الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
ففي باب التوبة أورد المصنف -رحمه الله- حديث كعب بن مالك الذي يرويه عنه ابنه عبد الله، وكان قائد كعب حين عمي.
يقول: سمعت كعب بن مالك يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك...[1].
قال: "لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ ﷺ في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تبوكَ، غيرَ أني قد تخلَّفتُ في غزوةِ بدرٍ، ولم يعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنما خرج رسولُ اللهِ ﷺ والمسلمون يريدون عِيرَ قريشٍ". يعني القافلة التي هي مؤلفة من الإبل بأحمالها كانت عليها تجارة قريش.
يقول: "حتى جمع اللهُ بينهم وبين عدوِّهم، على غيرِ مِيعادٍ، ولقد شهدتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ليلةَ العقبةِ، حين تواثقْنا على الإسلامِ".
يعني: تبايعنا على الإسلام، والمقصود بالعقبة كما هو معلوم البيعة على الإسلام في العقبة الأولى، والبيعة على الإسلام في العقبة الثانية، وكل ذلك مع الأنصار، وكانت البيعة الثانية هي الأكثر عددًا، وهي الأشهر، وهي التي يتوجه إليها ذلك عند الإطلاق، يعني: إذا قيل بايع بيعة العقبة فيتوجه ذلك إلى البيعة الثانية.
قال: "وما أحبُّ أنَّ لي بها مَشهدَ بدر" يعني: بيعة العقبة التي كانت بمنى عند جمرة العقبة قريبًا منها.
يقول: "وإن كانت بدرٌ أذْكرُ في الناس منها"، أي: بدر أشهر وأعرف عند الناس، ولكن يقول: إن هذه البيعة التي كانت على الإسلام مع هؤلاء القلة الذين بايعوا النبي ﷺ على أن ينصروه، وعلى أن يحفظوه وأن يحموه مما يحمون منه أُزَرهم يقول هذه أحب إليّ من بدر.
فالشاهد أنه لم يكن يتخلف عن غزوة دعا إليها النبي ﷺ وعرف الناس أنهم يتوجهون فيها إلى القتال، يقول: لم يحصل هذا إلا تبوك.
يقول: أمّا بدر فلم يدع النبي ﷺ الناس إلى الخروج إليها وما خرجوا لقتال، ومن ثَمّ فإن الذين خرجوا معه كانوا قد تأهبوا وتهيئوا وتيسر خروجهم معه ﷺ لا على اعتبار القتال، وأما غيرهم فإن تخلفهم لم يكن محل لوم ومعاتبة ومذمة.
يقول: "وكان من خبري حين تخلَّفتُ عن رسولِ اللهِ ﷺ في غزوةِ تبوكَ، أني لمأكن قطُّ أقْوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنه في تلك الغزوةِ".
هذا إقرار واعتراف منه أنه لم يكن له عذر، وغزوة تبوك كان النبي ﷺ قد حث الناس على الخروج إليها، وكان خروجهم واجبًا، إلا لمن كان له عذر، وكان الناس يأتون النبي ﷺ فيعتذرون إليه، فيقبل أعذارهم ويحملهم على ظاهرهم، وكان المنافقون يعتذرون إليه.
هذه كانت على غير العادة، يعني: الغزوات التي يغزوها النبي ﷺ تكون في الغالب قريبة والعدو قد لا يكون بتلك القوة والكثرة، أما هذه فهي إلى تبوك، لما بلغ النبي ﷺ أنهم جمعوا -يعني: الروم- له الجموع يريدون غزو المدينة، فالنبي ﷺ بادرهم ولم ينتظر هؤلاء حتى يصلوا إلى المدينة فيغزوه بها، فحث الناس على الخروج، وأمرهم بالخروج، فكان خروجهم واجبًا، وبين لهم النبي ﷺ الوجهة، يعني: كان النبي ﷺ إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، فإذا كان يريد الشمال سأل مثلاً عن الآبار في الجنوب، وعن الطرق، وما إلى ذلك، فيظن الظان أنه يريد أن يتوجه جنوبًا؛ من أجل أن المخبرين حينما ينقلون الخبر فيستعد العدو ويتهيأ للقتال، يكون النبي ﷺ عمّى عليهم الوجهة، فيتجه شمالاً، هكذا كان من هديه ﷺ في حروبه.
ولكن في هذه الغزوة الحال تختلف، السفر بعيد، والناس أيضًا على حال من قلة ذات اليد من الضعف، والحر شديد، فلابد أن يعرفوا إلى أين يتوجهون، والعدو كثير وهم الروم، فالذي يخرج لا يصح أن يكون قد أخذ أُهْبته ليسير مثلاً مسير مائة ميل، وإنما هذه مسافة شاسعة، والعدو بهذه الكثرة والقوة، وسيقاتلون الروم، وهنا بدأ المنافقون يتساقطون، ويعتذرون إلى النبي ﷺ.
