الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد أورد المصنف -رحمه الله- في باب الخوف من الله -تبارك وتعالى-:
وقوله ﷺ: من خاف أدلج، من خاف: أي خاف البيات، يعني خاف أن ينزل به عدوه، أو أن يهجم عليه عدوه وأن يباغته في الليل، فإنه يبادر في المسير، من خاف أدلج، وأدلج معناها سار في أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل أي: بلغ المنزل الذي يأمن فيه فلا يخاف، فالمقصود أن هذه الجملة من قول رسول الله ﷺ تعني أن الإنسان ينبغي عليه أن يشمر ويجد ويجتهد في طاعة الله -تبارك وتعالى، ولا يتوانى ولا يتراخى، من أجل أن يصل إلى مطلوبه، إلى مأمنه بإذن الله ، فإن الآخرة تُطوى مراحلها بالأعمال الصالحة، وإلا فمعلوم أنه ليس ثمّة سير حقيقي ومراحل يقطعها الإنسان ويسير فيها، وإنما المقصود أن هذه المراحل التي تُقطع هي الأعمال التي يعملها الإنسان فيبلغ بها المنازل العالية في الجنة.
ثم قال ﷺ مبيناً شدة الحاجة وضرورة العمل، شدة الحاجة إلى التشمير: ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، السلعة إذا كانت غالية وذات ثمن عند أصحابها فإنهم لا يبيعونها بثمن زهيد، لا يبذلونها لكل من سامها، وإنما يكون ذلك لمن دفع فيها الثمن الذي تستحقه ويصلح لمثلها، فهكذا الجنة، الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر[2]، فيها ألوان النعيم المقيم، ما لا يُقادَر قدره ولا يخطر على بال، فهذا النعيم الذي يكون في الجنة يحتاج إلى ثمن، الإنسان في هذه الحياة الدنيا حينما يطلب شيئاً من الطعام أو الشراب فإنه يحتاج إلى بذل في صنعه وإعداده وتجهيزه، وبذل المال فيه، وما إلى ذلك، وهكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة من أهل الدنيا فإنه لربما يدرس ويعمل السنوات الطويلة، ثم بعد ذلك لا يدري عن حاله معها، فقد يرى فيها ما يزهده فيها من ألوان الأذى الحسي، وألوان الأذى المعنوي مما يبدر منها، وقد يطلقها من أول ليلة، فهذه يبذل فيها الكثير، ولربما تحمل الإنسان الديون من أجل تحصيل هذه المرأة، والجنة فيها الحور العين، والنعيم المقيم، وفيها كل ما لذ وطاب، ومع ذلك نفرط فيها غاية التفريط، ويعطي الإنسان للعمل الصالح فضول الأوقات، ولربما ترك ذلك إلى آخر العمر حينما يضعف عن العمل، وعن تحمل أعباء العبادة، وعن القيام بما فرضه الله عليه، فيترك ذلك للمسجد والتعبد، وهو يعجز عن كثير من هذه العبادات من حج وقيام ليل، وصيام نهار، وما أشبه ذلك، فأقول: من عرف قدر السلعة وقبل ذلك عرف قدر المعبود ، وعظم إفضاله على عبيده فإنه يبذل نفائس الأوقات فيما يقربه إليه، وفيما يرفعه عنده، وفيما يخلص رقبته عند الله يوم القيامة. هذا، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه الترمذي، (4/ 633)، رقم: (2450)، وصححه الألباني في السلسلة، رقم: (954).
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (4/ 118)، رقم: (3244)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، (4/ 2174)، رقم: (2824).