الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا باب جديد، وهو باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يُندب إكرامه، إذا كان الإنسان بارًّا بأبيه فإن هذا البر يقتضي أن يبر أيضاً أهل ود أبيه، وإذا كان الإنسان بارًّا بأمه فإن الفتاة تبر أيضاً أهل ود أمها، وهكذا من كان بارًّا بإنسان فإنه يكون بارًّا بمن يقدمه هذا الإنسان ويحبه ويؤثره على غيره، المرء قد يبر أباه أو أمه تقديراً ومراعاة لمشاعرهما ولربما حياءً، أو أنه لا يتمالك حينما يراه أمامه إلا أن يقوم بألوان البر نحوه، لكن حينما يفارق هذا الوالد الحياة الدنيا، يموت، أو تموت هذه الأم فإن مثل هذه المشاعر من الحياء أو الهيبة، أو لربما كانت مجاملة كما يفعله بعض الناس، يذهب مع أبيه إلى أصدقاء أبيه تكلفاً، فإذا فعل ذلك بعد حياة أبيه وصار متصلاً بأصحاب هذا الأب فإن ذلك يدل على عظيم بره، وعلى أصالة هذا الولد، لم يبقَ هناك شيء يمكن أن يتخوفه هذا الولد، لا من سخط الوالد، ولا يدفعه الحياء منه إلى بر هذا الوالد، أو غير ذلك من المجاملات، أو نحو هذا، إنما هو شيء واحد أنه عظيم البر بهذا الأب.
وهكذا إذا فعلت تلك البنت هذا الصنيع، فهذا كله يدل دلالة أكيدة واضحة لا مرية فيها على أن بره متمكن متجذر، يمتد في الحياة وبعد الممات، ويفعل ما بوسعه من أجل أن يحسن وأن يكون بارًّا حقيقة.
يقول النبيﷺ كما في:
أي: أن يصل حِبّه، أي: من يحبه، من يودهم هذا الأب، فهذا هو أبر البر، و"أبر" هذه أفعل تفضيل وهي تدل على أن البر يتفاوت ولكن أعلى درجات البر أن يحصل مثل هذا الصنيع بعد وفاة الوالد، الإنسان يكون بارًّا إذا قام بحقوق أبيه في حياته، ولكن ذلك قد ينقطع بعد موته، فإذا امتد ذلك إلى أصحابه والتواصل معهم، والإحسان إليهم، وتفقدهم وما أشبه ذلك فهذا يدل على برٍ عظيم، والناس كما يتفاوتون في خوفهم من الله ، ورجائهم له، ومحبتهم وتوكلهم وما أشبه ذلك، هكذا هم يتفاوتون في هذا البر.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم من البر أعظمه، ومن الإيمان أكمله، ومن اليقين أثبته، وأن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وأن يقينا شر الشيطان وشركه، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما، (4/ 1979)، رقم: (2552).