يقول كعب : "ولم يكن رسول الله ﷺ يريد غزوة إلا ورّى بغيرها" يعني: أوهم أنه يريد غيرها.
يقول: "حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله ﷺ في حر شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا" مفازًا: يعني برية طويلة قليلة الماء، وكانوا يسمون ذلك مفازة؛ تفاؤلاً بالخروج والنجاة والخلاص منها، تفاؤلاً بقطعها، "واستقبل عددًا كثيرًا"، يعني: من العدو.
يقول: "فجلَّى للمسلمين أمرَهم ليتأهَّبوا أُهبَةَ غَزوِهم" يعني: من أجل أن يستعدوا الاستعداد الصحيح، فأخبرهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ ﷺ كثيرٌ، لا يجمعهم كتابٌ حافظٌ -يريد بذلك الدِّيوانَ".
يعني: لا يوجد كما وجد بعد ذلك في عهد عمر ديوان للمقاتلة، ديوان للجند، فيعرف من تخلف، أو غاب، لا يوجد شيء من هذا، وإنما الأمور كانت أسمح من ذلك وأيسر.
يقول كعبٌ: "فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيَّبَ إلا ظن أنَّ ذلك سيخفى به، ما لمينزل فيه وحيٌ من اللهِ ".
يعني: لكثرة الناس فإذا تخلف واحد لن يُتفطن له.
يقول: "وغزا رسولُ اللهِ ﷺ تلك الغزوةِ حين طابت الثمارُ والظِّلالُ"، طابت الثمار يعني في شدة الصيف، وهنا الظلال تكون مطلوبة، والناس يفرون من حر الشمس ووهجها، وكذلك أيضًا الثمار تكون قد أينعت، والناس تهفو نفوسهم إليها، ويتطلعون إلى جناها، فهذه أمور تجذب الإنسان، وذاك سفر بعيد في شدة الحر مع قوة العدو.
يقول: "فأنا إليها أصْعَرُ"، أنا إليها إلى هذه الأشياء، يعني: الظلال والثمار إليها أميلُ، أصعرُ، يعني: أميلُ.
الصَّعَر ميل، داء يصيب الإبل في أعناقها، فتميل أعناقها، ومنه: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان: 18]، يصعِّر خده للناس، بمعنى: أنه يكلمهم ولا ينظر إليهم من الكبر، كأن به داء الصَّعَر، يعني: عنقه مائل.
يقول: "فتجهَّز رسولُ اللهِ ﷺ والمسلمون معه، وطفِقتُ أغدو لكي أتجهزَ معهم"، هو يدرك أن الذي يغيب قد لا يُتفطن له والمشقة كبيرة والدواعي إلى الجلوس من مطالب النفس قوية، ومع ذلك كان عازمًا على الخروج مع رسول الله ﷺ.
يقول: "وطفقت أغدو لكي أتجهز معه"، يعني: يخرج من الصباح من أجل أن يستعد، أن يشتري ما يحتاج إليه من الطعام، من الزاد، من لربما بعض المتاع.
يقول: "فأرجع ولم أقضِ شيئًا"، يعني: يبدو أن العزيمة لم تكن قوية، فمن كانت عزيمته بهذه المثابة فإنه يمضي عليه الوقت، وهو لم ينجز، الإنسان قد يكون له حاجة، قد يكون عنده اختبار، يريد أن يراجع، يريد أن يقرأ عنده أبحاث للجامعة أو غير ذلك إن لم تكن العزيمة قوية يذهب ويجلس على مكتبته، ويفتح كتابًا ثم ينظر فيه ثم يغلقه، ثم يفتح ثانيًا ثم يغلقه ولا يكتب سطرًا واحدًا، لكن إذا كانت العزيمة ثابتة قوية فإنه يجلس حتى يقضي حاجته.
يقول: "فأرجع ولم أقضِ شيئًا، وأقول في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك، إذا أردتُ" وهذا ملحظ في النفس إذا كان عندها شيء من الوثوق، ولربما كان عندها شيء من الانبساط إلى مدخراتها وموجوداتها، وما تحت يدها؛ لأن الإنسان قد يحصل له شيء من الترهل.
