الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
حديث «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا..» (1-2)
تاريخ النشر: ٢٨ / ذو الحجة / ١٤٢٧
التحميل: 1756
مرات الإستماع: 2171

ألا واستوصوا بالنساء خيرا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الوصية بالنساء أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث عمرو بن الأحوص الجُشَمي ، أنه سمع النبي ﷺ في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكَّر ووعظ، ثم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا؛ ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا؛ فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون؛ ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن[1] .

هذه الخطبة قالها النبي ﷺ في آخر حياته، في حجة الوداع، وقيل لها حجة الوداع؛ لأن النبي ﷺ ودع أصحابه، أو كأنه ودعهم فيها، فلم يحج ﷺ بعدها.

يقول: بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، في أعظم مشهد اجتمع فيه المسلمون في وقت النبي ﷺ، حج معه ما يربو على مائة ألف، ولم يجتمع للنبي ﷺ قط مثل هذا العدد في مناسبة من المناسبات، فذكرهم فيها بأمور منها ما يتصل بالنساء، والوصية بالنساء، وهذا يدل على شدة عناية الإسلام بشأن المرأة.

وقد أكثر الناس في هذه الأيام وقبلها الحديث عن هذا، ونصّب أقوام أنفسهم مدافعين عن المرأة، بل عد بعضهم ما شرعه الإسلام فيما يتصل بالمرأة أنه من قبيل الجحود، والظلم، والإقصاء، وهضم الحقوق، وهذا كله من الفِرى الباطلة، المرأة في الجاهلية تعرفون حالها، كانت البنت تدفن وهي حية، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ۝ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ  [النحل:58-59]، لا يستطيع أن يقابل الرجال؛ لأنه قد بشر بخزي وعار في نظره.

وكانت المرأة عندهم كما هو معلوم لا ترث، وهي من سقط المتاع، لا قيمة لها إطلاقاً، وهكذا كانت عند الفرس تورث من جملة المتاع الذي يورث، وهكذا كانت عند الهنود، والواحد منهم لا يُسأل عن المرأة إذا قتلها، فإن من حقه أن يقتل امرأته، دون أن يجازى على ذلك أو يحاسب، والرومان معروف حالهم مع المرأة، إلى أنهم ناقشوا في القرون الوسطى في مؤتمر شهير: المرأة هل هي إنسان أو ليست إنسانًا، إلى هذا الحد.

جاء الإسلام وأعطى المرأة حقوقها، وورثها، ورفع من شأنها، وبيّن وظيفتها الحقيقية وهي: تربية الجيل والأولاد، وأدبها وعلمها كيف تتخاطب مع الرجال، ولا زال يوجد من يلوكون قضية المرأة، فهؤلاء منهم عبيد للشهوات، يريدون أن تخرج المرأة من أجل أن يتمتعوا بها، ويستبيحوا عرضها، وتكون سبيلاً لتفريغ نزواتهم وشهواتهم.

يريدونها أن تخرج عارية، يريدون منها أن تكون متاعاً رخيصاً، متحركاً يستعرض في كل مكان، ومن هؤلاء قوم أرادوا أن يبيّنوا محاسن الإسلام وما عرفوا، وأرادوا أن يعرضوه على الغرب بصورة تتقبلها عقولهم السقيمة، فأساءوا إلى الإسلام من حيث لا يشعرون.

ومن هؤلاء قوم أرادوا أن يحسنوا صورتهم هم، وأن يبدو الواحد منهم في هذه الأيام أيام الفتن، أن يبدو على أنه عصراني، وأنه متحرر، وأنه منفتح، وأنه لا يغلق عقله وذهنه كما يزعمون، وإنما يفكر بطريقة أخرى، وإن خالف فيها نصوص الشريعة، فيبدأ يتحدث عن المرأة، وعن التطرف الذي ينظر فيه إلى المرأة وحقوقها، وعن وجوب مشاركة المرأة في كل مجال، وأن تستخرج مواهب المرأة في الفن، وفي غيره من الأبواب، ونسوا أن الله يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ  [الأحزاب:33]، فهذا هو مكان المرأة، وهذا هو حقها في الإسلام، أن تبقى في بيتها، وأن تطيع زوجها، وأن تربي الأولاد، فهذا هو الدور الحقيقي والريادي الذي تقوم به، وما عدا ذلك فهي تشتغل أجيرة عند الآخرين، تخرج، تكون خرّاجة ولّاجة، يذهب ماء وجهها من كثرة هذا الخروج، فيكون ذلك سبباً لترك مهمتها ووظيفتها الأساسية من تربية الأولاد، فتتولى الخادمة تربية الجيل، ولا تسأل عن حال جيل تربيه الخادمات، ثم أيضاً ما يحصل من كثرة هذا الخروج من نشوز على الزوج ومشكلات، وما يحصل من هذه المكاسب التي تكسبها المرأة من ترفع عليه، ومجاذبة للقوامة.

