الإثنين 16 / جمادى الأولى / 1446 - 18 / نوفمبر 2024
حديث «لو كان لي مثل أحد ذهبًا..» ، «انظروا إلى من هو أسفل منكم..»
تاريخ النشر: ٢٩ / صفر / ١٤٢٩
التحميل: 1757
مرات الإستماع: 4348

لو كان لي مثل أُحدٍ ذهباً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكان الحديث في الليلة الماضية عن حديث أبي ذر وفيه أن النبي ﷺ قال له: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهباً تمضي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لديْن، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثم سار فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه وقليلٌ ما هم... إلى آخر الحديث[1].

ثم أورد المصنف -رحمه الله- بعده:

حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لو كان لي مثل أُحدٍ ذهباً لسرني أن لا تمر عليّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرصده لديْنٍ[2] متفقٌ عليه.

هذا من حديث أبي هريرة والكلام الذي مضى بالأمس بالتعليق على الحديث -حديث أبي ذر- يفي بالغرض -إن شاء الله- من بيان ما يتعلق بهذا الحديث إلا قضية واحدة، وهو أنه في حديث أبي ذر قال: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهباً وفي حديث أبي هريرة: لو كان لي مثل أحدٍ ذهباً لسرني أن لا تمر عليّ ثلاث ليالٍ.

فالمسألة الجديدة في هذا الحديث هي أن النبي ﷺ استعمل "لو" لو كان لي مثل أُحد ذهباً لسرني... إلى آخره.

والنبي ﷺ صح عنه أنلو تفتح عمل الشيطان[3] وذلك حينما نهى ﷺ أن يقول الإنسان: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فهل ذلك يتعارض مع استعمال النبي ﷺ لو هنا في قوله: لو كان لي مثل أُحدٍ ذهباً لسرني أن لا تمر عليّ؟ الجواب أنه لا تعارض، "لو" تلك التي تفتح عمل الشيطان والتي نهينا عن استعمالها هي ما تكون على سبيل التحسر والندم على أمر فائت مما قضاه الله وقدّره، فهذا لا يمكن استدراكه، أمر لابد من حصوله وقد حصل، فإن "لو" لا تزيد الإنسان إلا غمًّا وحزناً فيجدد ذلك عليه همومه وآلامه وأحزانه، فلا يقول الإنسان: لو أن فلانًا ما أسرع ما صار له كذا، لو أن فلانًا ما سافر في الليل ما حصل له كذا، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان، هذا أمر قدره الله ، وما قدره الله كائن، أما مثل "لو" في هذا الحديث فلا إشكال فيها، يقول: "لو كان عندي مثل أُحد ذهباً لفعلت به كذا وكذا وكذا"، فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه يبين العمل المشروع الذي يفعله المؤمن فيما يتعلق بالمال، وكذلك أيضاً لو أن الإنسان قال هذا على سبيل تمني الخير كما ورد في الحديث الآخر لما ذكر النبي ﷺ أن الناس أربعة: "ورجل قال: لو أن عندي مثل مال فلان لفعلت كما فعل، يعني من وجوه البر والصدقة والإنفاق، قال: فهما في الأجر سواء"،[4] فلا بأس أن يقول الإنسان مثل هذا، لكن لا يقوله على سبيل التحسر لأمر فائت.

انظروا إلى من هو أسفل منكم

بعد ذلك أورد:

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم[1] متفق عليه، قال: وهذا لفظ مسلمٍ، وفي رواية البخاري -وهي أيضاً في مسلم- قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضِّل عليه في المال والخلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه[2].

 

هذه الرواية الثانية تبين المراد بالرواية الأولى: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم.

من الناس من يقول: هذا في كل شيء، فينظر إلى من هو أسفل منه فيما يتعلق بالأخلاق والدين والعمل الصالح الذي يقرب إلى الله  فإذا قيل له: يا فلان أنت مقصر، أنت لا تحافظ على الصلاة، أنت لا تحافظ على الأذكار، أنت ما تقرأ القرآن، قال: أنا أحسن من غيري، أنا على الأقل أجيء إلى المسجد، في ناس ما يأتون إلى المسجد، والذي ما يأتي إلى المسجد يقول: أنا أحسن من غيري، في ناس ما يصلون أصلاً إلا الجمعة، والذي يصلي الجمعة إذا أُنكر عليه قال: احمدوا ربكم أني أصلي الجمعة، في ناس ما يصلون الجمعة أبدًا، وأنا أحسن أصحابي على الأقل ما أترك الجمعة، ما شاء الله، ما شاء الله، والذي ما يصلي أبدًا يقول: احمدوا ربكم أنا أصوم رمضان وإلا في ناس لا يصومون ولا يصلون، وهكذا فكلما أراد الإنسان أن ينظر إلى من هو دونه في قضايا الدين والعبادة والتقوى فإنه سينحدر إلى أسفل سافلين وسيجد أن الشيطان أسوأ منه، ثم بعد ذلك سينافس الشيطان على الشر، الهاوية ليس لها نهاية إلا الدرك الأسفل في النار، نسأل الله العافية.

ولو أن ذلك قيل في دار الجزاء فالذي في الطبقة الأولى من النار يقول: الحمد لله على الأقل أنا أحسن من غيري، في ناس في الطبقة الثانية وهكذا، فهذا ما يليق، ويدل على سوء تدبير، وسوء فكر وسوء نظر، وزهد في الدار الآخرة، وما عند الله من الثواب، وإنما ينظر إلى من هو أعلى منه.

ينظر إلى من هو أعلى منه، كما جاء في اللفظ الآخر: إذا نظر أحدكم إلى من فضِّل عليه في المال والخلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه في الأعمال الصالحة ينظر إلى من هو أعلى منه، ويكون الإنسان بهذا الاعتبار في ازدياد دائم، ولهذا قال الأئمة كابن جرير وغيره: إن هذا الحديث من الأحاديث الجامعة؛ لأن الإنسان إذا كان ينظر بهذا النظر فيما يتعلق بالعمل الصالح، فهو في ازدياد دائم وارتقاء؛ لأنه لابد أن يجد من هو أفضل منه حتى لو لم يجد في بيئته إذا ارتقى في الدرجات العالية، قد يكون في بيئة سيئة فيقول: أنا أفضلهم، لكن لو نظر في الكتب في السير في أعمال السلف الصالح فإنه سيجد من هو أفضل منه وأتقى لله ، ولو أن الإنسان نظر فيمن حوله حتى في بعض من لا يعبأ بهم فإنه سيجد من هو أفضل منه في كل شيء، انظروا في أعمالنا وما نؤديه من الوظائف والأعمال التي أنيطت بنا والأمانات، الإنسان أحياناً ينظر إلى عامل النظافة من الصباح الباكر قبل الساعة السابعة، وهو يعمل بجد ويراه في الظهر، ويراه في العصر طول الوقت، وهو لا يفتأ يذهب هنا وهناك وينظف، هذه لقمة حلال، كم هذا الأجر الزهيد الذي يأخذه؟، وكم يبذل؟.

فإذا نظر الإنسان في تقصيره وتفريطه في الأوقات القليلة التي يعملها فإنه سيجد ذلك دافعاً له إلى مزيد من العمل، فيحاسب نفسه، ويستحي من الله ويخاف ويراقب.

