- مقدمة باب علامات حب الله تعالى العبد
- قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي...}
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا باب "علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها، والسعي في تحصيلها"، من عقيدة أهل السنة والجماعة التي هي مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ أن الله -تبارك وتعالى- يتصف بصفات الكمال التي تليق بجلاله وعظمته، ومن هذه الصفات الكاملة صفة المحبة، فالله -تبارك وتعالى- كما أنه يُحَب فهو كذلك أيضاً يُحِبُ أهل الإيمان والتقوى والصلاح والنظافة والنزاهة والعفاف، يحبهم ويحبونه، فكما أن المؤمنين يحبون ربهم ، فكذلك أيضاً الله يُحِب أهل التقوى والإيمان، وإذا علم العبد أن الله -تبارك وتعالى- يحب بعض عباده كما أنه يحب بعض الأعمال الطيبة فإن ذلك يدفع العبد لمزيد من الجد والاجتهاد؛ لتحصيل محابِّ الله ؛ ليصل إلى هذه المراتب العالية أن الله يحبه وهذا لا شك شرف عظيم لا يدانيه شرف.
فإذا قيل للواحد من أهل الدنيا قال له رجل يقدره ويعظمه ويجله: أنا أحبك، فإن ذلك يؤثر فيه، لو قال للإنسان أو لكثير من الناس كبيرٌ من الكبراء، وعظيم من العظماء من أهل الدنيا بأنه يحبه لربما يذكر هذا للآخرين، وأن فلانًا قال له ذلك، أو لو نقل إليه أن فلانًا يتحدث عنه في المجالس، ويذكر من محبته له ونحو هذا، فإن ذلك لا شك أنه يؤثر في قلب العبد، فكيف إذا كان الذي يحبه هو الله الذي نواصي الخلق بيده والسموات مطويات بيمينه في القيامة، فالخلق خلقه والملك ملكه وهو العظيم الأعظم .
فإذا اعتقدنا هذا المعنى وهو أن الله يحب بعض الأعمال ويحب بعض العاملين فإن ذلك يدفعنا إلى التفتيش والبحث والنظر في الأمور التي من شأنها أن تحبب الله بنا، فما هذه الأمور؟
هذه الأمور يمكن أن تُتتبع في القرآن وفي سنة رسول الله ﷺ فالله أخبر أنه يحب كذا وكذا، ويحب من الأعمال كذا وكذا فننظر فيها، فهذا الباب عقد من أجل هذا المعنى.
ومن ذلك قول الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] هذه الآية تضمنت جملة من الأمور العظيمة التي يحتاج إليها كل أحد من طالبي السعادة والفوز الأبدي، إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ برهان محبة العبد لربه اتباع النبي ﷺ، فمحبة الله ليست دعوى باللسان، كثير من الناس يقول: أنا أحب الله، أحب ربي ولكنه في عمله لا يتبع النبي ﷺ فهذا لم يأتِ ببرهان المحبة، ثم قال: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أيضاً فاتباع النبي ﷺ يكون سببًا لمحبة الله ، واتباعه ﷺ يكون هنا في أعم معانيه؛ لأنه قال: فَاتَّبِعُونِي ما قال: فاتبعوني في الهدي الظاهر، وما قال: فاتبعوني في الهدي الباطن، وما قال: فاتبعوني فيما يتعلق بالأخلاق الاجتماعية، وإنما قال: فَاتَّبِعُونِي ولم يحدد بابًا من الأبواب أو جانبًا من الجوانب، ومثل هذا يحمله العلماء عادة على أعم معانيه، فَاتَّبِعُونِي في الهدي الباطن، في كمال توكله ﷺ، وإخباته، وما كان يتحلى به ﷺ من كريم الأوصاف القلبية، الرضا، الصبر، الشجاعة، التوكل على الله ، الخوف، الرجاء، وما أشبه هذا، وكذلك في الهدي الظاهر كيف كان هديه الظاهر ﷺ، لا نبحث عن هدي هو أعظم من هديه، ولا يوجد هدي أفضل من هديه، يعني حتى من الناحية الإنسانية لو بحثت عن أعظم شخصية في التاريخ من هو؟ هو النبي ﷺ، من هو أكمل شخصية في رجولته وفي قوته وفي ثباته وفي كمال هديه الظاهر؟ هو النبي ﷺ، فهديه الظاهر ﷺ نوعان:
النوع الأول: لا نطالب باتباعه فيه مثل العمامة ولبس الإزار ونحو هذا مما كان العرب يفعلونه، ففعله النبي ﷺ فلم يتميز عنهم فيه؛ لئلا يكون ذلك من ثوب الشهرة ولباس الشهرة.
النوع الثاني من الهدي الظاهر: وهذا نحن لا شك مطالبون به مثل إعفائه ﷺ للحيته، مثل ألا يتجاوز ثوب الإنسان ولباسه الأدنى ألا يتجاوز الكعبين، فهذا من الهدي الظاهر ونحن مطالبون به من الناحية الشرعية، وكذلك من ناحية الكمال مَن طلب الكمال هل سيجد أن أحدًا أكمل من نبينا ﷺ؟ أبداً، فهذا بالنسبة للهدي الظاهر، كذلك أيضًا فيما يتعلق بعبادته ﷺ وعلاقته بربه، قيامه لليل، محافظته على صلاة الفريضة، على النوافل، على السنن الرواتب، الصيام وما أشبه هذا من ألوان العبادة، وهكذا ما يتعلق بولائه وبرائه وجهاده لأعدائه وأحواله في السلم والحرب وجميع الأحوال، ووفائه بالعهود والعقود، وكذلك أيضاً هديه ﷺ في التعامل مع زوجاته، في التعامل مع أصحابه، في تواضعه، لم يكن ﷺ متعاظمًا متعاليًا متكبرًا، لم يكن يظلم أصحابه، لم يكن يظلم زوجاته، لا يأخذ حقوق الناس، لا يأخذ أموالهم ويضيعها، حاشاه من ذلك ﷺ، فمهما استطاع الإنسان أن يتصف بأوصافه ﷺ الكاملة فإنه يكون مطالبًا بذلك، وعلى قدر هذه المتابعة يكون كماله، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] قدوة صالحة، لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21].
فالله يحبنا ويقربنا على قدر اتباعنا لنبيه ﷺ، هذه قضية معادلة، لاحظ الآية: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ القاعدة: "كل حكم معلق على وصف فإنه يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه"، "اتبعوني" هذا وصف الاتباع، "يحببكم الله" هذا الحكم المرتب على هذا الوصف، ما الذي ينتج عن اتباع النبي ﷺ؟، محبة الله، على قدر ما يكون عندنا من الاتباع للنبي ﷺ على قدر ما يكون لنا من النتيجة وهي محبة الله لنا، الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه وأيضًا زيادة على ذلك فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فاتباع النبي ﷺ يكون سببًا لغفران الذنوب، على كل حال لا أريد أن أطيل عليكم، بقي آية أخرى، ثم ذكْرُ الأحاديث أتركها في الغد -إن شاء الله.
نسأل الله أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه