الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
بعض ما ورد عن السلف في باب حق الزوج على المرأة
تاريخ النشر: ١٣ / محرّم / ١٤٢٨
التحميل: 2004
مرات الإستماع: 4916

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما ورد عن السلف في باب حق الزوج على المرأة ما جاء عن علي أنه قال لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجاً، وتكفيك هي العمل في البيت والعجن والخبز والطحن[1].

أمه كبيرة فتخرج تستقي من الماء، وما أشبه ذلك مما اعتاده النساء في ذلك الزمان، وفاطمة -ا- تقوم في شئون المنزل، من طبخ وعجن وكنس وما أشبه ذلك، وهذا مما جرت به العادات، وهو من حسن العشرة، ولذلك ينبغي على المرأة أن تقوم بحق الزوج، تقوم ببيته وبأولاده، وما أشبه هذا، ولا تطلب على ذلك دليلاً خاصاً أن ذلك يجب عليها، فإن الله أمر بالمعاشرة بالمعروف، وهذا من المعاشرة بالمعروف، وفاطمة -ا- لما اشتكت للنبي ﷺ ما تلقاه من الطحن وما أشبه هذا، وطلبت خادماً فهذا يدل على أنهم كانوا يعملون ويتعبون، وفاطمة -ا- هي سيدة نساء أهل الجنة، ومع ذلك تعمل حتى تتأثر يداها -ا، ولم يجبها النبي ﷺ ويعطها خادماً.

وأيضاً عروة بن الزبير لما خطب بنت عبد الله بن عمر في الطواف، في القصة المعروفة، فلما زوجه بعد ذلك قال له ما يتصل بحق الزوج على المرأة، وحق المرأة أيضاً على الزوج، قال: زوجتك إياها بما جعل الله للمسلمين على المسلمات، أو للمسلمات على المسلمين من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعلى أن يستحلها بما يستحل به مثلها، أقبلت يا عروة؟ قال: نعم، قال: بارك الله لك، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان[2]، من غير أذية.

على كل حال يكفي هذا فيما يتصل بآثار السلف ، وهناك أخبار لهم أخرى، يعني: هذا رجل تزوج امرأة، يعني: كان رجل يعرضون عليه الزواج وكان يرفض، وكان من أهل العبادة والعلم والزهد، فلقيه رجل وقال له: إني أريد أن أزوجك ابنتي، فقال: قد قبلت، وهو رجل فقير، هذا الذي عرض البنت رجل فقير ضعيف، من ضعفاء الناس، فرق له، رحمه، فقال له: قد قبلت، فلما زفت إليه البنت إذا هي جارية سوداء فيها قصر زائد، وفيها صفات يعني: لا يرغبها ولا يريدها، فلما نظر إليها ضاق وحزن، ولكنه لم يُبدِ لها شيئاً، فعاش معها عشرين سنة، ولم تسمع منه كلمة، وكانت تحبه جداً، وتمنعه من الخروج، فكان لا يخرج جبراً لقلبها وخاطرها، وخبر آخر أيضاً ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله- وهو أن رجلاً خطب امرأة وما نظر إليها، فلما دخلت عليه إذا هي في غاية الدمامة، وآثار الجُدري قد خرّمت وجهها، فتظاهر بوجع العين، ثم بعد ذلك تظاهر بالعمى، بقي معها خمس عشرة سنة حتى توفيت، تظاهر بالعمى لئلا تتأذى حيث تشعر أنه ينظر إليها ويتأذى بهذا النظر، فأراد أن يريحها، أنه لا يرى أصلاً، من رقة ولطافة أخلاق هذا الإنسان تظاهر أنه أعمى حتى ترتاح، فهذه نماذج راقية.

بعد ذلك أريد أن أنبه على مسألة تتعلق بالجمع في المطر، عجبت اليوم بعد صلاة المغرب لأن كثيرًا من المساجد يصلون العشاء، ولا أرى موجباً لذلك إطلاقاً، الناس يبدو أن الكثيرين منهم يظنون أن الجمع لمجرد المطر كالجمع في السفر، سواء وجدت المشقة أو لم توجد المشقة، وهذا غلط، السفر يشرع فيه الجمع، كما في حديث عائشة -ا- أن الصلاة حينما فرضت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر[3].

فالأصل في صلاة السفر أنها ركعتان، ولهذا من أهل العلم من قال: لا يجوز الإتمام في السفر.