وانظر إلى أحوال الناس اذهب مثلاً إلى بعض المساجد التي تفتح قبل الأذان، قبل أذان الفجر الأذان الأول اذهب إلى المسجد النبوي، أو المسجد الحرام، وستجد أناسًا لا يظهر عليهم سِيما التدين أصلاً، ومع ذلك تجده من الأذان الأول يصف قدميه يصلي، تجد بعض الناس الذين قد يكون عندهم تقصير كثير يختم في خمسة أيام، في ثلاثة أيام، في أسبوع، لابد وأن تجد، إذا ذهبت إلى المسجد الحرام في يوم الإثنين والخميس المغرب أو قبيل صلاة المغرب انظر إلى السفر التي مدت، وانظر الذين يجلسون عليها، ستجد أن كثيرًا من هؤلاء لا يظهر عليهم سيما التدين أصلاً، وبعضهم لربما يكون يعمل أعمالا شاقة، ومع ذلك صائم، وقد تجد بعض النساء التي لا تحافظ على الحجاب كما ينبغي ولباس الله أعلم به، ومع ذلك تأتي بإفطارها وتفطر، صائمة تصوم الإثنين والخميس، فالإنسان دائماً ينظر في أحوال الناس، فيجد من هو أفضل منه في جوانب، هذا أفضل منه في الأخلاق، وهذا أفضل منه في المحافظة على الصلاة، لماذا أنا إذا جئت أكون دائماً في أطراف الصفوف أو في الصف الثاني، وهؤلاء لربما دائماً في الصف الأول؟، وهكذا في قراءة القرآن، وهكذا في كل عمل من الأعمال فيكون في ارتقاء دائم.

وفي أمور الدنيا كما قال هنا: إذا نظر أحدكم إلى من فضِّل عليه في المال والخلْق، في المال بمعنى أنه إذا رأى أناساً أهل غنى وثراء أكثر منه فإنه ينظر إلى من دونه فيكون ذلك سبباً لطمأنينة النفس والرضا والراحة، وهكذا دائماً مهما كان حاله سيجد من هو دونه ولابد، لابد من هذا، الإنسان الذي يعاني من مرض سيجد من هو يعاني أكثر من هذا المرض، وإذا كانت رجله كسرت سيجد من كسرت رجلاه، ومن كسرت يده سيجد من كسرت يده ورجله، وإذا جاء الإنسان وقد تهشمت سيارته وتحطمت في حادث سيجد من تهشم وتهشمت سيارته معه فيقول: الحمد لله أنا بخير وعافية، أنا أفضل من هذا، إذا مات له ولد يتذكر أسرة ماتت بكاملها ذهبوا نزهة أو سياحة أو نحو ذلك، ولم يرجع منهم أحد، فيقول: الحمد لله، ما أبقى الله كان أكثر، إذا خسر ألفًا يتذكر من خسر مليونًا، وإذا خسر مليونًا يتذكر من خسر عشرة ملايين، وهكذا فيهون ذلك عليه، أما إذا جلس ينظر إلى من هم أعلى منه في الدنيا فإن قلبه يبقى مشوشاً، معذباً دائماً، فإذا دخل القصور، ورأى المراكب الفارهة واللباس الفاخر والطعام الذي لا يستطيع أن يحصل على مثله، ولا أن يعيش هذه الحياة، ولا أن يبني مثل هذه الدور فإن قلبه يبقى مشوشاً معذباً، ولهذا كان بعض السلف يقول: صاحبت الأغنياء، فتشوّش عليّ قلبي وتفرق، ثم صحبت الفقراء فاسترحت؛ لأنه يجد نفسه أحسن حالاً منهم، فلا يعذب قلبه.