يقول: ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوانٍ عندكم يعني: أسيرات، إنها أسيرة فعلاً؛ لأن الرجل هو الذي له القوامة، ويحتمل أن تكون بمنزلة الأسيرة، والمعنى متقارب، فالرجل إذا عقد على المرأة فإن أمرها بيده، هو الذي يحكم عليها، وهو الذي يأمرها وينهاها، ويجب عليها أن تطيعه بالمعروف، في غير معصية الله -عز وجل.

يقول: ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك يعني: غير الاستمتاع، وحفظ الزوج في عرضه، وماله، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة من عقوق للزوج، أو فعل المكروه المعروف الذي يقال له: الفاحشة، فعندئذ تعالج، ومن أهل العلم من فسره بعقوق الزوج، وقالوا: إن الفاحشة إذا قيدت بالبيان فهي عقوق الزوج.

ثم قال: فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، هذا هو العلاج الأول الهجر، والمرأة تتأثر كثيراً بالهجر غالباً، والرجل إذا هجرها وطال هجره لها فإنه يقتلها بذلك، هذه المرأة التي عندها حس، أما المرأة التي لا تريد الزوج أصلاً، ولا تحبه فإنها تفرح بهذا الهجر، فلا يؤثر فيها، أو المرأة التي تشعر أن الزوج أسير عندها، بمعنى: أنه مستعبد بشهوته لها، وأنه لا يصبر عنها فيكون هو المعذب بهذا الهجر، وهي تعلم بهذا، ولربما هي التي تتمنع منه، وهذا حاصل وموجود.

فالشاهد أنها تُهجر في الفراش حيث ينفع الهجر، وأما إذا كان الهجر هو مطلوبها أصلاً فإنها لا تهجر في الفراش.

والمقصود هو الهجر في المضجع، فمن الناس من يهجر المرأة أصلا، ولا يكلمها، وهو معها في البيت ولربما لا يدخل عليها، ولربما ينام في المجلس، وهذا غير صحيح، وإنما يدير ظهره لها في الفراش، هذا معنى الهجر الشرعي، لكنه يكلمها.

يقول: واضربوهن ضربًا غير مبرِّح بمعنى: أنه إن لم ينفع منها الهجر كما قال الله : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء: 34].

فالوعظ أولا، والوعظ هو الكلام الذي يكون فيه الترغيب والترهيب والتذكير بالله فهي تُذكَّر أولا فإن لم ينفع فالهجر، فإن لم ينفع فالضرب.

قال: ضربًا غير مبرِّح بمعنى: لا يجرح، ولا يكسر، ولا يكون في مواضع حساسة، ولا يكون على الوجه مما يخدش كرامتها، إنما يكون ضربًا للتأديب، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يضربها بالثوب، يعني: يلف ثوبه فيضربها به، أو أنه يضربها بيده.

الحاصل أنه لا يضربها بشيء ضربًا شديدًا، فهذا لا يجوز ولو نشزت عن طاعته، وهذا أيضا حيث ينفع الضرب، أحيانا الضرب يفاقم المشكلة، يعني: من النساء من إذا ضُربت لقامت الدنيا، وصارت المشكلة اليسيرة مشكلة عظيمة، ولا يمكن أن تعيش معه بعد هذا الضرب، ويقوم أهلها معها وتكون سابقة خطيرة عندهم أنه مد يده عليها.

فالشاهد إذا كان الضرب لا ينفع بل يزيدها نفورًا فإنها لا تضرب؛ لأن المقصود هو العلاج، وليس المقصود هو التنفير، وزيادة المشكلات.

قال: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا يعني: لا تطلب أذيتها ومضايقتها بعد ذلك.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/ 459)، رقم: (1163).

مواد ذات صلة