أما مسألة المطر فتختلف عن هذا، ولذلك بعض الناس الجهلة، يسأل يقول: هل يجوز القصر في المطر؟ نقول: هذا لا علاقة له، بل حتى في السفر كان النبي ﷺ إذا كان نازلاً في محل فإنه يصلي الصلاة لوقتها، ما يجمع إلا نادراً، الأصل أنه يجمع في الطريق، لكن لو استراح نهارًا أو يومًا أو يومين في مكان لا يجمع الصلاة، يصلي الصلاة لوقتها، كما فعل في منى، وكما فعل في مكة ﷺ، إنما جمع في عرفة وهو نازل من أجل أن يتفرغ الناس للدعاء، وجمع في مزدلفة من أجل أن يصلَ الناس إليها، فقط، ولم ينقل عنه أنه جمع إلا نادراً إذا كان نازلاً في محل في السفر، كما حصل في تبوك، ولذلك يقال: الأصل أن الصلاة لوقتها، وصح عن النبي ﷺ أن أفضل العمل الصلاة لوقتها[4]، فإذا جمع الإنسان من غير موجب فإن صلاته لا تصح، لكن يرخص للناس في الجمع إذا وجدت المشقة، إما من شدة المطر، أو شدة البرد، برد شديد ولو كان المطر خفيفا، أو حتى من غير مطر، لو وجد برد شديد، ناس يشق عليهم الخروج إلى المسجد، أو وجد وحل كثير، ولو كان المطر قليلًا، الوحل كثير، أرض موحلة ما يصل الناس إلى المسجد، وهذا موجود في بعض البلاد، في بعض البلاد بالسيارة وما نستطيع الدخول إلى المسجد من شدة الأوحال، في السيارة تدور على المسجد وتحاول الدخول لا تستطيع، وتتعجب كيف هذا المسجد وجد به بعض الناس، ولما تسألهم يقولون: نحن متواجدون أصلاً من زمان، من العصر، وأنا الآن جاءٍ لصلاة العشاء، ففي البلاد الفقيرة الناس كثيراً ما يجلسون في المساجد، وتمتلئ المساجد، ليس عندهم شيء يشغلهم أصلاً، فهذا الشيء مشاهد.

أما نحن -مثل اليوم- فلا يوجد مطر شديد، ولا يوجد برد، ولا أي مشقة في الوصول إلى المسجد، بل هو مطر خفيف جداً، فأي موجب لهذا الجمع؟! أنا لا أستبعد أن صلاة هؤلاء الذين جمعوا غير صحيحة، وأن عليهم الإعادة، ولو سألني أحد منهم لقلت: يجب عليك الإعادة، فالصلاة ليست كما هو لسان بعض الناس "أرحنا منها" اجمع من أجل الاستراحة، وإلقاء التبعة، هذه عبادة، كان النبي ﷺ يستروح بها، ما يستريح منها، ويقول: جعلت قرة عيني في الصلاة[5].

ثم هؤلاء الذين يجمعون اليوم من أجل المشقة، هم يجلسون في بيوتهم يشق عليهم الخروج والمطر، هل لا يتسلط عليهم الخروج إلا إذا جمعوا؟، ينتشرون في الأسواق وفي المنتزهات وفي الاستراحات وفي كل مكان، هذا هو الواقع، فهذا مطر لا يشق، إنما يكون الجمع حيث وجدت المشقة، والمقصود بالمشقة: المشقة المعتبرة شرعاً التي يحصل فيها للمكلفين كلفة زائدة عن المعتاد في الوصول إلى المسجد بأحد الأمور الثلاثة التي ذكرت، إما لشدة البرد، أو كثرة المطر النازل، أو الوحل، فلا يصلون إلا بمخاضه، يخوضون حتى يصلون إلى المسجد، يخوضون إلى ركبهم في الطين، فعندئذ يُجمع، ولا يلحق الناس بهذه المشقات، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

  1. مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الزهد، كلام علي بن أبي طالب (7/ 101)، رقم: (34502).
  2. انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (40/ 271).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب يقصر إذا خرج من موضعه وخرج علي بن أبي طالب فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة، قال: ((لا حتى ندخلها))، (2/ 44)، برقم: (1090)، ومسلم، كتاب صلاة    المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، (1/ 478)، برقم: (685) عن عائشة -ا- بلفظ: ((الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر)).
  4. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب وسمى النبي ﷺ الصلاة عملا، وقال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (9/ 156)، برقم: (7534)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، (1/ 89)، برقم: (85)، عن ابن مسعود ، بلفظ: أن رجلا سأل النبي ﷺ أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها.....
  5. أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، (7/ 61)، برقم: (3940)، وأحمد في مسنده (19/ 305)، برقم: (12293)، والطبراني في المعجم الصغير (2/ 39)، برقم: (741)، وصححه الألباني في السلسلة  الصحيحة (7/ 859)، برقم: (3291)، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: جعلت قرة عيني في الصلاة.

مواد ذات صلة