ولهذا أقول: من أراد الراحة والسعادة فعليه بأمور -يهمنا منها: لا تصحب من هو أعلى منك ممن تشوّش صحبته عليك قلبك، بعض الناس يمشي مع الكبراء، ومنهم أغنياء وأثرياء أحسن حالاً منه، ويذهب ويجيء إليهم، ولربما يكون فقيراً ويسكن في حيهم، فيرى من المساكن والمراكب وما إلى ذلك ما لا يقدر عليه، وبعض الناس لربما درّس ولده في مدرسة يدرس فيها الأثرياء والكبراء بزعمه هو من أجل أن يكوّن علاقات في المستقبل، في المستقبل يكونون هؤلاء زملاء دراسة، وسيكون لهم مناصب ولهم نفوذ، فيكونون زملاء دراسة، ما علم أن هذا الولد قد يكون محترفًا للجريمة، أو منكسر القلب، محطم النفس، وأنه يشعر بالغبن والتعاسة أنه لا يجد، فيشعر بالحسرة، حسيرًا ما يستطيع أن يتصرف بشيء، هؤلاء والأستاذ يكتب على السبورة في المرحلة الثانوية واحد منهم يقول: "هيا يا شباب قطية رحلة اليوم نطلع" كم؟، كل واحد يدفع خمسة آلاف، ما يُجمع في لحظة والأستاذ يكتب أكثر من خمسة وثلاثين ألفًا على رحلة في آخر النهار، فهذا الولد ماذا يصنع؟، يرجع لأبيه ويقول: هات خمسة آلاف أطلع طلعة اليوم مع زملائي، ما يستطيع، ولذلك تجده يريد أن يلبس ساعة من نوع معين، ويريد جوالا من نوع معين، وثيابًا لابد عند خياط معين، وقماشًا معينًا، ولربما يكون راتب والده ما يصل أربعة أو خمسة آلاف، أو أقل، ولذلك إذا أردنا أن نربي أولادنا نحرص أنه يمشي مع أناس قريبين منه في حاله ومستواه؛ من أجل ألا يبقى هذا الولد محترفًا للكذب، يفبرك، ويكذب ويجلس يتكلم عند هؤلاء: والله البارحة -كما أعرف أمثلة ونماذج واقعية- ذهبنا ورأينا السيارات الغالية جدًّا رأينا روز رايز، لكن ما أعجبتنا، كانت بيضاء، والوالد كان يريدها "بيج"، فقالوا: إن شاء الله سيطلبون لنا طلبية، ووالده ما يستطيع أن يشتري هايلكس، هذا الواقع، أنا أعرف أمثلة على هذا واقعية، فيجلس الولد محترفًا للكذب، أين يشتغل والدك؟ فيقول: والدي يشتغل في وظيفة حساسة وكذا، وما يحب أننا نخبر الآخرين، ووالده يشتغل بائع بسوق الخضار، هذه أمثلة أعرفها أنا.

وكذلك في الزواج -وإن أطلت عليكم لكن الحديث لابد أن يتم الكلام عليه، في موضوع الزواج بعض الناس يحرص أن يتزوج بنت أناس أهل ثراء وأهل سعة وناس لا يستطيع أن يفعل فعلهم، هؤلاء لربما مناسبة بسيطة عندهم في يوم واحد لا يستطيع أن يوفرها بخمسة رواتب، فماذا يصنع؟ يبقى منعصر القلب إذا دخل ورأى الأثاث، ورأى السعة ورأى المجالس الكبيرة، المجلس أكبر من شقته، فماذا يصنع؟ اللباس الذي تلبسه هذه البنت عند أهلها كم تفصل اللباس وكم، وهو لربما لو قالت له: الخياط يريد مائة وعشرين ريالا يرى أن هذا شيء هائل، وهي لربما تفصل التفصيلة بستين ألفًا، سبعين ألفًا، ومن أين يأتي لها بستين ألفًا؟، والرجل إذا تزوج امرأة من حالٍ ينبغي أن يوفر لها ما هو قريب من هذا شرعاً، إذا كان ذلك يصلح لمثلها، فبعض الناس يريد أن يتزوج لأمر في نفسه إما ليترفع لأنها نسب، أو لأنه يفكر فيما هو أبعد من ذلك أن هذه سيكون لها إرث فيما بعد؛ لأنه ما عنده غنى، وكل رصيده ثلاثة آلاف، فهو إذا تزوج هذه البنت غدا إذا مات أبوها يمكن أن يحصُل لها مليار، يمكن أن يحصُل لها مليار ونصف، فهذا رزق ساقه الله إليه، وهو لو جلس طول عمره يشتغل الليل والنهار الأربع والعشرين ساعة ما جمع ربما مائة ألف ريال، فهذا يتزوج هذه، وإذا حصل لها إرث فيما بعد -إن شاء الله- صار، فبعضهم يفكر بهذه الطريقة، عنده تفكير معيشي، نظر معيشي، عقل معيشي، لكن ما علم أنها سيدته، وأنه لا يستطيع أن يرفع رأسه، وأن غاية ما هنالك في أحسن الأحوال أنه سائق لها يذهب بها ويأتي بها، وهو منزل رأسه ما يستطيع أن يرفع رأسه، ولا يستطيع أن يقول لها شيئًا، بل لا يستطيع حتى أن يطلقها؛ لأنه أضعف من ذلك، صغير، لماذا تطلق؟، بنات الناس لعبة؟، ولا يستطيع أن ينظر في وجه أبيها، فلماذا يجعل الإنسان نفسه بهذه المثابة؟، أنا أقول هذا من معرفة بواقع وهو غلط فينظر الإنسان دائماً.