وانظر إلى تعاملنا مع الوقت مثلاً تجد الإنسان حينما يريد أن يسافر، وما بقي على الطائرة إلا وقت يسير محدود، وهو لا زال في بيته، باقٍ على الطائرة ساعة وعشر دقائق وتقلع، هو يحسب اللحظات، يحسب الدقائق، لكن لو كان يريد أن يسير وباقٍ على الطائرة خمس ساعات، فتجد أنه يترهل يتكلم مع هذا ويقف مع هذا، ويمر على البائع، وينظر ما عنده، ثم يأتي إلى المطار ويتجول ويكلم بالهاتف، ولربما فاتته الطائرة، وهو كذلك، وهذا يحصل أحيانًا، لسعة الوقت فهو مترهل جدًّا يريد أن يشتري بطاقة للهاتف، ويريد أن يشتري سماعة، وينظر إلى هذه السلع والبضائع والعطور ويقلبها، ثم تطير الطائرة، وهو لا زال؛ لأنه يشعر أن عنده فسحة واسعة من الوقت، وقل مثل هذا في حاجات الإنسان وأحواله، الذي يشعر أن هناك وقتًا قبل الأذان والإقامة، ولربما يترهل ويتمدد مع الوقت، وتقام الصلاة، ثم يتلفت ويبحث عن مسجد، وهو في السيارة، مسجد هنا، مسجد هناك، هذا الحي ليس فيه مسجد هنا، إشارة هنا، زحام، ثم يفاجأ أن المساجد يقولون: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وفاتت الصلاة، كان عنده متسع من الوقت، لكن لو كان من البداية حينما خرج من بيته يعلم أن الوقت بالكاد، فهو سيصلي ثم يمشي، فالتعامل مع مثل هذه الأشياء: التعامل مع الوقت، التعامل مع المال، التعامل مع المطالب التي يحتاج إليها الإنسان، لابدّ من مراعاة مثل هذه الجوانب، ولذلك لو نظر الإنسان اليوم مثلاً ما هي الإنجازات، الآن الساعة الثامنة، فمن صلاة الفجر إلى الآن نحو أربع عشرة ساعة، ما هي الإنجازات؟ كم قرأت وجهًا من القرآن؟ كم قرأت جزءًا؟ كم قرأت في كتب العلم؟ إلى آخره، ما هي الإنجازات؟
لربما يجد الإنسان نفسه أنه لم يقرأ شيئًا يُذكر في أربع عشرة ساعة، لكن لو كان عنده اختبار كبير، اختبار شامل، اختبار يحتاج إلى استعداد، وقيل له: اذهب الآن، واستعد اختبارك بعد أربع عشرة ساعة، وعنده مجلدات ومذكرات كبار، أين يقرأ؟ وماذا عساه أن يفعل؟
فتجد هذا الإنسان لا يضيع نفَسًا واحدًا، ويقرأ ويقطع، ولو سألناه في مثل هذه اللحظة جاء له الاختبار الآن وقلنا له: ماذا أنجزت؟ وقارن بينه وبين ذاك المترهل الذي بزعمه أنه يستغل الوقت، وحريص على الوقت، ويقول: أنا مشغول، ما الفرق بين هذا وهذا؟، تعرف بذلك هذه القضية التي نتحدث عنها وهي من الحيل النفسية، التمدد، الترهل والتسويف حتى يفوت المطلوب، ثم يندم الإنسان ولا ينفعه الندم.
يقول: "فلم يزلْ ذلك يتمادى بي حتى استمرَّ بالناس الجِدُّ"، مشى الناس، وانطلقوا وهو لم يستعد بعدُ، "فأصبح رسولُ اللهِ ﷺ غاديًا والمسلمون معه" يعني: انطلق في أول النهار.
يقول: "ولم أقضِ من جهازي شيئًا" إلى الآن ما استعد.
يقول: "ثم غدوتُ في اليوم الثاني، فرجعتُ ولم أقضِ شيئًا"، الآن صار بينه وبينهم مسيرة يوم وليلة، والإنسان إذا مضى عليه شيء من ذلك، وتزايد هذا القدر في المسافة أو الزمن، فلا يزيده ذلك إلا تراجعًا، ولذلك الإنسان إذا ما كان يقضي الحاجات، ويقوم بالواجبات فإن مضيَّ الأوقات لا يزيده إلا قعودًا عن مطلوبه.
هذا إنسان تريد أن تعزيه، فقد يسوف الإنسان، ولا يدرك الصلاة، ولا يدرك الجنازة، ثم بعد ذلك يقول: آتيهم في البيت، فيتشاغل، ثم يذهب اليوم الأول، والثاني والثالث والرابع والخامس، ويجد الأيام قد طافت، ثم يستحي بعد ذلك أن يتصل أو أن يأتي؛ لأنه لا يريد أن يذكرهم بمصيبتهم، وأن يجدد جراحهم، فيضيّع الحقوق، والمروءات.
وقل مثل ذلك في تهنئة هذا في مناسبة، في إحضار هدية لهذا في مناسبة، في زيارة هذا المريض وعيادته، الإنسان يسوف، وهو ينوي ويمضي اليوم الأول والثاني والثالث والرابع، حتى تذهب هذه المناسبة، ولا يناسب بعد ذلك أن يأتي ويقول: أنا والله جئت للمناسبة الفلانية حينما كنتَ مريضًا قبل شهر، فالآن جئت أعودك، الرجل قد برئ، وهو جاء يذكره بالمرض، هذا خطأ، هذا نقع فيه كثيرًا.
