيمان (13/ 236)، رقم: (10254).
- أخرجه البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إذا عرّض الذمي وغيره بسب النبي ﷺ ولم يصرح، نحو قوله: السام عليك (9/ 16)، رقم: (6927)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (4/ 2003)، رقم: (2593).
- أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرفق (4/ 255)، رقم: (4808).
- أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (4/ 2003)، رقم: (2593).
- أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (4/ 2004)، رقم: (2594).