كذلك في الصورة، إذا جلس أو جلست المرأة بالذات التي تهتم بالشكل والهيئات واللباس والزينة، وفي صالات الأفراح وفلانة لابسة أحسن مني، وفلانة، وكل زواج وكل مناسبة الناس يرون عليّ، أنتِ هذا فصّلتيه بكم؟، فصلتيه بألفين، بثلاثة آلاف، بأربعة آلاف، ليلة واحدة وفقط انتهى؟.

ماذا أفعل أنا؟، قد رأوا عليّ من قبل، الناس يلبسون أحسن من هذا، الناس يفصلون في سويسرا، في باريس، في لندن، ونحن عند خياط هنا، ما طلبنا أكثر من هذا.

يعني: أنا مرة حاولت أحصي متوسط الزواج الآن كم يكلف بصالة الأفراح أُجرتها وبالطعام الذي يوضع فيها، أشياء كثيرة، يُدعى مئات من الناس، لكن جلست أحسب ما يتهيأ به النساء لهذا الزواج، فوجدت أنه أضعاف ما يبذل في هذا الحفل، لو قيل لهؤلاء الناس: نحن سنريحكم من الحضور، وفروا هذا المال، أو هاتوه نبني به مسجدًا، كم واحدة تفصل؟، لو قلنا: كل واحدة ما تبذله من أجل الحضور هو بمعدل ثلاثة إلى أربعة آلاف ريال لأجل أن تتزين وتفصل ثيابًا خاصة لهذا، وتجوب أسواقًا لأجل أن تختار القماش، كم كلف هذا اللباس كل واحدة؟ فلو جمعتَه -مئات النساء- سيظهر مبلغ كبير جداً، فلو وُفر عليهم وقيل لهم: نحن نعفيكم من هذا الحضور أصلاً، زواج عائلي ومع السلامة، ولا يوجد نساء أصلاً، الحمد لله، معاناة في كل مناسبة تشغل زوجها أو وليها تريد أن تفصل، وإذا كانت موظفة ذهبت أموالها بهذا، وإذا كلمها أحد قالت: الحمد لله، أنا طلبت منكم شيئا؟ أنا سألتكم شيئا؟ وترفع رأسها ولا تعبأ بأحد.

فأقول: الإنسان ينظر إلى من هو دونه، ما ينظر إلى من هو أعلى منه، فإذا كان يريد أن يجاري الناس في هذه القضايا الدنيوية والمظاهر والأشكال والصور فإنه سيبقى مشوش القلب معذبًا؛ لأنه مهما عمل سيجد أناسًا أعلى منه وأكثر منه، ولا يطيق أن يفعل فعلهم، فالراحة كل الراحة أن يصاحب الإنسان من لا يتكلف لهم في كل شيء، صاحِب من لا تتكلف له، حتى في الكلام من الناس من إذا صاحبته تجلس وكأنك متوتر الأعصاب تحسب الحرف والكلمة، ومن الناس من إذا جلست معهم كأنك جالس مع نفسك، أما إذا كنتَ تتعلم منه أو تستفيد منه كأن يكون عالماً أو نحو ذلك فهذا الشعور طبيعي أن يوجد عندك، فأنت تستفيد وتتعلم، لكن في الخلطة والصحبة صاحِب من لا تتكلف له، ومن لا يصغي قلبك له إصغاءً محرماً، هذا يقال للشباب ويقال للنساء أيضاً، فإن وجد في قلبه بعض التعلق تركه، فيصحب من لا يعبأ به من هذه الحيثية.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/ 2275)، برقم: (2963).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: لينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، (8/ 102)، برقم: (6490)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، (4/ 2275)، برقم: (2963).

مواد ذات صلة