يقول: "فلم يزلْ ذلك يتمادَى بي حتى أسرعوا وتفارَط الغزوُ".
يعني: سبقه الناس سبقًا بعيدًا، يقول: "فهممتُ أن أرتحلَ فأدركَهم"، الآن المسافة بعيدة، يقول: "فيا ليتني فعلتُ،
ثم لميُقَدَّرْ ذلك لي".
يبدأ يثقل كيف ستذهب لوحدك، وهذه المسافة الشاسعة، وتتعرض للأخطار ولوحدك أيضًا، قد تحتاج إلى شيء ، قد تتعب، قد تمرض، وفي شدة الحر.
يقول: "فطفقتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسولِ اللهِ ﷺ يُحزِنُني أني لا أرى لي أُسوةً".
يعني: ما أرى أحدًا أقتدي به، وأقول: والله فلان جلس مثلي، لي نظراء، لست وحدي، حتى يتسلى بذلك، يقول: "إلا رجلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ".
يعني: لما يخرج للمسجد أو يخرج للسوق من الذين سيراهم؟ كل الناس القدوات والأخيار وأهل الصلاح والبر كلهم ذهبوا مع النبي ﷺ، لا يوجد إلا أهل الريب، "إلا رجلًا مغموصًا عليه في النفاق" -نسأل الله العافية، يعني: متهمًا غارقًا في النفاق إلى أذنيه.
يقول: "أو رجلًا ممن عذَر اللهُ من الضُّعفاءِ"، واحد أعمى، واحد مريض، واحد أعرج.
يقول: "ولم يَذكرْني رسولُ اللهِ ﷺ حتى بلغ تبوك فقال، وهو جالسٌ في القومِ بتبوكَ: ما فعل كعبُ بنُ مالكٍ؟"
وهذا يدل على أن كعبًا كان ممن له شأن، حيث ذكره النبي ﷺ ومن كان له شأن ومنزلة فإنه يُفقد، بخلاف أغمار الناس.
يقول: "ما فعل كعب بن مالك؟، فقال رجلٌ من بني سلمةَ -يعني: من الأنصار: يا رسولَ اللهِ، حبَسه بُرداه والنظرُ في عِطفَيه".
حبسه برداه والنظر في عطفيه، يعني: أنه مشغول بدنياه معجب مغرور بنفسه بالنظر في عطفيه، يعني: أنه معجب بنفسه، معجب بحاله، حبسته نفسه هذه التي أعجبته، واشتغاله بدنياه، حبسه برداه والنظر في عطفيه، والبردان يطلق ذلك على الرداء والإزار، ونحو هذا.
"فقال له معاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ"، هذا من الذب عن عرض المسلم، "واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما علِمْنا عليه إلا خيرًا".
لا نعلم هذا الذي قيل، لا نعلم إلا خيرًا، وهذا هو الواقع، كعب بن مالك لم يحبسه برداه ولا النظر في عطفيه، إنما حصل عنده شيء من التسويف، ففاته الغزو.
يقول: "فسكت رسولُ اللهِ ﷺ، فبينما هو على ذلك رأى رجلًا مُبيضًا يزول به السَّرابُ".
رأى رجلاً مُبيضًا يعني: يلبس الثياب، والسراب ما يظهر للإنسان، كالماء في وسط النهار، يزول به السراب يعني: ينقطع دونه السراب، أي بعيد.
"فقال رسولُ اللهِ ﷺ: كُن أبا خَيثمةَ"، يعني: كأنه يقول: هذا أبو خيثمة، فإذا هو أبو خيثمةَ الأنصاريُّ ، وهو الذي تصدَّق بصاعِ التمرِ حين لمَزه المنافقون".
يعني: كان المنافقون إذا جاء أحد يتصدق بصدقة، قالوا: الله غنيٌّ عن هذا وعن صدقته: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79].
وإذا جاء أحد بصدقة كبيرة قالوا: هذا مُراءٍ، لا يسلم منهم أحد.
يقول كعبُ بنُ مالكٍ: "فلما بلغني أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد توجَّه قافلًا".
يعني: النبي ﷺ لم يلقَ حربًا هناك، نزل في تبوك نحوًا من إحدى وعشرين ليلة، ولم يلقَ كيدًا من العدو ثم قفل راجعًا من تبوك.
يقول: "حضرني بثِّي".
نتوقف عند هذا، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، وقول الله : وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة: 118]، (6/ 3)، رقم: (4418)، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (4/ 2120)، رقم: (2769).