الإثنين 16 / جمادى الأولى / 1446 - 18 / نوفمبر 2024
الحديث على آيات الباب وأحاديث الباب
تاريخ النشر: ٠٦ / محرّم / ١٤٢٩
التحميل: 1068
مرات الإستماع: 1816

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح رياض الصالحين

الحديث على آيات الباب وأحاديث الباب

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فبعد أن أورد المصنف -رحمه الله- باب الخوف، ثم أورد بعده باب الرجاء، وعقب ذلك بباب فضل الرجاء، أتبع هذا كله بباب الجمع بين الخوف والرجاء، وذلك كما ذكرنا من قبل أنه لابدّ من الخوف والرجاء، فهما كالجناحين للطائر لا يطير الطائر إلا بهما.

يقول: اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفًا راجيًا، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يُمحَّض الرجاء، وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.

أشرنا بالأمس إلى أن من أهل العلم من يقول: إنه في حال الصحة يُغلِّب جانب الخوف، ليكون ذلك رادعًا له عن مقارفة ما لا يحل، وفي حال المرض مرض الموت المَخُوف أنه يغلِّب جانب الرجاء.

ومن أهل العلم من يقول: يستوي الخوف والرجاء في حال الصحة، ويغلب جانب الرجاء في حال مرض الموت.

وبعضهم يقول: يستوي في كل الأحوال الخوف والرجاء؛ لأن النبي ﷺ قال: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف[1].

فالشاهد أن دلالة نصوص الكتاب والسنة على هذا المعنى الذي ذكره من استواء الخوف والرجاء، وأنه يغلب جانب الرجاء عند الموت ليست بقاطعة، فيوجد من الأدلة ما قد يفهم منه أيضًا التساوي بين الخوف والرجاء، يوجد هذا في بعض الأدلة.

ولكن على كل حال الحديث الذي مضى بالأمس: لا يموتنّ أحدُكم إلا وهو يحسن الظن بربه[2] يدل على تغليب جانب الرجاء.

أمّا التمحض، هل يتمحض الرجاء فقط؟ فهذا قد يقال: إنه يَبقى شيء من الخوف؛ لأن أحوال السلف كانت تدل على هذا، ولكنه يغلب جانب الرجاء، ويحسن الظن بالله .

يقول: قال الله تعالى: فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99]، فهذا يدل على أن الخوف مطلوب، ولابدّ للعبد منه، فإذا غلّب جانب الرجاء في حياته فإن ذلك قد يوقعه في الأمن من مكر الله، قد يحصل له شيء من الإدلال، والتوسع في معصية الله والإعراض عن طاعته.

وقال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]، ذكر الآيتين.

فالأولى تدل على أن الأمن من مكر الله من سمة الخاسرين، وهذا يحتاج أن الإنسان يخاف.

والآية الثانية تدل على أن اليأس من روح الله ورحمته من فعل وصفات الكافرين، فلابدّ من رجاء، ولابدّ من خوف.

وقال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]، فذكر هؤلاء وهؤلاء؛ ليحصل الخوف والرجاء.

وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف: 167].

وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم [الانفطار: 13-14]، وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة: 6-9]، يعني: كما فسرها الله بقوله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ۝ نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة: 10-11].

قال: والآيات في هذا المعنى كثيرة، فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين، أو آيات، أو آية كما ذكر في الأمثلة السابقة.

ثم ذكر الأحاديث قال: وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته[3].

النبي ﷺ أُعطي جوامع الكلم، هذا الحديث يلخص لك كل هذا الموضوع، مما ذُكر فيه من أنه لابدّ من اجتماع الخوف والرجاء، وإذا نظر الإنسان في أحاديث الرجاء لربما يحصل عنده شيء من التفريط، وإذا نظر في جانب الخوف لربما يحصل عنده شيء من القنوط واليأس.

فهذا يجمع لك ذلك كله، ما هو المطلوب من العبد؟ النصوص ترجع إلى هذا الحديث، لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد -يخاف-، ولم يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته.

وذكر حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: إذا وُضعت الجَنازة، واحتملها الناس -أو الرجال- على أعناقهم...[4].

يعني: إذا وُضعت الجَنازة بين يدي الرجال ليحملوها، واحتملوها على أعناقهم، الجَنازة هي للميت الذي يوضع على النعش.

والجِنازة هي للنعش أي السرير الذي يحمل عليه الميت، يقال له جِنازة، تقول: حملوا الجِنازة ووضعوا الجِنازة، ونحو ذلك ويقصد به السرير.

ويقال: الجَنازة للذي عليه وهو الميت، وإذا أردت أن تحفظها تقول: الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، يعني: الكسر للأسفل: جِنازة، والفتح: جَنازة للأعلى.

قال: إذا وُضعت الجنازة واحتملها الناس -أو الرجال- على أعناقهم؛ لأنه كما هو معلوم تحمل على الأعناق فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، تسرع إلى مكانها الذي تنعم فيه.

وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ نسأل الله العافية يسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق يعني: مات لشدة الصوت الناشئ عن شدة ما يصدر منها، فهي في حال من الهول والخوف، وتدعو على نفسها بالويل والثبور، فنسأل الله العافية.

أقول: مثل هذا يعني: الصيحة التي يصيحها ليس فقط إذا ضرب بمرزبة من حديد حينما يسأله الملكان، لا، وإنما هناك صيحة قبلها، حينما تُحمل الجنازة قبل أن يذهب بها إلى القبر، فإذا كان كافرًا -نسأل الله العافية- غير صالح، قال: يا ويلها، أين تذهبون بها؟ يسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق -نسأل الله العافية- رواه البخاري.

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ : الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله..[5].

شراك النعل يعني: أحد سيور النعل التي تكون في وجهها، أي قريبة جدًّا، بمتناول اليد والنار مثل ذلك. رواه البخاري.

يعني قريبة جدًّا من الإنسان، وهذا يدل عليه أحاديث مضى بعضها وهي كقوله ﷺ : إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب[6].

وفي الرواية الثانية: إن الرجل ليتكلم بالكلمة، لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا في النار[7] سبعين سنة بسبب كلمة واحدة.

وكذلك قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات...[8].

فالجنة قد تُدخل بكلمة، وقد تدخل بفعل يسير، مثل: المرأة التي قسمت التمرة بين بنتيها، وكذلك المرأة البغي من بني إسرائيل التي سقت الكلب بخفها، والرجل الذي قطع الغصن عن طريق المسلمين -غصن الشوك-، إلى غير ذلك من الأسباب اليسيرة.

وقد يدخل النار بمثل هذا: دخلت امرأة النار في هرة حبستها[9] وكذلك أيضًا أفعال قد لا تخطر على بال الإنسان، وكلمات يتحول بها -نسأل الله العافية- من الإيمان إلى الكفر.

  1.  أخرجه الترمذي، أبواب الجنائز عن رسول الله ﷺ (3/302)، رقم: (983)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له (2/1423)، رقم: (4261)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1612).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت (4/2205)، رقم: (2877).
  3.  أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (4/2109)، رقم: (2755).                                                                                   
  4.  أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني (2/86)، رقم: (1316).
  5.  أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك (8/102)، رقم: (6488).
  6. أخرجه مسلم، باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (4/2290)، رقم: (2988).
  7.  أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب فيمن تكلم بكلمة يُضحك بها الناس (4/557)، رقم: (2314)، وصححه الألباني صحيح الجامع، رقم: (1618).
  8. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (8/101)، رقم: (6478).
  9.  أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (3/112)، رقم: (2365).

مواد ذات صلة